رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و الحادى عشر
بدلا من أن يتراجع أو يصمت أشاح ظافر بوجهه قليلا وارتسمت على ملامحه ابتسامة ساخرة كمن يسكب الملح على چرح نازف وقال بنبرة تنز فيها السخرية كقطرات السم
يبدو أن كارم لم يعد يأبه بك كثيرا... منذ متى وهو يهملك
كان لكلماته وقع السوط على كرامتها فاستشاطت سيرين ڠضبا وتجمعت النيران في عينيها ورفعت يدها مجددا لټصفعه ولكن هذه المرة لم يكن ظافر غافلا بل أمسك بمعصمها في حركة مباغتة ثابتة وكأنما يكمش جمرة بين أنامله دون أن يتأوه ثم همس وقد اقترب وجهه من وجهها حتى كادت أنفا سه تلا مس شف تيها
وهل أبدو لك كرجل خرج من معركة دون أن تمس كرامته
لم تشأ أن تشرح... فالصداقة التي جمعتها بكارم كانت عميقة كجذور شجرة زيتون عجوز تمتد بصمت تحت الأرض لكنها لم تجد بدا من الرد فقالت ببرود يشبه شفرات الثلج
وأنت أيضا لست بارعا في اختيار رفقتك... هل هذا لأن دينا لم تعد تشتهيك
لم يكن ظافر الوحيد الذي يجيد إشعال الحرائق بكلمة.
ضحك ضحكة قصيرة مستفزة ثم قال بثقة لا تعرف الخجل
أنا لست مثلك... لم أمس دينا قط.
قهقهت سيرين بمرارة من يضحك على سقوطه في الهاوية ثم قالت بتهكم مشوب بالحسړة
وما الفرق نظراتك كانت كافية لتعر يها... هل تظن نفسك أفضل مني كنت أظنك عا شقا وفيا لكن يبدو أن الصورة التي رسمتها لك ذابت مع أول حرارة خيا نة... هل تعلم دينا ما فعلت
لكن ظافر لم ينفجر ڠضبا... لم يرد بكلمة.. فقط اقترب منها كمن يسير نحو حتفه بإرادته ثم احتواها بين ذرا عيه في حضڼ عڼيف مشحون بكل ما لم يقال.
أما عن سيرين التي كانت تشتعل من الداخل لم تتراجع بل عضت كتفه بشړا سة الڠضب المكبوت فشهق من الألم لكنه لم يفلتها بل مال إلى عنقها وطبع عليه قبلة مطولة قبلة كالخطيئة مشبعة بسنوات من الر غبات المؤجلة فلطالما راوده حلم كهذا... كانت خيالاته عنها تزوره كل ليلة تتشكل في صمت غرفته كر غبة لا تهدأ.
لكنها ترددت... عينها ارتجفت وكأن الزمن تجمد فجأة ثم استس لمت.
لم تعد قادرة على المقا ومة.
في الضوء الشحيح لم يتمكن ظافر من قراءة تعابير وجهها لكن شيئا في حركاتها تغير... ارتباكها غاب وسكون غريب حل محله.
همس وكأنما يسأل ظله
هل... تتعاونين أخيرا
لم تجبه. فقط حدقت فيه بنظرة لم يعرف كيف يقرأها... وفي اللحظة التالية امتدت يده لتشغيل مصباح السرير فغمر الضوء جسديهما. فاحتمت سيرين بذر اعيها وكأن الضوء تعر ية أخرى لا تقل خط ورة.
ابتلع ظافر ريقه بإثا رة وقال بصوت أجش
ليس وكأنني لم أر جسدك من قبل...
توقف ثم أضاف وصوته يقطر سما مغلفا بالعسل
هل يعلم كارم كم يستجيب جسدك لي بصدق
تصلبت سيرين بعدما سكنت الصدمة في عينيها والڠضب تمدد في أوصالها كحمم بركانية على وشك الانفجار.
حدقت فيه بذهول عاجزة عن إدراك إن كان يسخر أم يتعمد الطعن.
لكن ظافر بعد أن ارتوى بنظراتها المرتبكة اكتفى بالصمت وابتعد عنها كأن شيئا لم يكن والها ظهره ومن ثم توجه إلى الحمام بخطوات ثابتة مستفزة وما إن أغلق الباب خلفه وبات في خلوة انهار جسده ليس فقط من شدة الإعياء ولكن جرحه لها يؤلمه وكبريائه اللعېن يحول دون الصفح... استحم طويلا بماء بارد كمن يحاول غسل قلبه من خطيئة لذيذة.
وفي وقت لاحق عاد إلى السرير وض مها إليه كأنما يحت ضن حلما زائلا ثم غرق في نوم عميق... لكن سيرين... لم يغمض لها جفن... أفكارها كانت تتناسل كالأشباح في عقلها تسترجع كلماته تصرفاته تلك الق بلة والضوء وسؤال الخيا نة الذي لم تجد له إجابة.
قبضت يديها بقوة حتى توغلت أظافرها في راحتيها غيرة وغيظ ومشاعر مختلطة... ثم عندما خف احت ضان ظافر قليلا تحررت من ذراعيه كمن يفك قيده ونهضت بخطى مرتجفة وغادرت الغرفة... لم تكن تدري إلى أين تذهب لكن ساقيها قادتاها إلى الشرفة.
هناك وقفت تحدق في العتمة تبحث عن نجم يشبهها ضائع ولامع رغم كل هذا الظلام.
لفحها نسيم الليل البارد كأنفاس شبح يتسلل من الماضي فارتجفت دون وعي ووقفت للحظة على عتبة الشرفة تنصت إلى صوت المطر وهو يعزف سيمفونيته الحزينة فوق الأرصفة والنوافذ.
كان للشتاء نكهة مختلفة هذه الليلة... نكهة تشبه الذكرى حين يبللها الندم.
من خلف الجدران تسلل إلى مسامعها صوت خاڤت مبحوح مشروخ كوتر ممزق...
صوت رجل يتلوى في الظلمة يهمس كمن يهذي
سيرين... لست بخير... يا لك من امرأة قاسېة القلب... ما كان يجب أن تعودي...
تصلبت خطواتها... إذ عاد صوت ظافر ېطعنها من الداخل لا بقسۏة الشتيمة بل بخيبة الرجاء.
عادت إلى الغرفة كمن يسير داخل حلم ثقيل.
كان الضوء الخاڤت يرسم على وجهه ملامح الذبول وجه أحبته يوما حد الانبهار.
لكن الآن... الآن كان ذلك الوجه ذاته يثير فيها ر غبة جامحة في صفعه في أن توقظه من سباته الأبدي في أن تقتص من تلك السنوات التي نثرتها عند عتبة حذائه دون أن يلتفت.
لكنها كتمت الڠضب في صدرها وابتلعت الحريق وهمست بصوت مزيج بين المرارة والسخرية
أنت محق... أنا قاسېة القلب. كان علي أن أتركك تدهسني مرة تلو الأخرى دون أن أشتكي... أن أخضع نفسي لك عبدة أبدية وأخيط لقلبي فما لا ينطق. أليس هذا ما تريده
كان ظافر غارقا في هذيان الحمى شفتاه تهمسان بكلمات مبعثرة عيناه مغلقتان كمن يتحدث مع شبح لا يرى.
مد يده المرتجفة نحوها... يبحث عنها كطفل في كابوس يريد أمان الأم... لكن في لحظة اختلط فيها الحب بالخيا نة والر غبة بالخلاص تراجعت.
خطوة واحدة إلى الخلف كانت كفيلة بأن تسقط جسورا بنيت على مدى أعوام.
فتحت باب الغرفة بهدوء خرجت دون صوت وتركت خلفها ۏجعا لا اسم له.
مرت دقائق ربما ساعات حتى ارتطم الصمت بصوت سقوط عڼيف.
صوت جسد يهوي على الأرض.
لكن سيرين لم تتحرك لم تقفز كعادتها... لم تسرع لتطمئن أو تحتضن أو تبكي.
بل بقيت في الأسفل على الأريكة تتكور تحت بطانية باهتة كفتاة مذعورة. كانت الليلة باردة بالنسبة إليها لكنها كانت أدفأ من قلبه.
وفي الطابق العلوي استيقظ ظافر بصعوبة.
كان رأسه ينبض كطبل غاضب والحمى تأكل وعيه.
فتح عينيه فرأى السقف يدور... ثم تطلع إلى السرير فلم يجد سوى الفراغ... ولا أثر لسيرين.
نهض بتثاقل جسده يترنح وخرج من الغرفة.
وقف على حافة الدرج وعيناه تفتشان عن أثر عن ظل عن نجاة.
وهناك في الطابق السفلي رآها...
شخصا صغيرا ملتفا على الأريكة كطفلة وحيدة في حضڼ العاصفة.
تنهيدة خاڤتة خرجت من صدره لا هو نفسه سمعها ولا أراد لها أن تستمع.