رواية المطارد الفصل الثانى عشر بقلم امل نصر
انصاف امرأة طيبة لدرجة السذاجة، تربت ببيت جدها بعد ان توفى والديها مبكرًا ، ضمها الى كنفه وتحت رعايته حتى كبرت واصبحت في سن الزواج فتخير لها من جمع الخاطبين، مايليق بها ويراعي بحنانه يتمها وضعفها، سلمها جدها الى رجل نزيه السمعة ويتميز بالأخلاق الحميدة، كان زوجها يخدم بالجيش وفي رعاية الوطن كظابط بالحرببة، قضت اجمل ايام عمرها معه ، في سعادة لم تستمر سوى بضع من السنوات انجبت فيها ولد اسمته صالح والبنت أسمتها فاطمة، ولكن الايام الجميلة لاتدوم، فقد توفى زوجها في احدى العمليات الحربية ، فعادت لبيت جدها مرة اخرى ولكنه لم يستمر في مراعاتها كثيرًا فتوفى هو الاَخر وترك المهمة لعمها الذي لم يكن في طيبة جدها ووداعة زوجها البطل الراحل، لم يكن يعاملها معاملة سيئة ولكنه كان يفضل الموت على ان يعطيها حقها كاملًا من ثروة اخيه، وعاشت انصاف لتربي ابناءها صالح وفاطمة في بيت جدها الذي ورثهُ عمها وابناءه، تتنعم بثراء العائلة مع ابناءها كالجميع؛ ولكن ليس من حقها المطالبة بميراث ، شعبان ابن عمها كان اكبر الأبناء، كان الواجهة والصورة اللامعة بين ابناء العائلة ذلك للباقته في الحديث وذكائه في الرد ، دائمًا مايتشدق بالقيم والمبادى فيخدع من حوله بصورته البراقة، تربى صالح في كنفهم، لا يحمل للدنيا هم، فتربيته المرفهة مع جينات ابيه السمحة، جعلته يراعي الأرض ويعمل مع شعبان الذي كان يضع يده على املاك العائلة ويديرها بفضل ذكائه ودهائه الا محدود ، لم يجرؤ في مرة للمطالبة بحق له ولا لوالدته، فقد كان يكتفي بما يصل في حسابه وحساب والدته من عائد الأرض سنويًا وبعض المكافاءات من عمله بالتجارة مع شعبان، رغم صغر سنه، وحينما وصل بعمره الى عمر التجنيد اصر على التقدم كباقي الشباب رغم انه كان وحيد والدته لكنه صمم على الالتحاق متطوعًا، بسبب رغبة تنامت مع عشق تغلغل بداخله من الصغر ، وقد اتخذ والده الشهيد قدوته، مانعت والدته الطيبة قراره يدفعها الخوف مماحدث لأبيه سابقًا ولكن مع اصراره اضطرت للموافقة مضطرة تنفيذًا لرغبة ابنها، ونجح في الاختبارات ليتمكن من الالتحاق بالجيش ، فترك والدته وفاطمة شقيقته الصغيرة، تحت رعاية عم والدته الذي اصابه المرض مع تقدمه في العمر وشعبان كبير العائلة بعد والده ، الذي كان في هذا الوقت متزوجًا ومعه اربعة من الأبناء، أكبرهم عثمان، مرت الشهور الأولى لصالح في قضاء فترة التجنيد؛ ما أجملها ، مع حماسه الامتناهي في التدريبات وتقدير رؤسائه له، ثم اكتسابه صدقات جديدة لشباب من عدة محافظات في الجمهورية، ثم يأتي لوالدته في الاَجازات محمل باشتياقه لها ولشقيقته الصغرى فاطمة، ولكنه كان في كل مرة يلاحظ ابتعاد شقيقته عنه واختلافها مرة عن أخرى ، في البداية لم يعطي بالًا ولكن مع التكرار و التغير الذي بدأ يشهده على تصرفات شقيقته وافعالها الغريبة ، بالأنطواء دائمًا داخل غرفتها لفترات طويلة، ثم نظرات عيناها الحائرة والزائغة ، حتى انه دلف لداخل غرفة والدته بالصدفة فشهد صراخها عليها :
- بقولك مش عايزة اروح ولا اَجي ، عايزة اترزع مكاني في اؤضتي، انتِ ليه مابتسمعيش الكلام .
- يابنتي انا احترت معاكي اعمل ايه بس في دماغك الناشفة دي؟ هو انتِ لو طلعتي من اؤضتك هاتتخطفي يعني؟ دا ايه الهم ده؟.
- بس بس في ايه ياجماعة مالكم؟ وليه الخناقة دي ؟
تفوه بها صالح وهو يقترب منهم بعد ان دلف لدخل الغرفة ولم يشعرن به في خضم شجارهم، قالت والدته:
- تعالى يابني شوف صرفة مع اختك، اللى عايزة تفضل قافلة على نفسها ، حتى قعاد مع عالسفرة مع العيلة رافضة....
قاطعتها هاتفة :
- ياستي مش عايزة اتنيل اقعد معاهم، فيها حاجة دي ياناس .
أردفت انصاف لابنها الواقف امامهم ينظر بحيرة نحو شقيقته :
- طب احكم واشوف بنفسك، دي حتى بطلت تدخل تطل على عمي ولا تطمن عليه .
صرخت فاطمة ببكاء :
- يعني وهي دخلتي انا عليه هي اللي هاتخليه يخف، ويقوم على حيله، ماتسيبوني في حالي ياناس، دا البيت الكبير ده فيه الف واحدة غيري، لازم تديقوا عليا وتخنوقوني ، انا قرفت وكرهت البيت، كرهته وكرهتكم كلكم ، كلكم .
نهت كلماته لتدخل في حالة من البكاء الشديد ، اقترب منها صالح يضمها اليه ويهدهدها بحنان:
- خلاص ياحبيبتي لا تروحي ولا تيجي، وافضلي مكانك ياستي زي ماتحبي، بس ماتزعليش ياقلب اخوكي .
كان صوت نشجيها في البكاء بحرقة يمزق في اوصال قلبه الملتاع عليها ووالدتها تسمرت مكانها تنظر لصغيرتها بجزع ، عاجزة عن فهمها ومعرفة ما يتعبها .
اصاب القلق صالح فحرم عليه حتى النوم ، عن حال شقيقته الذي تبدلت من فتاة شقية وجملية حد الفتنة الى شبه فتاة متقوقعة على نفسها دائمًا، حتى انه عاد الى خدمته بالتجنيد مرغمًا يقضي الشهور الباقية على مضض في انتظار انتهاءها على احر من الجمر، كي يفيق الى حال شقيقته وما اصابها ، على الرغم من اتصاله بوالدته شبه يوميًا للإطمئنان عليها ووصايته لها بأخذها الى الطبيب الذي كانت ترفض اقتراحه بشده شقيقتها، حتى انهى اَخيرًا صالح مدته، فعاد الى بلدته سريعًا دون ان يخبر احد بميعاد عودته، يذكر انه حينما دلف الى القصر ، كان فارغًا من الجميع سوى الخدم الذي تكفل احدهم ويدعى عم فضل، بإجابته عنهم فقال لصالح:
- العيلة كلها راحت المزرعة يقضوا وقت ويتغدوا هناك النهاردة يا صالح بيه ومافضلش غير الست اختك الصغيرة، هي قاعدة فوق في أوضتها والباشا الكبير ماانت عارفه عيان ومايقدرش يتحرك ولا يسيب البيت، اهو قاعد في جناحه دلوقتي على حاله ، ربنا يشفي عنه يارب.
اومأ له صالح برأسه يتمتم :
- اللهم امين يارب، طيب تمام ، روح انت شوف شغلك يا عم فضل وانا طالع اشوف الاتنين. .
صعد على الفور صالح الدرج كي يذهب الى شقيقته، حينما وصل الى الطابق الثاني ، وقبل ان يصل الى غرفتها تراجع مقررًا الأطمئنان على عم والدته المريض اولًا ثم الذهاب اليها، فتحركت اقدامه نحو غرفة الرجل كي يطمئن عليه ثم الى شقيقته كي يقضي معها اليوم كاملًا حتى يقترب منها ويعلم مالذي اصابها، ربما تبوح أوتتكلم ، وجد الرجل على، حالته طريح الفراش بعد ان اصاب الشلل النصف الأيسر من كامل جسده، فلا يستطيع تحريك يده او السير بأقدامه أو اخراج كلمة مفيدة من فمه الذي التوى بزواية كبيرة للأسفل، قبله على جبهته وربت على ذراعه متمتمً ببعض الكلمات اللطيفة والمهونة على اسماع الرجل ، قبل ان يخرج تارك الغرفة وقد اَلمه حال الرجل الكهل وكسرته على الكبر ، فور أن فتح باب الغرفة أمامه، لمح من البعيد مرور شبح احد الأشخاص في الممر المؤدي لغرفة والدته وشقيقته، اغلق باب الغرفة وسار مغادرًا الى غرفة شقيقته، والتي ما أن وصلها ووضع يده على مقبض الباب، سمع همهات بكاء مختلطة بأصوات وهمسات رجلٍ ، فتح الباب قليلًا بمواربة ليرى مايحدث فصعق لما يراه امامه، شقيقته ملتصقة بباب خزانة الملابس، تبكي وتترجى بإذلال ورجل يقف امامها، علمه صالح من ظهره وصوته المستفز :
- إيه يابطة؟ هاتفضلي اليوم كله لازقة في الدولاب، هي اول مرة يعني؟
فاطمة وهي تبكي بحرقة وانكسار :
- حرام عليك سيبني وامشي بقى، هو انت مش راضي تعتقني لوجه الله ابدًا .
ضحك متبخترًا وهو يحوم حولها وهي تتهرب منه بخوف:
- اسيبك ازاي بس ياهبلة ؟ هو انتِ اللي في جمالك وحلاوتك دي تتساب، دا انتي ولا القشطة نفسها ، قربي بقى خليني اطفي شوقي اليكي .
صرخت تفلت نفسها من قبضته :
- والنعمة لو ماسيبتني لاكون فاضحاك قدام البلد كلها، وقايلة لمراتك على كل حاجة .
دوت ضحكته المجلجلة وهو يلاحقها:
- لو تقدري تعمليها، كنت عملتيها من زمان، وحتى لو حصل، تفتكري هايهمني، دا انا هلاقيها فرصة عشان اطلقها واتجوزك والبلد كلها هاترحب ودا عز الطلب ياقلب شعبان ما انا مش هاسيبك لحد غيري ابدًا ، قربي بقى وماتخلنيش اخدك بالغصب زي كل مرة، قربي يا فاط......، ااه .
دوت صرختها مترافقة مع صرخته المتالمة بعد ان انقض عليه صالح فجأة بغتةً من الخلف، يكيل له بالضربات الموجعة على وجهه وجسده الضخم:
- يا كل...... ياجبان ... ياعديم الشرف ، انا ها خلص عليك النهاردة.
انزوت فاطمة تنتفض من الخوف وتبكي بحرقة باحد الأركان في الغرفة، والمعركة بين صالح وشعبان على اشدها، صالح يضرب بانتقام وشعبان لا يجد الفرصة لصد الضربات ولكن جسده القوي وجلده التخين يستطيع التحمل، بالرغم من شعوره بالألم الشديد اثر الضربات الموجعة التي يتلاقاها من صالح ، حتى تمكن اَخيرًا بالأفلات هاربًا من قبضة صالح، كالفأر الذي وجد طريقه من داخل المصيدة، تحرك صالح ليلحقة ولكنه تفاجأ بتصلب اقدامه على الارض وقد تشبثت شقيقته بيديها على اقدامه تمنعه التحرك برجاء:
- ابوس ايدك يا صالح سيبوا يمشي وماتفضحنيش،
برقت عيناه بالغضب يهدر عليها بغضب:
- سيبني يافاطمة خليني احصله واخلص عليه النجس ابن ال........
تشبثت اكثر تترجاه باكية:
- حرام عليك ياصالح، اختك هي اللي هاتتفضح لو الخبر خرج برا اؤضتي دي .
تلاحقت انفاسه الغاضبة تهدر بداخل صدره بصخب، لايصدق ماتراه عيناه، انكسار شقيقته ورجاءها بذل لعدم الأخذ بثأره ممن سرق براءة طفولتها واستغلها لهو القهر بعينه ، دنى اليها يجذبها من اكتافها لتقف على اقدامها وعيناه تحاصر انكسار عيناها فقال مشددًا على أحرف الكلمات:
- مين اللي يفضح مين؟ هو اللي يتفضح عشان بيدعي الصلاح والقيم قدام الناس، وهو في الأصل وس..... وابن ستين كل...... ، لكن انتي ازاي تخليه يستغلك كدة، كان فين عقلك؟ مكالمتنيش انا ليه ولا كلمتي أمك عشان نوقفه عند حده .
ارتفعت عيناها الذابلة اليه قائلة بضعف :
- وانت بقى كنت هاشوفك فين عشان اقولك؟ اجيبك من الجيش مثلًا على ملا وشك ، بحجة انك تيجي تحميني بعد ماسيبتني انا وامي تحت سيطرته ولا اكلم امي اللي عمرها ماكانت هاتصدقني وهي بتعتبره الوصي علينا احنا الاتنين بعد انت ماسيبتنا؟
صعق صالح وكأن دلوًا من الماء المثلج سقط فوق رأسه، شقيقته الصغيرة التي كبرت قبل اوانها ، تقولها في وجهه بكل جرأة، انه السبب فيما حدث لها من استغلال من قبل شعبان ابن عم والدته بعد أن تركها فريسة سهلة بيده، دون ظهر أو سند يحميها من غدر الأقارب ويقف بوجه من يحاول النيل منها ، أو استغلالها .
- بس انا كنت هاعرف منين انه بالوضاعة دي؟ انا اتخدعت فيه زي كل الناس اللي مخدوعة فيه، انا عمري ماعقلي صورلي انه ممكن يبصلك وانت بعمر عياله .
قال صالح مدافعًا عن نفسه باستيحاء رغم الشعور بالذنب المتعاظم بداخله ، ردت فاطمة بحرقة:
- بس اهو حصل ومابصش وبس لا، دا اتعرض لي كذا مرة لحد اما كسرني ، وانا خرسة وماقدرش عشان لو اتكلمت ماحدش هايصدقني ، ولا هايصدق برائتي حتى لو عرفوا الحقيقة، برضوا هايقولوا عليا اني غاويته، يعني في كل الاحوال انا اللي خسرانة .
فاض بصالح وانتفخت اوداجه من نبرتها المستفزة بالإستسلام ، فدفعها للخلف هادرًا:
- اوعي تفتكري ان بكلامك ده هاتنيل واسكت على عيني، انا يمكن غلطت مرة لما سيبتك انتِ وامي تحت مسؤليته، لكن الغلط دا لايمكن اكرره بإني اسيب حقك منه، دا انا اروح اندفن وانا حي اشرفلي .
صرخت تركض خلفه كي توقفه، ولكنها فور ان تخطت باب،الغرفة، ارتدت للخلف تدلف اليها مرة أخرى واغلقت الباب عليها بخوف ، مما قد يحدث، بسبب جبنها وقلة حيلتها حينما سكتت على تحرشات شعبان بها في البداية لها ، حتى ازدادت جرأته عليها مستغلًا ضعف شخصيتها وهوانها معه؛ الذي جعله يكسر براءتها دون رادع او خوف من شئ .
- وحصل ايه بعدين؟
سأل سالم بعد أن توقف صالح عن سرد بقية القصة ، نظر له صامتًا لبعض الوقت قبل ان يتمكن من الإجابة اَخيرًا ، بصوتٍ متثاقل بالألم :
- اللي حصل هو اني روحت باندفاعي ناحية جناحه عشان اخلص عليه وانتقم لشرف اختي وشرفي ، لكنه كان مستعدلي ، بمجرد ما فتحت باب اوضته، لقيته لف ذراعيه الاتنين على جسمي من الخلف وشل حركتي، بعدها بقى قعد يصرخ ولم عليا كل الناس اللي بتشتغل في البيت ، يشهدهم على السافل اللي اتعدى على حرمة بيته واتهجم على مراته في غياب كل افراد الأسرة ، رغم ماكنتش واخد بالي ان مراته قاعدة في اؤضتها اصلًا ، ولا حتى كنت اعرف انها رجعت البيت اصًلًا عشان تراعي بنتها العيانة..
وبعدها اتنصبتلي محكمة من العيلة ، يحاسبوني على قلة اصلي، وانا متربط ومش قادر اجيب سيرة اختي، اصلي لو حتى اتكلمت على رأيها هي مين هايصدقني انا ويكدبه، جابوا مراته عشان يسمعوا شهادتها في الكلام اللي قالوا عني، سكتت ومردتش بأيوة ولا لأ، استغل هو سكوتها وهلل امام الجميع يقول بعلو صوته:
- اشهدوا ياناس وشوفوا بنفسيكم، مراتي الست المحترمة، اتصدمت من اللي حصل وماقدراش تحكي ولا توصف اللي حصلها من صالح في غياب الجميع، دا لولا اني وصلت في الوقت المناسب ماحدش عارف ، كان هايجبرها على ايه؟
صرخت بعلو صوتي وقولت اني برئ وبيتبلى عليا، لكن ماحدش صدقني، الكل صدقوا هو واتحكم عليا بالطرد من العيلة، انا في ساعتها ماهمنيش اي شئ يحكموا بيه، عشان كل اللي كان بيدور في عقلي ساعتها هو اني انتقم منه وبس، ماكنتش اعرف اني ساعتها باديلوا الحبل اللي هايلفوا حوالين رقبتي، في ظرف ساعة من بعد ماانفض الاجتماع وانا كنت بودع امي عشان الم هدومي ادورلي على شقة بره وبعدها ارجع عشان اخدهم هي وفاطمة وانفذ اللي في دماغي، لقيت الشرطة بتسحبني من على باب القصر ، ودا لا شعبان باشا مكتفاش بطردي وبس لا، دا بلغ عني اني كنت حرامي وانا شغال عنده وهو بيداري عني بس بعد اللي حصل مش هايسكت عن حقه، وطلعلي اوراق رسمية من شغلي معاه يثبت فيها اني كنت باغتلس منه وبسرق في فلوس العيلة، وضاعت الحقيفة وانا كمان ضعت وانا مش قادر اثبت حقي مع واحد استغل قلة خبرتي وقتها زي مااستغل صغر سن اختي عشان يحصر قلب امي على ولدها اللي اتحبس ظلم، واخته اللي مااتحملتش اللي بيحصل قدامها خصوصًا مع ضغط شعبان عليها في غيابي ، فانهارت وطار عقلها منها واتحبست هي كمان في مصحة بعيدة عن امي اللي قلبها وقف منها يوم محاكمتي وماتت .
- لا حول ولا قوة الا بالله.
تمتم بها سالم وهو ييشيح بوجهه بعيدًا عن صالح الذي فرت دمعة ساخنه من عيناه على وجنته،، فصمت قليلًا كي يستجمع افكاره، بعد ان افقدته الذكرة السيئة تماسكه وقد عادت لتفعل بعقله الافاعيل.
اطرق سالم هو الاَخر وشرد عقله بتفكير في صعوبة الرواية التي ذكرها الاَخر، لو صدقت بالفعل ، ولكنه انتفض فجأة يسأله:
- اه صح ، انت ماقولتليش اليوم اللي جتلنا فيه مضروب بالرصاصة دا كان بسبب ايه؟
- كان بسبب اني قتلته .
- نعم ! قتلته ازاي يعني مش فاهم
تفوه بها سالم بعدم استيعاب، رد صالح بهدوء:
- مش فاهم ايه ياعم سالم ؟ بقولك انا اللي قتلت شعبان ابو مندور ، في اليوم اللي طبيت عليكم فيه، بعد ماهربت من الحراس اللي صابوني في كتفي اثناء ماكان بيطاردوني .
رد سالم وهو يهز برأسه بعدم تصديق:
- قتيل كيف يعني؟ انا ماسمعتش خالص ان شعبان ابو مندور مات مقتول .
- كيف يعني دا انا مفرغ فيه ٣ رصاصات في صدره ، يبقى ازاي ماماتش مقتول؟
صاح بها صالح رغم الألم الذي انتشر برأسه ، هتف سالم هو الاَخر:
- ياولدي زي مابقولك كدة، شعبان ابومندور دا مش راجل هين ، دا كان نايب عن الدايرة وخبر موته انتشر في البلاد كلها، دا حتى كبارات البلد عندينا لموا نفسيهم وعملوا عزوة لما راحوا يعزوا في جنازته، وماحدش فيهم ابدًا ذكر انه مات مقتول .
شحب وجه صالح وهو ينظر في الفراع بحيرة مما سمعه من سالم، يذكر جيدًا انه قتله ورأى طلقات الأعيرة النارية التي كانت تخترق صدره.، ام انه كان يهذي ، ياالله ما اشد هذه الحيرة، رفع راسه فجأة لسالم الذي نهض من مقعده يربت على ذراعه مهونًا:
- هدي اعصابك دلوقت ، وسيب الامور لله وبكرة بإذن الله يحلها الحلال ونعرف ايه اللي جرى.
اردف بكلماته وهم ليخرج من أمامه وترك صالح الذي انتابته الحيرة تنهش برأسه ، وقبل ان يمسك بمقبض الباب التف اليه يسأله بانتباه ويخرجه من شردوه:
- طب انت مالقتش حد نهائي يشهد معاك ضد شعبان ده؟
تنهد صالح قليلًا ثم أجابه:
- في الشركة لا ملقتش نهائي ، عشان كل حاجة كانت في ايد شعبان، يعني قدر يزور في الورق على كيفه، اما في البيت فكان في واحد بس، جالي القسم وحلفلي انه مؤمن ببرائتي عشان شافوا بعينه وهو بيتحرش بأختي كذا مرة، دا غير انه كان موجود ساعة ما شعبان لفقلي تهمة التعدي على مراته وهي كانت راجعة البيت من قبلها بدقايق قليلة، بس انا رفضت عشان رغبة اختي وسمعتها، دا غير اني اشفقت على الراجل ، لأنه بصراحة هو مش قد شغبان ولا ايده الطايلة، على فكرة ياعم سالم انا مازلت فاكر عنوان الراجل ده ، يعني لو عايز تتأكد من صدق كلامي روحلوا بنفسك واسأله.
سأله سالم :
- يبقى مين بقى هو الراجل ده ؟