رواية طغيان الفصل الرابع عشر
صوت سليم خرجها من شرودها:
- يلا انزلي وصلنا.
ورد بصدمة: وصلنا فين؟
سليم بنبرة حادة وهو يترجل من السيارة وينظر اليها بنظرة غامضة وكأنه ينوي على فعل شئ ما: وصلنا بيتنا يا عروسة.
لاحظت ورد القسوة في نبرة صوته وكأنها ترى عواد امامها.
ترجل سليم من السيارة واتجه اليها فتح لها باب السيارة وجذب يديها بعنف.
كانت تبكي وهمست اليه بصوت راجي حزين:
- ارجوك متعملش فيا زيه.
فك قبضة يديه عن يديها بستغراب. حالتها ودموعها مع صوتها الباكي ونظرة الرجاء التي يراها بعينيها جعلت قلبه يخفق بقوة ويتألم من اجلها.
هتف اليها بصوت هادئ:
- انزلي من العربيه عشان نطلع فوق ومتخافيش.
هزت رأسها عدة مرات متتاليه وهي تبكي ولم تستطيع الترجل من السيارة. شعر ان هناك شئ يمنعها عن الحركة وتحدث اليها بفضول:
- انتي كويسه؟
هزت رأسها بخوف وكأنها داخل كابوس وتحاول الاستيقاظ منه. اخذ سليم يديها بحنيه وشعر بها وهي تستجيب للمسة يديه الحنونه وكأنها في اشد الحاجة اليها.
ساعدها على الترجل من السيارة واخذها الي داخل العقار.
كانت تسير معه مثل الجثة الهامدة.. تتوقع ما سيفعله بها بعد قليل! هذا مصيرها ولا يمكنها الهروب الان. نفس شعور الخوف الذي كانت تشعر به في حلمها الذي استيقظت عليه اليوم.
توقف بها امام باب شقته وفتح الباب ودلف هو اولا وقام بأضاءة الانوار وتحدث اليها بهدوء:
- ادخلي..
تقدمت الي الداخل وجسدها يرتجف بشدة! كان يتابع كل ما يحدث معها بتركيز حتى اغلق باب الشقة بقوة وانتفض جسدها مع اغلاق الباب.
وقف خلفها وتحدث بنبرة حادة:
- اظن نقدر نتكلم دلوقتي وافهم منك ليه خبيتي عليا انك كنتي متجوزة اخويا؟
التفتت تنظر اليه بصدمة واجابة عليه بصدق:
- انا مكنتش اعرف انك اخوه!!
أبتسم ساخرا بغضب: وانتي فاكره اني هصدق الكلام الفارغ ده!! ازاي مكنتيش تعرفي؟ ايه مكنتيش عارفه اسم الراجل اللي كنتي متجوزاها وانتحر ليلة فرحه بسببك.
حدقت به ورد بصدمة وهمست: بسببي!!
ليتابع سليم حديثه القاسي: خليكي مشوفتنيش يوم ما اتجوزتيه! ايه مخدتيش بالك من الاسم! جوزك كان اسمه عواد مرزوق الشهاوي وانا سليم مرزوق الشهاوي!
ردت ورد بصوت مبحوح وهي تبكي: بس حضرتك لما عرفتنا على نفسك قولت سليم مرزوق بس وانا مجاش في تفكيري انك ممكن تكون اخوه.
سليم بقسوة: ولما اتقابلنا في البلد وسألتك انتي من عيلة مين ليه قولتي انك من عيلة زهران؟
بكت ورد بخوف، نظرات سليم كانت غاضبه قاسية وصوته الحاد جعلها تشعر بالخوف الشديد، اقترب منها سليم بخطوات واسعه غاضبه:
- ليه كدبتي عليا؟ كنتي فاكره ان خدعتك دي هتطول ومش هعرف انتي مين!! كنتي فاكرة انك هتفضلي عايشه حياتك ودايره على حل شعرك من غير ما حد يوقفك بعد ما اتسببتي في موت اخويا وحرقتي قلبي عليه!
ابتعدت عنه ورد بهلع وهي ترفع يديها تحمي وجهها بخوف وتتحدث بين شهقات بكاءها:
- والله انا معملتلوش حاجة دا هو.. هو.
حدق بها بغضب وهو يجذب يديها بقوة يقربها اليه..
سليم: هو ايييه؟؟
بكت ورد بخوف.. لم تستطيع اخباره بما فعله بها عواد ليلة الزفاف واتهامه لها انها ليست عذراء..
هنا توقفت عيناه في نقطة فارغة تتسائل بداخلها؛ هل هذا حقا سبب انتحار عواد؟ هل لم تكن عذراء!! كيف ولم لمسها رجل قبله!!
اخرجها من شرودها صوته الغاضب.
سليم: طبعا مش لاقيه كذبه جديدة تخترعيها عشان تبرئ نفسك من دم اخويا.. بس ورحمة اخويا يا ورد لأكون معيشك اسود ايام حياتك وهدفعك تمن موت اخويا بسببك غالي اوي.
تجمد جسدها وشعرت بتوقف ضربات قلبها.. شحب وجهها سريعا وسقط جسدها بين يديه فاقدة للوعي بعد تعرضها لكل هذا الضغط العصبي والنفسي.
لحق بها مسرعا والتقطها بيديه يقربها اليه بقلق محاولا افاقتها لكنها كانت لا تستجيب له.
حملها بين يديه واخذها الي داخل غرفته وضعها فوق الفراش ووقف يحدق بها وهو يحاول افاقتها بطرق كثيرة حتى عجز عن افاقتها واضطر اخيرا الاتصال بالطبيب.
بعد قليل وصل الطبيب واخذه سليم الي الغرفة وقام بالكشف عليها واعطاها حقنه مهدئه واخبره انها تعرضت لضغط عصبي شديد جعلها تفقد الوعي وعليها بالراحة لمدة يومين بالفراش.
ذهب الطبيب وعاد سليم الي الغرفة وقف امام الفراش يحدق بها قليلا..
اسرعت ضربات قلبه وهو يتأملها عن قرب.. هي الفتاة التي احبها من اول نظرة! حاول كثيرا تجاهل مشاعره اتجاهها لكن للقدر رأي اخر تحالف ضده وجمعهما معا!!
لكن صدمته الكبيرة انها هي نفسها زوجة شقيقه ومن تسببت في موته..
توقف قليلا يتساءل بداخله!
ماذا فعلت هذه الفتاة الضعيفة لتجعل شقيقه عواد بكل قوته وجبروته ان يقدم على الانتحار ليلة الزفاف؟!
هل اكتشف انها ليست عذراء؟ واذا لم تكن عذراء لكان هذا سببً لقتلها وليس انتحاره! ولكن عواد اثبت عذريتها امام الجميع ليلة الزفاف! اذا لم يكن هذا السبب خلف الانتحار!
خرج من شروده بعد ان تذكر ان شقيقه اثبت صحة عذريتها امام الجميع!
شعور بالغيرة تسرب الي قلبه؛ هذا يعني ان شقيقه اتم زواجه منها ولم يكن سليم الرجل الاول بحياتها!
-------
صباح اليوم التالي.
وصل عمران البسيوني وابنه الي القرية بعد ساعات السفر الطويلة.
كانت صفا على وشك الجنون وهي في انتظار عودتهم ولم تيأس من الاتصال على هاتف ورد طوال الليل وعدم رد ورد عليها اخافها كثيرا.
استمعت صوت حماتها بدرية وهي ترحب بعودة زوجها وابنها..
ركضت صفا مسرعة الي الاسفل لكي تطمئن على ورد وكانت تعتقد انها اتت معهما وبحثت عنها بعيناها وهي تقترب من زوجها ووالده.
صفا برتباك: حمدلله على السلامه.
اجاب عليها عمران البسيوني بابتسامة: الله يسلمك يا بنت الغالين.. طمنيني عاملة ايه والبنات فينهم؟
تحدثت صفا بتوتر وعيناها تبحث عن ورد بقلق: الحمد لله يا عمي احنا كويسين..
ثم اضافة وهي تنظر الي زوجها بترقب: اومال ورد فين؟
زفر زوجها قائلا بملل: انا هطلع اتسبح واغير خلجاتي دي وارتاح شويه يا ابويا.
رمقه والده بغضب واجاب هو على صفا.
عمران: احنا روحنا اطمنا على ورد ولقيناها بخير يا صفا متقلقيش.
تحدثت صفا بقلق: اومال هي مش بترد على تليفونها ليه انا بحاول اكلمها من امبارح!!
تحدثت حماتها بدرية بغضب: كفياكي بقى يا صفا عماله تستجوبي الرجاله من ساعة ما دخلوا الدار سبيهم يرتاحوا ويكلوا لقمة الاول.
خفضت صفا وجهها بأحراج: عندك حق انا بس كنت قلقانه على ورد وعايزة اطمن عليها.. عن اذنكم.
تركتهما صفا وصعدت الي غرفتها بالأعلى.
اقتربت بدرية من زوجها تتحدث اليه بقلق:
ـ ايه اللي حصل يا ابو منصور طمني.
ابتسم عمران البسيوني قائلا برضا: اللي حصل يا ام منصور لا كان على البال ولا الخاطر.
نظرت اليه زوجته بفضول وبدأ يخبرها ماذا حدث.
في الأعلى بداخل غرفة صفا وزوجها منصور.
جلست صفا فوق الفراش بقلق تنتظر خروج زوجها من المرحاض لكي يخبرها ماذا حدث ويطمئنها على ورد.
خرج منصور وهو يجفف شعره بمنشفه صغيرة في يده ووقف يصفف شعره متجاهلا وجود صفا بداخل الغرفة.
تنهدت صفا وتحدثت اليه: منصور طمني على ورد عملتوا معاها ايه.
القى منصور المنشفه من يديه سقطت على الارض باهمال وزفر بغضب قائلا:
- وانتي شاغله بالك بـ ورد ليه!! ما تخليكي في بناتك يا ام البنات.
شعرت صفا بسخريته منها ووقفت من مكانها بغضب.
صفا: شاغله بالي بيها لان ورد طيبه ومتستهلش اللي انت كنت عايزة تعمله فيها!
منصور وهو يقترب من الفراش ويتمدد عليه: طب ريحي نفسك واطمني عليها احنا جوزناها سليم الشهاوي اخو جوزها عواد.
شهقت صفا بصدمة وحاولت كتم شهقت وهي تردد بذهول: اتجوزت!!!
تمدد منصور فوق الفراش براحة قائلا ببرود:
- الكلام ده مفيش حد في البلد يعرفه لحد ما ابن الشهاوي يتصرف مع اهله ويقولهم.
صفا بصدمة: اخو جوزها ازاي!! طب عرفها ازاي وامتي وازاي جوزتهولها؟!
منصور بصوت حاد: انا مش فاضي للت الحريم ده انا صاحي بقالي يومين وعايز انام.. روحي شوفي بناتك وحلي عني.
حزنت صفا من حديثه لكنها كانت تفكر بـ ورد فقط هي من تشغل تفكيرها الان.
تركته وخرجت من الغرفة تحاول الاتصال بـ ورد مرة أخرى لكي تطمئن عليها.
عقب خروجها جلس منصور فوق الفراش ينظر على باب الغرفة باهتمام لكي يتأكد من ذهاب زوجته وابتعادها عن الغرفة.
ثم اخذ هاتفه واتصل علي شخص اخر.
منصور: حتتي الحلوة وحشتيني.. جهزي نفسك هجيلك بكره.
بعد قليل اغلق الهاتف ووضعه بجواره وهو يفكر في الفتاة التي تزوجها بعقد عرفي بعيدا عن القرية واهلها وتعيش معه في شقة ايجار بالمدينة التابعة لها قريته.
رواية طغيان بقلمي ملك إبراهيم.
عند سليم وورد.
فتحت عيناها بتعب على ضوء الغرفة القوي. تقلبت في نومها براحة ثم همست بصوتها الرقيق وهي بين النوم واليقظه.
ورد: وعد اطفي النور ده وسبيني انام شوية.
ابتسم وهو يستمع الي صوتها الرقيق وهو يقف امام المرآه ينتهي من تصفيف شعره.
فتحت عيناها بتكاسل ثم جلست فوق الفراش وهي تبتسم برقه متعقدة ان كل ما حدث معها بالأمس كان مجرد كابوس مزعج واستيقظت منه الان.
صرخة مدوية خرجت منها عندما سترسل لها عقلها انها كانت نائمة في غرفة أخرى غير غرفتها في السكن ولم تكن وعد هي من اضاءة الانوار المزعجة.
التفت يرمقها ببرود قائلا:
- بتصرخي ليه؟
حدقت به بصدمة وبدأ يسترسل لها عقلها كل ما حدث بالأمس. غمضت عيناها بقوة مثل الاطفال وهي تهمس بصوت منخفض:
- يعني كل اللي حصل امبارح كان حقيقي!!
ثم همست برجاء وهي مازالت تغمض عيناها:
- لا يارب.. يارب يكون كل اللي حصل ده مش حقيقي هو اكيد مش حقيقي انا هفتح عيني دلوقتي وهلاقيني في السكن بتاعنا ووعد بتلبس دلوقتي.. اه اهي انا شايفه وعد خلاص.
فتحت عيناها وكانت الصدمة الأكبر رؤية سليم عن قرب يقف امامها يتأمل وجهها عن قرب.
شهقت باحباط قائلة بصوت مسموع: معقول كل اللي حصل ده كان حقيقي.
استمعت الي صوته المميز يجيب عليها بثقة: اه كله كان حقيقي اطمني.
ابتعدت بوجهها عنه قليلا وبدأ جسدها يرتجف كلما اقترب منها اكثر.
سليم وهو يتأملها عن قرب: حاسه انك احسن دلوقتي ولا لسه محتاجة دكتور؟
اجابة ورد بخوف: انا كويسه الحمدلله.
اعتدل سليم في وقفته قائلا بنبره قوية: تمام.. انا لازم اخرج دلوقتي عشان عندي المحاضرة الأولى وبعد الجامعة هروح شركتي اخلص شوية شغل وارجع.
ورد بتوتر: طب وانا؟
سليم بدهشة: انتي ايه؟!
ورد: انا مش هروح الجامعة.؟
تعمق النظر بوجهها قائلا: لا مش هتروحي.
ثم تركها وخرج من الغرفة. وقفت ورد مسرعة من فوق الفراش وركضت خلفه تتحدث برجاء.
ورد: لا يا دكتور ارجوك انا لازم اروح الجامعة واكمل دراستي ارجوك.
تأملها بعمق حتى خجلت ورد وتوترت من نظراته وخفضت وجهها تتحدث بتوتر:
- ارجوك يا دكتور انا حلمي اكمل تعليمي واتخرج من الكلية واحقق حلمي.
استمعت الي صوته الهادئ يفاجئها.
سليم: وانا مش همنعك تحققي حلمك يا ورد بس..
نظرت اليه ورد بشغف تنتظر حديثه.
اضاف سليم وهو يتأملها: بس الدكتور قال انك لازم ترتاحي يومين في السرير.. ارتاحي اليومين دول وانا هوصلك بنفسي كل يوم للجامعة.
حدقت به ورد بصدمة! لا تصدق انه لن يمنعها من دراستها. تركها سليم وذهب دون اضافة اي حديث اخر.
وقفت ورد تنظر امامها في الفراغ، لا تصدق ان هذا الشخص الرؤوف هو شقيق ذاك القاسي الذي تبغضه وتبغض اسمه.
------
سليم بعد خروجه من المنزل يقود سيارته بغضب يحاول محاربة شعوره اتجاهها ويتساءل بداخله لماذا هذه الفتاة؟ لماذا لا يستطيع القسوة عليها وكلما اراد يتراجع على الفور! شعوره اتجاهها يغضبه كثيرا ويشعره بخيانة شقيقه الكبير..