رواية ركان الفصل الحادى عشر بقلم حنين إبراهيم الخليل
اتفق ركان مع حمزة على نقل كل ما يريده على حقيبته و في المقابل يعطيه مبلغا جيد
فكر حمزة لثواني وهو ينفث دخان سجارته الفكرة ليست سيئة بل قد تكون عبقرية لما لا يجرب
حمزة ألقى عليه نظرة متفحصة ثم ابتسم:
ــ اسمك إيه يا شاطر؟
ــ عمر… عمر الكافي.
ــ عاشت الأسامي. أنا هديك اختبار، لو نجحت فيه، تبقى دراعي اليمين.
بعد نصف ساعة، كان عمر يسير بثقة في شارع تمر به الشرطة. أعطاه حمزة عنوانًا محددًا، وقال له إنه سيكون تحت المراقبة.
عمر سار مطمئنًا، يدندن لحنًا في رأسه. لم يبدُ عليه التوتر رغم نقطة التفتيش القريبة. الضباط كانوا يوقفون السيارات، ويفتشون المشتبه بهم، لكنه مر أمامهم دون أن يثير شكوكهم.
على الجانب الآخر من الطريق، كان حمزة يتابعه من على دراجته النارية. ابتسم وهو يراقبه، أعجبته ثقة الصبي، وسنه الصغير الذي يُخفي أي شبهات.
لكن تلك اللحظة لم تدم طويلًا، إذ أوقفه أحد الأمناء:
ــ بطاقتك!
أخرج حمزة بطاقته بهدوء، نظر الضابط إليها ثم إليه بشك خفيف.
ــ انزل… هنفتشك.
نزل حمزة من الدراجة بثقة، وقلبه مطمئن. لم يكن يحمل شيئًا.
مر التفتيش بسلام، وما إن أشار له الضابط بالانصراف، حتى انطلق نحو عمر الذي كان ينتظره عند ناصية الشارع.
ركب عمر خلفه. وبينما ينطلقان، سأله حمزة بنبرة عفوية:
ــ وأهلك؟ مش بيقلقوا عليك لما تتأخر؟
صمت عمر لحظة ثم قال بنبرة محايدة:
ــ أنا يتيم.
نظر له حمزة بطرف عينه. شعر بشيء من الشفقة، لكنه سرعان ما اختفى لمصلحة يراها في الأفق.
أنهى عمر مهمته وسلم ما في الحقيبة كما طلب منه. وبعد عودته، أخبر فهد بما فعل، لكن فهد لم يرد. كانت نظراته كافية لتُظهر اعتراضه؛ كان يريد الخروج من الميتم بسجل نظيف.
مرّت أيام، وبدأت علاقة عمر بحمزة تزداد تماسكًا. حمزة أُعجب بذكائه، وأصبح يرسله في مهمات متعددة. ولجعل تحركاته أسرع، استعان عمر بجلال، دون أن يُخبر فهد، لأنه يعلم أنه سيرفض.
خميس، من جهته، كان يغطي غياب عمر مقابل ضعف المبلغ، ويُغري جلال بالسكوت ببعض الفسح والحلوى.
لكن عمر، رغم انشغاله، لم ينسَ ما حدث لمودة. ابتسم عندما تذكّر تلك الفتاة الحنونة. كانت أماً للجميع في الميتم، رغم صغر سنها. ورغم محاولاتها للتماسك، كان واضحًا أنها لم تتخطَ ما فعله فوزي.
في مساء رمادي، جلس عمر على المقعد الخشبي بالحديقة، حين اقترب فوزي بجسده المترهل وابتسامته المتصنعة:
ــ مساء الخير يا ميرو.
رد عمر بلا اهتمام:
ــ مساء الخير يا فيزو.
انكمشت ملامح فوزي:
ــ إيه فيزو دي؟
ــ دلعك… مش عاجبك؟
ــ الصراحة لأ.
ــ يبقى متدلعنيش تاني، أنا مش ابن أختك.
قهقه فوزي بخفة، ثم أخرج لفافة تبغ ووضعها بين شفتيه:
ــ ها، عملت إيه في اللي طلبه منك المعلم ضياء؟
نزع عمر السيجارة من فمه ببرود ورماها أرضًا:
ــ قوله قريب… هيقابله.
اتسعت عينا فوزي في دهشة:
ــ انت إيه اللي هببته ده؟
مدّ عمر يده وأخرج لفافة جديدة وهو يبتسم بخبث:
ــ امسك… جرب دي وادعيلي.
شم فوزي رائحتها، اتسعت عيناه بحماس:
ــ يا ابن اللعيبة، دي منين؟
ــ لما ييجي وقتها، هقولك.
أشعل فوزي السيجارة وهو يقول بنشوة:
ــ كده شكلنا هنبقى صحاب زي ما ضياء قال.
ــ وماله… قالها عمر بخبث خفي.
وفجأة، شق صراخ فهد سكون الدار:
ــ عماااار!
قفز الاثنان من مكانهما، نظر كل منهما للآخر في لحظة صامتة، تعلوها علامات الترقب لما هو آتٍ.