رواية أجنبي الفصل الخامس عشر 15 بقلم الهام رفعت

 

 

 رواية أجنبي الفصل الخامس عشر بقلم الهام رفعت



انبهرت بكل ما لدى أختها، فتلك هي المرة الأولى التي تأتي إليها فيها، ولم تبخلَ في النظر لكل شيء حولها بنظرات حالمة. وزاد سرورها حين جلبت لها العديد من الحلوى مختلفة الأنواع، ثم جلست برفقتها تشاركها الحديث الودي حيث خاطبتها شهد:
-عاوزاكِ تخلصي كل ده، وهديكِ وإنتِ مروّحة
اتسعت بسمة رشا وهي تتناول في تلذذ ما أمامها، استفهمت مستنكرة:
-واللهِ يا أبلة شهد إنتِ حياتك تجنن، ليه عاوزة تطلقي منه!
لم تنكر شهد ترف حياتها وكم أن زوجها كريم ويعطي بلا حدود؛ لكن تفهّمت أنه يفعل ذلك لأجله، فهو كما أدركته يستمتع بحياته دون قيود أو اهتمام، فردت عليها متهكمة:
-دايمًا صارف فلوسه على الأكل، دا البقال مش بيبطل يبعت الصبي بتاعه يسألني عاوزة أيه
اعتدلت رشا في جلستها أمامها وقالت في دهشة:
-قبل ما أجيلك عمتو بتقول إنه بقى عارف كل حاجة هنا، وبفى معروف وبقى عنده أصحاب، مع أنه مبقالوش كتير !
أضافت شهد على سخريتها السابقة:
-إمبارح كان سهران، سألته كنت فين قال بيلعب طاولة على القهوة.
انتبهت رشا لشيء تحدّثت مع والدتها بشأنه، فهتفت تحذرها:
-ماما كانت بتقولي إنها خايفة على جوزك لحد يضحك عليه وياخد فلوسه وهو مش فاهم، وعاوزاكِ تنصحي
لوت شهد فمها مستهزئة من خوفهما غير الضروري، وهتفت:
-ما أنا مكملتش كلامي، لما كان سهران كان بيلعب معاهم على فلوس، كسبهم كلهم والليلة قلبت خناقة
-وضربوه؟!
سألت رشا مترقبة فهو أجنبي، فنفت شهد في غيظ:
-كان نفسي، بس ابن الأيه علّم عليهم كلهم
احتجّت رشا على كراهيتها له وقالت:
-مش عارفة مش طايقاه ليه، دا إنتِ عايشة في نعيم، ومتجوزة أجنبي الكل بيحسدك عليه.
تنهدت شهد في أسى، وتمنّت أن يكون وسيمًا، أو حتى مقبولًا، وتحيّرت في حياتها معه، ووجدت صعوبة في تقبُّل منظره، فهي لن تطيق لمساته وقُربه منها، وجزعت من مجرد التخيُل فقط، فماذا إذا فعلها؟!. نفضت التفكير في ذلك وظلت كالحة، لكن عاد حديث صديقتها يتردد في أذنها، أنه من المؤكد سوف يساعدها فيما تريده، ووجدت عقلها يدفعها دون إرادة لتنفيذ ذلك رغم نفورها من هيئــته............!!

*****

دفعها شيء داخلي لأخذ خطوة جدية معه، لتعلن من خلالها مدى العشق الذي تكنّه له، وأن له الأهمية دون غيره، وبذلك تُخرج من تستحوذ على قلبه، وتظهر أنها الأجمل بل والأفضل منها. ارتدت ورد ذاك الثوب الفضفاض من الخصر بلونه الأبيض، كان جذاب وهي ترتديه وأوضح مدى الرقة في طلعتها المشرقة وانتهت بلف حجابها حول عنقها. ثم انتظرته موتّرة الأعصاب وهي تتحرك هنا وهناك وهي ترتب كلماتها في إقناعه بالبقاء معها، وذلك بأنها ستمنحه من فيض محبتها الكثير، وتبعث له مدى العشق الجارف نحوه.
ثبتت موضعها حين استمعت لقرع الجرس، وباتت دقاتها هي الأعلى، اعتلى وجهها بسمة فرحة ثم ركضت ناحية الباب. فتحته ورد ببطء فظهر أمامها بطلعته الوسيمة التي لطالما أراحتها، بينما شعر حسين بالغبطة حين وصل إليها بسهولة، فهل أصبحت ساذجة لتخبره بمكانها وهي هاربة؟!. 
امتلأ وجهها ببهجة ملفتة وهي تخاطبه:
-ادخل!
خطا حسين بقدمه للداخل ونظراته لم تخفي إعجابه بكل ما حوله، فمنذ حضر لتلك المنطقة وكأن هناك حدودًا رُسمت بينهما. وقف منتصف الصالة وهي من خلفة مرتبكة، التفت إليها فابتسمت، قالت في رقة:
-هتفضل واقف؟!
اقترب منها فتأجج توترها، تأمّل وجهها الجميل عن قُرب، فقد تغيّرت في يومٍ وباتت التي أمامه فتاة أخرى، والفارق بينهما كجسرٍ منيع، خاطبها في جد:
-يلا يا ورد نرجع سوا
هذا ما أدركته حين يأتى، فردت تستعطفه:
-ليه؟!، خلينا هنا مع بعض، حسين أنا بحبك، مش عاوزة حاجة تفرّقنا، خليك إنت معايا
تقبّل محبتها له ولم يصدّق للآن أنها أخبرته، وطغى شعور جديد ناحيتها، ألا وهو رضاه بزواجه منها، فحثها على الاستغناء عن ذلك قائلًا:
-كل اللي حواليكِ ده مش هيجبلك السعادة، بالعكس ممكن تتغيّري لحاجة أوحش، ورد إنتِ طيبة، يلا نرجع، وهنتجوز وهعمل كل اللي تطلبيه
تلك الجملة هي من أرادت سماعها، لكن لم تشعر بصدقها، فهل تناسى حبيبته ليحبها الآن. أنكرت ورد ما قاله للتو، فهو يريد أخذها من هنا لا أكثر. فاستعملت لطافتها في الحديث وهي تخاطبه:
-لو حقيقي عاوز تعمل اللي أطلبه خليك معايا هنا
تذبذب قليلًا حين وضعت يدها على صدره في رجاء جعل قلبه يلين، ولأول مرة يدفعه شيء مجهول بداخله ناحيتها، وتصارعت بداخله أمور كثيرة، ومنها ارتباطهما المشروط، قال في هدوء ظاهري:
-بس إنتِ عارفاني، أنا مستحيل أقبل أعيش في مكان أو ظروف متعبتش علشان أوصلها
استغلت زواجهما حين اقتربت أكثر حد أن المسافة بينهما لا تُقاس فنظر إليها مشدوهًا، وأضحت رؤية نعومة طلعتها جذّابة؛ خاصةً وهي تبتسم له وتردد:
-علشان خاطري يا حسين، ماليش خاطر عندك، هو أنا مش حلوة للدرجة اللي تخليك تسيب كل حاجة علشاني!
حديثها المدهوش من جفائه ناحيتها استنكره بالفعل، هي جميلة وناعمة؛ لكن لم يفكر مطلقًا في وجود علاقة بينهما. رفرفت علامات التوتر من حولهما حين تضاءلت المسافة بينهما لقُبّلة لعينة في الانتظار؛ أوقف حدوثها جرس الباب المستمر، فابتعد حسين على الفور منتبهًا، بينما انزعجت ورد من إفساد قربهما، قالت على مضض:
-هشوف مين؟!
تنفّس حسين بعمق وتفاجأ مما كان سيفعله، فربما وحدته هي السبب بعد انفصاله، فهو ما زال على موقفه بعدم الزواج، وما زواجه منها سوى إرضاءً لخاله، وتضايق كثيرًا من حالته الضعيفة. 
انتبه حسين لغيابها فقلق، تحرّك صوْب الباب ليرى غير المتوقع في انتظاره، زوجته تستجدي أحدهم بالمغادرة، استشاط حسين وهو يدقق النظر لتظهر هوية هذا الشاب المتمرد وهو يرفض الرحيل. أحد سيف النظر إليه في غيظ واضح من وجوده، ولم يختلف الحال عند حسين الذي هتف مهتاجًا:
-البني آدم ده جاي ليكِ هنا ليه؟!
التفتت ورد مفزوعة من معرفته بحضور سيف المفاجئ، ثم نظرت له في تزعزع واضح وهي تتمتم بحروف غير مركبة. جاء سيف ليخطو للداخل فتحرك حسين ليمنعه في غلولٍ جم من وقاحته، ثم دفعه من صدره للخارج في حدة:
-رايح فين، على برة!
ازداد غضب سيف من تماديه في التعامل معه وصاح يهدده:
-اتجننت، مش عارف أنا مين يا حيوان، بس أنا هعرّفك
ثم دفعه سيف بقوة فتراجع حسين عدة خطوات للداخل، فتدخلت ورد للتفرقة بينهما حين اندفع حسين لضربه. وقفت بينهما وهي تهتف خائفة:
-ابعدوا عن بعض!
ثم خاطبت سيف في رجاء:
-لو سمحت إمشي!
لم يتحمل حسين وجوده وخرجت نظراته نافرة نحوه، فذاك السفيه أتى لزوجته وهي بمفردها، فأزاح ورد جانبًا واقترب ليلكمه في فكه بعنف فنزف الدماء، صُدم سيف من جراءته حين تطاول عليه، ولم يتوانَ هو الآخر في الرد حين لكمه في وجهه، فصرخت من ورد من احتدام الموقف، وسرعان ما تلاشى صوتها حين لكمه سيف مرة أخرى وهو يهتف منفعلًا:
-شكل العلقة المرة اللي فاتت مجبتش نتيجة، بس ملحوقة!
تيبّست ورد موضعها وتمنت أن تختفي الآن وهي ترى دهشة حسين حين علم بهوية المعتدين عليه، ثم وضعت يدها على قلبها خوفًا من إخبار سيف بأنها صاحبة الطلب. لحظات وجل قليلة مرت حتى حضرت والدتها لتشهد ذلك الموقف، فنظر لها الاثنان في صمت، بينما هرولت نحوها ورد وهي تهتف:
-مامــا!
خففت تلك الكلمة التي نطقتها من حدة حزن وضيق لميس مما علمت به من زوجها، ثم شددت من ضمها لتعلن أنها لها، ثم نظرت لـ حسين في غضبٍ ووجّهت له الحديث القاسي:
-جاي عاوز أيه، لو مفكر هترجع معاك تبقى غلطان، بنتي مش هتسيبني وتعيش في القرف اللي كانت فيه!
نظر حسين إلى ورد ليسمع قرارها، ووجد فيها الوجوم، حيث أبعدت نظراتها عنه فهي لا تريد الرحيل من هنا، وتأزّم الموقف بحضور والدتها وسيف. هنا علم حسين برأيها، فكبت انزعاجه بداخله، ولم يعلن زواجه منها وذلك ليحفظ ماء وجهه من رفضها الذهاب معه، ثم خاطبها متجهّمًا:
-خليكِ فاكرة إني جيتلك، بس مش هكررها تاني!
ثم دلف للخارج بعدما ألقى نظرة احتقار على سيف وهو يتوعد أن يرد ضربه له. فبكت ورد في صمت حزنًا على ضياع فرصتها معه. فدنا سيف منها ظنًا منه أنها كارهة لحضور الأخير، فقال ليهوّن عليها:
-متخافيش يا ورد، أنا جنبك ومش هخليه يقرّبلك
ربتت لميس على ظهرها في حنوٍ وقالت:
-أنا جنبك يا حبيبتي ومش هتخلى عنك
استمرت ورد على وضعها الكامد، وقلقت من أن ينفصل حسين عنها، فإن فعلها ستكون الخاسرة، فتلك فرصتها لوجود علاقة تربطهما ولو شكلًا، وفكّرت بألا تعطيه الفرصة لذلك، ولو فعلت له ما هو غير مرضـي...........!!

*****

انزعج من وصف والده له، بل ونعته بالغبي جعلته يكفهر تمامًا وهو يستمع لباقي حديثه الفظ معه، اكتفى من توبيخه فقاطعه:
-كان مسيرها تعرف، وكمان مغلطش، مش فاهم هنخبي لأمتى!
خبط السيد طاهر مكتبه بعنف وهو يحتج:
-لما تكتبلها ورثها هي كمان متبقاش تستغرب لما تحرمك إنت وولادك وتخلي واحدة أبوها مشغلوش عندي سواق تبقى هانم عليك
أثّر حديث والده عليه فهو لم ينتبه لتلك النقطة وأحس بخطورة المسألةِ الآن، وتأكد السيد طاهر من رعونته وهو يرى شروده وأن محبته لزوجته أنسته أمور كثيرة، فرمقه بنظرات استهجان وهو يضيف حانقًا:
-عرفت ليه متعصّب، مش بس منير لما يعرف هيعمل أيه، إنت كمان هيكون ليك نصيب كبير تتحرم من اللي عمك هيسيبه لمراتك.
نظر له فؤاد متجهّمًا ولم يستطع النطق، فاستأنف طاهر في خيبة أمل:
-كنت فاكر إنك ذكي وهتعرف تمسك كل حاجة، بس انصدمت فيك، سيف الصغير بيفهم عنك
انتبه لأمر أخيه وتدخّله في ذلك الموضوع فهتف مترددًا:
-طيب ملحوقة، ما سيف هيتجوز البنت دي، ومافيش حاجة هتروح مننا!
امتعض طاهر وهتف:
-سيف مش موافق على كلامي لما قولتله يضحك عليها وياخد كل حاجة، عاوز يتجوزها ويكمل معاها.
نطق فؤاد محاولًا التخمين:
-يمكن عاوز كل حاجة ليه ومش هيعمل كده لحساب حد.
لم ينكر السيد طاهر إعجابه بفكر ابنه فهو يعرفه وهتف:
-سيف من وهو صغير مبيحبش حد يتحكم فيه، وبيعرف يكسب كل حاجة لصالحه إزاي
استنكر فؤاد بعد كل ذلك أن يتم المراد قائلًا:
-بعد اللي وصل لميس مظنش توافق عليه، لميس خلاص عرفت خطتكم.
أسند السيد طاهر ظهره على مقعده كأنه يفكر في تلك النقطة، قال متوعدًا:
-لازم نعرف الأول مين العصفورة اللي بلغتها، وبعد كده شغلنا هيتنفـذ............!!

*****

استغل نوم زوجته وانغماس الجميع في سكون الليل، ثم تسلل في هدوءٍ حذر وهو يصعد للأعلى قاصدًا شقة عمته المغدورة. وقف نوح أمام الباب ينظر له للحظات ثم وعي لوضعه كي لا يراه أحد، ثم في خفة كأنه معتاد على ذلك فتح الباب بأداة حادة، ثم على الفور ولج وأغلق الباب خلفه. نظر حوله وكأن للمكان هوية مختلفة، جعلته دون إرادة يتخيل عمته حينما كانت هنا، بالطبع كانت وحيدة، تفعل كل شيء بمفردها، والآن قُتلت بلا مقاومة تذكر. فجأة شعر نوح بالغضب المستطير، وود معرفة هوية من فعلها، حتى وإن لم يرها سوى مرات معدودة، لكن الدم واحد.
خطا للداخل وعينيه هنا وهناك لترى ما تحويه الشقة بمساعدة المصباح في يده. كانت الأتربة عالقة على الأثاث، بالإضافة لخيوط العنكبوت البسيطة في الأرجاء. مرر نظراته على مقعد عمته المتحرك أمام المدفأة وابتسم حين تذكر حديثها عنه، ثم انحنى ليجلب ذاك الكتاب، وخال لنفسه وقتما كانت تطالع صفحاته، وضعه نوح محله ثم تابع سيره ليستكشف المكان، لاحظ غرفة مميزة فتحرك نحوها، حين فتح بابها نسمة هواء هبّت، لمع الحزن في عينيه حين أدرك أنها غرفة نومها، كم كانت أنيقة وتحفة فريدة. ودفعه شعور الندم ليوبخ نفسه لعدم المجيء إليها فقد كانت تتمنى حين يراها وتنهد متضايقًا من نفسه.
تقدم للداخل مستمرًا في البحث حتى وقعت عيناه على دولابها، تأمله لوهلة ثم شرع في فتحه حذرًا، قابلت أعينه ملابسها المرتبة والمعلقة في نظام، ثم أخذ يفتش بيديه بين ثيابها دون إفساد شيء. بحث نوح في عناية ولم يجد حتى الصندوق الذي تحدّثت عنه سابقًا في أنها تحتفظ بما تملكه بداخله. أغلق الدولاب مستاءً ثم فتّش في مكان آخر ولم يجد أي شيء. وقف مكانه متأففًا فيبدو أن زيارته الآن بلا فائدة. دلف لخارج الغرفة وهو يردد متحيرًا:
-أين سيكون إذن!
انتصف الصالة وعينيه تنظر لما حوله حتى جاءت السيدة زبيدة على باله، وتذكر حين استدعتها الشرطة في ذات الأمر، ووجد أن هذه السيدة تضمر شيئًا، وربما لها علاقة بعمته، خاصةً الاتهام الموجه لها وأنها للآن الجانية الوحــيدة.
وجد نوح أن بقائه غير مجدٍ فقرر الرحيل، وذلك بعدما وضع نظراته الأخيرة على المكان، ثم في حرس كبير فتح الباب وهو ينظر للأعلى وللأسفل، أعاد قفل الباب كما كان. تنهد في راحة حين خرج دون دراية أحد، وأثناء هبوطه الدرج كان يشلح قفازاته ثم وضعها في جيب بنطاله، اضطرب فجأة حين خبطه شخص مجهول على ظهره...!! 

بداخل الشقة كانت شهد متيقظة عكس ما اعتقد، كانت تفكر في علاقتهما لذا طبع على غرفتها السكون، ووجدت أن الحل الأصلح لها هو كيفية الاستفادة منه، ووصلت بعد تفكير مضني من عقلها في إقناع قلبها العنيد بقبوله، وعلى مضضٍ منها قررت التقرّب منه.
زفرت بقوة ثم نهضت ضجرة من رقدتها التي أذهبت النوم من عينيها. تحرّكت للخارج ولأن عينيها كانت على غرفته انتبهت لبابها الموارب. استغربت من ذلك فهو لم يفعلها من قبل، ثم سارت ناحيتها في تمعّن. وحين وصلت فتحت الباب أكثر وتفاجأت من عدم وجوده، تقطّب وجهها ثم أخذت تبحث عنه في كل مكان وهي تنادي بصوت مرتفع:
-أدريــان!
لم تجد رد فأدركت خروجه، ثم نظرت للساعة المعلقة فوجدتها الواحدة بعد منتصف الليل، فهتفت ممتعضة:
-معقول خرج في ساعة زي دي، وراح فين ده؟!
توجهت شهد لترتدي حجابها ثم اعتزمت الذهاب لعمتها، لربما ذهب هناك، ثم توعدت حين لم تجده عندها:
-تلاقيه راح يسهر مع الصيّع اللي قولتله ميروحش ليهم، أنا بقى هخليك تبات برة عندهم
ثم فتحت باب الشقة لتنصدم من رؤيته يقف مع تلك الفتاة الغليظة السمجة التي تُدعى بثينة، احتقن وجهها غضبًا وهي تصيح:
-يا سلام على المسخرة وقلة الأدب في نصاص الليالي
فُزع نوح من رؤيتها وشعر أنه دخل في معضلة قادمة، لا بل تأكد فنظرات شهد أعربت عما ستفعله حين تابعت:
-تعالوا اتفرجوا، الست المحترمة جاية لجوزي بعد ما رجالة الحتة مش معبرينها بسبب فضايحها
ثم صرخت كنوع من الاستغاثة النسوية في المواقف الجدية، فتوجّه نوح ليغلق فمها سريعًا وهو يخاطبها مستنكرًا:
-اهدئي، لم يحدث شيء مما تظنينه!
وجدت بثينة نفسها قادمة على فضيحة جديدة من فضائحها المتتالية في بحثها عن رجل يقبل بها، وانتفضت في فزع حين حضر البعض لمشاهدة ما يحدث، وكذلك نوح الذي وبّخ زوجته مستاءً:
-هل يعجبك ما يحدث، لم أفعل شيء ولم نتقابل سرًا، لقد قابلتها صدفة ليس أكتر.
دفعته شهد بقوة ليبتعد عنها ولكنه كالحائط لم يتزحزح، فزجرته وهي تشير على نفسها:
-بقى متجوز حتة القشطة دي وتروح تبُص على البقرة دي
ثم أشارت على بثينة التي تذمّرت من وصفها لها وهتفت:
-إنتِ قليلة الأدب، مين دي اللي بقرة يا حيوانة!
شهقت ورد بصوت عالٍ والأخرى تسبها علنًا، فتحركت نحوها راغبة في ضربها كالمرة السابقة وهي تردد:
-دا إنتِ يومك مش معدي النهارده، مين دي اللي حيوانة
وحين جاءت لضربها حملها نوح من الخلف لينهي الأمر سريعًا قبل أن يتفاقم ويصبح الوضع أسوأ، فهتفت شهد وهي تنازع لتفلت منه:
-سيبني، خليني أفضحكم يا قليل الأدب إنت وهي
استغلت بثينة ما فعله نوح ثم ركضت لشقتها قبل أن يتجمهر الناس أكثر. بينما في الداخل ألقى نوح شهد على الأريكة في غيظ من سوء فهمها ورد فعلها لما حدث، فنظرت له مستشاطة وهتفت:
-طلعت مش سهل، أتاريك عينك مني وعاوز تقرب مني
تفاجأت شهد به يميل عليها ويقبض بقوة على فكها، وارتعش بدنها حين صرخ قائلًا:
-اصمتــي، أنت فتاة غبية، ومغرورة، هل أعجبك ما فعلتيه بالخارج!
ثم دفعها للخلف فانكمشت متخوفة من غضبه الجديد، وباتت تدرك أن ليس الأبله الذي اعتقدت حين تزوجته، فابتلعت ريقها ووجدت أن عليها الابتعاد عنه، فهتفت وهي تتراجع بظهرها أكثر:
-طلقني!
ثبت نظراته الغامضة عليها، ونطق بكلمة واحدة:
-No!
ما قلقت منه حدث، فهتفت معترضة:
-مش بمزاجك، هطلقني غصب عنك!
استهزأ بها بنظرة واحدة جعلتها تغتاظ منه، ثم قال يعنادها:
-اشتاق لمعرفة بما ستقومين به لإرغامي يا زوجتي!
تعثرت شهد في وجود كلمات مناسبة لردع ذلك الغليظ وصاحت:
-يا رب تموت مشنوق 
أراح نوح قسمات وجهه في غرور رسمه ثم تركها ليتحرك ناحية غرفته، فتعالت أنفاس شهد وهي تتابع ولوجه الغرفة وهتفت:
-طيب تبًا لك............!!

*****

فاقت على صوت صياح أحدهم، فزفرت في ملل وهي تخرج من غرفتها، وعند وصولها للصالة انتبهت لباب الشرفة مفتوح على مصراعيه. سارت السيدة زبيدة لترى من الساهر لتلك الساعة المتأخرة، وحين وصلت رأت ابنها الأكبر الحنون يجلس منكبًا على نفسه ويبدو عليه الحزن، انفطر قلبها واقتربت منه تسأله مترقبة:
-حسين، قاعد كده ليه؟!
جلست بجانبه على الأريكة وهي تضع يدها على كتفه، فنظر لها حسين في وجوم مقلق فاستأنفت مستنكرة:
-هنرجع تاني يا حسين، مش قولت أنساها يا حبيبي
ظنّت السيدة أن مُغتم بسبب انفصاله؛ لكنه نفى حين قال حانقًا:
-مش دا سبب زعلي يا ماما، أنا خلاص كل أما افتكر سبتني إزاي بكرهها، مبقتش حتى عاوز أسمع اسمها
ارتاحت السيدة قليلًا وخاطبته في لطف:
-ربنا يكملك بعقلك، أيوة كده اللي يسيبك سيبه وفي أقرب زبالة وارميه
وجدته كما هو بائس فاستفهمت مهتمة:
-طيب مالك دلوقتي، حد تاني مزعلك؟!
أجاب بطلعة كئيبة:
-مبقتش مرتاح في حياتي، حاسس كل الأبواب مقفلة معايا، خسرت بيتي والفلوس اللي فضلت اشتغل علشان اتجوز بيها، مبقاش عندي اللي يخلي واحدة ترضى تقبل بيا وأنا في ظروفي دي.
ربتت على ظهره وقالت في تعقل:
-إنت لسه صغير والعُمر قدامك، واللي عملته هتعمله تاني وربنا هيكرمك.
ثم أضافت مبتسمة لتمحي ضيقه:
-وورد هتقف جنبك، قلبي حاسس إن هي دي اللي هتنوّر حياتك
عمد حسين على عدم البوح بما حدث لوالدته، فهو لا يريد إفساد علاقتها بأخيها بسبب ابنته الطائشة، فقال مقتضبًا:
-إن شاء الله!
طبعت قبلة على رأسه في حنوٍ جعل الغم يزول إلى حدٍ ما من عطفها، قالت:
-أرمي الهموم ورا ضهرك وقول نام علشان شغلك ومصالحك.
أومأ حسين يطيعها، وقبل أن ينهض سألته السيدة متذكرة:
-صحيح أيه صوت الخناقة اللي كان من شوية، متعرفش أيه ده؟!
من شدة همه وغمه استمع حسين للشجار الدائر ولم يتدخل، فأجابها مستهزئًا:
-الموضوع بسيط، دا شهد قفشت أدريان مع بثينة........!! 

*****

ظلت اليومين السابقين في فيلا والدتها، تلقى الرعاية والاهتمام، وتعرّفت على أخوتها ووطدت علاقتها بهما؛ لكن زوج والدتها رغم أنه لم يبدي أي ردة فعل في حضورها، كانت تشعر بعدم راحتها نحوه، وأنه كالمغصوب، أدركت في تلك الفترة مدى حُبه لوالدتها، ولذلك كان أمامها الزوج المطيع الحنون.
رأتها لميس جالسة على أرضية الحديقة شاردة فابتسمت، أخذت تقترب منها حتى انتبهت ورد لحضورها، شاركتها لميس الجلسة المريحة وقالت:
-مافيش أحسن من القاعدة على الأرض
نظرت لها ورد في ود، ورغم كم الحُب الذي تمنحه لها كانت تشعر ورد بافتقاد شيء مهم، لربما أسرتها. لكن لم 
تظهر أي من مشاعرها تلك.
مسحت لميس على صدغها في لطف، ثم تأمّلت ملامحها، وإلى الآن لم تصدق وجودها برفقتها، حيث وجدت أن ذلك الأصح، فقد خشيت أن يؤذيها أحد، ثم تنهدت وقالت:
-خليكِ هنا معايا!
بالفعل لن تقبل ورد ذلك، بالأخص في حضور زوج والدتها، فقالت معترضة:
-بكون على راحتي في الشقة، هنا أوقات مش بعرف ألبس اللي عاوزاه.
مررت لميس بصرها على ما ترتديه واقترحت:
-طيب ما تلبسي زي ما بلبس، واقلعي البتاع ده، هتكوني أجمل من غيره.
ارتبكت ورد ثم ضبطت حجابها الذي تشير إليه مستنكرة:
-لا طبعًا، إزاي تطلبي مني حاجة زي كده!
أخفت لميس ضيقها، فربما تربية زوجة أبيها نافعة عنها، فإن كانت معها لكانت مثلها هي، قالت:
-طيب زي ما تحبي، أنا بس خايفة حسين يجي ويضايقك.
تمنّت ورد لو يحدث هذا، فحينها سوف تستعمل جميع أسلحتها ليبقى معها. فأردفت لميس قلقة:
-كمان خايفة من جوازك إنتِ وسيف، لازم سيف يثبت إنه بيحبك ويعمل المستحيل علشانك
ترددت ورد في التعليق على ذلك، ثم قالت حذرة:
-هو حسين ماله، ما هو حلو وابن عمتي؟!
كأي امرأة كانت تفهم مشاعر المرأة مثلها، هي مدركة عشق ابنتها له، لكن كانت تتغابى عن ذلك، وللآن ظلت على نفس الحالة، فهي ترفضه مطلقًا ولن تجعل ابنتها مثلها في يوم، فخاطبتها في جد:
-فكري في مصلحتك، في الراجل اللي هيقدر يحقق اللي تتمنيه ويكون سندك في الحياة.
اختنقت ورد وتأججت حيرتها في البقاء ليس إلا، لكن لعشقها قد حسمت أمرها. أوقف الحديث بينهما وصول رسالة لـ ورد، فاستأذنت ورد لرؤيتها ووالدتها تتابع عن كثب واهتمام شديد حين بدأت ورد في الرد عليها، وحين انتهت قتلها شغفها وهي تسألها:
-مين يا حبيبتي؟!
كانت ورد ستخبر والدتها، وما كتبته للأخير أنها سوف سوف تطلب الإذن أولًا، فردت في خجل طفيف:
-دا حمزة، طالب نتقابل في النادي!
مطت لميس شفتيها في إعجاب وقالت:
-موافقة طبعًا، هو دا حد يرفض يقابله
تفهمت ورد أنها لا تمانع فكتبت له بالموافقة وهي في حماسة غير عادية لمعرفة ماذا يريد منها، بينما لفت الأمر لميس التي تمنّت أن يكون رجلٌ مثله لابنتها، بالطبع لن تمانع مهما كانت العوائق.............!! 

*****

جلست أمام المرآة تجمّل وجهها بلمسات بسيطة، ثم تأملت ما فعلته بقلب يرجف، حيث كان يلعب التردد بداخلها، وفكرت في ردة فعله حينها، بالطبع لن يتوانَ في لمسها، ولذلك تخوّفت من تلك الخطوة، فهي لن تتحمل، فكلما تنظر إليه ينبت بداخلها بغضًا تجاهــه، فما ألطف أن تكون لشخص وسيم الطلعة.
توقفت شهد عمّا تفعل، فعلى الرغم من إقناع نفسها سابقًا بالتودد إليه، كانت تتردد في ذلك، قالت في نفسها مكتربة:
-خلاص بقى يا شهد، مش كفاية اللي بيحصل معاكِ لما بتروحي المستشفى.
لمعاناتها الفترة الدابرة أثرًا على نفسيتها، وما كانت لتفعل ذلك إلا بفضل سفالة خطيب صديقتها معها. نفخت بقوة وقررت الاستمرار فيما عزمت عليه، ثم مشّطت شعرها الأشقر على الجانبين، بعدما انتهت نهضت لتنظر لثوبها الرقيق، رغم أنه يغطي كامل جسدها، كان ملفتًا وهو يبرز منحيات جسدها الممشوق، ومن شدة خجلها من تلك الخطوة وضعت غطاء خفيف على رأسها، لكن تركته متحررًا.
سارت لتخرج متجهة إليه ولم تعطي لنفسها فرصة للتفكير مجددًا. دلفت للصالة فوجدته فيها ورائحة دخان السجائر في الأجواء، قد منعته من التدخين في المنزل سابقًا كونها لا تطيقها؛ لكنه يعاند ويكرر الأمر، تجاهلت تلك النقطة الآن ثم دلفت ناحيته وقد علّقت عينيها عليه.
التفت نوح فور شعوره بحضورها ثم تصلّب متفاجئًا من هيئتها، دق قلبه فجأة ولم تخفي نظراته جمال وجهها وطلّتها، ولأول مرة يرى شعرها البارز قليلًا الذي لطالما كان يتخيل شكله ولونه، ثم نظر إليها وعينيه لم تفارق النظر إليها حتى جلست بجانبه وتلك الرائحة تفوح منها وكأنها دعوة لليلة مـا.
كما اعتقدت شهد أنه فُتن بها، ولما لا فهي مقارنةً به سوف تربح بالتأكيد، وفي جراءة منها عبثت في أطراف شعره كنوع من الدلال، خاطبته وسط ذهوله:
-هو هنفضل بعيد عن بعض كتير، أنا بقول طالما هنفضل كده ليه منكملش حياتنا زي أي زوجين.
رغم النعومة في حديثها كان يشعر بنفورها، وأن هناك من أرغمها لتتقرب منه. دنت شهد بوجهها ناحيته وأردفت في رقة مزيفة:
-على فكرة مش بهزر، تلاقيك مش مصدق نفسك.
ثم طبعت قبلة على خده مجبرة عليها، استأنفت:
-كده صدقت مش كده!
أراد نوح داخليًا أن ينهال عليها بقبلات عنيفة ويشبع نفسه بجمالها؛ لكن كان مزعوجًا منها، فهي بالطبع تتلاعب به، وربما هناك أمرًا مجهولًا يكشف نواياها، وليمحي مدى ثقتها وعجرفتها تلك قال في جمود:
-لكنني لا أريدك...........................!!
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1