رواية أجنبي الفصل السادس عشر بقلم الهام رفعت
احتقن وجهها من رده غير المتوقع، وعفويًا كانت تضبط حجابها لتخفي ما برز من شعرها، نهضت شهد لتقف أمامه وهي في غاية الغضب ونظرات احتقارها له كالسهام وهي تهتف:
-مش عاوزني أنا، إنت فاكر نفسك مين، ما تبُص لنفسك كويس.
ظل نوح جالسًا بنفس هدوئه وهو يرى نتيجة رده عليها وشعر بالغبطة، وأجزم أنها تستحق، بينما ثارت شهد من بروده وثقته المثيرة للحنق وهو هكذا لا يبالِ، فاستمرت توبخه في نفور:
-دا إنت تقرف، أنا مبطقش أبُص في وشك ومستحملاك بالعافية، لتكون فاكر نفسك حاجة.
لم يزيح نوح نظراته من عليها، وأضحت كلماتها تغضبه حيث ظهر ذلك على تعابيره المتجهمة، ورغم فرحتها بأن ما قالته أزعجه لم يهدأ غضبها، فلم تجد المبرر لوضعها فهي من عرضت نفسها عليه، وباتت ردودها معاكسة لما فعلته، لكن تابعت احتقاره:
-إنت ولا حاجة، لتكون فاكر الجنسية بتاعتك هتعملك قيمة، لا فوق وشوف خلقتك الأول.
نهض نوح فجأة فتراجعت خوفًا من تطاوله عليها، فنظراته نحوها كانت حادة وساخطة. تقدم خطوة منها فنظرت له متوترة، ثم حذّرته:
-لو مديت إيدك عليا هقتلك، إنت متعرفنيش، أنا مجنونة وأعمل أي حاجة!
مرر نظراته الغريبة عليها ككلٍ ولم تتفهم لما يفعل ذلك، حتى قال مستهزئًا:
-يبدو أنك نسيت لما تزوجتك، فتاة غيرك كانت ستشكرني.
تصلبت فجأة إثر رده، فيبدو أنها بالفعل تناست، فابتسم نوح في انتصار واستأنف:
-لما تزوجنا يا عزيزتي، ألم يكن لهذا القبيح الفضل في الستر على فضيحتك
تحرّكت شفتيها تريد قول شيء لكن من هول كلماته لم تجد ردًا، فأكمل نوح بنفس حنقه:
-أنا لا يشرفني الارتباط بفتاة مثلك كانت سجينة يومًا، طبيبة غير أمينة ورخيصة.
طغت سخونة مفاجأة على بشرتها، وتعالت أنفاسها الموترة من حديثه المحتقر لها، وفورًا شعرت بالاختناق وأن هذا الدميم يرفضها وهو من ينفر منها. جف حلقها وارتعش بدنها فجأة ولم تتحمل، هتفت مغتاظة:
-إنت بتعايرني علشان كنت مسجونة
فقط نظر لها دون رد، فأردفت في كراهية بائنة:
-أنا اللي مش طايقاك، وأنا أشرف منك ومن العيلة اللي إنت منها
نطقت جملتها الأخيرة في هياج وسط سكون ملامحه، ثم تحركت جانبًا لتمسك بالمزهرية ثم ألقتها عليه وهي تصيح بصوتٍ عالٍ:
-إنت متستاهلش واحدة زي، علشان إنت حيوان
صدها نوح بذراعه وأدرك أنها بالفعل مجنونة في ردود أفعالها، فهتف محذرًا:
-توقفي!
ثم اقترب منها فجأة فصرخت، وحين حاول إمساكها كانت تضربه بيديها بعشوائية دون توقف لتردعه بعيدًا عنها. هتفت ساخرة منه:
-يا بتاع بثينة، هي دي شكلك واللي تليق بيك، مش أنا
قالت ذلك ثم تحرّكت بعيدًا عنه وهي تنهج بقوة، فخاطبها متهكمًا:
-إن كنتِ تسخرين مني فانظري لنفسك أولًا!
رمقته في احتقار بائن فاستأنف منزعجّا:
-وإن كنتِ تريدين الطلاق فهذا لن يحدث، فأهلك بنفسهم سوف يجلبوكِ إلي، أنتِ عار عليهم
بهت وجهها فجأة وأحست بضعف في جسدها، وذاك الانكسار يطغى عليها، فتضايق نوح وهو يرى اقتراب دموعها من النزول، وأدرك أنه تمادى هذه المرة، لكن عاد جفاءه فهي تستحق لغرورها الدائم. لم ترد عليه بل سارت ناحية غرفتها وهي في صمت عجيب وكلماته تتردد في أذنيها، هي بالفعل عار على أهلها، ولم تتخيل أنها في يومٍ ستجد من يذلها هكــذا. تابع نوح ذهابها مع بعض الندم رغم شدته الآن، فزفر بقوة فكم أحب أن تكون معه، وبنفسه سيكسر راية الثقة من عليها، لكن ليس الآن فيومًا ما ستكون بين يديــه ويفعلها............!!
*****
كانت أول مهامها من بداية يومها، حد أنها تيقّظت مبكرًا وتجهّزت خصيصًا لتلك المقابلة ورتبت كلماتها كذلك. جلست ديما بسيارتها التي صفّتها جانبًا تتطلع عليه وهو يعمل في جِد ومن حوله صبيين يفعلان مثله في تصليح سيارة ما، ركّزت في هيئته وأُعجبت به، فرغم بساطة وضعه كان وسيمًا لطيفًا، وأيضًا صغير بالعُمر، وأعلنت نظراتها مدى الإعجاب به، وتمنّت بداخلها أن يقبل ما ستطلبه منه.
ترجلت من سيارتها بعدما أخذت نفسًا طويلًا، ثم في هدوء وطلعة جذابة سارت ناحيته، ونظرات بعض الناس كانت ترافقها. انتبه أحد الصبيين لها تقترب منهم فخاطب حُسين المنهمك في عمله:
-فيه واحدة جيالك يا أسطى حسين!
رفع حسين بصره فوجد فتاة ما وقفت أمامه وتبتسم له كأنها تعرفه، نظر لها مستنكرًا أن يعرفها هو الآخر وخاطبها في رزانة:
-خير حضرتك!
تأملته ديما عن كثب، فرغم وجود كدمات في وجهه كانت تثير فضولها، لكن لم تخفِ أيًا من جمال وجهه، فابتلعت ريقها وهي ترد:
-حسين أنا جاية وعاوزة اتكلم معاك في موضوع مهم
التقط المنشفة من على السيارة ومسح بها يديه المتسخة، ثم أعطاها اهتمامه وهو يسألها:
-حضرتك مين الأول وموضوع أيه؟!
نظرت حولها منكرة أن تتحدث معه هكذا وقالت:
-مش هنقعد حتى!، أنا عارفة إنك مشغول ومش هعطلك
أشار للصبيين بجواره وهو يأمرهما:
-هاتوا الكراسي من جوه!
امتثل الصبيان فورًا وفي غضون ثوانٍ كانا فعلا المطلوب منهما، فدعاها حسين لتجلس معه أمام باب الورشة وفعلت وهي تتهيأ لتخبره ما جاءت من أجله.
أنصت حسين لها وفهمت من نظراته أنه ينتظر ردها عليه، فقالت مترددة:
-أنا ديما، بنت عم أم خطيبتك، لميس هانم!
استغرب حسين وقلق من حضورها، فسألها كابحًا ضيقه:
-خير!
ظن أن أم زوجته هي من أرسلتها، لكن اتضح العكس حين قالت ديما في جد:
-جاية بخصوص ورد، وعاوزة أساعدك إنها ترجعلك لما سابتك علشان واحد تاني.
كأنها ضغطت على أوجاعه بردها دون أن تدري، ولحفظ ماء وجهه أمامها هتف:
-مش صح، ورد قاعدة عند مامتها، والواحد اللي تقصديه ده هو اللي بيجري وراها، لكن هي بتحبني أنا
تحدث حسين بعصبية بعض الشيء، ومن منظر هيئته وذاك الحديث الجارح له اعتزم عدم التنازل والحرب تلك ليربحها. بينما أخفت ديما غيظها وأن الآخر تركها من أجل هذه الفتاة اللعينة، فقالت متحمسة:
-أيًا كان، جاهزة أساعدك ترجعها ليك، وكل اللي تطلبه هنفذه ليك زي ما تحب
استمع حسين لها متحيرًا في أمرها، فيبدو أنها عكس ما توقع تمامًا وزاد فضوله، فاستفهم:
-يعني إنتِ مش جاية تخليني أبعد عنها؟!
أدركت أن الجميع ضده، لذا تحمّست وهي ترد:
-لأ طبعًا، أنا جاية أقف جنبك
-ليه؟!
سألها مترقبًا ليمحي حيرته فيما تفعله، وهي فطنت ذاك السؤال ورتبت الرد المناسب، قالت:
-عمي مش بيحبها، وبيني وبينك سمعت إنه هيجوزها سيف علشان يضحك عليها، ولميس عارفة وساكتة، قولت اتصرف أنا حرام
ثم زيفت الرحمة والقلب اللطف وهي تخبره، فتقطّب وجه حسين وهو يستنكر:
-أمها وهتسكت على أذية بنتها!
تنهدت وقالت توضح:
-علشان عاوزاها معاها وماصدقت
نظر للفراغ كأنه يفكر، بالطبع هي ابنة خاله ولن يتركها، حتى وإن فشل في إقامة علاقة تربطهما، فتابعت ديما ردود أفعاله وهي تنتظر بشغف أن يتعاون معها، ثم حدث المراد حين سألها مهتمًا:
-وأيه المطلوب مني أعمله، وإنتِ هتساعديني إزاي؟!
تنفّست في راحة وابتسمت، ثم قالت تحفزه:
-عاوزها ترجعلك، تيجي تشتغل في الشركة معانا.........!!
*****
ظلّت على موقفها، وأمرته بل خيّرته أيضًا بينها وبين الفعل المُقدم عليه، حيث أراد الحاج منصور الحديث مع لميس بشأن ابنتهما، لكن رفضت السيدة هنية ذلك، وكونها الزوجة الوفيّة الحنون أرضخ لأمرها، ثم جلس برفقتها يفكر ماذا يفعل؟، فقالت في عقلانية:
-بما إن مافيش اللي يثبت إنها بنتها، ومتسجلة باسمي واسمك، هددها إنك هتبلّغ عنها إنها خطفاها.
كأنه تناسى ذلك وهي من لفتت انتباهه، فنظر لها مؤيدًا تلك الخطوة قائلًا:
-صح يا هنية، كانت تايهة مني فين!
ابتسمت السيدة في إعجاب بنفسها وقالت:
-شوفت هنية بتعرف تفكر إزاي!
ربت على كتفها في ود فلطالما كانت تسانده بتفكيرها المُحنك، فقال متحمسًا:
-أنا هكلم حسين في الخطوة دي، هو كمان جوزها ولازم يبقى معايا.
تساءلت السيدة مستهزئة:
-يعني واخدة البنت وعارفة إنها مكتوب كتابها. هي مبتفهمش إن كده غلط ومينفعش؟!
رجّح الحاج سببًا حين هتف:
- تلاقي ورد مقالتش ليها حاجة علشان أنا كمان خبيت عليهـا
جاءت السيدة لتعلّق لكن جرس الباب منعها، فانتبهت رشا التي تدرس في الجوار، ثم سألت والدها:
-أفتح يا بابـا؟!
-أيوة يا حبيبتي شوفي مين!
أمرها سريعًا بالذهاب وأطاعته، ثم تفاجأ الجميع بحضور شهد، التي ولجت ومعها حقيبة بلاستيكية كبيرة نسبيًا، فابتسم لها والداها وجاهدت على رسم الفرحة أمامهم. نهضت السيدة هنية لتقابلها بشوشة الطلعة ثم ضمتها مشتاقة وهتف:
-نورتي بيت أبوكِ يا شهد!
اغتمت شهد من وصف البيت الذي عاشت فيه أجمل أيام عُمرها ببيت والدها فقط وليس بيتها أو من حقها، فهذا يعني أن لها بيتًا آخر، هي تركته الآن.
عانقها الحاج منصور مرحبًا أيضًا، وكان سلامهما من نوع آخر، كأنها ضيف جاء للتو، ثم جلست معهم متوترة كيف تبدأ كلامها بأنها جاءت إلى هنا تاركة البيت للأخير. خاطبها الحاج منصور متودّدًا:
-عاملة أيه يا شهد، تلاقي أدريان شايلك من على الأرض شيل
أضافت السيدة هنية مبتهجة:
-رشا بتقولي عايشة في عِز مافيش بعد كده
تهكّمت شهد داخليًا من الوضع المناقض لحياة البؤس التي تعيشها، وسكتت لربما يظهر لهما حزنها ويكشفون بنفسهما ما بها، لكن لم يحدث، ثم انتبهت لأختها رشا حين قالت وهي تنظر للحقيبة البلاستيكية:
-هي دي هدوم يا شهد؟!
جاءت فرصتها لتعلن سبب قدومها المُختلق، فقالت حذرة:
-هقعد معاكم يومين، وحشتوني!
انتفضت السيدة واستنكرت مزعوجة:
-إنتِ عاوزة الناس ترجع تلسّن عليكِ، وحشناكِ تيجي تزورينا وترجعي على بيتك، ما إحنا جنبك هنروح فين
كما توقّعت شهد ولذلك لم تخبرهم بالحقيقة، فالطبع اللوم وتحمل المسؤولية سيكون على عاتقها، فهتف الحاج منصور في لطف:
- المفروض إنك مش صغيرة يا شهد، لازم تحافظي على بيتك وتعرفي إن الناس كلامهم مبيرحمش.
وصلت لقمة استيائها وطفح الكيل، فقالت معترضة:
-يعني لو هو ميتعاشرش ولا وحش هستحمل علشان كلام الناس يا بابا!
رد الحاج في تعقل:
-دي حاجة تانية، جوزك محترم ومشفتوش من وقت ما نزل مصر بيعمل حاجة غلط، عمتك نفسها بتشكر فيه
صمتت شهد فيبدو أن انجذابهم للأخير أعمى بصيرتهم تجاه مشاعرها وما تريده، فتنهدت في ضعف وسألت:
-يعني مش هقعد!
-شوف لسه بتقول أيه!
قالتها السيدة مزعوجة، فهدّأها الحاج:
-خلاص يا هنية، تلاقي بس علشان اتجوزت بسرعة ووحشناها!
لوت السيدة فمها ولم تعلق، بينما استاءت شهد من المعاملة الجافة، وأيقنت صدق كلام الأخير، والأهم عندها الآن، كيف لها ستعود مرة أخرى بعد إهانته لها، وكيف ستتعايش مع ذاك النفور السحيق لكليهمــا..........!!
*****
بالصالة الرياضية، جلس وهو يسحب ذراعي الأوزان للأمام، والعجيب أنه زاد عن الوزن المعتاد الوصول إليه، فمن غضبه البادي عليه كان يسحب بعنف، فاندهش أندرو من تمكّنه وظهر مدحه له حين هتف:
-ما هذه القوة يا رجل!
استمر نوح يشد في شرود، فمنذ أمس لم ينم وهو هكذا يفكر في أمرها، وتأجج غضبه حين تركت البيت صباحًا دون علمه. فكان ينفخ على فترات، ليس من ثقل الوزن، بل يخرج حنقه الجاثي على صدره من عنادها، ثم تنبّه حين خاطبه أندرو مستفهمًا:
-متى ستنتقل إلى الفيلا الجديدة، وهل ستأتي زوجتك معك أم ستتركها؟!
توقف نوح بشكل مفاجئ ثم نهض ليجفف عرقه، فوقف أندرو أمامه مستشعرًا خطبًا ما في أحواله، خال له أن الأمر متعلق بعمته، فسأله في حذر:
-هل وجدت شيئًا في الشقة؟!
سحب نوح نفسًا طويلًا وقال:
-لم أجد أي شيء!
-لذلك يبدو عليك الضيق!
تحرّك نوح ناحية خزانات الملابس ليرتدي ثيابه، فسار أندرو من خلفه وهو يهتف متعقّلًا:
-من الأفضل الرحيل، فذلك النادي يأتي إليه جميع الأغنياء، ربما يأتي حمزة إلى هنا أيضًا.
وقف نوح موضعه وهو يخاطبه منفعلًا:
-لا شيء مما أطلبه تقوم بتنفيذه، فقد توعدني، أنت هكذا دائمًا، لا تفيد!
رد أندرو مستاءً:
-كل ما أفعله من أجلك ليس بالأمر الهام، أنا من تحدثت مع رامي، ومن خططت لمجيئك، كل هذا غير مفيد.
تجهّمت قسمات نوح فهو يريد الشجار مع أحدهم فحالته ثائرة، وسيكون هو الضحية، لذا خاطبه في حزم:
-لا أريد رؤيتك، أغرب عن وجهي!
وقف أندرو للحظات منكرًا استغنائه عنه، ثم امتثل لأمره وتحرك مغادرًا وهو في حالة كئيبة، بينما ظل نوح يحدق أمامه متأففًا، فما حدث جعله غير متزن، ثم أكمل سيره ليرتدي ثيابـه................!!
.............................................................
تأملها وهي تسبح في إعجاب، خاصةً براعتها وهي تنافسه في سباق أخذته على محمل الجد وكانت تجاهد لتربح. ابتسم حمزة وتركها تفوز رغم بروعه في السباحة، فهللت ورد حين وصلت للحافة وهي تتنفس بصعوبة وتردد:
-أنا اللي كسبت!
وصل حمزة متكاسلًا إليها وقال:
-مبروك!
اغترت ورد وقالت:
-مش قولتلك بعرف أعوم، وكويس كمان!
ابتسم حمزة وجاء ليرفعها من خصرها كي تخرج فمنعته وهي تبتعد:
-مينفعش تلمسني، عيب كده!
ثم شعرت بالحرج وتركته من خلفها ينظر إليها في دهشة، فلم يقابل فتاة ذات حياء في حياته غير عمته رحمها الله. استند حمزة بكفيه على الحافة ليخرج هو الآخر في خفّة، ثم جلس برفقتها على الكرسي يجفف شعره، وكانت ورد مثله تجفف وجهها، فخاطبها حمزة متعجبًا وهو يتأمل ما ترتديه:
-إنتِ مختلفة عن مامتك، لبسك وكل حاجة فيكِ!
فهمت ورد مقصده ووضحت:
-علشان بابا اللي مربيني!
لم يُرد حمزة الدخول في أمور خاصة بين والديها، بل خاطبها متودّدًا:
-ممكن تكلميني عن نفسك، بتدرسي أيه، وكده!
تفاخرت بنفسها وهي ترد:
-آخر سنة حاسبات ومعلومات بدرجة امتياز كل سنة، وهشتغل مع ماما في الشركة، قالت عادي من دلوقت مش شرط اتخرج.
لامس في نبرتها وهيئتها ملمح آخر عن هوية منطقة سكنها، فخاطبها مترددًا:
-اللي يشوف شكلك الحلو ده ميقولش إنك متربية في حارة.
نظرت له فجأة مندهشة من معرفته بذلك، فسألته مترقبة:
-وعرفت منين إني ساكنة في حارة؟!
ظهر على حمزة الحرج حين لم يجد رد فهتفت ورد في ظلمة:
-إنت بتراقبني بقى!
ابتسم وقال معجبًا:
-وفيه أيه لما أشوف بنت حلوة وأسأل عليها وأكون عاوز أعرف كل حاجة عنها.
زيّفت بسمة ممتنة له، ولم تشعر بشيء من لطافته تلك، فقلبها يملكه واحدًا فقط، لذلك سألته في جد:
-كنت عاوز مني أيه لما بعتلي؟، معقول علشان نعوم بس!
أدرك حمزة رسمها للحدود بينهما ولم يمانع أن يقبل رغبتها في عدم التمادي الآن، فيبدو أنها صعبة المنال كي يتقرّب هكذا منها. فخاطبها فيما معناه:
-أكيد عمرك ما سافرتي لأي بلد، أيه رأيك تزوري أمريكا
ضغطت ورد على شفتيها وقد حبّذت الفكرة، قالت:
-أكيد نفسي، بس مش هينفع!
-ليه، تعالي معايا وهتكوني عندي متقلقيش!
لم تكن ورد قلقة بشأن أمرها هناك، بل كونها متزوجة وبالتأكيد لن يقبل حسين، هو عنيد ويعثّر فرصة البقاء معًا، فملأها الحزن على ذلك، ثم قالت في تحفّظ:
-إن شاء الله لو قررت هروح معاك!
-بجد واللهِ!
التفتت ورد سريعًا لصاحب الصوت الذي يتحدث، ثم توترت من فهم سيف الخاطئ فملامحه مزعوجة، قالت:
-تعالى يا سيف أقعد.
نظر له حمزة في جمود فهو لم يوجّه السلام له، ولأن غضب سيف أنساه ذلك أمرها في تشدد:
-أنا جاية أخدك، عاوزك في موضوع مهم.
ثم نظر لـ حمزة وقال في لطف مصطنع:
-عن إذنك يا حمزة بيه!
تجاهله حمزة ثم نهضت ورد وهي تنظر لـ حمزة، خاطبته معتذرة:
-أنا أسفة، هنكمل كلامنا بعدين!
أومأ لها متفهمًا، وبداخله ضمر سُخطه من وقاحة سيف، فكيف له أن يأخذها وهي معه، فردد ممتعضًا:
-وقـح!
حين مرّت ورد برفقة سيف تراجع للخلف متواريًا، ثم انتبه لهيئته فهو هكذا لن تتعرّف عليه، رغم ذلك أخذ الحيطة والحذر حين سلّط نظراته على حمزة الذي يحلس بمفرده ويدخن سيجارة، قال نافرًا:
-إذن أنت هنا أيها الأحمق!
-ألم أخبرك!
اضطرب نوح ثم التفت له مرتبكًا، ثم وبّخه على سُخفه:
-أيها الغبي، كدت أفقد صوابي، هل جننت!
ابتسم أندرو في بلاهة ولم يرد، فسأله نوح مستهزئًا:
-ألم أخبرك بالرحيل، لما أنت هنا؟!
جاوب أندرو على مضض:
-حين خرجت رأيته، فبحثت عنك لأخبرك
لمح نوح في نظراته وأفعاله محبته وإخلاصه له، فتنهد قائلًا:
-ظل هنا لتراقبه، حتى تعرف أين مكانه بالضبط...........!!
*****
-عارف لو مبعدتش عن بنتي، هخلي حياتك سودا!
ألقت لميس تهديدها الصريح لـ حسين حين هاتفته، بعدما أخبرها منصور بنيته الوضعية في أخذ ابنتها، فتجاهل حسين حنقها وقال مُصرًّا:
-مش هتنازل عن ورد، واللي عاوزة تعمليه أعمليه.
اغتاظت لميس من عناده وهتفت:
-شكلك محترم، متخلنيش ءأذيك، علشان أنا رد فعلي وحش، خصوصًا لو الموضوع يتعلق بحد من ولادي
وجد حسين التفاهم صعب معها، فهتف معترضًا:
-اللي عاوزاني أبعد عنها دي مراتــي!
صُدمت لميس وهتفت غير مستوعبة:
-مراتك إزاي، إنتوا مخطوبين!
-اسألي بنتك اللي طلبت مني محدش يعرف
رد عليها مزعوجًا، في حال أنها تفاجأت، واستاءت من تخبئة ابنتها الأمر عنها دون الجميع ولامتها في نفسها، رغم ذلك أمرته في حزم:
-يبقى تطلقها، وطالما خبت الموضوع تبقى ولا حاجة بالنسبة ليها، وتلاقيكم غصبتوها!
جهل حسين بالفعل رغبة ورد في ذلك، فربما أن حديث والدتها صواب، هي تخجل منه، لكن ماذا عن حبها له؟!. وجدته لميس صامتًا فهتفت محاولة الهدوء:
-حسين إنت صغير، أبعد عن بنتي من سُكات، أنا مش عاوزة أظلمك، ورد مش ليك، وهي دلوقتي متنفعكش
احتقن وجهه من استخفافها به فهتف ساخرًا:
-وتستاهل اللي عاوزة تجوزيهاله علشان يخلص منها
علّقت في جمود لتنهي النقاش:
-ملكش دعوة، أنا حذّرتك وإنت حُر
ثم أغلقت الهاتف في اللحظة التي تقدّمت ورد منها مدهوشة من غضبها، جلست بجانبها وسألتها مهتمة:
-مين دا اللي كنتِ بتكلميه وبتتخانقي معاه
حدجتها لميس بنظرة غير راضية، لم تجيب عليها بل خاطبتها منفعلة:
-ليه تخبي عني إنك اتجوزتي، مش قولتي خطوبة
ابتلعت ورد ريقها وسألتها في قلق:
-حسين اللي كنتِ بتكلميه، قولتيله أيه؟!
امتعضت لميس من استهتارها وهتفت:
-دا اللي يهمك، هتنبسطي لو جه خدك وبعدتي عني، عاوزة كده يا ورد.
نفت ورد أن تفعلها، وردت في تمنٍ:
-هخلي حسين يعيش معايا، هقنعه بطريقتي
قبضت لميس على عضدها وهي تهتف رافضة:
-الجنان دا مش هيحصل، مش هسمحلك، إنتِ دلوقتي غير زمان، يعني اللي يتجوزك يكون بنفس مستواكِ
احتجت ورد على تشددها قائلة:
-أنا مبحبش غير حسين!
استهزأت لميس بالأخير حين ردت:
-حب أيه!، مش دا اللي مراته سبته رغم الحُب اللي بينهم.
اكتربت ورد للغاية فهي لا تريد أن تفعل ذلك، بينما نصحتها لميس في تعقل:
-الحُب مش كل حاحة، في حاجات كتير تخليكِ تعيشي مبسوطة في حياتك، والحاجات دي حسين عمره ما هيعملهالك
تاهت ورد وتشتت فكرها من الكلام الموجع لقلبها، فاستمرت لميس تحثها على الاستغناء حين أردفت:
-هطلقك منه، ولازم تساعديني علشان هتخسري كل حاجة ليكِ
نكست ورد رأسها في حيرة من أمرها وحالة الحزن تتملك منها، فأعلنت لميس نواياها لإنهاء تلك المهزلة والربح لصالحها حين أمرتها في تجبّر:
-عاوزاكِ كمان تنسي أهلك، ولو بلّغوا اتبري منهم علشان تفضلي معايـا...........!!
*****
وقفت تطهي الطعام كأي امرأة تقوم بواجبها، فهي لن تتحمل كلمات خاضعة يوجهها لها. أرادت شهد البكاء، ولكنها قوية عنيدة كانت تتحمل، وتركت التفكير في مستقبلها البائس وليحدث ما يحدث وعليها المواجهة.
استمعت لصوت بالخارج وأدركت حضوره فزاد توترها واقشعرت فجأة حين ولج المطبخ عليها، ثم ظلّت تعد الطعام في هدوء مزيّف.
بينما وقف نوح من خلفها يتنفّس في راحة حين رآها قد عادت ولذلك ركض لرؤيتها، فربما حدث ما أخبرها به وأن والديها من جعلاها تعود مرة أخرى، ابتسم داخليًا وأخذ يقترب منها حتى وقف خلفها. حاولت شهد تجاهله واستمرت تعمل فقد باتت لا تطيق وجوده، فأوقفها صوته حين ناداهــا:
-شهــد!
انتبهت لحلاوة اسمها حين نطقه، وكانت هذه المرة الأولى التي سمعته يناديها، وكان لصوته حين يتحدث تناقض كبير مع شكله. فتأففت وتغابت حتى للنظر إليه، فأكمل نوح حين تفهّم حزنها:
-l'm sorry!
وجدت نبرة أسفه نابعة من داخله، لكن هيهات من ذلك فقد جرحها ولن تلتئم حتى لقول كلمة قبول لما فعله. ثم التفتت له وكانت باهتة الطلعة، فابتسم لها نوح ليفتح مجال للصُلح بينهما، لكن صدته بازدراء أعينها نحوه حين قالت:
-لازم تعرف إني عمري في يوم ما هكون لواحد زيك، حتى لو معاك أيه، وحتى لو مافيش غيرك يحميني، أبدًا مش هعملهـا!
جاء ليرد فقاطعته لتكمل حانقة:
-ولو على إمبارح غلطة ومش هتتكرر تاني!
رأى الجفاء في نبرتها والكراهية في نظراتها، لذلك رد هادئًا:
-لا أرغب في شجار بيننا، وأنت من بدأتِ أولًا، كيف لي أن اسمع إهانتك وأتجاهلها.
أشاحت نظراتها بعيدًا غير مهتمة به، فتضايق وقال:
-لا تنسي أنا أفعل كل ما تريدينه، ولم أسمع كلمة شكر واحدة، أنتِ مغرورة، وشخصيتك لن تعجبني
تطلعت عليه في ثقة وهي تعلق:
-مغرورة دي اللي فهمتها إنت، أنا من حقي أفرح بنفسي، أنا حلوة ومافيش فيا عيب واحد
ثم انتقمت لنفسها حين استأنفت ساخرة:
-وأكيد من حقي راجل حلو، وأكيد مش إنت خالص
ملّ من استفزازها المستمر نحوه وقال:
-إنك كنتِ تريدين الطلاق فالأمر لن يروق لكِ بعد ذلك، ربما يزوجك والدك بآخر.
ثم دنا خطوة منها ليقلص المسافة بينهما، قال ماكرًا وهو يميل عليها برأسه:
-أنا متأكد أنه لن يتركك هكذا مثلما أنا الآن، فذاك الجمال لا أحد يبتعد عنه، أنتِ بالفعل جميلة
توترت من نظراته، ومن تلك العينين اللعينتين التي تطالعها في شغف، فلم تنتبه للونهما البرونزي من قبل، فأكمل نوح بنفس هيئته:
-عليكِ بشكري كوني لم أفعلها للآن!
من فرط ربكتها من حديثه تراجعت بعيدًا عنه، فصوته دائمًا يلفت انتباهها، بعكس منظره ذاك، قالت في تصلّب زائف:
-أنا محدش يقدر يقربلي من غير موافقتي!
كأنه بتلك النظرة استهان بها، فإن أراد الرجل شيء أخذه مهما كانت العوائق، فهتف مستنكرًا:
-حقًا!
رفعت رأسها للأعلى لتؤكد له أنها قادرة على ذلك، فقال بنظرات وقحة:
-وإن فعلتها فتاتي الجميلة................................!!