![]() |
رواية المطاريد الفصل الرابع عشر بقلم رباب حسين
كان رؤية عينيها أول مرة مثل الغوص في أعماق المحيط الأزرق الواسع تأخذك في رحلة ساحرة تنسى بها كل مواقف الحزن والألم الذي مررت بهم من قبل وفي كل مرةٍ كنت أراها كنت أشعر بإنني أغرق في بحر عينيها أكثر وأكثر دون قيود أو حدود حتى أصبحت أنتظر رؤيتها كي أذهب في رحلة العشق اللامحدود بتذكرة ذهاب دون عودة..... وها أنا أجلس بجوارها أنتظر أن يفتح باب المحيط كي أذهب في رحلتي التي إنتهت أمس بأخذها بين أحضاني كي تغفى على صوت دقات قلبي العاشق لها في لحظة إنتظرت عمراََ كي تحدث وهي أن أستيقظ وأجدها نائمة بجواري وأظل أتأمل وجهها الفتان وهي هائمة في عالم أحلامها
بدأت رهف أن تشعر بضوء الشمس التي سطعت وأنارت الغرفة ففتحت عينيها في بطئ ووجدت يحيى يشاهدها وهي نائمة وعلى وجهه إبتسامته التي خطفت قلبها فابتسمت ورفعت الغطاء على وجهها في خجل فضحك يحيى وأمسك الغطاء وأزاحه عنها فقالت : لا يا يحيى أكيد شكلي وحش
يحيى : شكلك إيه؟!.... رهف هو إنتي عامية؟!
نظرت رهف بوجع طفولي وقالت : بجد شكلي مش وحش وأنا صاحية من النوم؟
يحيى : ده أنا قاعد مستني العيون الحلوة ديه تفتح عشان أشوف لون البحر فيها ولما تفتحيهم تخبيهم مني
إعتدلت رهف وارتمت بين أحضانه وقالت في سعادة : أنا فرحانة أوي..... إنت عارف أنا حلمت باللحظة ديه أد إيه؟!
ضحك يحيى وقال : واضح إنه كتير..... وأنا اللي كنت فاكرك مؤدبة
إبتعدت عنه رهف وضربته في كتفه وقالت : دمك تقيل
يحيى : بس عسل متنكريش
إبتسمت رهف وأماءت بنعم ثم قالت : مش رايح الشغل؟!
يحيى : هروح طبعاََ بس إنتي خليكي في البيت متخرجيش
رهف : ليه أنا رجلي بقت كويسة..... أكيد في ناس كتير مستنياني في المركز
كان يحيى يشعر بالخوف منذ هروب عمار وأن يمسها بمكروه ويخاف أن يخبرها بالأمر ويعلم به عمر ويطلب أن يأخذها مرة أخرى فقال : معلش..... إستريحي بس يومين وممكن تبلغيهم لو فيه حالات مستعجلة تيجي هنا..... السرايا مفتوحة دايماََ لأهل البلد
رهف : فكرة فعلاََ خلاص أنا هتصل بيهم وأقولهم
قاطع حديثهم إتصال قسم الشرطة فأجاب يحيى في فزع وقال : ألو
عطا في فزع : يحيى باشا..... في حد إعترض عربية الترحيلات وأحمد باشا إتصاب بالرصاص والدنيا مقلوبة على الطريق
نهض يحيى في ذعر وقال : والمطاريد؟!
عطا : فيه منهم مات وهما بيحاولو يهربو والباقي لما لقى الضرب برا خاف يخرج من العربية لكن رماح وطاهر هربو
نهض يحيى وارتدى ثيابه سريعاََ تحت نظرات الفزع على وجه رهف وقال : إتصلت بمديرية الأمن؟!
عطا : اه بلغتهم
يحيى : أنا جي حالاََ
وقفت رهف بجواره وقالت في فزع : حصل إيه فهمني؟!
يحيى : المطاريد هربو وهما بيترحلو وأحمد إتصاب.... لازم أروح أشوف الوضع
رهف : طيب خدني معاك أشوف أحمد
نظر لها يحيى وصمت قليلاََ وقال : طيب تعالي بسرعة
ذهبت رهف وارتدت ثيابها وذهبت مع يحيى إلى موقع الحادث وجدت أحمد ينزف على الطريق ومازالت سيارة الإسعاف لم تأتي بعد وحاولت رهف عمل الإسعافات الأولية له وهو فاقد للوعي ووقف يحيى ينظر إليه في ذعر وهناك ٤ ضحايا من المطاريد موتى بالأرض وأيضاََ إثنان من العساكر ثم لحق به عطا وذهب إليه وهو ينظر حوله في فزع من هول المشهد
صعد رماح وعمار وطاهر إلى الجبل مرة أخرى وجلسو بالكهف ونظر رماح إلى عمار وقال : حمد الله على السلامة يا عمار..... عفارم عليك لولاك كان زمانا في خبر كان دلوك
عمار : حصل إيه؟! وإزاي إتقبض عليكم كلكم كدة؟!
رماح في إرتباك : ها..... عحكيلك..... لما كنت راجد خطفت الدكتورة ديه يوم فرحها عشان تعالجك ومفيش ساعة لجيت يحيى جايب جيش وطلع الجبل وكانت واعرة جوي وهوربت أنا وشوي من الرجالة وروحنا على المخبأ اللي كنت عامله بس حازم أخوها ديه لما جيه إهنيه عرف الطريج للكهف وجبضو علينا
عمار : طيب روح إنت وطاهر وأقعدو في المخبأ بتاع الفلوس
كاد أن يذهب عمار ولكن أوقفه رماح وقال : وإنت رايح فين عاد؟!
عمار : يحيى كدة أقوى مننا مفيش حل غير إني أقتله عشان أخد حق أبويا وورثي منهم
رماح في غضب : إنت جنيت إياك؟!
عمار في غضب : يحيى خد كل حاجة.... خد فلوسي وبيتي حتى البت اللي حبيتها فضلته عني ودلوقتي بقت مراته وأنا زهقت من كتر ما أنا عمال أتفرج عليه وهو بياخد كل حاجة مني لازم أوقفه عند حده وهاخد حقي منه تالت ومتلت
كان رماح يشعر بالخوف من إكتشاف عمار لما حدث بالماضي فأخذ يفكر بطريقة لتمنع عمار من الذهاب بالأسفل فقال : لو نزلت دلوك عيجتلك.... إنت عايز تنزل لحالك وسط العسكر دول كلياتهم.... تبجي عتنجتل ولا عطول حاجة منيه..... فكر بعجلك يا ولدي..... تعالى معايا نروح المخبأ ولما الوضع يهدى نشوف عنعمل إيه
هدأ عمار وقرر أن يذهب معه إلى المخبأ.... حضرت سيارة الإسعاف وأخذت أحمد إلى المشفى ولحق به خالد ويزن بعد أن قام يحيى بتبليغهما بما حدث وطلب منهما مرافقة أحمد لعجزه عن ترك مكانه في العمل ثم طلب يحيى من رهف أن تعود إلى المنزل سريعاََ ولا تخرج منه أبداََ خوفاََ من هروب رماح ثم قام بترحيل المطاريد إلى مديرية الأمن بنفسه وحصل على إذن بالصعود إلى الجبل مرة أخرى وأخذ بعض العساكر وصعد إلى الجبل ولكن بعد بحث طويل لم يجد لهم أثر..... كان يحيى يشعر بالغضب الشديد فكان يظن أن كابوس المطاريد قد إنتهى ولكن بهروب رماح وعمار فقد عاد الوضع كما كان وتأكد أن من قام بهذا الإعتداء على سيارة الترحيل لم يكن سوى عمار وخيم الحزن على وجوه أهل البلدة بعد أن ظنو أن حياتهم سوف تستقر دون خوف....عاد يحيى إلى قسم الشرطة واتصل بخالد ليطمئن على حالة أحمد وأخبره خالد أنه قد خرج من غرفة العمليات وحالته إستقرت نوعاََ ما..... في المساء عاد يحيى إلى المنزل ووجد رهف تبكي أمام عمر وتقول : يا بابا أرجوك متصعبهاش عليا
عمر في غضب : أنا خيرتك وإنتي اللي إخترتي وقولتلك يا ترجعي معايا وتسيبي البلد ديه يأما تنسي إن ليكي أب من الأساس
دخل يحيى ووقف خلفهم وقال : فيه إيه يا عمي؟!
نظر له عمر وقال : أهوه جوزك جيه..... إسمع يا إبني أنا مش معترض عليك في حاجة أبداََ لكن وضع البلد هنا مش مطمني وأنا مش هستني لما تتصل بيا وتقولي بنتك ماتت
يحيى : بعد الشر عليها..... ليه بس كدة يا عمي؟!
عمر : ما ده اللي هيحصل لو سيبت بنتي تعيش هنا
يحيى : إهدي يا عمي محدش هيقدر يلمسها طول ما هي هنا جوا البيت
عزام : والله يا ولدي جولتله إكديه
رهف : يا جماعة فيه مشكلة بس عشان كدة بابا بيتكلم بسببها إن أنا قولتله لازم أروح المركز مقدرش أستخبى هنا وأسيب الناس عيانة برا ومحتجاني
يحيى : محلولة..... بكرة هعمل إعلان في المركز إن اللي محتاج علاج يجيلك هنا.... أما خلي الخدم ينضفو أوضة الجنينة اللى برا وأنا هخلي الممرضات ينقلو كل حاجة هتحتاجها رهف في الكشف على الأوضة ديه.... أظن كدة رهف هتفضل في البيت وتحت عنينا ومحدش هيلمسها..... وبعدين خليك قاعد معانا يا عمي لحد ما تطمن إن الموضوع خلص خلاص
عمر : ما أنت قولت قبل كدة إنه خلص ورجعنا لنقطة الصفر تاني
يحيى : عمي... أنا لحد دلوقتي مقدر خوفك على رهف ومش عايز أقول كلام يضايقك..... لكن في الحقيقة إنت متقدرش تأمر مراتي وتقولها تسيب جوزها وتروح معاك ولا إنك تخيرها بيني وبينك لأن هي معندهاش حق الأختيار..... رهف مش هتخرج من بيتي غير بإذن مني وأظن ده حقي اللي الشرع والقانون مدهوني...... عارف إن الوضع هنا غريب وجديد عليكم لكن أنا بقولك إني أقدر أحمي مراتي ومش هسيب حد يقربلها
اقتربت رهف من يحيى وهي تشعر بغضبه فخافت أن يحدث صدام بينه وبين والدها فأمسكت ذراعه وقالت : أرجوك يا يحيى مش عايزة مشاكل بينك وبين أهلي
نظر لها يحيى وحاول أن يهدأ عندما رأي دموعها فتنهد وقال : أنا أسف يا عمي بس أرجوك إديني بس فرصة أخلص من اللي أنا فيه ده..... إنت فاكر إن المطاريد بيهجمو علينا أحنا بس..... أخرج شوف حالة الناس برا إيه..... كل أما حد يشوفني يبصلي كأنه بيستنجد بيا وأنا بحاول بكل الطرق ودلوقتي كمان أحمد مش موجود ولا عارف حتى أروح أطمن عليه وزمان أهله في مصر ميتين من الرعب..... أرجوك نأجل أي كلام دلوقتي لأني فعلاََ مش مستحمل نقاش
تركهم يحيى وصعد إلى غرفته ونظرت رهف إلى عمر وقالت : متزعلش مني يا بابا بس يحيى معاه حق..... أنا مقدرش أعصى أوامره ولو أقدر أسيبه وأمشي أبداََ..... أرجوك قدر اللي إحنا فيه
أمسك حازم بذراع عمر وقال : كفاية يا بابا.... إطلعي يا رهف شوفي جوزك..... وإنت يا بابا تعالى نقعد نتكلم بهدوء
صعدت رهف خلف يحيى وجلس عمر مع حازم وعزام وأخذت أمينة أمل وهبة إلى غرفة الحديقة الخارجية وقامو بالعمل على تنظيفها مع الخدم أما رهف فدخلت الغرفة ووجدت يحيى يجلس على الفراش يضع رأسه بين كفيه وينظر أرضاََ والحزن يخيم عليه فاقتربت منه وحركت رأسه ووضعتها على كتفها وقالت : بقى فيه كتف موجود يسندك في وقت تعبك.... أنا موجودة يا يحيى مبقتش لوحدك خلاص
أراح يحيى رأسه على كتفها وأغمض عينيه وتنهد وقال : أنا عايز أقولك على حاجة عشان مينفعش أخبي عليكي أكتر من كدة
عقدت رهف حاجبيها وقالت : إيه يا يحيى فيه إيه؟! متخضنيش
رفع يحيى رأسه عن كتفها ونظر إليها وقال : عمار هرب إمبارح من المستشفى وأكيد هو اللي هرب رماح وطاهر النهاردة
رهف في صدمة : لو بابا عرف هتبقى كارثة
يحيى : عشان كدة مكنتش عايز أقول بس أنتي لازم تعرفي عشان تاخدي بالك من نفسك وتحذري من أي تصرف لأني الفترة اللي جاية هبقى مشغول في القسم وكنت عايز أقولك على حاجة هعملها
رهف : هي إيه؟!
يحيى : أنا عارف إن عمار هيجيلك..... عمار دلوقتي معندوش حلول كتير وعامل زي الطير المدبوح اللي بيطلع في الروح وبيخبط في كل حتة وأكتر حاجة هتبقى في باله هو إنتي ولو حطيت حراسة على السرايا من برا عمار مش هيقدر يقربلك وبكدة هيفضل مستخبي في الجبل فا أنا معنديش حل غير....
رهف : تستخدمني طعم
علم يحيى أن رهف فهمت ما يحاول القيام به ولكن خوفه عليها يمنعه من تنفيذ تلك الخطة فنهض في غضب وقال : لا.... لا مش هعمل كدة..... هدور على طريقة تانية
وقفت رهف ووضعت يدها على كتفه في هدوء وقالت : هي إيه؟!
نظر لها يحيى في حيرة فهو لا يرى أي طريقة أخرى فقال : ما أنا مقدرش أحطك في خطر المرتين اللى فاتو ربنا سترها وعرفت ألحقك المرة ديه مش عارف هيحصل إيه..... أنا عارف أن أبوكي معاه حق وأنا واقف بتفرج ومش عارف أحميكي
إبتعد يحيى عنها ونظر من النافذة قليلاََ ثم أغمض عينيه وقال : روحي إسكندرية مع أبوكي يا رهف..... المكان هنا فعلاََ خطر وأنا لما أتأكد إن العيشة هنا بقت إمان هاجي أجيبك
رهف في غضب : لا طبعاََ مش هيحصل..... مش هسيبك وأمشي ومش هعمل كدة بعد ما لقيتك..... أنا عندي أموت ولا إني أتعذب في بعدك تاني
إلتفت يحيى إليها وقال : بعد الشر عليكي..... مش هنبعد يا حبيبتي.... إديني بس وقت لحد ما أخلص من القضية ديه
رهف : وهو كل قضية تجيلك عشان تحلها هتبعدني عنك عشان تحميني..... يبقى عمرنا ما هنعيش مع بعض..... يحيى ده شغلك عموماََ ومفيش ظابط شرطة بيخرج من بيته كل يوم وضامن يرجع ولا لا..... وأنا هفضل معاك ومش هسيبك مهما حصل..... تعالى بس نقعد ونفكر في حل سوا وإن شاء الله مش هيحصل حاجة
أمسكت رهف بيد يحيى وأجلسته على الأريكة وظلا يبحثان على سبيل للخروج من هذا المأذق
في الصباح إستيقظت رهف ونزلت إلى أسفل لترى ما حدث بغرفة الحديقة ووجدت أن الغرفة قد تجهزت تماماََ لإستقبال المرضى وبعد قليل دخلت مي وممرضة أخرى وهما يحملان بعض الأدوات الطبية وقامو بإستقبال المرضى وأعدت أمينة مكان خارج الغرفة ليجلس به المرضى لإنتظار دورهم..... إستيقظ يحيى وأخذ حمام دافئ وارتدى ثيابه ونزل مسرعاََ إلى أسفل وجد رهف تعمل بالخارج ويزن عاد عند الفجر بعد أن أطمئن على أحمد وتحدث معه وقد أخبر يحيى أن الأمور مستقرة وتحدث مع عمر واعتذر منه عن الطريقة التي تحدث بها معه أمس وأيضاََ إعتذر منه عمر وأخبره أنه سيظل بجوارها حتى تنتهي هذه القضية وحازم وهبة والأولاد قررو العودة إلى الأسكندرية بسبب إنتهاء أجازة حازم وأن عليه العودة إلى العمل ثم ذهب يحيى مسرعاََ إلى القسم.... مرت عدة أيام وقام يحيى بتفتيش الجبل مرة أخرى ولكن دون جدوى وظلت رهف تعمل بالمنزل وفي يوم عاد يحيى مبكراََ ووجد رهف لازالت تعمل فاستأذن أن يدخل ليراها وبالفعل دخل ونهضت هي في سعادة واحتضنته وقالت : جيت بدري حبيبي
يحيى : خلصت..... قولت أرجع أرتاح وكمان خالد عايز يجي يتكلم معايا تقريباََ كدة في موضوع أمل
رهف : على فكرة أمل شكلها موافقة
يحيى : معرفتش أتكلم معاها حتى بس لما يتكلم معايا في الموضوع رسمي بقى هكلمها
رهف : طيب أنا فاضلي مريض واحد بس هخلص الكشف واجيلك..... إستناني متاكلش من غيري
إبتسم يحيى وهو يضمها إليه وقال : أنا أقدر يا باشا
رهف : طيب يلا إسبقني وأنا هاجي وراك على طول
ذهب يحيى وصعد إلى غرفته وبدل ثيابه وجاءه إتصال هاتفي من خالد يخبره بأنه اقترب من المنزل وأخبره يحيى أنه في إنتظاره..... إنتهت رهف من معاينة المرضى وذهبت الممرضات وانتظرت رهف قليلاََ لترتب الغرفة قبل أن تصعد إلى المنزل إستعداداََ للغد وبعد قليل خرجت إلى الحديقة وإذا بيد تجذبها واليد الأخرى وضعت على فمها وارتطمت بالحائط ففتحت عينيها في فزع ونظرت إلى من جذبها وحلت الصدمة على وجهها