رواية من بعد خوفهم الفصل الرابع عشر 14 بقلم حمدى صالح

 

رواية من بعد خوفهم الفصل الرابع عشر  بقلم حمدى صالح


"بلاءًا بدربٍ مختلفٍ"

أسرع أدهم حاملًا أبيه لأقرب مشفى باكيًا علىٰ حالته، توقفت عقارب الساعة بعد رؤيته لوالده لطالما كره الدماء في ذكرياته السيئة، حملهُ الممرضون لغرفة الطوارئ؛ ليضرب عقله بيديه علىٰ إهمال أبيه في الآوانة الأخيرة بعد ثبات عملهِ بوظيفة المحاسبة بالبنك نظرًا لتفوقه، وقف بوهنٍ يتطلع من خلف الزجاج كاتمًا صوته، ساعتان ثُقال علىٰ جسده لشعورهِ بفقدان فلذة كبدهُ وسندهُ بعد الله، لم يتحمل الصمود لينزل علىٰ صوت أحدهم يخبرهُ بدفع المال بالخزينة، أسرع من خطاه محطم القلب مِن جهتين، الجهة الأولى والده وشعوره بشيءٍ قاسٍ، والثانية بعدهُ شبه التام عن عائلة مؤيد، تحمل الكثير من الألم ولم يضحي إلا بنفسه، طاقةٌ تستنفز في علاقاتٍ سامة وطاقة تفقدها بمجرد تعب والديك والأحبة. 

خرج الطبيب من غرفته؛ مُترددًا في الحديث، حاول إظهار الأمر الصوري لأمرهِ مردفًا برفقٍ علىٰ حالته المزرية: 
-لا يُمكنك أخذ والدك الآن، لم نكمل الفحص بعد، في الصباح سنكمل يا بني، يبدو أن أبيك يحاول القيام من أجلك. 

-مرض ماذا؟! وما تلك البقعة الحمراء! لن أفعل شيء واللهِ، أجبني من فضلك! 

ربت على كتفه:
-التقرير المبدئي لأبيك هو تغلغل السرطان في الدم، عليّ التحقق في أي مرحلة وأخبرك بالأمور القادمة، عن إذنك. 

صمت لبرهةٍ يضم يديه من الصدمة، أحس بثقل قدميه ليسير أمام البحر بقهرٍ، فقد روحه من جديد دون التفكير لثانيةٍ، الأمان، السكينة في الحديث معهُ، هو الحياة التي يعيش من أجلها. 

عاد للبيت مُتجهًا للمرحاض، فتح أدهم صنبور المياه على جسده متذكرًا كُل ألمٍ تأذى منهُ منذ عمر الثامنة عشر، ظُلم وافتراء عليه دون أن ينطق بأي كلمة، لن ينام بجوار أبيه، لن ينفعل على التفاهات التي يراها منذ الاندساس بعالمِ العمل المستديم، أزال الأتربة من عقلهِ؛ فالأيام لن تبتسم لهُ مهما فعل في التفوق والعلو بمكانته، كلمة سامة وكلمة حلوة وها هي الدنيا، حينما تسمو تقترب الأفاعي التي تركتك؛ لتمتص دماءك علىٰ حسابك، تذكر كلمات مؤيد: 
"مشاونة عنيفةٌ بينهما، يقبض على عنقه بقوة حتى اخترق من هول الصدمة، فصل الثالث بينهما وهو يصفعهما بحديثه القوي؛ ليرتطم رأس الآخر وهو ينصت للبريء؛ فكيف يلوم مَن وثق به وهو من اهتز ثقتهُ؟!". 

هو الآن مهزوز الثقة! 
ـــــــــــــــــ
ولجت شمس للجامعة بعد محاولةٍ للتغلب على حالها، ادّعت عدم الاهتمام من نظرات البعض، يضحكون ويهتفون بأقسى الكلمات عليها، تماسكت وهى تسير باتجاه المقهى الخاص بالجامعة لتمكث بعيدًا عن الجميع قبل الدخول لمحاضرتها، فكرت قليلًا في الرد عليهم ولكن السفهاء لا ينصتوا لحديث البريء، فوضت أمرها لله؛ لتذهب سريعًا على رنين رهف المستمر؛ فمحاضرة ياسر يرهب الكثير منها، استقبلتها زينب بترحابٍ بعد عِلمها بالحقيقة من رهف، لم تتفاجىء بردة فعلهن على تغيرها الجزير في وقتٍ قصيرٍ، تبسّمت بهدوءٍ وسطهم والهمهات لا تزال حولها! 

بدى الأمر مستفزًا علىٰ رهف أثناء شرح المحاضرة من الفتيات بالمقعد الخلفي، لم يختلف الأمر كثيرًا عن زينب لتقبض يديها تحاول التخفيف من عصبيتها الزائدة؛ فمَن يتب عن المعصية يغفر الله لهُ، لاحت فكرة بعقل رهف؛ لترفع يديها تحت شك ياسر من نظراتها الغاضبة: 
-هل يمكنني الخروج من فضل حضرتك؟! 

ردّ بنبرةٍ جادة: 
-أعتقد أنّ المحاضرة لم تنتهي، وما تِلك الضحكات التي تصدر؟! 

-يضحكون علىٰ قوتي في التّحدث بتلك اللغة من جديدٍ بعد ضعفي فلم يرحم أحدهم شخصية الإنسان وأنّنا مشاعر لا أحجار، أنتِ تضحكين دون احترام المحاضرة التي يصدرها، وعلى فشلي الدراسي والشخصي، فأكملتِ همهماتك مع رفقتك السوء علىٰ شمس، هى لم تؤذيكِ بل أنا مَن تألمتُ منها وغفرت لها ما فعلت ولأمرٍ خاصٍ أيتها المتعجرفة، لولا صمود لساني في كل مرة أمام بطلان كلماتك لصفعتك ألف مرة، ولكن المحترم يحترم الغير، قولتِ بأنّني لن أتزوج ولن أنجح في علاقةٍ بعد أفعالي المشينة ولو نظرتِ لنفسك ستندمين على ثيابك وما تفعليه، الآن أنا متزوجة وأخفي خاتمي دائمًا ولكن من بعد الآن سأخفي وجهك، هذا الشاب (وأشارت لياسر) يكون زوجي ولا يعلم حديثي الآن، ومَن تنهريها بردائها الواسع الذي يخفي معالمها تكون أخته، أما لأمر شمس فلا يخصكِ، ومَن تغمرك بالنقود الفياضة ستدمرك كُليًا، لا تفرحين، أنتم تضحكون على الغير وكلكم أخطاء، أنا والجميع، لا ترحموا الغير دون النظر لأنفسكم! 

وقف ياسر مُتطلعًا لثباتها؛ انفعالها المكتوم أشعل فؤادهُ من خوفها القليل، نظر لزينب وهي ترمقهُ بقلقٍ وفرحةٍ. 

صوت الجرس قلق الطلاب؛ ليأمر بدخول حسين، وثب بصوتٍ جمهوري: 
-كُنت أريد استماعكم لحديث زميلكم وكيف تلقى عقابًا قاسيًا من الدنيا بعد وفاة أبيه ولكن يبدو تحرركم الزائد لا يستهان به، لن أجعلهُ يبرر شيئًا بعد هذا الحديث من الطالبة، هو سيمكث مكاني قريبًا حينها ستتعلمون منهُ وأنتم بمكانكم، انتهت المحاضرة، ولأخبركم بشيء شمس وحسين كثيرون هنا، وعقابهم أقوى منكم، لن أحاسب من استهزء بأحدهن؛ فأنا أعلم مَن يدفع لكم. 

خرج سريعًا لمكتبهِ الخاص به وبأُبيِّ يرمق حسين بتيهٍ وتوعدٍ لهم، نطق بحدةٍ: 
-من اليوم تبحث عن تدريبٍ للرياضة وللعمل، ردّ حقك بكرامتك وإلا لن يرحمك العالم مثلما فعلت، ولا تتحدث مع شمس من الآن، أفهمت؟! حقق حلم أبيك دون كسل وإن كان الأمر متعلقًا بقلبك فتعلم دينك جيدًا ودنياك. 

غادر بإيجابٍ باحثًا عن شمس بأي طريقة، لمح طيفها جالسةً مع الفتيات بملامح واهنة تظهر علىٰ وجهها، لم يصدق صمتها وحالها الجديد، خرج من حرم الجامعة بقلبٍ مفتورٍ على حالهما، هو أحبها ومارس اللهو مع الفتيات الآخريات قبل توبته، والآن يخشى أن تغلق قلبها عليه، بينما تعالت أصوات زينب وهى تسير بغيظٍ: 

-لسانك ظهر الآن بالنيابة عني حينما رُدت ثقتك يا حبيبتي من زوجك الطور، هل تعلمين كيف سيقضي علينا الآن؟! 

أكملت وهى تحرك يديها بالهواء: 
-(الآن أنا متزوجة وأخفي خاتمي دائمًا).. هل هذه مقولة تقال أمام أخي، بالله كيف سيحررها، لا تتناولين الطعام أمامي هكذا.. ما هذا البرود! 

ردت شمس بوهنٍ: 
-وهل تركتي لنا الرد بصوتك هذا يا زينب، نحن بمقهى الجامعة لا بالبيت، وها هو شقيقك يهاتفك عدة مرات وأنتِ تتحدثين دون إرهاق، ماذا تتناولين في الصباح! 

فتحت هاتفها بخوفٍ تعيد الرنين عليه؛ ليغلق الخط بوجهها مرسلًا رسالةً نصية بالذهاب لأمه، ولحسن الحظ خرجت لدن سائرةً معهن تتهامس مع شمس الجديدة، تشرح معلومات الهندسة وتنير بصرها، بينما رهف تفكر في جملتها، صعدت العمارة بقلقٍ لتفتح خالتها صفية بفرحةٍ: 
-حمدًا لله على سلامتكما يا فتياتي. 

-وأين السلامة في زوجة ابنك الفضّاحة! 

فتح ياسر باب غرفته بحدة وصوت جمهوري: 
-ردي باحترام يا محترمة القدر، لن أصمت على أفعالك أكثر من هذا، لولا حفاظي على ثباتي لـ.. 

قطعت رهف الحديث بهدوءٍ: 
-اذهبي لغرفتك يا زينب الآن.. ولا تعاندين زوجة أخيك هذه المرة رجاءً. 

أكملت برفقٍ لخالتها: 
-لا تقلقين يا أمي، الأمر بسيط سأخبرك به لاحقًا، سأدخل لهُ. 

تبسّمت بوجهها علىٰ لفظ(أمي)؛ فبعد زواجها من ياسر وطأت العلاقة بلينٍ واعتبرتها والدتها الثانية رغم ما فعلتهُ، دخلت الحجرة بخوفٍ مغلقة الباب من الداخل؛ لرضاء رجلها الوفي على أمرها، يرمقها من طرف عينيه بينما هي تخلع جواربها ليزين خاتم زواجها بيديها، جلست علىٰ مقربةٍ منه يدعي النظر للفراغ: 
-ألن تنظر لحبيبتك يا بن الخالة، سألعب بشعرك ولن تفعل معي شيء، أو أموت كي ترتاحي من مصائبي. 

شعرت بتعقيد الأمور أكثر فوقفت مغادرة الغرفة تاركةً إياه، لا تعلم الخطأ من أين! مِن نفسها أم من صمتها، تحججت بالرحيل لعنود علىٰ وعدٍ بالتكلم مع خالتها فيمَ بعد، لم تسرع من خطاها بل وثبت أمام منزل والديها، جلست تداعبهما بمرحٍ عكس احتراقها الداخلي، زواج، مسئولية، حياة ليست لها من الأساس، ولجت لغرفتها وهى تدثر نفسها بين الأغطية دون الاهتمام بمن يطرق الشقة، شقيقها سافر لقضاء التدريبات وعنود مع جدتها دائمًا، لاح طيف أدهم بعقلها بعد اختفاءهُ المفاجئ؛ مقررةً الذهاب لمتجر والده أثناء عمله باكرًا، نامت من كثرة التفكير رغم غروب الشمس عليها، أحداثٌ كثيرة بوقت قصير تؤلم العقل والعين! 

ـــــــــــــــــــــــــ
وقف سليمان بقدمين مثقولتين أمـام أحد أقسام الشرطة، قدم الظابط التحية باحترامٍ إليه لتأتِ طليقتهُ (والدة عنود ولدن) بضحكةٍ خبيثة، جلست إيزاءهُ بحقدٍ؛ فكان يستغفر الله علىٰ وجهها الأسود الماكر، فشل في الاستماع لأخيه حسن منذ زمن والآن يدفع الثمن فتياتهُ وهو أولهم، مواجهةٌ أخرها كثيرًا، أردف بشموخٍ عالٍ: 

-رُبما أصبتِ في تدمير حياتي سابقًا لكن صمتي هذا ليس خوفًا من شخصك السيء، ألا تعلمين رؤيتي لاحتساء الدواء المخدر الذي تسميه شفاء للصداع؟! محادثاتك الصوتية مع الرجال بشأن إفساد عملي وأولادك، أنتِ شيطانة ولن أغفر لكِ ما فعلتيه ببناتي! 

-سأدمرهم وأدمر الجميع، سترى بعينيك عاجلًا. 

ضحكةٌ هستيرية جعلت قلبهُ ينتفض من نبرتها، غادر من المكان سريعًا يتمنى فشل خططها؛ لكنها تنجح في كل مرة، لم ينس حديث أدهم وهو يخبرهُ بتحركات لدن بعد أن اتفق معهُ خوفًا عليها؛ فهو يسافر في عمله كمهندس معماري ويعود بوقتِ العطلة، تمنى للحظة العودة للوراء؛ كي لا يقترف هذا الأمر، لعنة الحب ختمٌ على الصدر لا يزل بسهولةٍ، أبٌ يسعى لراحة بناته رغم صحتهُ المستنزفة، يكتم الأمور على أمه وأخيه حتى! 

ساقتهُ قدميه أمام بنية عنود فلم يخبرهم هذه المرة برجوعه، طرق الباب برفقٍ؛ لتزيح الباب بفرحةٍ عارمة، ألقت جسدها بضلوعِ والدها، تشتاق إليه كل يومٍ لا تراه فيه وما يزعجهُ يزعجها ألف مرة، رأت الحزن الثقيل بعينيه محاولةً التخفيف عنه دون السؤال، هدرت بجدية: 
-لمَ أشعر بثقل شيء علىٰ فؤادك يا أبي! أخبرني بداخلك ألستُ صديقك الوحيد! 

-أنتن حبيباتي يا عنود ولكن بعض البوح يؤذي الغير، رُبما أقصص ما حدث ولكن لنصفه أو أقل، أما الباقي شأن خاص بوالدك فقط. 

أومأت برأسها وهو يسرد تفاصيل واقعة لدن كُلها مُتطلعًا لملامحها الهادئة، تكره مَن يمس صغيرتها كثورٍ هائج، ابتسمت برفقٍ: 

-لهذا تتهرب مني هي ورهف خوفًا من رد الفعل، أنا لا أغار من رهف قط، مثلها مثل لدن وأكثر لهذا تركت المواقف وتصرفاتهن لهن، يكفي ما أحمله بجبعتي وإن صرختُ على لدن سأمحو قوتها التي تنشأها من نفسها، ربما صفعة رهف أرحم مني ولكن الاثنين متعبون، لدن تفقد الاحتواء وكنتُ أعلم نظرات أدهم إليها، في الحقيقة أريد سؤالها عنهُ منذ الرؤية الأولى! ولكن أثق بها لهذا سأترك لها بعض الوقت يا رفيقي الغالِ، لا تحمل همًا غير همك، الفاعل (أمي) وتخشى حزني، أبي لا يصح كتمان الأمور على قلبك وعقلك، ستفقد سيطرتك والغريب يودُّ فشلك، لن تسافر لمكانٍ بعد الآن وستسكن معي حتى ينهي مؤيد تدريبهُ على خير، لن ترفض أمرًا يضر ببنيتُك يا غالٍ، أو تذهب لجدتي فلن تمل منك قط. 

تحاول التملص من التفكير إن لامس أحدهم فتيات عائلتها والغير، لكنها أجادت إخفاء الأمر مثلما يفعل مؤيد دون اختلاف، ندوبٌ لن تمحو من عقلها حتى ذلك الحين!

(مِن كثرة البكاء تتألم، ومِن عجزك تساق خلف الوهم!)

نائمةٌ في فراشها بعد تصنع الثبات أمام والدها وزوجة أبيها، التي أحسنت التصرف من بطش ياسر لشقيقتهُ، تتململ عليه، وبين الثانية والأخرى شعرت بمياهِ تتساقط عليها، أمسكها من مؤخرة رأسها وهو يحركها بغيظٍ:
-استيقظي يا بومة، اليوم لم ينتهي! 

أجابت زينب بمقطٍ: 
-اترك ثيابي، لا يصح ما تفعلهُ الآن أنا أنثى رقيقة! 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1