رواية من بعد خوفهم الفصل الخامس عشر بقلم حمدى صالح
ترك ثيابها لتصطدم بالأرضِ، جلس بلغةٍ حادة:
-دقيقتان وأراكِ امامي!
-ولمَ وقت، ها هي زجاجة المياه!
أمسكتها زينب سريعًا تسكب علىٰ شعرها ووجهها؛ ليكتم ضحكتهُ، جلست بجوارهِ بثيابها المُبللة وهى تنفضها ممسكةً شعرها تُلملمه على هيئة دائرة، نظرت إليه بتمعن مردفةً باحترام:
-هات ما عندك قبل أن تأتِ أمنا وترى هذا المنظر، ولكن قبل هذا أين رهف لم أسمع صوتها؟!
مسح ياسر وجهه برفقٍ:
-لا أدري، عليّ الرحيل قبل عودة أبيكِ، أنا جادٌ معكِ الآن ولن أضع ميزانك كرهف رُبما يحدث نوائب لا أحبها بينكما، هي ابنه خالتي وزوجتي، وأنتِ شقيقتي، لسانك عفوي لدرجة كبيرة وأنا أعتذر عن خطأي، أخشى عليكِ الدنيا ولم تخرجين بعد من بؤرتك وطفولتكِ، ما يزعجني هو إخفاءك لأمرك ولأمرها، وهذا خوف مني، فكرتُ في مؤيد وما فعل؛ لهذا ستأتين إليّ كل يومٍ تخبريني بما يزعجك وهذا أمر ليس نقاشًا!
-علىٰ الرحب يا أخي لن أرفض ولكن رهف شقيقتي أكثر منك، ليست مشكلة تجعلني أغار وأدمر علاقتكما، لستُ بهذه الخباثة السوداء ولن أفعلها أقسم لك، الجامعة كلها تتمنى هذا الشيء لهذا نبتعد عن الحديث وذكر اسمك أمام الجميع، كان اتفاقًا عقدتهُ معها حتى هذا اليوم، هي من ستشعر بهذا الأمر وتكتم بداخلها، أنا المخطئة حينما رفعت صوتي عليهن وهُنا، عليّ المكوث بمفردي ليومٍ واحد فقط أعيد ترتيب أموري، اذهب إليها ولا تعاتبها، ولكن أبيك له حق عليك في اتمام زواجك بالكامل! ألا يكفي هذا!
وقف وهو يرتدي معطفًا قطني مغادرًا الغرفة بانتهاك داخلي، توقف الزمن حينما ارتفع أنينها مجددًا:
-لا تندم حينما تجد ابنك أو ابنتك مثلك، ترفض الحديث مع أبيك!
ردّ بغضبٍ مكتومٍ:
-أبوك هو السبب في حالي، أنا رفضتُ الزواج حتى تنهي أعوامها دون التدخل في مشكلات كل يومٍ، أنتِ تفكرين بنفسك فقط! رأيتُ بعيني الإلحاح في أمرٍ لا يستهان به، كان السبب في تدمير والدتك بأفعاله، لا تعلمين الحقيقة يا زينب فلا تسألين عن شيء يخصني، أنا لا أعلم من أنا!
صفع الباب بصوتٍ عالٍ؛ لتنتفض بذعرٍ للوراء، وثبت أمـام المرآة ترى نفسها المبعثرة في الهواء، بدلت ثيابها تُفكر في المواقف السابقة من أيامها الأولى بالجامعة لمشاجرتها مع أُبيِّ والآن كتمان أخيها الفائق لأمورهِ. ضحكت بسخريةٍ على عالمها الوردي الباهت.
وفي غضون دقائق ترجل ياسر من العربة أمام بنية والدها وخالتهُ، صعد بملامحٍ غاضبة تبرز على وجه بشدة بالغة، أزاح الباب ملقيًا السلام ثُم قبل جبينها ناطقًا:
-السلام على قلبك حتى يهدأ يا خالتي.
أجابتهُ بحنوٍ:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا بني، لم أعرف ما بكما فزوجتك لم تستيقظ بعد، يبدو أن غفوتها طويلة، لهذا ستمكث معنا الليلة وتغادرا في الصباح الباكر.
ابتسم بموافقةٍ وهو يوصد غرفة رهف من الداخل، أضاء المصباح بجوارها؛ لتفتح عينيها متطلعة للساعة، طمأنها بنظراتهِ ليضمها برفقٍ يفكر في أمر والدها، فمن المؤسف علىٰ الإنسان أن يخلق في بيئة لا تهتم بعقله، يأمر دون نقاش لكافة الأمور، نظر لرهف بتمعنٍ، طفلةٌ نقية لم تشتكِ لوالديها من تصرفه فهربت للنوم والكتمان، تركها مستلقة علىٰ فراشها ملتقطًا هاتفه يطمئن على الجميع، الغريب في الأمر غياب أدهم عن المواقع ليومٍ ونصف، يمارس عمله من خلال الإنترنت فكيف يختفي هكذا؟ الهاتف مغلق، أرسل لأُبيّ رسالةً للذهاب إليه في وقتٍ فارغ، ولا يدري البليّة التي فعلها!
باليوم التالي..أفاقت رهف بألمٍ يحتل بطنها؛ لتمشِ علىٰ أطراف قدمها خارج الغرفة، تناولت دوائها المعتاد ومِن ثُم تناولت لقماتٍ خفيفةٍ، اغتسلت من آلالامها؛ لتعود لغرفتها مرةً ثانية، أمسكت المنشفة تزيل قطرات المياه المتبقية علىٰ شعرها ثُم ارتدت ثيابًا بالخزينة تركتها وقت زواجها لها ولهُ.
فرك ياسر عينيه وهو يرمق هاتفهُ بقلقٍ، الساعة لم تتخطَ الثامنية ومِن عادتها الاستيقاظ متأخرًا، رآها تمشط شعرها؛ ليحمحم بنبرةٍ لينة:
-لن أذهب للعمل اليوم وغد، فما بكِ؟!
اقتربت رهف بإستفهامٍ:
-لمَ، لا يحق للموظف أخذ عطلةً دائمةً!
ضحك بخفةٍ:
-الموظف ليس رئيس القسم يا بلهاء ثُم لدي شهور منعت نفسي منها وأتابع العمل عبر الهاتف لساعتين.
-بورك بدربك وعملك يا غالٍ، أريد التّحدث معك بشأن البارحة.
وضّح برفقٍ:
-أنا لا أتذكر شيء وان تتذكري شيء، الجميع يعلم زواجنا ولكِ الحرية في إخفاء الأمر بالجامعة فهمهمات الفتيات لا تنتهي، وأنتِ وثقتِ بيّ، كُل ما بالأمر انفعالي علىٰ كتمان الأمر، أنا أحبك بأفعالك وأقوالك لهذا تناولين الأمور بسلاسة، تحملتِ ما يكفي مني وحماقتي، أنا مَن أريد التّكلم معك بشأن أبي.
-كُنت قاسيًا في تصرفك يا حبيبي، الأمر خوفهُ عليك من الإنفلات خلف إحدى الفتيات ولم يعلم سرك، أنت خطبتني وتزوجنا بشهرٍ، قلق عليك، اسأل نفسك.. هل غصب عليك بدراستك؟ هل أزال شخصية محترمة أمامي؟ هل ابنه الوحيد عاصٍ؟ هل علاقتنا فاشلة؟ الآباء تخطيء ولو أنت حزين بداخلك عليك التّحدث برفقٍ، أعلم ما بداخلك كُليًا ولكنك تنكر ذاتك، خذ ملابسك واتجه للمرحاض، فأمي ستلح علينا المكوث مجددًا وأنت ماكر أمامها.
ألقت كلماتها متجهةً للشرفة تحاول السير بشكلٍ جيدٍ قبل أن تكشف أمامه، تنفست بارتياحٍ أثناء خروجه متمتةً كلمات الله بسرها بينما هو عالق في أمور والديه وكأنهُ ساء الطريق والإكمال، رهف وزينب يرشدا رجلًا عاقلًا فلمَ يهرب من الواقع، فتح صنبور المياه على رأسه يتذكر الماضي، يزيل الهموم لدقائقٍ من كثرة التفكير الهالك، اتجه للصلاة بقلبٍ طاهر ففي كل مرة يترك الهموم ويدعو الله بحسن السلوك، سبعة وعشرون عامًا يثابر بدعواته فلم يكن يخطط بل يستقبل قدره بترحابٍ، يومٌ يسعد قلبهُ ويوم يختبرهُ، هذه الحياة إما أنا تسير بالدين والحفاظ على نفسك من شهواتك أو تهرب لظنونك الكاذبة.
ـــــــــــــــــ
دوامةٌ زرقاء بها ثقوب سوداء تخرج منها ألوانًا بيضاء وسحبٌ تكسوها الغيم، يقف ينظر لساعةٍ مشوشةٍ، العقارب لا تتحرك وهو ينظر لبشرٍ لم يراهم من قبل، شعورٌ متكرر يراهُ أدهم بعد يومين من مكوث والدهُ بالمشفى دون جدوى، ورمٌ خبيث تملك جسد أبيه بسرعةٍ، ينتظر الفجعة في كُل ليلةٍ، الهاتف يدق.. يسأل الطبيب عن حاله، أصبح تائهًا في عمله وفقد التركيز، أجهزة تعتلي وجه أبيه.
وثب أمام فراش المشفى يضم يديه بقوةٍ يخبره بما يحدث؛ ليأمره الطبيب بالخروج، محاليلٌ وفصائل دم يحاول جلبها بأي مال يخفيه من عمله وعمل والدهُ، كتم الأمر متحملًا هو كُل شيء، استقل إحدى المواصلات للبيتِ وهو ينصت لآلام الناس بالعربة، أخفض رأسه يضم جسده من رعشة البرد.
ترجل منها متجهًا لمحل القهوة ثُم صعد للشقةِ، أُبيَّ يقف بملامح الغضب، يتطلع إليه بشكٍ، لم يمهلهُ أدهم الدقة في أمره بل قذف المفتاح متصنعًا التجاهل، اقترب ممسكًا ثيابه بسخرية:
-ما تلك الهيئة الجيدة! أجبني ما بك!
-ليس من شأنك.
تعمد الرد بلا مبالاة ليفاجأ بلكمةٍ قوية منهُ، أخذهُ للمرحاض وهو يسكب المياه بغزارة صارخًا به:
-أنا شأنك وشقيقك، وإن أجبت بذلك المقط سأضربك مجددًا، هاتفك ماذا يفعل معك؛ دائمًا أرسل لك وتتجاهل رسائلي، أنت أنا وإن لم تجيب الآن أين والدك وماذا تفعل لن تسلم مني، وسترى وجهًا آخر!
-كفى! كفي! لم أعد أتحمل كلماتك وأنّني صغير، أنت لم ترى نصف ما رأيتهُ أنا من فراق داهمني في الصغر والآن أبي الملقى بالمشفى منذ يومين، أنا من أردتُ الابتعاد عنكم جميعًا، لن أسمح بشفقةٍ مرة أخرى، تسأل وتريد معرفة كل شيء عني، أبي علىٰ مشارف الموت من ورمٍ متراكمٍ، أذهب لجميع الأماكن ولا أرى نتيجة واحدة تعطيني الأمل، أنت الآن جيد، سعيد بمعرفة هيئتة القبيحة في عينيك، غادر الآن، الآن! اتركني بحالي يا أُبيِّ!
كُسر كل شيء أمامه؛ لينتفض أُبيِّ علىٰ هيئته الضعيفة أمامهُ، تكور بجانب المقعد يضم قدميه ويديه على رأسه يصرخ علىٰ ما فات، نظر إليه بإشفاق؛ ليرسل لياسر بأنه بخير، اتجه ناحيتهُ وهو يزيح الزجاج المفتت بجواره، ضمّهُ بشّدةٍ، يبكي على حالهِ، كان وحيدًا فوجدهُ الأخ وابن الخالة الوفي، رغم بعد المسافات إلا أنّهُ اهتم بأمورهِ، فكان أدهم ماهرًا في العلوم الرياضية والفكرية حينما بلغ العاشرة، ساقتهُ قدميه نحو التّعلم في شتى الأمور ثُم عمل مع والده في السادسة عشر والتحق بالتجارة عن حبٍ؛ ليصبح موظفًا بأحد البنوك الشهيرة، أخفى فراق والدتهُ بفؤادهُ وحينما يتحدث أحدهم عن الوالدين يحمد الله على وجود والده، صاحبٌ وفي لم يزعجه بكلمةٍ واهتم بكل تفاصيلهُ.
أخذ يفيق أدهم بقدر ما أُوتي؛ ليحمله بفراشهِ ومِن ثُم لملم ما فعله بحذرٍ، بدأ البحث عن التحاليل يحاول فهم ما يرمى إليه؛ ليصطدم بشيءٍ سيكسرهُ هو الآخر، لقد أخفى والدهُ أمر مرضه لست سنوات! توقف العقل عن التفكير فأصبح الأمر محتومًا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتدرب بخفةٍ تحت أنظار قائدهُ الذي أشاد بمهارتهِ، ها هو الشهر الثالث يحاول الثبات قدر المستطاع بعد أن اتفق مع عنود بالمكوث لشهرين دون أجازة؛ لكي يسرع من المدة الطويلة، تعلم الوقت المناسب في الاستيقاظ والطعام، الصلاة والعبادة، وفي الليل يتهامسون على مواضيع عديدة إما أن تكون بنبرةٍ جادة أو يضحكون لتخفيف الحِمل عليهم.
اندس خلف السور مضيئًـا هاتفهُ هربًا من الجميع، رسائل وإشعارات كثيرة حول العمل والعائلة، وجد نفسه بتطبيق البريد يتفحص المهملات، رسالةٌ من دار النشر تنتظره لإمضاء عقد كِتابهُ الخاص، رمش عدة مرات وهو يدوّن لهم:
-أعتذر علىٰ تأخر الردّ ولكن آسف بشأن العمل الخاص بي، ليس لدي وقتًا لآتي أو أُتمم العمل كاملًا، رُبما بالعام القادم وأعدكم إن تفرغت سأرسل لكم، لكم كامن الاحترام مني.
لم يشعر بحزنٍ، بل ابتسم برضاء ففي الوهلة الأولى يشعر الإنسان بطاقةٍ عالية لا تقل في الطموحات، لاح أمامهُ صورة معلقة بالحائط يخبئها خلف إحدى الستائر، الآن أدرك معناها.. أنهُ يكتب ليحيا في أفق الأحلام، يجيد حَبك الأمور، ولكن الكتابة ليست سهلةً، بل تستهلك عقلك بنسبةٍ كبيرة؛كي تتحرى عن المصادر الخاصة بكل نوعٍ، أن تنسج قلمك في شتى الأمور وألا ترفض يدًا تبسط لك من القارىء؛ فهو جزءًا منك على هيئة دائرة، فكرة وتدوين، والقارىء، أنت بمنتصفها إن عُلقت، تخشى الهجوم فتتراجع، تدفن شيئًا تحبه خلف وهمٍ سيء.
الكِتابة صورةٌ رائعة مَن يمتلكها يشعل بأنّهُ محلق كالطير، بحرٌ لا غنى عنه، مغمور بالمصائب والمشاق في الوصول لمَن يحبك بصدق في قلمك لا مَن يسطر شيئًا خادشًا يجلب العار لأُناسٍ لم يخرجوا من بؤرتهم بعد، تملك قلمك لتدوين الصالح والإفادة لا لشيءٍ يحملك ذنوبًا، الكتابة حياة!
ــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس أمام التلفاز تشاهد أحد البرامج العلمية بعدما انتهت من استذكار دروسها الفائتة ومِن ثُم ولجت للمطبخ تعد العشاء لأخيها، صورة حسين تتكرر، قلبها الخائف، توترها الملحوظ في الآوانة الأخيرة من ظلمٍ كساها، رهبة الرحيل تتكاثر بعقلها، لم تهتم لأمره.. بل لأمه الطيّبة؛ فكانت تستمع عن رونقها في الحديث بمنطقة السكن.
أفاقت من أصواتها على كريم وهو يقبلها باحترامٍ، شقيقها الوحيد البالغ من الثامنة عشر يحاول رضاءها رغم بعد والديها للعمل بإحدى الدول العربية، لم تغمرهم سعادة أبنائهم بقدر الغربة، الصحن أمامها ممتليء؛ ليرفع بصره بقلقٍ:
-أنتِ لم تتناولين الطعام معي منذ أيامٍ!
-سامحني فأنا أشعر بالتيه يا كريم، اترك إلي موعد دروسك؛ كي لا أخاف عليك.
حمد الله علىٰ ما تناوله وهو يرتشف المياه المثلجة، مردفًا بحيوية:
-أنا أمارس الرياضة يا شمس في أحد الأماكن المجاورة ثم أذهب للدروس قرابة العصر وفي الليل انتظر بالمسجد؛ من أجل الدروس الدينية، لو تعلمين قلبي المبتهج من كرم الله ولطفه لحاسبنا أنفسنا علىٰ السير وراء البليّة بيدينا نحن، متي شعرتِ بالنقصان.. توجهي لله وادعي له يا حبيبتي، المهم هو أمرك، كيف تشعرين الآن منذ تغيرك الخارجي؟!
أكمل بجدية:
- وما حكاية حسين هذا؟! لقد خاطبني عبر الهاتف ولم أشعر بارتياح قط!
توترت شمس قليلًا وهي تتأهب للحديث بندمٍ :
-كنتُ أُقوم بتدمير عقول الفتيات عبر طرح تطبيقات الرقص، أمرتني إحدى السيدات بالسير وراء هذا؛ فكان معي، يستفزهم بكلماتهِ المعسولة ويحاول قتلهن من محادثاتٍ مزيفة ترسل لأبيهم، ابتعد عنهُ فأنا.. أنا رأيتهُ نادمًا بالأمس يحاوطه زوج رفيقتي التي أذيتُها، لكني مثلك لم أرتاح للأمر، ربما أخشى والدتهُ في الغضبان منه، لهذا سأرسل لك أموالًا تعطيها لها سرًا مني أنا على شرطٍ بالكتمان، لا تهتم لأمره فهو من الماضي يا أخي، لم أرَ عقابي، خائفة ومشوشة، ذنوبي كثيرة.
استرسلت بألم:
-تسأل كيف وأنا لم أشعر بشيء، ثيابي الخارجي حتى وإن كانت واسعة لا تصف ولا تشف هي إحدى طرق الارتياح الداخلي، أنا عُدت لصلاتي ولعبادتي، توبتي لم تكن مؤقتة بل بأمر الله ستصبح دائمة دون خطأ، هل الله سيقبلني؟! هل سيسامحني البعض؟!
أجهشت بالبكاء وهو يحاوطها، جذبها برفقٍ للشرفة وهو ينظر للسماء بعيونٍ لامعةٍ:
-الله يقبل التوبة، المهم هو عملك يا حبيبتي.
لم تخرج من حضنهُ وكأنهُ حائطًا شهمًا في بيتٍ مفترق الاتجاهات!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلست لدن أمام والدها وشقيقتها تسمع إحدى محاضرات التصميم الجرافيكي بعد أن اهتمت بدراستها في هذا القسم من الزخارف، والنقوش العديدة بجانب الهندسة الميكانكية، ترى نظرات أباها الغير مفهومة محاولةً إخفاء أمرها مثلما وعدت رهف، ثلاث ساعات تحاول التركيز؛ لتغمض عينيها دون أن تدري، صراخاتٌ تردد بأذنيها وصوتٌ طويل يزعجها.
وضعت يديها علىٰ أذنيها؛ لتدنو عنود بقلقٍ علىٰ حالتها:
-ماذا حدث؟! كنتِ بخير الآن!
تشبثت لدن بثيابها:
-انقبض فؤادي فجأة يا عنود، هاتفي رهف رجاءً أودُّ التحدث معها.
أجابتها وهى تشير للساعة:
-لقد تعدت الواحدة يا حبيبتي، أخبريني وأساعدك أنا.
-أدهم ليس جيدًا يا عنود، قلبي منذ تلك الحادثة لم يعد ككقبل، هُناك شيء قاسٍ عليه، حدثي لا يخطيء يا أختي.
تأملتها بملامحٍ شاردة تطمئنها بآيات الله، أوشكت أن تنهرها بقوةٍ على أدهم خاصتها؛ فإن أدرك مؤيد تلك الأمور لن يهدأ، ضمتها لصدرها تهدأ ثورانها فشعور لدن دائمًا في النطاق الصائب، تخشى عليها السقوط بوحلٍ أسود لن تخرج منهُ بخير! حاولت أن تهدأ بشتى الطرق؛ لترمقها لدن بوهنٍ وعتابٍ جارف، الشك يسري بأوصال دمائها وما أغبى الإنسان حينما يتلقى كارثة من القريب!
-أدهم أنظف إنسان لم أرَ في نقاءه أبدًا، أنتِ تغضبين مني ولكن في الواقع ستشكرين صديق مؤيد على أفعاله، سأجيب عن أسئلتك يا شقيقتي فقلبي علىٰ مشارف الجنون!
أشفقت عنود عليها؛ فكانت تحميها من شرور نفسها والانسياب خلف والدتها لتقع كالجنين بطريقها بداية من الصِغر تحاول زرع الشر بجسدها؛ لتجر خيباتها، لم يمهلها أدهم الوقت لتدمر ابنتها.. بل أنهى اللعبة علىٰ المكشوف ضحيتها اثنين بمنتصف الطريق!