رواية مابين الحب و الحرمان الفصل الرابع عشر بقلم ولاء رفعت على
ذهب معتصم إلي والدته بعدما تأكد من أن ليلة تغط في نوم عميق بعد يوم طويل من العمل فهي الآن تقوم بمهام عايدة التي أصبحت حامل و لم تستطع القيام بعمل أي أعمال منزلية شاقة من الممكن أن تضر بحملها و ربما هذا حديث نفيسة التي تتمسك بحفيدها و كأنه عوضاً عن إبنها الذي فقدته.
جلست مع ولدها لتخبره بهذا الأمر الهام و هو حمل زوجة أخيه المتوفي، سألها بعدم فهم :
- طيب يا أمي و أعملها أي يعني، ربنا يكملها علي خير عايزة أي أنتي مني مش فاهم؟
أبتلعت ريقها و خشيت من ردة فعل إبنها بعدما تخبره بطلبها :
- عايزاك تتجوزها بعد ما تقوم بالسلامة.
صاح بغضب كالوحش الكاسر :
- نعم بتقولي ايه!، أنتِ أكيد بتهزري إستحالة.
- يابني أسمعني بس قبل ما تقرر، هي لو كانت لوحدها مكنتش هطلب منك الطلب ده و هقول تروح تتجوز أي حد، لكن دي شايلة حتة من أخوك.
أنتصب شعر جسده عندما أدرك ما تقصده والدته:
- قصدك حامل؟
أومأت له و قالت:
- أيوه لسه عارفة إمبارح، ما تعرفش أنا فرحت قد أي قولت سبحان الله، ربنا ليه حكمة بأن يرزقنا بحته من جلال الله يرحمه.
نهض معتصم و ولي ظهره إلي والدته و أخبرها:
- معلش يا أمي أطلبي مني أي حاجة ما عدا موضوع جوازي من عايدة، أنا بحب ليلة و ما أقدرش أخونها.
نهضت و وضعت يدها علي كتفه و قالت:
- خيانة ايه يابني كفي الله الشر، ده جواز علي سنة الله و رسوله.
ألتفت إليها قائلاً:
- يا أمي أرجوكي ما تضغطيش عليا أكتر من كدة.
- ماشي يابني، عموماً أنا بقولك فكر من هنا لحد ما تقوم هي بالسلامة يعني قدامك تسع شهور و لما تخلف و تربعن تكتب عليها.
جز علي أسنانه يكبت غضبه حتي لا يصدر منه فعلاً أو قولاً نحو والدته يندم عليه لاحقاً، فأطلق زفرة و كأنها لهيب مستعر ثم ذهب من أمامها و بالطبع هناك زوج من العيون المليئة بالخبث و الشر تراقب و تسترق السمع من خلف باب غرفتها.
ـــــــــــــــــــــــ
و في صباح اليوم التالي، أستيقظت ليلة علي صوت زوجها و هو يصيح بغضب و يتحدث في هاتفه:
- إزاي ده يحصل من غير حتي يبلغني و لا هم فاكرين نفسهم ايه!
الطرف الأخر في المكالمة:
- أهدي يا صاحبي و بطل زعيق أنت عارف و أنا عارف إنهم ممكن يمشونا في أي وقت من زمان و خصوصاً عشان بنقبض بالعمله الصعبة.
رد معتصم و صدره يضيق و يشعر بالإختناق:
- طيب خلاص يدوني باقي فلوسي و أنا مش عايز من وشهم حاجة، و بلغ الشيخ عبدالله أن خلاص مش راجع و باقي فلوسي و أتعابي يبعتهم لي في حوالة، يلا سلام.
زفر بحدة و ألقي بهاتفه علي الأريكة فجميع المصائب تتوالي فوق رأسه الأولي طلب والدته بأن يتزوج أرملة أخيه التي يمقتها و يكرهها بشدة و ها هو قد خسر عمله في الخارج و أصبح بلا عمل.
أقتربت منه ليلة و سألته بإهتمام:
- مالك يا حبيبي فيه حاجة حصلت في شغلك؟
حاول رسم إبتسامة علي شفتيه فلا يريد أن يشاركها أحزانه يكفيها ما رأته من حزن في الماضي، ربت عليها بحنان و قال لها:
- مفيش يا حبيبتي، شوية مشاكل كده في الشغل.
نظرت إليه بحب و حنان و قالت:
- معتصم لو محتاج أي حاجة أنا دهبي تحت أمرك.
ألتفت إليها و ظل يرمقها لثوان بسعادة فها هي تعرض عليه المساعدة دون أن يطلب منها ذلك، أمسك بيدها و قام بتقبيل باطن كفها و قال:
- ربنا يخليكي ليا و ما يحرمنيش منك يا روح قلب معتصم.
ثم عانقها بحنان و حب فأخذت تربت عليه و قالت:
- و لا يحرمني منك أبداً يا حبيبي.
أغمض عينيه و يتذكر طلب والدته بالزواج عليها، كيف يفعل بها ذلك!
ـــــــــــــــــــ
و في المساء كان شارداً في الأمر الذي يشغله و ينظر نحو سرب الطيور المُحلق في السماء فيبدو أكثر حرية منه، و قاطع شروده يد تربت عليه بحنانها الغادق دوماً فألتفت إليها قائلاً:
- تعالي يا أمي.
و أشار إليها لكي تجلس بجواره فقالت له:
- أنت زعلان مني يا بني؟
نظر إليها و أمسك بيدها:
- عمري ما أزعل منك يا أمي مهما حصل، لكن اللي أنتِ طلباه مني صعب أوي أوي عليا، أنا فاهم و مقدر مشاعرك، و بعدين ما هي كده أو كده هي قاعدة معاكِ عشان ملهاش غيرنا و إبن أخويا يبقي زي إبني يشرف بس و يجي بالسلامة و أنا و الله ما هقصر معاه أبداً، ده هيبقي الغالي إبن الغالي الله يرحمه.
ربتت عليه و ما زالت تُصر علي رأيها:
- عارفة من غير ما تحلف، بس برضو ريح قلب أمك، أنت خلاص أهو قاعد و مفيش شغل و لا سفر فبالتالي ما ينفعش تدخل و تطلع عليا و مرات أخوك قاعدة معايا و هي من غير راجل يرضيك حد يقول عليها كلمة كدة و لا كدة!
نهض و هم بالذهاب و الشياطين تتراقص أمام عينيه فسألته:
- قايم رايح فين؟
زفر بتأفف و أجاب:
- نازل هاقعد علي القهوة مع أصحابي.
و قبل أن تتفوه بكلمة تركها مسرعاً و ذهب.
و علي المقهي رأي حبشي يلقي مكعب الزهر علي القطعة الخشبية و يقهقه قائلاً:
- ها آو تالت دور و غلبتك يلا حاسب علي المشاريب يا حلو.
رد الشاب الأخر:
- طب و ربنا حاسس إنك بتخُم، لاء يا عم مش هحاسب، حاسب أنت علي مشاريبك و أنا هحاسب علي مشاريبي.
قبض حبشي علي تلابيب قميصه و أخبره بصوته الغليظ:
- ما تطلع راجل قد كلامك يالاه و أدفع بدل و عليا الطلاق لـ...
قاطعه معتصم الذي حضر للتو و أمسكه من يده قائلاً:
- جري إيه يا أبو نسب مش لاقي غير الولاه حمدي اللي بيموت علي الجنيه زيك و تلاعبه علي المشاريب! ، أنا اللي هادفع إهدي بقي.
قام الأخر بدفع ذلك الحمدي من ذراعه:
- قوم يالاه من هنا و قعد سيدك معتصم.
إبتسم معتصم رغماً عنه و جلس و أطلق تنهيدة فسأله حبشي:
- مالك أختي منكدة عليك و لا إيه؟، و لا موت المرحوم أخوك لسه مأثر عليك.
رمقه بإمتعاض و قال:
- مفيش، سيبك مني أنا دلوقت إلا قولي يا حبشي، هو أنت ما بتجيش ليه تسأل علي أختك، و قبل ما ترد بإجابات ملهاش لازمة و عارف وراها إيه، إحنا مش عايزين منك حاجة بس موضوع قلة سؤالك علي أختك و كأنك ما صدقت تخلص منها ده مأثر علي نفسيتها و اللي يزعل ليلة كأنه زعلني بالظبط.
حك الأخر ذقنه و قام بقلب الأمر من الجدية إلي المزاح الساخر قائلاً:
- أختي علي طول نكدية و أنت شكلك كده طري معاها ما تنشف يا صاحبي و بطل خيابة و أسترجل شوية أجيب لك بيريل و لا تاخد لك سوجارة؟
نهض معتصم و رمقه بإزدراء:
- تصدق بالله أنت الكلام معاك خسارة و مضيعة للوقت و هقولك علي حاجة البيريل دي تشربها أنت يمكن ترفع عندك هرمونات الرجولة و لا اه صح نسيت إنك معفن و نتن مش هاتقدر تشتريها.
تركه و ذهب قاصداً العودة إلي أحضان زوجته، فكلما ضاق به الحال ذرعاً يذهب و يرتمي علي صدرها لعله يهدأ و يصبح في حال أفضل، لكن أحياناً يقدم لنا القدر ما يشرح صدورنا و ييسر لنا أمرنا.
و قبل أن يصعد إلي ليلة قامت والدته بمناداته:
- معتصم تعالي يا بني عايزاك دقيقة.
ولج إليها و قال لها:
- نعم يا أمي.
- المحلات تحت مقفولة عايزة تتوضب و أفتح لك المشروع اللي يناسبك، هتلاقي أوراق الترخيص و الكهربا و الميه عندك في الأوضة جوة.
أومأ لها قائلاً:
- حاضر يا أمي، بس بعدين بقي.
- يا بني ريحني و أعمل اللي بقولك عليه و لا أنت متكل علي القرشين اللي حيلتك تقعد تصرف فيهم لحد ما يخلصو!
رمقها بإمتعاض ثم نهض:
- حاضر.
و ذهب علي مضض و ولج إلي داخل غرفته فتح الخزانة و أخذ يبحث عن تلك الأوراق فأنتبه إلي عدة ملفات لنتائج تحاليل طبية، قام بفتح إحداها فوجد إسم شقيقه و تقرير بالإنجليزية لم يفقه منه شيئاً، حتي وقعت عيناه علي ورقة مُرفقة بها إسم الطبيب و ضرب الشك صدره عندما رأي تخصص الطبيب أسفل إسمه، أخذ تقارير النتائج و عقد العزم علي معرفة شيئاً ما و إذا أصبح شكه يقيناً فسيجعل الدنيا تنقلب فوق رأس تلك الحرباء عايدة.
ــــــــــــــــــــ
تتلفت من حولها عندما وصلت إلي هذا المكان النائي لتقابله بعدما أرسل لها رسالة إنه يريد مقابلتها أم سيأتي لها في منزل عائلة زوجها و هذا كافي لجعل الخوف يدب في قلبها، تخشي أن ينكشف خداعها أمامهم لا سيما بعدما أقتربت من غايتها و هو الزواج من معتصم.
- عايز ايه يا زفت عمال تبعت لي في رسايل و تتصل.
أقترب منها و بإبتسامة شيطانية أخبرها:
- خايفة لأكشف حقيقتك لمعتصم أخو جوزك المرحوم!
أتسعت عيناها فأردف موضحاً لها:
- أنتِ فكراني مغفل و معرفش أنتِ مين!، أنتِ لما مشيتي من عندي أول مرة نزلت وراكي و شوفتك قبل ما تدخلي البيت بتقلعي النقاب ده غير لما حضرت عزا جوزك الله يرحمه و يبشبش الطوبة اللي تحت راسه اللي سبحان الله بقدرة قادر طلع أخو معتصم اللي كنتي بتقولي إنه كان متجوزك اللي هو إزاي يعني، فطبيعي فقست الحوار.
أنقضت عليه و قبضت علي تلابيب قميصه تحذره من بين أسنانها:
- إسمع ياض أنت و ربنا لو نطقت بحرف لأقول لمعتصم علي أنك بتشاغل مراته و بتجري وراها و يا سلام أخوها لو عرف هيمسكوك و يقطعوك حتت و يرموك للكلاب خاصة بعد ما أعرف معتصم اللي عملته فيا اليوم إيـ...
صمتت حتي لا يفتضح أمرها و ما تخبأه علي معتصم و والدته إذا علموا بأمر علاقتها بعمار و إغتصابه لها.
- سكتي ليه إيه اللي عملته فيكي!
تهربت من النظر إليه و أجابت:
- قصدي يعني تهديدك ليا، بقولك إيه إبعد عني بقي أنا دلوقت واحدة أرملة و بخاف علي سُمعتي.
خفقات قلبها كانت تتزايد لكن بدأت تهدأ عندما أيقنت من سؤاله بعدم تذكره لأمر إعتداءه عليها.
ضحك بسخرية و أخبرها:
- أنا كده فهمت، أنتِ عينك من معتصم و كنتِ عايزة تزيحي ليلة من قدامك و تخليه يطلقها بعد ما يعرف علاقتي بيها و طبعاً دلوقتي موت جوزك حل ليكي المشكلة عشان كده واقفة قدامي و بقلب جامد تقولي لي أبعد عنك عشان سُمعتك!، طب بصي بقي أنا يا قاتل يا مقتول تتصرفي و تتشقلبي تخلي معتصم يطلقها و في نفس الوقت تشخللي جيبك و عايز 100ألف جنيه.
صاحت في وجهه:
- نعم يا أخويا!، ميت عفريت لما يلهفوك، مش هديلك حاجة و غور بقي بدل ما ألبسك مصيبة.
قبض علي رسغها:
- العفاريت دي اللي هطلعها عليكي لما أفضحك في الحارة و أقولهم علي أتفقنا و لا هيهمني و ساعتها هيطردوكي طردة الكلاب في الشارع، فياريت تسمعي الكلام زي الشاطرة و في خلال أسبوع ألاقيكي عندي و معاكي المبلغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- أنا نازلة هاروح عند أخويا أشوف العيال و هدي عشان وحشوني أوي.
قالتها ليلة له فأجاب الأخر:
- أستني هانزل أوصلك.
ذهب معها و قام بإيصالها ثم ذهب إلي الطبيب الذي أخبره ما هو مدون في التقارير الطبية:
- أستاذ جلال الله يرحمه كان بيتعالج بقاله سنتين بس للأسف كل محاولات العلاج فشلت و النتايج الأخيرة كلها بتقول إستحالة إنه يخلف.
و بعدما غادر من العيادة عاد إلي المنزل و عند وصوله أمام شقة والدته وجد عايدة تقف تنتظره:
- أنا عايزاك في موضوع مهم.
رد بسخرية:
- يا تري ها تقولي لي اللي في بطنك ده يبقي إبن مين؟ و لا لعبة جديدة هتلعبيها عليا من ألاعيبك القذرة !
لم تنظر إلي عينيه مباشرة تخشي أن يدرك خداعها و أكاذيبها فقررت أن تشغله بإخباره عن عامر و علاقته بالليلة:
- المرة دي بجد مش لعبة، و يلا قبل ما أمك ما ترجع من برة، لأن اللي هاقوله لك ماينفعش حد يسمعه غيرك لأنه يمس سمعة مراتك.
أمسك ذراعها بعنف و صاح بها:
- بت أنتِ أقسم بالله لو جبتِ سيرة مراتي تاني و ألفتي لها مصايب لأفضحك و أفضح وساختك و هقول لأمي إن اللي في بطنك مش إبن أخويا لأن جلال الله يرحمه كان عنده مشكلة و بيتعالج منها و للأسف التحاليل كلها اللي عملها بتقول إستحالة إنه يخلف.
أبتلعت ريقها و أرتدت قناع الجمود و أرادات أن تقلب الطاولة فوق رأسه فألقت عليه تلك القنبلة الموقوتة لتنفجر في وجهه:
- أخوك الله يرحمه مكنش بيخلف و داريت عليه عشان ما يبقاش مكسور قدامكم، و فعلاً اللي في بطني ده مش إبنه.
رمقته بجرأة سافرة و أردفت:
- يبقي إبنك.
نهض و أنقض عليها كالوحش حيث أمسكها من ذراعها بعنف:
- أنتِ بتخرفي بتقولي ايه، أقسم بالله الهبل ده لو كررتيه تاني مش هقولك أنا وقتها ممكن اعمل فيكي إيه.
- أهدي كده و أسمعني، هتتكلم كلمة عليا هاتبلي عليك و أقولهم أنا كنت قاعدة لوحدي و أنت أتهجمت عليا و أعتديت عليا تحت التهديد و أنا عشان بنت أصول خوفت لأحكي لأخوك و يحصل فتنه ما بينكم و حد فيكم يقتل التاني.
حاول إستيعاب ما ألقته عليه و ود إقتلاع لسانها و التخلص منها، أخذ يهذي بكلمات غير مسموعة حتي صاح في وجهها و أشار لها بأصبعه قائلاً لها بثقة و قوة:
- كدابة و سافلة و حقيرة، يخربيتك ده أنتِ شيطانة.
و قبل أن تتفوه بحرف دخلت والدته تنظر إليهما بتعجب:
- في أي يا معتصم أنت و عايدة صوتكم عالي كده ليه؟
تصنعت عايدة البكاء و أخبرتها بزيف:
- شوفتي يا خالتي، معتصم جاي يقولي أنتي خلاص ملكيش مكان بينا و روحي أقعدي مع قرايبك و أنا و مراتي هانقعد مع أمي.
أتسعت عيناه غير مصدق لما تقوله تلك الحرباء فقالت له والدته:
- صحيح الكلام ده يابني! ، أخص عليك ده أنا لسه كنت بوصيك عليها، طب كنت أعمل خاطر حتي لأخوك الله يرحمه و ابنه اللي في بطنها.
رمق معتصم عايدة بتوعد فبادلته الأخري بنظرة إنتصار و خبث أفعي ماهرة.
- أنتِ بتصدقيها و تيجي عليا عشانها، ماشي يا ماه خليكي فاكرة.
قالها و ترك لهما المنزل و غادر، بينما عايدة كانت تقول بداخل عقلها:
- أنت لسه شوفت حاجه إما جننتك ما بقاش أنا عايدة، و برضو في الأخر هاتبقي ليا.
ــــــــــــــــــ
تقف ليلة أمام الخزانة في حيرة تمسك بثوب و تضعه عليه ثم تهز رأسها بالرفض ثم تعلق الثوب في مكانه داخل الخزانة مرة أخري، و كان معتصن يجلس علي الكرسي شارداً و ينفث دخان سيجارته، يفكر في كلمات عايدة و مكائدها أو الكارثة التي أخبرته و الذي يخبره حدسه إنه عليه التحري في هذا الأمر و يثبت كذبها بالدليل و البرهان.
- حبيبي ايه رأيك في الفستان ده؟
سألته ليلة و وجدته ما زال شارداً و غير منتبه إليها فأعادت السؤال عليه مرة أخري:
- معتصم، إيه رأيك في الفستان ده؟
نظر إليها و هز رأسه بنعم دون أن يجيب عليها، تركت ما بيدها جانباً و أقتربت منه تسأله:
- مالك يا حبيبي في إيه؟
أنتبه إليها و ظل ينظر إليها لثوان ثم أجاب:
- مفيش يا حبيبتي، خلاص جهزتي هدومك اللي هتلبسيها ؟
لكزته بخفة في كتفه قائلة:
- أومال أنا عمالة أقولك إيه من الصبح، بص بقي أنا هاستني مرات أخويا هاتعدي عليا و هانروح مع بعض.
- ماشي بس أنا هوصلكم و حاجة تانية.
نظرت إليه و منتظرة ما سيخبرها به فقال:
- تلبسي فستان واسع و محترم و ممنوع تحطي نقطة مكياچ في وشك يا إما كده يا إما مفيش فرح.
أبتسمت و حاوطت عنقه بذراعيها تسأله بدلال:
- بتغير عليا يا حبيبي؟
أمسك بيدها و قام بتقبيل باطن كفها:
- اه طبعاً،هو أنا ليا مين غيرك أغير عليه!، مبسوطة يا ليلة؟
- طبعاً مبسوطة طول ما أنت معايا.
صمتت لثوان و رمقته بجدية و سألته:
- بتحبني يا معتصم؟
أجاب من أعماق قلبه:
- كلمة حب دي مش كفاية،ده أنا أنا بعشقك .
و أختم جملته بقبلة قوية لعله يشتت عقله من التفكير في كل ما حدث اليوم.
و بعد دقائق فصلت القُبلة قائلة:
- هاروح بقي ألحق ألبس عشان ما أتأخرش و هدي تزعل مني، ده فرح بنت خالتها.
ابتسم بمكر و ذهب ليغلق باب الغرفة بالمفتاح و قال لها:
- كلمي مرات أخوكي و أعتذري لها.
- بطل هزار بقي و أفتح الباب دي كلها عشر دقايق و هلاقيها هنا.
فاجئها بجذبها بين ذراعيه و عانقها قائلاً:
- و أنا مش بهزر، أنتِ وحشاني أوي.
و ألتقم شفتيها في قبلة جنونية حتي قاطعه هاتفها بإتصال وارد، أمسك بالهاتف و أجاب بدلاً منها:
- الو يا أم محمد، معلش ليلة تعبت فجاءة فخدت مسكن و نامت، معلش بقي مش هاتقدر تيجي الفرح
......
- حاضر عينيا، مع السلامة.
و بعد أن أنهي المكالمة صاحت به ليلة:
- إيه اللي أنت عملته ده، هدي مش هبلة و زمانها هاتزعل مني.
أقترب منها و عانقها مرة أخري ثم قال بنبرة مليئة بالشوق و اللهفة:
- يعني خايفة علي زعل مرات أخوكي و مش همك جوزك حبيبك المشتاق ليكِ!
- أبداً و الله يا حبيبي، بس....
قاطعها قائلاً:
- مفيش بس و ركزي معايا.
سألته ببلاهة:
- أركز في إيه.
- هقولك دلوقت.
و ألتقم شفتيها مرة أخري في قبلة عميقة تلاها عناق و لمسات و همسات شوق عارم فوق فراش العشق الوردي.
ـــــــــــــــــــ
و في يوم آخر ذهب إلي مركز تحاليل و الذي يوجد به معمل خاص لعمل تحليل الـ DNA.
أقترب من موظف الإستقبال و سأله:
- لو سمحت عايز أسأل عن عمل التحليل الوراثي أنا مش عارف إسمه أي بالظبط.
رد الموظف:
- تحليل DNA يا فندم.
أشار له قائلاً:
- أيوه هو ده اللي بتقول عليه، هو أنا عايز أعمله لجنين لسه عمره حوالي شهر أو شهر و نص في بطن أمه.
أنتبهت له فتاة يبدو إنها مساعدة فأخبرته:
- ما ينفعش يا فندم لازم يكون مر شهرين علي الحمل أقل حاجة و بناخد من الأم عينة دم بنقدر من خلالها نعمل التحليل.
أومأ لها و قال:
- شكراً لحضرتك.
- العفو يا فندم.
غادر المكان و يشعر بالإختناق فهل سيظل عشرون يوماً في هذا التفكير الحارق للأعصاب، و بين رؤية تلك الأفعي أمامه طوال الوقت و سعيها أن تكون له بأي ثمن!
عاد إلي المنزل و قبل أن يصعد إلي شقته سمع نداء والدته له:
- معتصم ، تعالي يا بني.
دلف إليها و جلس أمامها:
- نعم يا أمي.
- فكرت في اللي قولت لك فيه يا ضنايا، دي وليه غلبانه و بعدين شايلة حته من أخوك و جوازك منها هتحافظ عليها و اللي في بطنها هيتربي وسطنا و تحت عنينا، أحسن ما تروح تتجوز واحد غريب و هو اللي يربي ابن أخوك و يا عالم هيربيه إزاي و لا هيعامله حلو و لا وحش.
أطلق زفرة عميقة و هز رأسه و أخبرها:
- خلاص يا أمي اديني مهلة عشرين يوم و هارد عليكي.
سألته بإستفهام:
- اشمعنا عشرين يوم؟
أجاب و عيناه تنظر نحو الفراغ:
- لما يجي وقتها هابقي أقولك السبب.
ـــــــــــــــ
و لدي هدي و حبشي...
- حبشي أنا هاروح أطل علي أختك عشان أطمن عليها مقدرتش تيجي الفرح و جوزها قالي كانت تعبانة، مش ناوي تيجي معايا؟
رد بعدما نفث دخان سيجارته:
- هابقي اروح أعدي عليها أخر النهار و عشان عايز معتصم في مصلحة كدة.
أنتبهت إلي ما قاله و سألته:
- و ياتري إيه المصلحة دي يا أبو محمد؟
حك ذقنه و نظر بتمعن في الفراغ قائلاً:
- مصلحة في الجون لو أتقضت هانعدي الفلانكات.
غرت فاهها و قالت بتهكم و هي تعلم ما لديه من مخزون أموال :
- و أنت حيلتك حاجة يا اخويا عشان تعمل بيها مشروع و لا حتي مصلحه.
- ما هو اللي زيك أخره بيفكر في الأكل و الشرب و اللبس لكن تشغلي دماغك دي ازاي عمرك ما هاتعرفي، بصي يا ام مخ بطاطس أنا جاي لي مجموعة عربيات موديل من قيمة عشر سنين محتاجين شغل و صاحبهم مسافر و عايز يتصرف فيهم بس طالب سعر حراء شوية، فقولت ممكن أستلف مبلغ من جوز اختي و أول ما هاظبط العربيات و أبيعها بسعر حلو هاسدد الفلوس علي طول.
فسألته هدي بترقب:
- طب و اللي هاتكسبه هاتعمل بيه إيه؟
أنتبه لها و أجاب :
- ها! ، و أنتي مالك اعمل بيه إيه ، غوري يلا شوفي بتعملي أي و لا اقولك أنا اللي هاقوم اعمل خليني أروح اشوف أكل عيشي.
غادر المنزل فتأكدت إنه لم يعد حالياً و أطفالها نيام، ذهبت و جلبت سكين صغير و ركضت نحو المكان الذي يخبئ به أمواله و جلبت الصندوق الحديدي و قامت بفتحه عبر السكين، غرت فاهها و لم تصدق نفسها من كثرة المال:
- حرمنا و مجوعنا و مطلع عيننا و في الأخر طالع بتحوش كل ده طب و ربنا أنت اللي جبته لنفسك و تستاهل حسرتك عليهم.
نهضت و جلبت حقيبة صغيرة و وضعت بها الأموال كلها ثم أبدلت ثيابها و أيقظت أولادها و جعلتهم يبدلون ثيابهم،فسألتها صغيرتها:
- إحنا رايحين فين يا ماما؟
أجابت و هي تغلق سحاب سترة إبنها:
- هانهرب من قرف و بخل أبوكم، هيعيشكم و أجيب لكم كل اللي نفسكم فيه، يلا بسرعة نمشي من هنا قبل ما يرجع.
و غادرت المنزل عاقدة العزم علي الهروب من زوجها البخيل الظالم!