رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل السادس عشر بقلم جميلة القحطانى
وكان نفسي أقولك إن كل اللي بعدك كأنهم أوهام.
بس أنا خوفت أقرّب، أكون سبب في أي وجع تاني ليكي.
فبعدت… وسكت.
لم يكن الصباح مختلفًا عن سابقيه، لكنه كان أثقل على قلب جاسر.
في عمر الثلاثين، أنهكه الركض خلف أحلام مؤجلة. شابٌ بسيط يعمل في إحدى شركات التوزيع، يبدأ يومه مع شروق الشمس، وينهيه متعبًا مع غروبها، فقط ليعود إلى غرفة صغيرة فوق سطح منزل قديم في حي شعبي.
اليوم كان صعبًا… لم يكن العمل مرهقًا بقدر ما كانت الرسالة التي وصلته من خطيبته هالة.
ما عدت أقدر أكمّل، تعبنا كثير، وأنا محتاجة أستقر مع حد مستعد يضمن لي حياة مريحة… آسفة.
لم تكن مفاجأة تمامًا، لكنه كان يُراهن على حبها… على صبرها.
أغلق هاتفه دون رد. وقف أمام المرآة طويلًا. لم يكن ينظر لوجهه، بل لخيباته المتراكمة خلف عينيه.
مشكلتي إني دايمًا باحاول أكسب اللي مش شايفني.
قالها لنفسه، وخرج من الغرفة... لم يعد يشتهي البقاء.
في الغرفة ذات الإضاءة الخافتة، جلست سما وسط أكوام من الكتب والمذكرات.
السابعة عشر من عمرها، لكنها تحمل على كتفيها ما لا تحمله نساء ناضجات.
الامتحانات بعد أيام، والقلق لا يرحم.
صفحات متداخلة، كلمات لا تترسخ، والوقت يمر كأن الزمن يتسابق معها ليهزمها.
كانت والدتها تمر أحيانًا، تضع الطعام دون أن تسأل:كيف حالك؟.
كل ما يُقال هو:ذاكري كويس... ما فيش وقت.
لكن الوقت لم يكن أزمتها الحقيقية...
الخوف هو العدو.
خوف من الفشل، من خيبة الأمل، من ألا تكون الابنة المثالية كما يظنون.
في منتصف الليل، بكت.
ليس من سؤال صعب، ولا من نقص في المعلومات، بل من وحدة غريبة تحاصرها رغم الضجيج.
كتبت في دفترها الصغير:أنا مش مجرد درجات… نفسي حد يشوف إني بتألم… مش بس طالبة لازم تنجح.
أغلقت الكتب، حدّقت في سقف الغرفة، وغفت وعيناها متورمتان من البكاء.
في ركنٍ بعيد من صالة البيت، جلس الحاج سعيد على كرسيه الخشبي المتهالك، يتابع بعينيه المتعبتين حركة أفراد العائلة وهم يمرّون أمامه دون أن يلاحظوه.
عمره تجاوز السبعين، لكنه لا يذكر آخر مرة شعر فيها أنه جزء من هذا البيت.
زوجته توفيت قبل ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الحين، أصبح وجوده شفافًا.
أبناؤه مشغولون بحياتهم، وزوجات أبنائه يتحدثن بصوت منخفض إذا مرّ، وكأن وجوده يسبب لهن الحرج.
حفيده الصغير لا يعرف حتى كيف يناديه، فقط يقول:
العجوز ده مين؟