رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الواحد و العشرون 121 بقلم اسماء حميدة

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الواحد و العشرون


لقد تسللت كلمات دينا إلى قلب ظافر كسم زعاف تملكه أثرها الخبيث الذي اجتاح روحه المنهكة متدثرا باسم نوح الذي من المفترض أنه يكون ابن سيرين وكارم كما أدعت الأولى لتزداد هواجسه.
خرج من القاعة وقد أضناه التعب عيناه زائغتان مشيته ثقيلة وكأنه يحمل على كتفيه جبلا من الشك والريبة.
الدرجات الرخامية تحت قدميه تصدر صدى مكتوما يزيد من وقع خطواته المرتبكة... فتفاجأ ب سيرين منهمكة في حديث هامس مع كامل أما الصفعة التي ارتسمت على وجنة هذا الأخير بدت كعلامة دامغة على ما اقترفه لسانه من جرم مما جعل الدماء تشتعل في خده كجمر ملتهب.
اختبأ ظافر في ركن قصي من الرواق جسده يلتصق بالجدار البارد وكأنه يتماهى مع ظلال الليل... تملأه الغيرة ويمزقه الشك... يراقب المشهد بعيني صقر يتنفس بصعوبة وحرارة جسده تتصاعد في تدرجات من الغضب الممزوج بالخوف...
هو الآن لا يرى سوى لوحة واحدة
سيرين وكامل والصفعة وكل ما حولهم باهت وكأنه مشهد أبيض وأسود في فيلم قديم.
وحين انصرف كامل مطأطئا رأسه وكأنه يجر أذيال هزيمته تقدم ظافر بخطوات هادئة تحمل في طياتها عاصفة مكتومة.
هل انتهيت من هنا هل نعود الآن
قالها ظافر بنبرة هادئة ظاهريا لكن وقع صوته في أذنيها بدا غريبا كأنه لحن مفقود وسط ضجيج عاصف... 
ثوان وبدأ يشعر بحرارة لاذعة تتأجج في معدته ومع ذلك تظاهر بالتماسك.
تطلع إلى عينيها بعمق وكأنه يحاول قراءة ما تخفيه خلف ستار الكحل ثم سأل بصوت خفيض ينضح بشك غائر
منذ متى

وأنت تتحدثين مع كامل
في عينيه سكنت زوابع من الأسئلة والغيرة التي لم تجد لها مخرجا إلا عبر هذه الجملة المبهمة.
كان كامل في نظر ظافر دائما ذلك الرجل الهادئ كالطيف الذي لا يترك أثرا حتى حين كان يخرج مع رفاقه لم يكن صوته يعلو فوق همسات الريح.
لقد ناداني أولا ولم أجب سوى بالصمت.
خرجت كلماتها مترددة تكاد تختبئ خلف شفتيها.
لقد رأى جزء مما حدث وهو يعلم أنها تكذب وهي أيضا تعلم أنه يعلم أنها تكذب ولكنه توقف عن التدقيق على الأقل مؤقتا فقد كان جسده ينهار كقلعة من رمل هشة أمام ضربات الموج... 
على اي حال الأجوبة ستأتيه لاحقا فالآن هو ليس سوى حطام تلاطمه ريح مسمومة.
قادها إلى السيارة في صمت ثقيل وجلس إلى جوارها والظلال تتمايل أمام عينيه كأشباح راقصة في عرض صاخب.
رأت سيرين الأمر مريبا لكن ظافر وحده كان يعرف حجم العاصفة التي تتخبط في أحشائه.
وعلى الفور حل رابطة عنقه بحركة عصبية وكأنها كانت تخنقه ثم استند إلى المقعد بعنف مما جعل أنفاسه تتسارع.
وشيئا فشيئا بدأت سيرين تدرك أن هناك أمرا مريبا ينهش وعيه.
خطرت لها فكرة مثالية كوميض برق مفاجئ يضيء سماء الليل في لمح البصر
تأوه قليلا وصوته خرج كأنفاس مختنقة بين صدر موجوع ولذة خفية
أنا آسف لم أقصد ذلك.
تمتمت بخجل مصطنع
كان خطئي أنا من يجب عليه الإعتذار
تظاهرت بأنها تشعر بالحرج وكأنها لم تدرك خطيئتها المتعمدة بينما كانت في الحقيقة تأخذ وقتها لتنهض ببطء مدروس تتفنن في كل ثانية 
وعندما زاد السائق من سرعة السيارة انزلقت مجددا وسقطت عليه كما يسقط القمر على صفحة ماء راكد 
ضيق ظافر عينيه ونظر إلى تلك المرأة ثم قال بصوته الجاف الذي يخفي تحت طبقاته نارا تتلظى
ألم يكن ذلك مقصودا أيضا
تظاهرت بأنها لم تفهم قصده وكأنها كانت غافلة
كانت تعرف تماما أن الاستعجال قد يفضح سرها فقالت متلعثمة تتصنع البراءة
لقد أصيبت يداي ضغطت عليهما دون قصد ولهذا السبب
توقفت للحظة كمن يلتقط أنفاسه بعد غرق طويل ثم أبعدت نظراتها المرتبكة عن عينيه الساحرتين... تتمتم مرة أخرى
أنا أنا آسفة.
ظافر لاحظ خجلها الذي تلألأ في وجنتيها كالورد حين يبتل بندى الفجر وراوده خاطر عاصف أن يأمر السائق بأن ينزل من السيارة ليتركهما وحدهما وسط هذا الجنون اللذيذ لكنه كتمه بشق الأنفس إذ كان قد قرر أن يتركها تذوق لذة الترقب بجميع الأحوال لم يكن على عجل من أمره فقد انتظر تلك اللحظة سنوات طويلة.
حين وصلا أخيرا إلى القصر انفتح باب السيارة وكأن الليل يفتح أحضانه لاستقبال عاشق ضال.
نزل ظافر بسرعة وخطا أمامها بثبات جاهد للحفاظ عليه ترتسم على ثغره ابتسامة واثقة كفارس منتصر يعرف تماما ما يريد.
نظرت إليه سيرين وقد ازداد إعجابها به حد الوله... تتأمل ذلك الرجل الذي يلفه الغموض كجبل يختزن بين طياته الحمم والنيران لكنه ما زال ساكنا متماسكا حتى وهي تلقي بنفسها عليه وتحاول إذابة ما بينهما من حواجز.
تسارعت خطوات سيرين في ردهة المنزل المظلمة قلبها يدق بعنف في صدرها... وبتردد امتدت يدها لتقبض على كم ظافر تحاول الإمساك به كما يمسك الغريق بطوق النجاة... ومن ثم نادته بصوت خافت لكنه مثقل بالرجاء
ظافر
استدار إليها بعينين تتوهجان بوميض من الغضب الممزوج بالبرود... فوضعت راحتيها ببطء على ذراعيه كأنها تلمس جدارا من نار تخشى لهيبه قال بصوت بارد كريح شتوية تلسع وجنتيها
هل تتذكرين ما قلته لي عند عودتك أرجوك احترمي نفسك.
تركها تقف هناك معلقة بين السماء والأرض ترمقه بأعين مستديرة تضرب الأرض بقدميها في غيظ وصعد الدرج بخطوات سريعة كمن يهرب من شبح يطارده.
لحظات مرت كسنين من الصمت قبل أن تسمع صوت الدش ينساب من خلف باب الحمام في غرفته قطرات الماء تنزل وكأنها تغسل صدره من كل ذنوب العشق.
صعدت سيرين إلى الطابق العلوي بخطوات مرتجفة تحمل ثقل قلبها ووقفت أمام بابه المغلق بإحكام كأنه حصن منيع.
مدت يدها تتحسس المقبض لكن الباب كان موصدا عليه كما يوصد باب الكنيسة على سر قديم.
ظلت واقفة هناك طويلا وعيناها تائهتان في الفراغ كمن رأى شبحا من خيبة أمل يلوح أمامها.
وفي زوايا عقلها ترددت كلمات طبيب نوح القديمة ذلك الطبيب الذي نصحها بالحمل خلال عام واحد وإلا فسيزداد مرض نوح سوءا كزهرة ذابلة تهوي نحو حتفها... لكن ظافر الذي لا يعلم شيئا عن هذا السر الثقيل كان يصدها كلما حاولت الاقتراب يشيد بينها وبينه سورا من الصمت والكبرياء... لذا لم يكن بوسعها أن تفعل شيئا سوى أن تتجرع مرارة العجز في صمت خانق... وكلما اجتاحها التفكير في ذلك اشتد قلقها وكأن صدرها أصبح قفصا يحتجز طائرا يرفرف بلا أمل في الطيران.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1