رواية من بعد خوفهم الفصل الثالث عشر 13 بقلم حمدى صالح

 

 

رواية من بعد خوفهم الفصل الثالث عشر  بقلم حمدى صالح


 
تراجعت رهف لخطوتين من نبرتهُ؛ ليحاول فهم ما تُرمى إليه من عينيها المتوترة، أمسك يديها برفقٍ أمام الفراش؛ لينخفض لمستواها: 
-هاتِ ما عندكِ يا رهف.. هل تحدث أحدًا إليكِ؟! 

-لا، لا.. أنا أفكر بعلاقتنا مُنذ يومين فأنت لم تُناقشني منذ زواجنا، ادّعيتُ الكره عليك في أيامٍ متفاوتةٍ ولم أصرح بشيءٍ حتى الآن، رُبما شعرتُ بمراقبتك ولن أكذب أحاسيسي، أنت تقف بجواري دائمًا وتثبت إليّ بأنّكَ رجلًا وفي، فهل يمكن البخل في المشاعر أكثر من هذا! أنت لا تعمل، أنت تأخذ عمل الغير هربًا من أمرنا، جئتُ كي اعترف بمشاعري يا ياسر ولكني متوترةٌ للغاية؛ فلمَ أفصح لأحدٍ بهذا الشيء مِن قبل. 

صمت قليلًا وهو يُتابع أهدابها؛ ليرفع بصرها يزيل دمعتها الخفية، ضمّها برفقٍ وهو يحمد الله علىٰ نقاءها رغم ما فعلت، لم تتخلى عن حركاتها العفوية وقلبها بمحادثات الغرباء؛ فهو يدرك ما يحدث مع الفتيات من إعجابٍ ونظراتٍ فضّاحة، كُلمَ ناقشها لم يردد شيئًا خاصًا بهم، ابتسم لا إراديًا علىٰ جملتها الأخيرة؛ ليكسر قلقها وهو يخرج من الخزانة العلوية خاتمًا مزينًا باسمها من الداخل: 
-ما رأيك به؟! في الشهر الأول من العمل منذ أربع سنوات اشترتهُ خصيصًا لكِ. 

-كُل ما تفعلهُ أُحبهُ مثلك يا ياسر، كدتُ الضياع فأنقذتني مِن حفرتي أنت وأخي، أتعلم يوم قبولي لك رغم خوفك عليّ ونظراتك الغاضبة.. استمعتُ لعنود وهى تناقش مؤيد بعلاقتهما، هذا الفرق الوحيد الذي لم أفعلهُ، أنت مهندس ماهر ولم يجبرني أحد على قراري، لا زينب التي نهرتها من أجلي ولا خالتي. 

ألجمتهُ الصدمة مِن كلماتها؛ ليحلقـا معًا بعد أيامٍ ذاقت بها المرارة منذ سيرها خلف شهرةٍ زائفةٍ لم تستغلها بطرقٍ يافعةٍ، بينما هو رفض الجميع مقابل أنثى احتلت قلبهُ؛ فأذاقهُ الله حلاوة الأيام بحلالٍ بين، هو لمْ يحب غيرها، وهى استندت على رجلٍ فعلًا وقولًا. 

ــــــــــــــــــــــــ
غرفةٌ مغلقةٌ عن الجميع تضم ركبتيها باكيةً علىٰ حالتها المُتأخرة من بعدها عن نفسها، عبادتها، مستقبلها، شمسٌ تضيء عالمها أصبحت ظلامًا من امرأةٍ دُمرت أحلامها ولن تتركها بحالها حتى وإن سُجنت خلف قضبان حديدية، أوصدت حجرتها بالمفتاح طوال الأيام الماضية منذ مساعدة رهف إليها بجانب لدن سرًا، أمسكت الحاسوب وهى تحذف مقاطع الفتيات من حسابها ومقاطعها وهى تتمايل دون حياءٍ! 

بكْت مُجددًا فلن يرحمها القدر من الناس بعد أن تعرف الجميع عليها، استمعت لطرقات الباب مِن أخيها الصغير؛ لترفض الرد مجددًا، ولجت لمرحاض غرفتها تقذف المياه علىٰ وجهها أمام المرآة، أمسكت سجادة الصلاة واسدالًا جديدًا لم ترتديه مِن قبل، وقفت أمام الله بفؤادٍ منشطر لنصفين تحاول إرجاع قلبها النقي دون بليّةٍ على عاتقها، انسابت دموعها بغزارةٍ تستغفر الله علىٰ ما فاتها، فإن شعرت بفتاتٍ علىٰ جسدك قف أمام الله وستدرك رحمتهُ الواسعة حينها ستُدرك انهزامك الزائف، وأنّ المصائب لا تأتِ إلا باختبارٍ قوي. 

-أنا لم أتناول شيئًا منذ عودتكِ، تناولين معي يا شقيقتي مِن فضلك، والدينا بالخارج لا أكذب عليكِ. 

توقفت لبرهةٍ أمام الباب فلن تسامح نفسها إن تأذى كريم بعد غيابها عن البيت، أزالت المفتاح؛ ليدخل مُتطلعًا إليها، وجه شاحب، عينان ذابلتان، جلس بجوارها بألمٍ على حالها: 
-أتحبين تناول شيئًا بالخارج؟! ترك أبي نقودًا من أجلكِ لعلى تخرجين من بؤرتك، أين كُنتِ يا شمس! 

-كُنت علىٰ حافة الهلاك فانتشلتني الأيام من الظلام يا أخي، لا تسأل عن شيءٍ أحاول النهوض منه، أنت تعلم خبايا صدري وتهرب من أصدقائك من أجل أفعالي، كريم.. خُذ هذا الكارت وأخرج النقود وزعها علىٰ الفقراء قبل عودة والدينا من فضلك، أو افعل ما تحب من خيرٍ فأعلم أنّ الثانوية ثقيلة،  سأرتدي ثيابي ونخرج معًا أودُّ شراء أشياءًا إليّ. 

-وتشترين الدجاج المقرمش مع البطاطس المقلية.. لذيذة وشهية..! 

ابتسامة هادئة علىٰ وجهها ليحضنها بحبٍ، وقفت أمام الخزانة تحاول ارتداء شيئًا واسعًا لا يصف؛ لتغلقها وهى تشعر بالنفور، زفرت باختناقٍ مقررةً الذهاب بإسدالها، سارت علىٰ مضضٍ تنظر للأرض من قلقها الزائد، نظرت لأخيها الواثب أمام الثياب الفضفاضة ولمعة عيناه علىٰ ثغرهِ: 

-أعتقد أنّكِ تريدين هذه الأشياء؛ فأن ترفضين ثيابك الغالية مقابل الأغلى أمرًا لا أقتنع به، سأفعل ما أمرتيني به حتى تنهي ملابسك الجديدة، ولا ترتدين الألوان الفاتحة مثل عادتك رجاءً خاصةً الفسفوري البرتقالي والأصفر. 

ردت بجدية: 
-لن ارتديها مرةً ثانية يا كريم، سترى واحدة أخرى، هيا اذهب ولا تغيب عني كثيرًا. 

ولجت للداخل تجذب ألوانًا فساتين قاتمة دون نقوش، عاونتها إحدى الفتيات علىٰ ما تحتاج، شعرت بقلبها لأول مرة وكأنها فراشة تتطير في أفق السماء، لم تلاحظ وجود والديها ليخبرها بسفرهما لمؤتمر إقتصادي، دعت لهم بالسلامة ثُم بدأت في كتابة ما فاتها طوال الليل، شعرت ببرودة الجو؛ لتغلق النوافذ تراوغ أخاها حتى نام مِن تعب اليوم. 
ـــــــــــــــــــــ
باليوم التالي... تثائـبت زينب وهى تنتظر لدن بعدما وعدت رهف بالمكوثِ مِـن أجلها والذهاب سويًـا، وضعت حقيبتها بجوارها مُستندةً عليها بارهاقٍ، لم تنسَ عناوين الصحف وجرائم الزور المملوءة بالكثير مِن الجرائد، حزنت كثيرًا بعد أن تابعت الأخبار عبر الإنترنت، لململت فستانها المتطاير وهى ترمق الواثب أمامها بحدةٍ، ماذا يُريد منها؟! ألم يكفيه ما فعل بها وبـرهف!حملت أشيائها وهى تسير للخارجِ؛ ليمسك بيديها، رمقتهُ زينب بشرٍ؛ لتنتشل يديها منهُ قائلةً بأنينٍ مُرتفع تزامنًـا مع دخول أُبيِّ:-

-كيف ليديكِ القذرة أن تلمس يدي! لن أصمت هذه المرة حتىٰ ولو اجتمع الجميع معك أيُها الذكر الفاسد! 

-لم أقصد ولكن اسمعيني مِن فضلك على الأقل.. 

قطع حديثهما نظرات أُبيِّ الغاضبة مُشيرًا لهُ بالسيرِ، تتبعتهُ زينب وهى خائفةٌ منهُ، لا تعلم لمِّ ذلك الشعور يضاهي قلبها، هى مِن الأساسِ ليست مُجرمةً، جلس أمامهما؛ لينطق بهدوءٍ عكس نيران قلبهُ: 
-غريبٌ أن المتهم أمامي وتُريد الخلاص بأقاويلٍ يا حسين! 

-أقسم بالله أنَّني بريء ولم أُدنس روحًـا مِن تصرفاتي مهما يكن، أنا أُهدد، أسرق، أغازل ولا أقتل.. يوم فقدان أبي لم أكن بأي مكانٍ وها هو الإثبات تفضل رؤيتهُ، قبلها بأيامٍ هاتفتُ مؤيد بعدما التقيتُ به بأمرٍ خاص بيِّ، توبتُ عن أفعالي فرشح إليِّ الذهاب لبقعة مكة وأترك ما فعلتهُ لوقتٍ مجهولٍ وحِينما عُدتُ تفاجئت بموت أبي لم أفعلها، عاقبني الله بفقدان ضلعي بسبب أفعالي.. 

أكمل حسين وهو ينظر لزينب:
-أنا أعتذر عن العامين وسكوتك، ولكن اشفعي ليِّ، لم أتأقلم مع عائلتي وتوجهتُ لإيذاء الغير. 

هدر أُبيِّ بقوةٍ:
-اذهبي للخارج حتىٰ أأذن لكِ بالدخول!ماذا تُريد الآن! 

-استرداد كرامتي أمام الجميع خاصةً هُنا حتىٰ ولو فشلتُ في دراستي، سأنسحب وأعتذر الجميع. 

شعر بقهرٍ وهو ينظر بابتسامةٍ حزينة، إلى متىٰ سيكون العائق هو الأهل في كُل شيءٍ! كوارثٌ كثيفة كعقابٍ مرٍّ، وقف مُبتسمًا إليه:

-ولمَ تنسحب يا صاح إن تعرفت علىٰ مؤيد، سأسترد كرامتك وسأساعدك حتىٰ في تعليمك ياحسين، الاعتذار مِن الكرم والتربية حتىٰ ولو أمامك مُخطىء بطريقةٍ بشعةٍ، اتبع قلبك وتشبث بتوبتك، لا تبتئس، واقطع الشماتة التي ارتكبتها من الماضي، ثق بالله ولا تغازل الفتيات حتىٰ تراني.. يُمكنني المغازلة معك. 

غمز بيعنيهِ؛ ليضحك الآخر وهو يغادر بقلبٍ راضٍ، ولجتْ الأخرى وهى تفرك يديها:
-لا تُخبر أخي مِن فضلك..! 

-لا أنتظر حديثًا مِن نساءٍ بلهاء لا تُجيد التصرف وإحكام غضبها أينما كانت، صوتكِ العالي في مكان هامٍ يدل على ضعفكِ، أنتِ بالذات داهية في دراستك ولمَّاحة.. إنما أعصابك فاشلة في لملمتها، سأخبر أخاكِ؛ كي يرشدك لا خوفًا عليكِ! 

انسحبتْ بصوتٍ مهزوزٍ وهى تسرع مِن خطواتها، لحقت بها لدن وهى تجهل أمرها، كبت غضبهُ وهو يعنف نفسه علىٰ كلماتهِ السم، كيف لها أن تصلح وتفسد أمورها في نفس الوقتِ! رجعـا سويًا لمنزل ياسر والسكوت على لسانهم. 

تغمغم بسخطٍ علىٰ موقف اليوم، انتبهت لصوتِ أخيها بصحبة مؤيد، هدر ياسر بشكِ: 
-السكوت ما قبل العاصفة، ما بكن! 

ردت رهف وهى ترفع يديها: 
-منذ عودتهما وهما هكذا، واحدة تضحك والثانية غاضبة، سأحضر الطاولة فلن أثق بهن في تلك الحالة. 

-أنتِ تفعلين أمور المنزل التي رفضيها في منزل والدينا، أيعقل هذا! 
كتم ياسر ضحكتهُ بقوةٍ علىٰ منظرها؛ لتدنو من أخيها: 
-دمك خفيف يا أخي، حقيقةً لم أرَ أخف منك، لن تتناول معنا يا مؤيد وسأخبر ابنه عمي بألا تحضر لك شيئًا. 

استدارت بظهرها؛ ليهرول خلفها يتشبع من مشاكستها، مكث ياسر أمامهما،متمتًا بصوتٍ خافتٍ: 
-لم أشدَّ عليكِ في شيء أنتِ ولدن، لكن حضرتك تتمادين في صوتك، لا يهمني شيء بقدر شروعك في المشاجرة دون الانصات يا زينب، فلو سمحتِ لا تنفعلين مجددًا، ولا يلمس شخصًا يدكِ، هو اعتذر ومِن حقك الرفض أو القبول، شمس أنقذت لدن من شرور والدتها وتابت. 

تمتمتْ بصوتٍ خافت: 
-اللعنة لم يمر ساعة وأخبرك صاحبك! 

لكزتها لدن بغيظٍ لتومأ برأسها؛ كي لا يثور عليها ويكشف الأمر كُليًا بينما مؤيد يداعب شقيقتهُ علىٰ لمعان عينيها البارز، قبل جبينها ومِن ثم أوصل لدن وزينب بطريقه. 

علىٰ الجانب الآخر.. دلف أدهم من بابا البيت ينادي بأبيه؛ ليجدهُ ملقيًا بالأرض، الدماء تخرج من فاه، ولا يقدر على التنفس. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1