رواية آآن ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم ايمان صالح

رواية آآن الفصل الاول بقلم ايمان صالح


…آآن …

                    ..من أين أتت هذه؟!

سيطر الذعر على الجميع. توالت النظرات يمينًا ويسارًا في خوف يصحبه الترقب، لوهلة تسللت البرودة المكان وسيطرت على أجسادهن كأنها أسد مخدرم يصطاد فريسته بحنكة. بغتة. هبت ريح خفيفة داعبت خصلات شعرها، نظرت الفتاة ناحية كتفيها بهلع حتى كادت مقلتاها أن تخرج من مكانهما وصرخت:
-إبعدوها عني، الحقوني.
 ليلحظ الجميع أن هناك من يعبث بشعرها وبثوانٍ معدودة، هرعن إلى الخارج والخوف هو المتحكم الأول بهن.

                … قبل أسبوع…

-يلا يابنات. ضموا على بعض خلوا الصورة تطلع حلوة يلا..
تعالت أصوات ضحكاتهن وأخذن ينضممن لبعضهن، ثم بدأت زميلتهن تلتقط صورة فوتوغرافية بآلة التصوير الجديدة خاصتها. ثم لحقت بهن إلى الصورة قائلة:
-بسرعة ألحق أدخل في الصورة أنا كمان.
لبيتسمن مجددًا وأشرن لها:
-تعالي قبل ما تتلقط.

لحقت بالفتيات زميلاتها، فجأة ومض ضوء الآلة والتقطت الصورة، وفورما إنتهين التففن حول آلة الفوتوغرافيا وأخذن يتنافسن في رؤية الصورة بالداخل.. في هذه اللحظه سرعان ما أخبرتهن زميلتهن قائلة:
-حيلكم يابنات أنتوا مفكرينها هتطلع دلوقتي؟! لسة شوية.
لترد إحدى الفتيات عليها قائلة:
-طب هتطلع إمتى؟
-كمان ساعتين مثلًا، لما تطلع هجيبها وأرويهالكم.. ويلا بقى يابنات كل واحدة على شغلها، مش ناقصين حد من ملاحظين المنجم يجي يتكلم معانا كلمة تحرق دمنا، يلا يا حبيباتي يلا..

أجبنها:
-اتفقنا..
تفرقت الفتيات كل منهن على عملها، فكم هو شاقٌ عملهن! إنهن مجموعة من الفتيات العاملات في منجم من المناجم التي تحوي بداخلها العديد والعديد من خيرات الأرض، لكن هذا المنجم يقع تحت سيطرة عُصبة من البشر لايسمحون لأي فرد آخر دون زمرتهم أو عوائلهم ولو حتى بمحاولة الهيمنة على ذرة من ذرات ترابه. ولكي يستطيعون فعل ذلك لابد لهم من القوة والبطش. لن يضرهم إن بطشوا بعاملة أو قسوا على الأخرى أو حتى تسببوا في مقتل إحداهن؛ المهم هو بقاء قوتهم وإحكام قبضتهم على المكان، وإلا! فسيخرج رعيتهم عن السيطرة، لذا إذا نظرت للفتيات تجدهن يرتعدن من مرور أي شخص من العائلة المالكة عليهن. وويل لها تلك الآثمة التي إن مروا عليها وجدوها تضحك أو تلهوا أو تبتسم.. لذلك سرعان ما انفضت الفتيات من حول آلة التصوير وعُدن إلى العمل مجددًا، تبًا لهذا الموقع الضيق المحاط بالصخور الحجرية من شتى الجوانب والمغطى بأرض طينية يغمرها التراب تمتد إلى خارج النفق. كم هو خانق مؤذي للنفس والتنفس! بتلك اللحظة التقطت هذه السيدة أنفاسها ثم زفرتها بقوة وقالت مستأذنة:

-بعد إذنكم ياجماعة. أنا طالعة بره. أنا مش قادرة آخد نفسي خالص.

يبدو أن حظها سئ، فسرعان مارد عليها صوت جهوري من الخلف ينهرها قائلًا:
-رايحة فين ياااا إنچي هانم؟! هو إحنا خلصنا شغل ولا إيه؟
 التفتت برأسها ناحية الصوت ثم ردت بصوتٍ مرتعد ضاغطة على نطقها للميم قائلة:
-مممدام رأفة؟! 
أردفت السيدة:
-كويس انك لسه فكراني! وفاكرة إنك في الشغل مبتتفسحيش، انت رايحة فين؟!
تلعثمت قائلة:
-أءء، حضرتك عارفة إني لسه شغالة جديد وبتخنق فجأة من المكان عشان مقفول ومشكلة النفس اللي عندي.
لتقاطعها بنهرها قائلة:
-ولا كلمة. خدي أدوات الحفر بتاعتك وتعالي ورايا.
ردت بخجل مطأطأة رأسها:
-حاضر يامدام. جاية..

همت المرأة خطوات للأمام وهرولت السيدة الأخرى خلفها بعدما لملمت أدوات عملها، ولحقت بها حيثما ذهبت، بعد خطوات قليلة وصلت لسيدة عملها التي باغتتها بالقول:

-انت مفكرة إن هنا مكان للعب؟ لا لأ. احنا هنا بننحت في الصخر عشان نطلع نتايج تغطي تعبنا، إنتي فاهمة ده أكيد! 
طأطأت ثم  هزت العاملة رأسها قائلة:
-أكيد طبعًا يامدام، فاهمة.
قطعت جملتها كلمات عاملتها، خرج الهواء من فمها كالسهم المنطلق ناحية وجهها حتى كادت خصلات شعرها أن تتطاير بعيدًا عن رأسها:
-يبقى تمسكي فأسك وعدتك في إيدك وتحفريلي المكان ده وتوصلي للي موصنالهوش قبل كده فهماني؟ 
 بدأت بالدنو منها بروية وأخذت تلمس أكتافها بحنوٍ ثم قالت:
-متخلينيش أزعل منك تاني ياإنچي، احنا مش في ملاهي ها! مش هتمشي من هنا الا وانت مغربله التراب ده ومطلعها منه أي معدن.

تركتها وذهبت تتأفف من الوضع المرزي الذي وضعتها به. أخذت تلتفت يمينًا ويسارًا ثم استشقت قليلًا من الهواء وزفرته  وانحنت بخصرها للأسفل وتناولت بعض أدوات  العمل وأخذت تنقب عن المعادن حتى بدأت تتصبب عرقًا، أزالت حبات الماء عن وجهها المبلل ووقفت تستريح لهنيهة لكنها على ما يبدو لن تستريح، فبين لحظات استراحتها وصمتها سمعت صوت طرق يأتي من نهاية النفق. سرعان ما انتبهت لذاك الصوت وأخذت تتلصص تجاهه. ثم اقتربت من الجدار وأنصتت قليلًا ليزداد الطرق رويدًا رويدًا، حينها نادت متسائلة:
-مين بيخبط على الجدار؟
سكت الطرق لثانية ثم عاد الصوت من جديد، في تلك اللحظة صرخت إنچي مجددًا:
-مين ورا الجدار سألتك مين ورا الجدار رد ولا دري!
تم الرد عليها بصوت مختنق قائلًا كلمة واحدة:
-انجديني.
ارتعبت بشدة، إزداد رعبها حينما شعرت بيد تلامس جسدها ليتسلل الرعب إلى كامل الجسد،  وقتئذ حاولت أن تستنجد بإحدى زميلاتها لكن لم يسمعها أحد، على حين غرة بدأت تفقد أنفاسها، ثم سقطت أرضًا دون دراية بما حولها. بعد قليل، فتحت أعينها لتجد رفيقاتها بالعمل ملفات حولها يحاولن التحدث معها قائلات:
-إنچي، يابنتي فوقي بقى.
نهضت متسائلة:
-إيه اللي حصل لي وأنا نمت كتير؟
ردت ٱحداهن:
-بقالنا نص ساعة بنحاول نفوقك وانت ولا إنت هنا! يابنتي دانتي كنتي متخشبة خالص لدرجة  كنا خايفين تقطعي لسانك من كتر ماضغطتي على بقك.
تمت قائلة:
-يبقى الموضوع رجعلي تاني.
سألتها الفتاة:
-موضوع ايه؟
أجابت:
-ها؟ متشغليش بالك.
في الحال، أتت إحدى العاملات والتي هي صاحبة آلة التصوير وبيدها الصورة  المرتقبة التي ينتظرها الجميع، ظلت تحملق بها بغرابة مصحوبة بتعجب، لم تكن تركز  ولا تنظر لشئ إلا على هذه الصورة الملتقطة منذ ساعات، بدأت رفيقات عملها بالإلتفاف حولها ثم بدأن يسألنها:
-فيه ايه، الصورة مطلعتش حلوة؟
 بملامح متعجبة أجابتهن:
-بالعكس، الصورة جودتها طالعة ممتازة.
لترد عليها زميلتها:
-أومال فيه إيه؟

جاوبتها وهي توجه الصورة ناحيتها قائلة:

-الصورة دي فيها حاجة غريبة جدًا، دي فيها إيد زيادة عن إيدينا، نظرت لها وبدأن بالإقتراب وتأمل الصورة، ثم شهقن برعب وبدأت التمتمات والمهمات تنتشر بينهن، استمرت حالة الهرج لدقائق قليلة، ثم بدأن بطرح الأسئلة:
-إيد مين دي؟

تحدثت إحداهن والتي تُدعى سَّلّامة قائلة:

-الكاميرا دي شكلها بايظة. انت متأكدة إنك جايباها سليمة؟
أچابتها الأخرى:
-يعني أنا هجيب حاجة غالية بالشكل ده ومبقاش  على يقين أنها سليمة ؟ لأ ياست سَّلّامة متقلقيش، دي سليمة جدا كمان ولقطت الصورة أهي. 
لترد عليها سَّلّامة:
-أومال إيه الإيد اللي في الصورة دي؟ متقنعينيش إن دي مش غلطة من الكاميرا !
شعر الجميع بالذعر والخوف الشديد  لكن چانيت صاحبة الكاميرا تأففت وتحدثت مغتاظة:
-أوف بقولك إيه!! الكاميرا دي بتاعت أخويا سامر. وجايبها من إيطاليا يعني يستحيل الكاميرا يكون فيها حاجة غلط أو مش تمام ومتتكلميش تاني في جودة الكاميرا خلاص.

أقدمت سَّلّامة بمداهمتها مجددًا، ليقطع حديثهم حديث إنچي قائلة وهي تسترق النظر يمينًا ثم يسارًا:

-أنا من شوية سمعت صوت، قبل ماأغيب عن الوعي سمعت صوت خيط جاي من ورا الجدار،  ولما ابتديت أسأل مين غبت عن الوعي وماحسيتش بحاجة.
 

تعليقات



×