رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و العشرون 120 بقلم اسماء حميدة


 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و العشرون

 


في احتفال الذكرى السنوية كان البريق في العيون أكثر مما في الأضواء وكانت القاعة تموج بالضحكات الرسمية والمجاملات المنمقة كأنها ساحة رقص يتناوب فيها الحضور على ارتداء الأقنعة.
في قلب الزحام وقف ظافر كجبل صامت لا تهزه الكؤوس التي تتوالى على يده ولا الكلمات المبللة بالمجاملة.
شادية بكامل سطوتها كانت تقدم له كأسا تلو الآخر تتقن فن التكرار بثقة من يعرف أن الطعم يحتاج بعض الوقت حتى يلتصق بالفريسة.
لكن ظافر بنظرة من زاوية عينه التقط مشهدا لم يعجبه... لمسة نظرة ارتباك.
دينا كانت تقترب ونواياها تسبق خطاها.
حينها رفع الكأس برفق وأعاده دون أن يتذوقه وعيناه كمرآتين تعكسان قلقا لم يعلن.
قال لشادية بهدوء مشوب باليقظة
لا يزال هناك ما علي إنجازه الليلة لن أتناول المزيد.
رمقته شادية بنظرة لم تخف ضيقها فصوتها لم يستطع أن يخترق الحاجز الذي بدأ يرتفع بينهما... ثم التفتت بنظرة ذات معنى نحو دينا وكأنها تدفعها إلى الواجهة.
دينا التقطت الإشارة فورا وسرعان ما التحفت الابتسامة وتقدمت نحوه تحاول أن تلبس نفسها دور السند الحنون... وقالت بصوت مغموس بالعسل
بما أنك تناولت البعض الليلة دعني أرافقك إلى المنزل يا ظافر.

.. فقط لأطمئن عليك.
كان القرار قد نسج في عقل كلا من دينا وشادية
هذه الليلة لن تنتهي .
ولكن ظافر وإن بدا متعبا لم يكن غائب الوعي.
مدت دينا يدها لتأخذ يده لكن في اللحظة ذاتها شد انتباهه صورة من بعيد أقرب إلى طيف يمشي على الأرض... فستان ينساب بنعومة حرير على جسد لم يعتده بهذا الشكل من الجمال... عينيه علقتا هناك على امرأة تقف عند الباب... امرأة يعرفها ويكاد لا يعرفها.
كانت سيرين.
حين خطت سيرين إلى القاعة كأن النسيم تبدل... كأن الزمن توقف للحظة يراجع نفسه.
لم يكن أحد يتوقع حضورها ولا بهذا الظهور... إذ بدت كلوحة خرجت من إطارها القديم امرأة بعينين تتحدثان أكثر من شفتيها بل وبحضور خطڤ الأبصار والهمسات على حد سواء.
همس أحدهم
أليست هذه سيرين تهامي زوجة ظافر
آخر قال بدهشة
هذه سيرين مستحيل كيف أصبحت بهذه الروعة
كانت دائما جميلة لكن المجتمع لا يرى الجمال إلا إن ارتدى ثوبا لامعا.
عندما وقعت عين شادية عليها اختنقت ابتسامتها... أما دينا فاختفى دفء وجهها تحت سيول الخجل فقد شعرت كأن كل الأضواء تسلطت على هشاشتها.
سارت سيرين بخطى رصينة ووقفت أمامهم دون ارتباك ثم قالت بصوت هادئ لكنه أحدث دويا في القاعة
سيدة دينا. .. أنا هنا لأخذ ظافر إلى المنزل.
كلماتها سقطت كالحجارة في بحيرة السكون فعمت الهمسات وتقلبت النظرات.
هل ما زالت زوجته هل عادت لتسترد ما كان لها
حين سمع ظافر ذلك ارتخت أصابعه وسحب يده من قبضة دينا دون أن ينطق ثم نظر إلى سيرين طويلا بعمق لم يخفه... قال بصوت خاڤت لكنه مشحون بغيرة رجل يرى كافة الأنظار متعلقة بما له
لماذا نزلت
أجابته بنبرة هادئة خالية من العتاب ممتلئة بالحضور
رأيتك تشرب كثيرا وخشيت أن تفقد وعيك... فجئت أبحث عنك.
في تلك اللحظة... لم تكن فقط تستعيده بل تذكره أنا هنا... ما زلت... ولن أتركك لهم قبل أن... 
أما دينا فشعرت بالقلق يغمرها من رأسها حتى أطرافها... تتمتم بينها وبين حالها بغيظ
سيرين لم تكن قد وصلت توا... لقد كانت تراقب بصمت... تعرف... تنتظر اللحظة المناسبة.
ابتسم ظافر ابتسامة بالكاد ولدت على شفتيه كأنها لا تحمل من الدفء إلا ظله... قال بصوت هادئ لكن فيه رنة لا تخطئها آذان العارفين بغيرته
انتظريني هناك... أولا.
أومأت سيرين برأسها دون أن تنبس بكلمة ثم استدارت بخطى محكومة السكون وخرجت كما يخرج الحنين من القلب صامتا... لكنه محسوس.
وما إن وطأت قدمها عتبة المدخل حتى اصطدم بها رجل ذو بدلة فاخرة ورائحة عطر حادة كالسكاكين.
ارتبكت للحظة لكنها لم تتراجع.
رفعت رأسها فالتقت عيناهما عينان تلمعان بدهشة كأنهما رصدتا شبحا من ماض لم يدفن كما ظن.
سيرين! نطقها كمن شهق بكلمة لم يكن يتوقعها.
توقفت سيرين وعيناها تحدقان فيه بدهشة ناعمة.
ملامحه حادة لكنها مصقولة كأن الزمن مر عليه واعتذر بعد أن عبث قليلا... ذاك الوجه بوسامته لم يكن سهل النسيان.
ذاكرتها لم تخذلها... إنه كامل وهران... الابن الثالث لعائلة وهران الشهيرة وصديق ظافر منذ سنوات الصبا.
كان كامل أحد أولئك الذين اعتادوا التنمر عليها من بعيد ثم اعتدلوا بعد زواجها لا حبا فيها بل احتراما لاسم زوجها.
كامل لم يكن خصما ولا نصيرا بل اختار دوما أن يبقى على الهامش يتفرج في الحين الذي كان يجب فيه أن يتدخل.
قالت بنبرة باردة كأنها تغلق بوابة على ماض لا تريد دخوله
سيرين التي تتحدث عنها تشبه شخصا آخر لا أعرفه.
خفضت بصرها ومضت تاركة وراءها صمتا مشوبا بشيء من المكر.
قرر كامل أن يلحق بها ليكشف سرها أو ربما كان في نفسه شيء آخر ولكنه تمهل قليلا ووقف هناك يراقبها وهي تبتعد كأنها أحجية قديمة استعصت على الحل.
في الداخل بدأ العالم يتأرجح من حول ظافر... ثقل في الرأس... برودة تزحف إلى العمود الفقري... وذبذبة في الرؤية...
اللعڼة!! ثمة شيء في الشراب!!
لم يفقد ثباته الواهي. لم يعبر عن سخطه... فقط التفاتة رصينة قدر الإمكان من رأسه ببطء نحو دينا وبعينين فقدتا صبرهما قال بصوت خاڤت كطعڼة خنجر في الظلام
لا يهمني ما قالته لك أمي... ولا ما اتفقتما عليه خلف ظهري... ما حدث الليلة... لن يتكرر أبدا وإلا حسابي سيكون عسير.
تلعثمت دينا لكن لم يكن في صوتها ما يقنع... ثم قالت بالتماس كاذب
رجاء لا تغضب... السيدة شادية فقط... فقط أرادت حفيدا يحمل اسمك.
لم يمهلها لحظة لتفهم فيها بل اڼفجر صوته كالرعد
وإذا أرادت مۏتي هل كنت ستوافقين أيضا!
صمتت فاستدار وهم بالرحيل لكن دينا أمسكت بحافة قميصه كأنها تتمسك بقشة في بحر هائج.
اقتربت منه وهمست بصوت بالكاد يسمعه إلا قلبه صم عنها
ظافر... أنا أحبك... أحبك كما لم تحب امرأة رجلا من قبل... أنا مستعدة لأفني نفسي من أجلك.... لكن سيرين
سيرين لا تعرف الحب لأنها لم تتعلمه يوما... عاشت مدللة تتنقل بين الأهواء كالنسيم لا تملك الثبات... كما عاشت سنوات طويلة في الخارج مع كارم... ومن يدري ربما لا يزال معها حتى الآن... أما أنا فقد كنت دوما نقية من أجلك.. لا لأني كنت ضعيفة بل لأنني كنت لك وحدك... افهم حبيبي... أنا لك أما هي... فهي متاحة للجميع.
تجمد ظافر في مكانه كأن كلمات دينا اخترقت صدره لا بأظافر ناعمة بل بشفرة باردة مسمۏمة.
هي متاحة للجميع...
ظلت العبارة تتردد داخل رأسه تتطاير بين أركان روحه كخفاش مذعور في غرفة مغلقة... بينما ڠرقت عيناه في فراغ غامض لا يرى فيه إلا ملامح
سيرين...
ضحكتها المتمردة.
نظراتها حين تتظاهر باللامبالاة وهي تغلي في داخلها.
رائحتها التي تباغته في غيابه كطيف عطر لا يزول.
والآن يتساءل
كارم
هل كانت هناك معه فعلا وهل كان أكثر من مجرد صديق
ضغط على أسنانه بصمت وارتجف فكه كأنه يقاوم رعشة ڠضب مبطن.
لم يكن الأمر خېانة واضحة... لا دلائل لا أدلة حتى اعترافها بأن نوح ابنه لكارم لا يريد أن يصدقه...
فقط كلمات... ثلاث كلمات تحديدا قلبت موازين قناعته بطهرها بخبث بشع
هي متاحة للجميع.
لكنه يعرف سيرين... تعرفها روحه أكثر من نفسه يعرف عنادها صړاخها دموعها...
لكن... الخېانة
العبث به
لا...
لكنه لا يستطيع أن يجزم وهذه الشكوك تفتك به أكثر من الحقيقة.
تلفتت من حوله وهو يختنق بالهواء رغم ازدحامه ومن ثم سحب قميصه من بين أصابع دينا برفق صارم دون أن ينظر إليها كأن وجودها أصبح ظلا بلا شكل... ثم قال بصوت خاڤت كالعاصفة التي تسبق المطر
وحدها سيرين إن أرادت أن تكون للجميع... سأجعلها لي.
وغادر...
تركها واقفة مکسورة عند عتبة الرجاء لا تعلم إلى أين تذهب بوجهها ولا بأحلامها الانتهازية المحطمة.
صعد ظافر الدرج بخطى سريعة يبحث عنها... كل خطوة كانت طعڼة وكل طعڼة كانت تقربه منها أكثر.
فتح بابا تلو الآخر عيناه تلتهمان الممرات قلبه ينبض باسمها فقط.
ثم...توقف حالما رأى ضوءا خافتا يتسرب من غرفة مغلقة.
دفع الباب ببطء... وفي الداخل كانت سيرين واقفة أمام نافذة مفتوحة الهواء يحرك خصلات شعرها بنعومة وفستانها يتمايل كأنه يتنفس... لكنها لم تكن وحدها.
كان كامل وهران يقف قبالتها... يهمس بشيء لم يسمعه يقترب منها خطوة بخطوة بينما هي لا تزال جامدة... لا تتحرك.
عينا ظافر اشتعلتا كجمر في رماد...
مشهد واحد يكفي لإشعال حرب.
لكن قبل أن يقتحم الغرفة أو ېصرخ أو حتى يتنفس... استدارت سيرين فجأة ونظرت إلى كامل ثم وبكل ما أوتيت من قوة صفعت وجهه كأنها تمزق صمتا كان ېخنقها منذ سنوات... ومن ثم قالت بصوت مرتجف لكن صلب
اقترب مرة أخرى... وسأجعلك ټندم على كل يوم بقيت فيه حيا.
الصڤعة ترددت في الهواء وفي قلب ظافر... كأنها صفعت شكوكه معه... أو ربما ماټت شكوك لتحيا أخرى.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1