رواية لطيفها عاشق الفصل الحادى عشر بقلم سميه راشد
"لسوء الفهم مفاسد كثيرة، أعظمهما انهيار القلب وتصدعه"
لم يفهم ناصر ما يتحدث عنه عبدالرحمن وما الذي جعل الاحمرار يغزو وجهه بهذه الطريقة المرعبة، نبرة صديقه، لوحة الألم المرتسمة على وجهه بل تلك الدمعة الذي يشعر بها تختبيء بكبرياء خلف جفونه أشعروه بأنه ارتكب جرمًا يستحق القصاص.
هزتليقترب منه ببطء وعقله يسترجع ما قاله عبدالرحمن قبل شروده وما ساعده على استيعاب ما قاله تكرار الآخر جملته بصوت أشبه إلى الصراخ
- رقم مراتي بيعمل إيه عندك يا ناصر؟
زوجة عبدالرحمن من ضمن قائمة الأسماء عنده؟ كيف حدث ذلك وهو لم يعرفها بل اسمها لم يرد على ذهنه من قبل ليسأله بثقل شاعرًا بالخطر يقف بينهما
- رقم إيه؟ مش فاهم حاجة.
ليقذف عبدالرحمن الهاتف على وجهه بعنف كاد أن يسبب له جرحًا إن اصطدم به إلا أن الآخر كان بارعًا في التقاطه وما لبث أن نظر إلى الهاتف على ما كان يشاهده عبدالرحمن لتسود الدنيا أمام وجهه وهو يرى المحادثة بينه وبين دنيا أمامه، لم يفهم ماذا يقصد عبدالرحمن وما علاقة زوجته بدنيا، قرأ رسالتها الأخيرة التي انتبه إليها الآن فهتف بصدمة حقيقية دون أن يعبأ بأنه يخطو الخطوة الأولى لهلاكه
- دنيا اتجوزت!!
جن جنون عبدالرحمن فور سماعه له يهتف بإسمها، فطريقته هذه أكدت له أنه حقًا يعرف دنيا وليس هناك لبس في الأمر فلن يكن منه سوى أن أسرع بكل قوته يجذب الآخر من تلابيب قميصه ويلكمه في وجهه لكمة دوى صوتها عاليًا تبعها تأوه ناصر الذي تفاجأ بها، حاول ناصر الابتعاد عنه إلا أن عبدالرحمن غضبه أعماه عما يفعل فوجه له الكلمة الثانية وهو يهزي
-إزاي..... ليه
حاول ناصر الدفاع عن نفسه بصد اللكمات عن وجهه، يصرخ هو الآخر سائلًا عما حدث إلا أن عبدالرحمن لم يكف عما يفعل وكأن جميع حواسه شلت عن العمل، لو لم يأتِ مهدي الذي أسرع يفك الشجار بكل قوته مندهشًا مما يحدث لكان ناصر على أحد أسرة المستشفيات يصارع آلامه الآن، دفع عبدالرحمن الهائج بقوة إلى إحدى الغرف وأغلق عليه الباب ثم أسرع إلى ناصر يحاول إسعافه ويفهم منه ما حدث لكن ناصر ظل يردد بعقل شارد عدم معرفته لسبب ثوران عبدالرحمن.
بعد عدة دقائق سكن صوت عبدالرحمن بعدما كان يردد صارخًا برغبته في الخروج إلا أن مهدى أبى أن يفعل قبل أن يصرف ناصر الذي إن تركه فحتمًا سيموت على يدي عبدالرحمن، جاب عبدالرحمن الغرفة ذهابًا وإيابا وظل يردد الاستعاذة بل وصلى ركعتين دعا الله فيهما أن تحدث معجرة تجعل ما يحدث غير حقيقي، بعد انصراف ناصر الذي لبى رغبة مهدي وهلال الذي قدم وعلم ما حدث سريعًا فتحا الباب لعبدالرحمن وحاولوا معرفة ما حدث إلا أنه أعرض عنهما وتركهما مع وحوش فضولهما التي تنهش عقولهما.
لا يعرف كيف وصل إلى البيت بحالته هذه، فقد صدح أصوات السيارات التي كانت تضغط على فراملها دفعة واحدة لظهوره أمامهم فجأة دون أن بنتبه، وكأن العالم لفظ همومه فلم تجد الهموم من ينتشلها من الضياع ويجعل قلبه لها وطنًا سواه هو، شيء غريب يحدث داخل عقله لا يدري أهو ازدحام أم تشوش أم ماذا ولكنه شعور مقيت لا يتمنى أن يزور أحدًا بحياته، دلف إلى مدخل عمارتهم وعيناه تعانق البيت الذي تسكنه بشرر، عادة هو يحكم عقله عند غضبه ولكن يشعر بالشيطان يحركه هذه المرة طرق الباب دون أن يرفع يده عنه غير عابئًا بشقيقها الذي يسكن معها لتفتح إليه بفزع وهي تعقد حجاب الاسدال حول رأسها لتسأله فور رؤيتها له بهذه الحالة المزرية
- في إيه يا عبدالرحمن حصل إيه؟
لم يجبها بلسانه، وإنما أجابتها يده التي دفعتها إلى الداخل ليتبعها ويغلق الباب خلفه بقوة أفزعتها فرددت مرة ثانية باضطراب وعقلها يعتقد أن غضبه هذا جراء مشاجرتهما التي لا تستحق كل هذا
- في إيه يا عبدالرحمن.
عانقت عيناه هالتها البريئة التي لا يصدق أنها قادرة على التحول لأقبح إنسان هكذا، فلن يكذب إن قال أن لأول مرة يؤلمه فؤاده إلى هذه الدرجة والمصيبة أنه بسببها هي من كان يتمنى أن يرتشف منها جل آلامها ويتجرعها هو ولكنها أسقته إياها بطريقة قاسية.. قاسية لأبعد درجة.. وقعت عيناه على هاتفها الملقى بإهمال على أحد المقاعد فأسرع يلتقطه ثم فتحه وبحث عن ما يشعل عقله إلا أنه لم يجد شيء لينبت الأمل مرة ثانية بقلبه فسألها بصوت لم يفصح عن الرجاء الذي يملأه
- كنتِ بتكلمي ناصر على الواتس؟
لتفتح عينيها على وسعهما ويهرول الخوف إلى قلبها، فرغم عدم علمها باسم الآخر إلا أن إشارة عبدالرحمن لذلك الأمر أعلمتها أنه هو، فالمذنب حينما يرتكب ذنبًا يظل خطأه عالقًا بعقله يخشى أن يكتشفه أحد بأي وقت حتى وإن اتخذ كل احتياطاته يبقى تحت قبضة الخوف يحركه كالريشة كيفما شاء فيفقده كرامته واحترامه لذاته أمام نفسه، وهذا ما كان يحدث لدنيا في الأونة الأخيرة فكلما أمسك أحدهم هاتفها كان يتآكلها الخوف وترتعب من اكتشاف أمرها وها هي أسوأ كوابيسها تحققت على يد من لن يرحمها وإن قدمت له كل قرابين الاعتذار.
لم يحتج عبدالرحمن أن ينتظر إجابتها، فذعرها البادي على وجهها أجابه إجابة وافية كاملة لن يصل أي كلام إلى درجة كمالها فقذف هاتفها على الحائط بعنف جعلها تصرخ بذعر ثم سألها بانهيار
- ليه.. ليه.
حاولت إجابته ولكن لم تساعدها الكلمات التي تخلت عنها وهرولت خائفة منه فلم يأخذ منها سوى الصمت الذي اعتبره دليلًا على جرمها.
جلس على أقرب مقعد منه واضعًا رأسه بين ذراعيه لتشكو هيئته لها وجع قلبه فجرت قدميها تجاهه وحاولت وضعها على كتفه لعله يصدر عنه ما يطمئنها هيجعلها تتشجع على قص ما يبرأها إلا أنه صدمها وهو يدفعها بنفور والاشمئزاز يتشكل في عينيه لتصعقها هذه النظرة التي تطالها منه للمرة الأولى، فلم تكن هذه ما اعتادت عليها بل الأخرى تتحدث بالحنان ويغمرها الدفء والاحتواء أما هذه فأبعد ما تكون عن نظرته لتحاول استدعاء الكلمات رغمًا عنها إلا أنه وأد أي محاولة في مهدها وهو يقف قائلًا بهدوء مخيف يتمنى أن تعترض
- فرحنا الخميس الجاي.. مش هنتظر إما تخلصي تالتة ثانوي أصلك ناقصة تربية مينفعش تتسابي كدا وأنا عارف إزاي هربيكي كويس.
أتبع كلماته بخروجه بعدما هدم أحلامها التي كانت قد قاربت على الوصول إلى قمتها فوق رأسها.
**************
"اشتقت لعينيك حبيبتاي، لقلبك موطني، روحك منفذ الآلام وعقلكِ صاحبي"
رسالة أخرى وردت إلى رحمة والمرسل حتمًا لن يكون سوى ذلك المتبجح الذي عاد وكأن لم يحدث شيء، ذاك الذي أرفق صورته مع عدد من أصدقائه معظمهن نساء، خبير هو في تحسين علاقاته بالنساء الغريبات بينما حياته فهو أقرب فيها إلى البلادة، لتلجأ إلى طريقتها الأولى في الإجابة عليه فنشرت منشورًا محتواه
"لا العين أُحبت يومًا ولا القلب يصلح أن يكون وطنًا وإن كانت الروح نجحت في ذهاب الآلام لكان العقل حقًا صاحب وذا الهجر الذي لا يليق بعدوٍ برهن على عدم نجاح تلك الصداقة يومًا"
لم يأتها الرد بإعجاب كما المرة السابقة بل جاء بردًا مباشرًا منه على تطبيق " الماسنجر" كاتبًا إليها
-رحمة
ظلت تتأمل إسمها وكأنه نقشه بريشة قلبه إلى أن فاقت لما تفعل فحظرت هذا الحساب أيضًا وتركته يعاني من التفكير في كيفية إصلاح ما برع في إفساده.
خرجت على صوت والدتها التي تصرخ في شقيقتها
- يعني إيه رفضتيه.. مش دا اللي مش راضية تتجوزي السنين دي كلها عشانه.
ليصدح صوت رقية الغاضب
- لأ مرفضتس عشانه وجربت كذا مرة ومحصلش نصيب أدامك... أنا حرة أنا مش موافقة عليه.. مش مرتاحة ولا متقبلة.
-إزاي ..إزاي
سألت والدتها بضياع وعدم فهم، فالجميع يعلم أن تعلق رقية بأحمد هو ما سبب عدم زواجها حتى الآن لتأتي هي وتنفي ما اعتادت عليه عقولهم؟! لا لن تسمح لها بإفساد حياتها أكثر من ذلك، رقية تحتاج لأحمد وجميع جوارحها تنطق بهذا كلما تواجدا معًا في مكان واحد وهي لن تسمح للعند أن يضيع على ابنتها فرصتها لتقول بصرامة
- وعدم موافقتك المرة دي بالذات يا رقية ملهاش لزوم عندي.
- يعني إيه
سألت رقية بعدم فهم لتتابع والدتها
- زي ما فهمتي.. أنا موافقة على أحمد اللي عارفة إنك مش عايزة غيره ولو موافقتيش عليه تنسي إن لساني يخاطب لسانك مرة تانية
- عايزاني أتجوزه غصب عني! ليه بتعملي كدا.
- عشان أنا عارفة إن العقل إن كان رافض فالقلب بيبكي على الرفض دا... استحملت دلعك كتير معنديش كلام غير اللي قلته.
- يا أمي..
- خلصنا مش عايزة كلام في الموضوع دا تاني
صاحت والدتها بجملتها في وجهها لتعلم من نبرتها أن الحديث حقًا يجب أن يتوقف عند هذه المرحلة.. فطالما كانت أمها حازمة رغم حنانها.. قوية رغم رقة قلبها وكيف لها أن تفلح في رباية بناتها إن لم تتخذ الحزم سبيلًا.
دلفت رقية إلى غرفتها ودموعها تسبقها، ترفض فكرة زواجها منه، لم تعد ترغبه، كرامتها أغلى عندها من حب أضعف من الشعرة ولن تستند على جدار مائل مرة ثانية، فيكفي ما عانته السنوات الماضية لأجله، فأحمد لا يعتمد عليه وغير مؤتمن ولن تعرض قلبها مرة ثانية للألم القلبي والنفسي.
*************
بعد مرور عدة أيام
انفردت دنيا بنفسها على المقعد الكبير في غرفتها بعدما غاردت المرأة التي قامت بتزيينها وصحبتها ريهام ورحمة لتوصيلها بينما مريم ورقية ذهبتا إلى الخارج لارتداء ملابسهما فالنساء على وشك القدوم للاحتفال بالعروس، كانت رقية أول من انتهت لتهلل فور دخولها فرحة بدنيا فقابلتها الأخرى بابتسامة باهتة لم تصل لعينيها، تيقنت رقية مما تشعر لتسألها دون مراوغة
- دنيا في إيه.. مش مصدقة حتة إن أدام عبدالرحمن خلص الشقة يبقى تتجوزوا كدا فجأة حتى مستنتوش أبوكي يخرج.. كلهم فرحتهم نستهم إن كانوا محددين الفرح بعد ما تخلصي الثانوي.. بس في حاجة.. أنت مش فرحانة وفيكي حاجة في إيه.
تطلعت إليها دنيا بضياع، لا تدري ماذا تفعل، أتقص عليها ما حدث وتخبرها أم تصمت وتقابل ما تسببت به دون اعتراض، ولكنها ترتجف خوفًا وتخشى مصيرها مع عبدالرحمن الذي لم تلمح طيفه منذ تلك الليلة التي بدأت تعاستها بها، هزتها رقية برفق وهي تقول
- متخافيش يا دنيا احكي لي..
لتنهمر الدموع من عيني دنيا قبل أن تبدأ بقص جميع ما حدث على رقية التي شهقت بضيق فور انتهاء دنيا ناطقة
- وإزاي يا دنيا تكلميه تاني بإرادتك.. طيب كانت لحظة ضعف ليه بعتي له وأنتِ متجوزة عبدالرحمن. تقولي له متكلمنيش مكانش ليه داعي تعملي كدا.
لتجيبها دنيا بانهيار
- كنت حاسة بالذنب إني بعت له من البداية وعلقته بيا فعقلي خلاني أفكر إني أعرفه بجوازي يمكن يسبني في حالي.. بس معرفش إيه اللي حصل وإيه اللي وصل الموضوع للدرجة دي وإزاي عبدالرحمن وصل له.
لتربت رقية على كتفها قائلة وهي تفكر
- ممكن الشخص دا هو اللي بعت الرسايل لعبدالرحمن وخلاه يفكر كدا..
هزت دنيا رأسها عدة مرات بعنف تردد
- معرفش.. معرفش.. بس هو فاكر إني كنت مرتبطة بالشخص دا ويمكن فكر في الأسوأ .. هو مقالش حاجة غير اللي قلته ليكي بس..
لتربت رقية على كتفها بمواساه بعدما علا نشيجها، تفكر في ما يمكن أن تفعله لتصلح الأمر بعقل عبدالرحمن، ولكن كيف والزفاف على بعد دقائق منهم ولن يستطيعوا رؤيته إلا حينما يأتي ليأخذ دنيا كي يصعدا لشقتهما، لتزفر رقية بقلة حيلة فتابعت دنيا بصوت مرتجف.
- أنا خايفة.
كلمتها هذه أوجعت قلب رقية التي احتضنتها بقوة ثم قالت في محاولة منها لتهدئتها.
- متخافيش يا حبيبتي في الآخر دا عبدالرحمن ومهما حصل عمره ما هيأذيكي.
ولكن دنيا لم تستجب لمحاولة تهدئتها هذه فعلى كل حال، رقية لم ترَ وجهه بتلك الليلة التي رأته بها، هي وحدها من شهدت ثورته على هيئة هدوء أخافها أكثر من لو كان ثار عليها.
مرت ساعات الفرح دون أن يحدث بهم شيء سوى أن رقية كانت تفكر في محاولة للانفراد عبدالرحمن والتحدث إليه لعلها تساعد دنيا قليلًا إلا أن جميع محاولاتها فشلت عندما ظهر عبدالرحمن أمامهم ليأخذ دنيا التي قبضت على يدي رقية بقوة كطفل سياخذونه من أمه فاختضنتها الأخرى لتبدو للجميع أنها تبارك لها بينما شفتاها تنطقان
- متخافيش يا دنيا.. حاولي تحكي له كل حاجة ممكن يتفهم اللي حصل.
أومأت إليها دنيا بارتعاب وهي تشاهد اقتراب عبدالرحمن الذي اصطحبها بجفاء وتوجه بها إلى شقته في الأعلى دون أن ينطق بكلمة.
عودة إلى الوقت الحالي " انتهى الفلاش وعدنا إلى مشهد المقدمة"
-مبارك يا زوجي المصون
فاه جملته الساخرة وعيناه لا تبارح تلك الباكية أمامه بفستان زفافها الأبيض الشاحب، لو كان بيده لأجبرها على استعاضته بآخر من الأسود الفحمي الذي لن يختلف كثيرًا عن ذاك السواد المعبأ بقلبه تجاهها ولكنها العادات والتقاليد تقف حاجزًا أمام رغبته.
لم تقوَ على رفع عينيها تجاهه بعد ذلك المشهد المخزي الذي سبق هذه الليلة بخمس ليالٍ لا أكثر فآثرت أن تبقى على صمتها كي لا تثير غضبه الذي لم ترَه سوى في تلك الليلة التي علمت بها بأن أيامها المقبلة ليست سوى عذابٍ ستحياه على يداه بملىء إرادتها.
تحركت يدها اليمنى على استحياء تتشابك بنظيرتها وتلتف معها لتدل على توترها من هذا الموقف الذي لا تدري ماذا عساها أن تفعل به.
كادت أن تعود بظهرها لتجلس على المقعد الوثير الكامن أمامها ببيت الزوجية الذي دخلاه لتوهما إلا أنها توقفت حينما استمعت إلى حركته الساخرة التي افتعلها قبل أن تنصت إلى نبرته الهاتفة بتهكم
-مفيش داعي للحركات اللي بتعمليها دي، مبقتش الغبي اللي بيصدق أي تصرف بتتصنعيه أدامه
تجمعت الدموع بعينيها وتسارعت دقات قلبها جاهدة لتلاحق أنفاسها الحارة التي لم يبغض أكثر منها في هذه اللحظة ثم همست برجاء وصوتٍ بُح من كثرة البكاء
-عبدالرحمن
التقطت مسامعها زمجرته الخشنة السابقة لنوبة غضبه التي اختبرتها سابقًا فسارعت تهتف إليه برجاء أكبر بعدما تشجعت عينيها للنظر إلى عينيه التي لطالما أغدقتها بحنان العالم بأسره
- مش عايزة منك غير إنك تسمعني وبعد كدا اعمل اللي أنت عايزه، أرجوك اسمعني.. أرجوك
-الزبالة بتستحق إننا نهتم بيها وبنجمها بين الفترة والتانية عشان متعفنش، أما اللي زيك فملهمش غير الهجر والتجاهل وعدم الإحترام
بهتت من وقع كلماته القاسية التي أوصلت إليها إلى أي مدى يبغضها ولم تستطع السيطرة على ارتعاش شفتيها الذي بدأ في التزايد مع كل لحظة تنتظرها أمامه، وقبل أن ينهار بنيانها ويسقط قوامها الهزيل كان قد دلف إلى إحدى الغرف وسحب الباب خلفه بقوه جعلتها تنتفض بمكانها، رفعت نظرها إلى أثره فلم تجد أمامها سوى باب الغرفة المشبه بلون القهوة المغلق أمامها، ضغطت على قبضة يدها بقوة واعتصرت عيناها ندمًا على ما اقترفته في حق نفسها أولا.. ولكن أيجدي الندم نفعًا بعدما صارت الرحلة على شفا حرف من الانتهاء؟!
بقيت على حالها لساعاتٍ لم تشعر بمرورها إلا على استماعها لباب غرفته الذي فُتح لتوه متناغمًا مع صوت آذان الفجر الذي يصدح في جميع الأنحاء ، ارتجف بدنها بقوة وتفاقم ارتعاش مفاصلها كعادتها في الآونة الأخيرة حينما تستشعر حضوره وقبل أن تجرؤ على الالتفات إليه كان قد حطَّم مسامعها صوت الباب الذي أغلقه بقوة أفصحت عن حجم الجحيم المشتعل بداخله، تحاملت على جسدها وهي تنهض من مكانها بضعفٍ، ترنحت في مشيتها وكادت أن تسقط من فرط الألم الذي يفتك برأسها نتيجة لدموعها التي أقسمت ألا تبارح وجنتيها منذ تلك الليلة التي تعهد بها خيرُ سندٍ بأن لا يجلب لها سوى ما يجعل أعضاءها تبكي دمًا نعيًا لما أحل بها، هدتها خطواتها تجاه المرحاض الملحق ببهو المنزل وقبل أن تخطو أولى خطواتها للداخل وقعت عينيها على المرآة
الملتصقة فوق حوض المياه السابق للمرحاض، تسمرت نظراتها على وجهها الذي لم تفلح أدوات الزينة في إخفاء شحوبه ولم تشعر بنفسها وهي ترفع كفيها على صفحتي وجهها تلطمهما بقسوة ماثلت نظرات عينيها الحاقدة على نفسها وهي تهتف بانهيار مصحوب بالصراخ وصوت يفيض ندمًا
-ربنا ياخدِك... ربنا ياخدِك
"فما أسوأ على المرأ من أن يستفيق من دوامة الغفلة على الدورة الأخيرة التي لم تكن سوى تمهيدًا للنزول"