رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثامن عشر 18 بقلم نورهان ال عشري


رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثامن عشر  بقلم نورهان ال عشري



أُحِب الليل كثيرًا، و أهوى النظر إلى السماء لـ أرى بريق النجمات التي أحسدهن بداخلي فهن متوهجات بينما أنا مُنطفِئة. إمرأة رمادية. طمس الحزن قوس قزح من عالمها، و خاصمها الفرح لأعوام، ولكني حين ارفع عيناي للسماء و أشاهد القمر يتوسطها وحوله نساءه المتوهجات يلتمع شيء ما بعيني، و ينعكس بريق خافت بقلبي بأنه في يومًا من الأيام قد ارفع يدي للسماء وأنا ألوح لهن قائلة أنا أيضًا وجد النور طريقه الى حياتي. 


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


حتى أن اصابعهم العشرة لن تكفيهم ندمًا عما فعلوه بنا.


نورهان العشري ✍️ 

" رواية سلسلة الأقدار"


🍁🍁🍁🍁🍁🍁


تفاجيء ياسر حين رأى صابرين تتقدم نحو مدخل 

" الشونة " التي يعمل بها، فأخذ يتخبط بين استفهامات عديدة عن سبب قدومها اليوم إلى أن سمعها تطلب من أحد الصبيان رؤيته، فتحمحم بخشونة قبل أن يلتف ليجلس خلف المكتب الخشبي الكبير الذي يتوسط الغرفة، فلم تمر ثوان إلا و وجدها تطل برأسها و على وجهها ابتسامة واسعة مما ضاعف من دهشته، ولكنه لم يُظهِر أي شيء على ملامحه لتلقي السلام قائلة

ـ السلام عليكم. اذيك يا ريس ياسر عامل ايه؟ 


ياسر بجمود

ـ عليكم السلام ورحمه الله وبركاته. اهلًا يا حاجه اتفضلي.


صابرين بود

ـ يزيد فضلك يا أبني.


ياسر بجمود

ـ تشربي ايه؟ 


صابرين بلهفة

ـ لا ولا اي حاجه. دانا جايه في كلمتين و ماشية على طول. 


كانت الفضول كالنمل ينهش داخله بضراوة، وهو يترقب حديثها على أحر من الجمر، ولكنه كان جامدًا من الخارج حتى وهو يتحدث 

ـ اتفضلي.


اختارت كيف تبدأ حديثها معه، ولا تعلم ان كان صائبًا قدومها إليه، ولكنها لأول مرة ترى ابنتها في هذه الحالة لذا 


بدأت حديثها الذي كان مُفعمًا بالندم حين قالت 

ـ بصراحة انا جايه بقدم رجل و أخر التانية مش عارفه هتفهم كلامي ولا هتتقبله. بس انا كان لازم أجيلك.


لم يعد يـطيق الانتظار أكثر لذا أجابها بخشونة 

ـ اتفضلي قولي اللي عندك انا سامعك.


لامست بعض اللهفة في حديثه لذا شرعت في سرد ذنوبها دفعة واحدة، فكانت نقطة الإنطلاق عبارة عن اعتذار 

ـ انا جايه اقولك حقك عليا. انا اللي فرقت بينك وبين غنى زمان، و اتسببتلكوا في كل الأذى دا. 


هزة عنيفة أصابت قلبه حين سمع حديثها الذي أصابه بالنهم لمعرفة ما الذي يعنيه لذا استفهم بترقب

ـ يعني ايه؟ مش فاهم.


تذكرت ومضات من الماضي أخذت تقصها عليه بنبرة تعج بالندم


عودة لوقت سابق


ـ أنتِ مين يا حبيبتي! 


هكذا استفهت صابرين التي سمع جرس الباب، فذهبت لرؤيه القادم، فتفاجئت بفتاة لم تتعرف على هويتها و التي أجابت بخفوت 

ـ أنا واحدة صاحبة غنى يا خالتي. هي موجودة؟ 


ـ اه يا حبيبتي موجودة. اتفضلي . 


دلفت الفتاة إلى الداخل و خلفها صابرين التي قالت بود

ـ اتفضلي اقعدي وانا هناديهالك من جوا. 


أطاعتها مها لتدلف صابرين إلى الداخل لاستدعاء غنى التي ما أن خرجت و رأت مها حتى ارتفع أحد حاجبيها باندهاش لم يدُم حين لاحظت نظرات والدتها التي يشوبها الريبة فهي لم ترى هذه الفتاة من قبل لذا هتفت غنى بترحاب

ـ مها؟ ازيك . عاملة ايه؟ 


كانت تتحدث وهي تصافح مها و تقبلها والأخيرة حذت حذوها حين رأت نظرات صابرين الغير مُريحة لتلتفت غنى إلى الأخيرة قائلة

ـ ماما. ممكن تعملي لمها كباية شاي؟ 


صابرين بجمود، فهي لم تخفى عليها دهشة ابنتها حين رأت الفتاة

ـ حاضر. 


دلفت إلى المطبخ لتبدأ بصنع الشاي و حين انتهت توجهت إلى غرفة الجلوس ليصل إلى مسامعها صوت الفتاة الباكي وهي تقول 

ـ بالله عليكي يا غنى تسمعيني و تفهميني.


غنى بقلق

ـ في ايه يا مها؟ ياسر جراله حاجه؟ 

مها بلهفة

ـ لا. ياسر كويس. بس..


غنى بانفعال

ـ بس ايه وقعتي قلبي! 


بللت مها حلقها قبل أن تقول بتلعثُم

ـ من الاخر يا غنى انا جايه اقولك ابعدي عن ياسر. انتِ واقفه في طريق حياتنا سوى. 


غنى بسخرية 

ـ نعم ياختي! و دا من ايه أن شاء الله! قومتي من النوم لقيتي نفسك كدا! و لا كنتي نايمة من غير غطا! 


مها بحزن

ـ حقك متصدقيش. حقك تقولي اكتر من كدا، وانا مقدرة حالتك. بس هي دي الحقيقة اللي لازم تعرفيها.

اشتعلت الحرائق بصدرها مما جعلها تهتف بانفعال

ـ بت أنتِ انا مقدرة انك في بيتي و ساكته عشان اخوكي الله يرحمه كان صاحب ياسر الروح بالروح. لكن وديني لو ما لميتي نفسك لهكون مفرجة عليكي الناس. ياسر الوتيدي قلبه مش مع حد غير غنى يا عنيا والناس كلها عارفة الكلام دا واولهم أنتِ. 


مها بثبات 

ـ طب تفسري بأيه أنه مسمعش كلامك لما اتخانقتي معاه وقولتيله ميروحش عندنا تاني و بردو بييجي؟ تفسري بأيه أنه خد فلوس الجمعيه اللي كان واعدك ييجي يشبكك بيها و ضحك عليكي وقالك أنه اداها ليزيد عشان محتاجها ؟ 


كانت تسرد عليها حقائق تراها من زاويته دون أن تحسب حساب لأن لها زوايا أخرى غائبه عن عينيها ليبدأ نعل الشك في وضع قدمه في عقلها ولكن سرعان ما نفضه قلبها الذي جعلها تنتفض من مقعدها وهي تقول بعُنف

ـ أنتِ كدابة، و واطيه، وانا هتصل على ياسر و هخليه ييجي دلوقتي و يعرفك مقامك.


غزى الارتباك معالمها، ولكنها الآن أصبحت مجبرة على مواصله خطتها، و التي تعتبر بوابة النجاة أمامها من هذا المأذق لتهتف بثبات

ـ طب تفتكري هو لو في حاجه هيقولك؟ يعني لو كلامي صح وهو بيكذب عليكي تفتكري هيصارحك دلوقتي ؟ 


نصبت عودها هي الأخرى، و قالت بأسى من بين عبرات انهمرت دفعة واحدة حد اندهاش غنى

ـ طب بما انك مش مصدقة، فخدي التقيلة بقى. انا حامل من ياسر، وهو عايزني انزل اللي في بطني و كل دا بسببك. 

برقت عينيها و كُتِمت الحروف بفمها جراء هذه الصاعقة التي هبطت عليها من السماء لتسترسل مها في تمثيليتها بأداء أكثر من رائع حين قالت بانهيار

ـ عايز يموتني انا وابني عشان انتِ تعيشي. 


جف حلقها و سقطت على المقعد خلفها وهي تقول كمن مسه الجنون 

ـ لا . لا ياسر مش كدا . ياسر لا ميعملش. كدا. هو زي ؟ هو في راجل في الدنيا زيه؟ لا. انا واثقة لا. محصلش. 


فجأة هبت من مكانها، وهي تقول بانفعال

ـ امشي اطلعي بره. 


مها بذُعر، فنتيجة فشلها الآن ضياع حياتها القادمة، و خسارة كل شيء تملكه لذا هتفت بانهيار

ـ اسمعيني. انا مبكذبش، ولو مش مصدقاني. انا هثبتلك. بصي هو المفروض هياخدني بكرة المستشفى عشان انزل اللي في بطني. تعالي بكرة وانا هخليكي تشوفيني وانا في حضنه. 


فقدت قدرتها على الثبات لتقوم بلطم خديها وهي تقول بنبرة مقهورة و سيل من العبرات ينهال فوق وجنتيها

ـ بتقولي ايه؟ اسكتي. حرام عليكي. حرام عليكي اسكتي. تثبتيلي ايه؟ دا اكتر انسان وثقت فيه في حياتي. قوليلي انك كدابه و غيرانه أنه بيحبني. ابوس ايدك قوليلي كدا. ياسر مش وحش مش مجرم . انا عارفة…


مها بتلعثُم

ـ لا . هو مش وحش. بس الموضوع جه غصب. يعني هو كان عندنا، و ماما. ماما كانت نايمة. اقصد هو جه وهي نايمة، و أنا طول عمري بشوف ياسر دا حاجه كبيرة اوي. حتى من قبل ما عادل الله يرحمه يموت، وهو كمان، والدليل أنه لما جن فرصه يقربلي مترددش.


شعرت بالأرض تميد بها من هول ما سمعت، ولكن القلب ما زال صامدًا يؤازر حبيبه بقوة جعلتها تقول 

ـ مش مصدقاكي. 


مها بثبات

ـ و لو اثبتلك ؟ 


غنى بقلب ينتفض كطير جريح داخلها

ـ مش هتعرفي. 


ـ هعرف، و هتشوفيني بعينك في حضنه. بس وقتها ارجوكي ابعدي، واعرفي أن في روح بريئة ملهاش ذنب هتروح هدر بسببك.


غادرت مها تاركة غنى في طريقها للجنون، و لسوأ حظها، فقد سمعت صابرين كل شيء لتتوجه الأخيرة إلى ابنتها التي كانت حالتها مُذريه من يراها يقسم بأنها على وشك مغادرة الحياة لتهتف صابرين بصدمة

 ـ هو دا اللي أنتِ عايزة تتجوزيه؟ هو دا اللي بتحاربيني انا وابوكي عشانه؟ هو دا يا بت بطني ياللي طلعت بيكي من الدنيا! 


سقطت فوق المقعد خلفها وهي تقول بصوت جريح من بين عبراتها

ـ محصلش. دي بتكذب. ياسر لا يمكن يعمل كدا. انا أراهن عليه بعمري. 


لطمت صابرين خديها وهي تقول بنبرة أشبه بالجنون

ـ أنتِ ايه يا بت انتِ؟ عايزة تموتيني! أشق هدومي منك! عايزة ايه اكتر من سمعتيه عشان تعرفي أنه فلاتي و ميستهلكيش. 


صرخت بنبرة مشحونه بالوجع

ـ بقولك معملش كدا. انا واثقه دي بتتبلى عليه! 


صابرين باستنكار

ـ انتِ عبيطة يا بت ولا بتستعبطي! في واحدة هتفضح نفسها كدا الا لو كان دا حصل؟ هو انتِ فاكرة نفسك عايشة فين يا روح امك! فوقي، وإلا وديني و ما أعبد لا هفضحه في الحارة و اعرف الناس كلها حقيقته، و تبقي توريني بقى هتعملي ايه وقتها!

هبت من مقعدها بلهفة شابت نبرتها المتوسلة حين قالت

ـ ابوس ايدك يا ماما لا. عشان خاطري. لو فعلًا بتحبيني بلاش تعملي كدا. انا عارفة ياسر والله وهو استحالة يعمل كدا. دا عمره حتى ما فكر يمسك ايدي. 


صابرين بحدة

ـ دا عشان مدتيلوش المجال يا عنين امك، و بعدين هنروح بعيد ليه المية تكدب الغطاس. هي مش المخفية دي قالتلك أنها هتثبتلك! يبقى رجلي على رجلك نروح و نشوف.


لم تحتمل هذه الفكرة لذا هتفت بتوسل 

ـ يا ماما ابوس ايدك بلاش. بقولك ياسر ميعملش كدا.


صابرين بصراخ

ـ يبقى تثبتيلي يا عين امك، وانا ورحمة أمي لو طلع واد جدع لأنا اللي هروح اخطبهولك، و اجوزهولك حتى لو غصب عن عين ابوكي. أما لو طلع واطي، و لعب عالبت يبقى تنسيه يا اما هدفنك بايدي صاحية. سامعة؟


لم تجد أمامها مفر من الموافقة بصمت تنافى مع الألم الذي يتناثر من عينيها على ما تمارسه عليها الحياة من قهر.


صباحاً في الموعد المُحدد الذي بعثته لها مها في رسالة نصية استقلت غنى وسيلة المواصلات المتعارف عليها في منطقتهم، و بجانبها صابرين التي صُدِمت حين رأت ملامح ابنتها الذي لم تذُق طعم النوم الليلة الماضية التي شهدت على أسوأ لحظات حياتها، فقد قضتها باكية وكأن عينيها بحر لا ينضب ولا تنفذ مياهه، والآن بدا و كأنها تُساق إلى هلاكها، فالتفتت تنظر إلى والدتها قائلة بنبرة مُتحشرجة

ـ ممكن تديني تليفوني ؟ 


صابرين بجفاء

ـ مش هتاخديه أما اعرف ايه العبارة؟ و دا اخر كلامي. 


صمتت بينما عينيها لم تصمت أبدًا إلى أن وصلوا إلى المكان المنشود، فكانت عبارة عن مشفى كبير في أحد المُدن التابعة لها قريتهم، و ماهي إلى دقائق حتى انتفض قلبها ذُعرًا كمن أصابه ماس كهربائي حين شاهدت الفتاة تهرول من باب المشفى وهو خلفها إلى أن جذبها من ذراعها لتتوقف و تحادثه وهي تبكي وهو يحاول تهدئتها إلى أن وضعت يدها فوق بطنها وهي تناظره ثم اندفعت إلى أحضانه التي لم تلفظها فقد أخذ يهدهدها و كأنها ابنته، وهنا كانت الصدمة التي جعلت جسدها يرتجف و كأن الجو في منتصف شباط و ليس حزيران. لتشعر بأن أقدامها لم تعُد قادرة على حملها، و حين كادت أن تسقط اسندتها يد صابرين التي قالت بغل

ـ ما عاش ولا كان اللي يخليكي تقعي. اسندي نفسك. محدش يستحق كسرتك دي. 


غنى بروح تحترق و قلب تنزف نبضاته من فرط الألم 

ـ لا اللي انا شيفاه دا مش حقيقي. اكيد في حاجه غلط. انا هروح اواجهه، وهو هيفهمني الحقيقة. 


عند هذه الحد استشاطت صابرين غضبًا جعلها تُدير إليها جسد غنى الذي كان كالهلام لتهتف بتحذير

ـ دا أنتِ اتجننتي بقى ؟ تتأكدي من ايه يا بت انتِ؟ دي البت مرميه في حضنه! و رحمة أمي لو ما مشيتي قدامي دلوقتي عالبيت، و قفلتي عالموضوع دا بزفت لهكون فضحاهم و مجرساه في كل حته. سامعه ؟ يالا قدامي. 


التفتت عينيها تناظره من خلف هذه الشجرة وهي تتطلع بأمل كان الأخير في أن تجد منه أي رد فعل قد ينفي هذه التهمة البشعة، ولكنها وجدت رجل يحتوي أكتاف أنثى، وهو يمدها بالقوة التي كان هي في أمس الحاجة إليها لذا لم تمانع والدتها من جذبها الى ال " توك توك" الذي كان في انتظارهم لتغادر ذلك المكان الذي دفنت به روحها مع قصة حبها التي ذُبِحت بخنجر الخيانة.


عودة للوقت الحالي 


اخفضت رأسها وهي تقول بأسى 

ـ والله يا ابني صدقتها، و متخيلتش أن في بنت ممكن تكذب و تلبس نفسها تهمة زي دي كذب، غنى مكنتش مصدقاها لحد آخر لحظة. بس..


رفعت رأسها تناظره لتتفاجيء بعينيه التي كان مظهرها مروعًا من فرط ما تحمله من مشاعر و بكاء كبح جماعه بصعوبه حد تفشي الدماء في عينيه، فبدت كنافذة لبركان ثائر لا تعلم بأي لحظة سينفجر بينما كان هو في عالم آخر يتسيده الخذلان و يُخيم عليه غضب مُظلم يوازيه ألم هائل، فقد انهالت كلماتها عليه كالرصاص، و هو يتخيل حالها بعد ما حدث، و ضعفها أمام دناءة البشر، و حقارتهم. كيف تلاعبوا بها و به بأكثر الطُرق بشاعه؟ 


ـ ياسر يا ابني انت كويس؟ 


هكذا استفهمت صابرين بقلق من مظهره و ملامحه التي امتقعت، و كأن المرض تفشى بها، ولكنه استنكر هذا اللقب كثيرًا، فهو يتذكر جيدًا كم من المرات التي أخبرته أن يبتعد عن حبيبته، و أنها لن تُعطيها لرجل مثله، والآن تناديه ابني! 


بشق الأنفس استطاع اقتناص بعض الأنفاس ليُسعف رأتيه التي تتألم هي الأخرى قبل أن يقول بصوت قاسي

ـ جايه تقوليلي الكلام دا ليه دلوقتي ؟ 


تفاجئت كثيرًا من حديثه فقالت بتلعثُم

ـ اصل. يعني. غنى. غنى مقطعاني، و محملاني الذنب، وانا قلبي بيتقطع من خصامها. 

كانت صادقة في جملتها الأخيرة، ولكن لم يكُن هذا هو السبب من مجيئها له الآن فكم المرات خاصمتها ابنتها لأجله ولم تهتم! و الآن هو يتفهم جيدًا المغزى وراء مجيئها اليوم لذا قال بنبرة جافة

ـ دي مشاكل خاصة يا حاجه. تحلوها سوى، واللي حصل دا قسمة و نصيب. 


صمت يحاول التحايل على قلبه حين قال بنبرة أحرقتها لوعة الفراق

ـ و غنى مش نصيبي. 


انطفأت أعمدة الأمل بعالمها جراء كلماته القاسية، و لكنها كانت تتوقع رده الذي يتنافى مع تأثير حديثها عليه لذا أرادت تهييج المياه الراكدة إذ قالت بتخابُث 

ـ انا عارفه انا اللي حصل دا مكتوب، وانك مهما حصل هتتمنى لغنى أنها تبقى سعيدة في حياتها حتى لو مع غيرك. 


نجحت في مسعاها حين وجدت عينيه تبرقان كمن أضرم بهم الحرائق هتف بنبرة جافة

ـ هو في حد متقدملها ولا اي؟ 


صابرين بلهجة متلهفة تخفي المكر بين طياتها

ـ لا، واحنا بردو كدا يا ياسر! البت لسه في عدتها احنا اي حد بيتكلم بنقوله اصبر كام شهر تكون عدتها خلصت، وهي يا قلب امها تقدر تفتح قلبها من جديد. دي ملحقتش تشم نفسها يا عالم. 


كانت لحظة تُعد من أكثر اللحظات الجنونية التي مرت عليه يود لو يطلق الرصاص على رأت هذه المرأة و جميع الاوغاد الذين تجرؤوا و أبتغوا قربها حتى أنه ود لو تكون هذه ضحيته الأخيرة ليتثنى له أن يعانقها بحجم سنوات البعد المريرة ثم ينتهي به الأمر صريًعًا بيد ذراعيها. 


أرادت سكب الوقود إلى نيرانه الهوجاء حين تابعت باستنكار

ـ دا حتى قولنالها يا بنتي بلاش شغل لما عدتك تخلص مرديتش أبدًا، واهو الراجل زهق يا عيني من كتر ما كل شويه حد جاي يكلمه.


تناحرت الأنفاس بصدره الذي أخذ يعلو و يهبط بقوة ولهذا أراد إنهاء هذا النقاش اللعين لذا قال مُغيرًا الموضوع 

ـ خير أن شاء الله. 


صابرين بمكر

ـ و هييجي منين الخير يا ابني، احنا كل شويه في هم شكل. انت مشوفتش اللي حصل امبارح؟ 


كانت ماكرة بدرجة احتراف أرادت الهائه عن شعوره المقيت لتتجاذب معه أطراف الحديث حتى تنتشله من هذه البؤرة الساخنة ثم تعيد صياغة الحديث مرة أخرى وفق ما تريد و بالفعل تحقق ذلك حين قال بانتباه

ـ حصل ايه؟ 


صابرين بأسف

ـ مش البوليس جه بيت عمك عزام امبارح. 


ياسر باهتمام

ـ ايوا عرفت بس ليه؟ 


ـ أبدًا يا ابني لينا قريبتنا من الصعيد جت تقعد معانا اديلها سنتين و شويه كان معاها بتها، و قولنا نأجرلها أوضتين في البيت اللي ساكنه فيه عمك عزام، و فجأة ياخويا لقناها بتضرب بنتها عايزة تاخدها و تطفش. في ايه يا بنتي حصل ايه؟ اللي طالع عليها عايزة امشي. عايزة امشي. 


ياسر بعدم فهم

ـ طب ما تمشي ايه اللي يجيب البوليس عند عم عزام ؟ 


صابرين بتوضيح

ـ مانا هكملك. البت بتها دي يا قلب امها ليها قصة كدا توجع القلب. اصل جوز بدرية دي كان شغله مشبوه باين ولا ايه فكانوا عايشين في الجبل ولا في حتة مقطوعة، المهم البت يا من عيني طالعة تجيب لامها حاجه من الجبل طلع عليها واد ابن حرام معندوش دين كان هيضيعها بس الحمد لله ربنا سترها عالبت و مجرالهاش حاجه.


صمتت لثوان قبل أن تُضيف باستنكار 


ـ قوم المهبوشة امها تقولك في ناس عرفت اللي حصلها و لازمن نمشي من هنا. نقولها يا بنتي بتك صاغ سليم. تقول أبدً بدل انكشفت على حد غريب بقت خاطية، و بعد ياخويا ما مشيوا البوليس جه يسأل عليهم، وشكلها عامله عملة، والبت غنى يا قلب امها مفطورة من العياط من وقتها اصل البت ضي دي كانت زي اختها بالظبط.


قالت جملتها الأخيرة بأسف و لكنه لم يخلو من المكر لإضافة القلق إلى مشاعره تجاهها و قد نجحت في مسعاها، ولكن ما أن أوشك على الحديث حتى تفاجيء برحيم الذي اقتحم الغرفة و ملامحه لا تُفسر، فشعر ياسر بالقلق الذي جعله يقول بلهفة

ـ ايه يا رحيم حصل حاجه ولا ايه؟ 


لا يعرف بما يجيبه بعد هذا الحديث الذي جعله كالمجنون لا يرى أمامه، فهتف بنبرة متحشرجة

ـ اه. عايزك اتحدت وياك حالًا. 


شعرت صابرين بالحنق من قدوم ذلك الأحمق، ولكنها نهضت من مكانها قائلة بحرج

ـ طيب هبقى اعدي عليك وقت تاني يا ياسر. ربنا يعينك يا أبني. 


أنهت كلماتها و غادرت الغرفة ليهتف رحيم باندفاع

ـ الولية دي و بتها اللي كانت الست بتحكي عنهم. أنا عايز اعرف طريجهم ضروري. 


ياسر بقلق

ـ في ايه يا رحيم و مالك ومال الست دي وبنتها وتعرفهم منين؟


رحيم بانفعال

ـ موضوع يطول شرحه يا ياسر. المهم دلوق تعرِف طريق يوصلني بيهم ؟ 


صمت ياسر لثوان قبل أن تتحدث دقات قلبه قبله ليقول بخشونة

ـ معرفش بس في طريق مش اكيد أنه يوصلنا بس هسألك. 


رحيم بلهفة

ـ واني اوعدك يا واد عمي هجولك على كل حاچة، و ازاي عرفت أن عمي ربيع مجربش من صافية. 


ياسر بجمود

ـ طيب احكيلي ايه قصة البنت دي وامها، ونبقى نشوف القصة التانيه دي بعدين. 


زفر رحيم بتعب قبل أن يقوم بسرد كل ما يخص هذه الفتاة ووالدتها ليُنهي حديثه قائلًا بكدر

ـ الست دي لو وصلنالها هنجدر نعرِف الكلب ده بيودي البنات اللي بيخطوفها فين، وبدل هربت بالطريجة دي يبقى لازمن حد نبهها، واني عايز اعرِف الغدر چاي منين؟ 


كانت الأحداث قاسية مؤلمة، و أيضًا غامضة لذا تجمدت ملامح ياسر قبل أن يقول بجفاء 

ـ طيب استناني هنا، وانا دقايق و راجعلك. 


كان قلبه يسبق خطواته نحو حبيبته التي أصبح يراها قلبه ضحية مثله ولكن لسوأ حظه و حظها أنها مذنبة بقدر ما هي ضحية.

تجمدت خطواته حين رآها تقف مع أحد الرجال تحادثه بل و تبتسم أيضًا مما جعل الدماء تثور في عروقه التي برزت في يديه و رقبته فبدا يشبه الوحوش خاصةً وهو يستمع إلى هذا الغزل الصريح لذلك الوغد

ـ إياد حكالي كتير عنك، و قد ايه هو بيحبك و بيحب ييجي الحضانة عشان خاطرك، و بصراحة هو عنده حق. 


ابتسامة خجلة تشكلت على ملامحها سرعان ما انمحت حين سمعت صوتًا غاضبًا يشبه الرعد في قوته

ـ غنى.


انتفض جسدها حين سمعت صوته الحاد، فالتفتت تناظره بذُعر من عينيه التي كانت كنافذة مُطله على الجحيم مما جعل الحروف تتأرجح فوق شفتيها حين قالت

ـ ن. نعم. 


لسوأ حظه تدخل الرجل قائلًا بنبرة ودودة

ـ طب يا مس غنى هاخد إياد وامشي انا بقى و أن شاء الله اشوفك بكرة. هتعوزي مني حاجه ؟ 


غنى بتلعثُم

ـ لا . شك. شكرًا.


غادر الرجل تزامنًا من اقتراب خطواته، فحاولت الثبات وهي تُذكِر نفسها بأنه حرة، ولكن نظراته جعلتها تشعر بالذُعر رغمًا عنها، و لكنا فاجئها حين قال

ـ البت اللي اسمها ضي دي امها خدتها و راحت فين؟ 


توسعت حدقتاها من فرط الاندهاش الذي تجلى في نبرتها حين قالت

ـ وانت تعرف ضي منين؟ و عايز تعرف راحت فين ليه؟


ياسر بجفاء

ـ جاوبي على قد السؤال. 


اغتاظت من طريقته الفظة معها لتهتف بعناد

ـ يبقى مش هجاوب على حاجه.


تعاظم غضبه منها فهتف مُحذرًا

ـ غنى. اعمليلك قفلة احسنلك، وردي على سؤالي. 


بدت ملامحها حزينة و عينيها باكية و كذلك جاءت نبرتها متعبة حين قالت

ـ هو انا مجبرة ارد عليك وانت بتتكلم بالطريقة دي؟ 


تهكم قائلًا

ـ اه معلش. مبعرفش اضحك و استظرف يا مس غنى! 


فطنت إلى ما يرمي، و رغمًا عنها شعرت بالغبطة كونه مازال يغار عليها مما جعلها تقول بنبرة خافتة

ـ انا مقولتش تضحك أو تستظرف قولت تتكلم كويس. من غير ما تزعق و تأمر على الأقل. 


شعر بأنها بالفعل متعبة، ولكنه شخص قد رافق التعب و المعاناة بفضلها لذا رقت نبرته قليلًا حين قال

ـ البنت دي متورطة ورطة كبيرة اوي، وباين أن والدتها دي مش مظبوطة. لو فعلا تعز عليكي و تعرفي عنها حاجه عرفيني.


وقع حديثه عليها كالصاعقة لتتساقط العبرات من مقلتيها و كذلك اندفعت الكلمات من بين شفتيها وهي تقول بذُعر 

ـ تعز عليا ايه دي اختي. كان مستخبيلك فين دا كله يا ضي. حسبي الله ونعم الوكيل في كل مؤذي. ربنا ينتقم منها بدرية


كانت تهزي كالمجنونة وهي تتمتم من بين انهيارها أثناء توجهها إلى مكتبها تجذب الهاتف وهي تحاول محادثة آسيا لتتفاجيء بيده التي امتدت لتجذب الهاتف منها وهو يقول باستفهام

ـ بتكلمي مين؟ 


غنى بضياع

ـ بكلم آسيا. هكلم اي حد يلحقها يا ياسر. 


كان مظهرها مُذريًا مما جعل الخوف و الألم يجتاجا صدره لأجلها فتحدث بنبرة خشنة

ـ اهدي شويه. إن شاء الله مش هيحصلها حاجه. قوليلي بس مكانها لو تعرفيه. 


ـ لا معرفوش. خالتي بدرية مقالتش لحد هي رايحه فين قالت لما توصل هتكلمنا بس مكلمتناش…


توقفت الحروف فوق شفاهها لثوان قبل أن تهتف بلهفة

ـ اه صح. أسيا ادتها تليفون من ورا خالتو عشان تبقى تتصل تطمنا عليها. 


ياسر باستفهام

ـ طب وكلمتها؟ 


ـ لو كلمتها كانت كلمتني. 


أطلق زفرة حارة قبل أن يقول بجمود

ـ طيب لو كلمتك ولا عرفتي عنها حاجه عرفيني. رقمي معاكي؟ 


قال جملته الأخيرة بنبرة لها نغم مختلف و وقعه ضاريًا على قلبها الذي تجلى شعوره في هذه اللحظة حين قالت

ـ أنا حفظاه من زمان. إلا اذا كنت غيرته! 


الكثير مما يجول بصدره أوله اُحِبُك و اخره أحبك و ما بينهم انا غارق في الألم من شدة حبك، ولكن كالعادة الظاهر هاديء بينما الداخل ضجيج لا ينتهي. تحمحم بخشونة قبل أن يقول

ـ لا مغيرتوش. لو عرفتي حاجه كلميني. 


اومأت برأسها وعينيها تشتبك بخيط خفي مع عينيه التي تفضح ما يُخفيه، ولكن هناك شعور واحد تغلب عليه و يطمس صوت العقل و الكبرياء و كل شيء آخر وهو الغيرة الهوجاء التي جعلته يقول بجفاء

ـ المكتب دا معمول عشان تقعدي عليه. مش عشان تسبيه و تروحي تودعي العيال و أهاليهم. 


لم تكُن امرأة ناضجة بشكل كبير، ولكنها لطالما برعت في استخدام أسلحتها معه لذا أجابته بنبرة عفوية 

ـ أولياء الأمور عايزين يتعرفوا عليا أقولهم لا! يقولوا عليا ايه يعني! 


احتدمت عينيه بجحيم الغضب الذي تجلى في نبرته حين قال

ـ ومسألتيش نفسك لما الناس تشوفك واقفه كل شويه مع واحد شكل هتقول عليكي ايه؟ 


غنى بمرارة

ـ الناس ياما شبعتنا كلام، ومكنش بيفرق زمان اشمعنى دلوقتي! 


خرجت الكلمات مندفعة من بين شفاهه حين قال

ـ عشان زمان كانوا بيقولوا انك تخصي ياسر الوتيدي. انما دلوقتي هتقول واقفة مع كل راجل شوية.


تضمنت كلماتها توسل خفي حين قالت

ـ خايف عليا يا ياسر!


إن يعاند الإنسان قلبه و كل ما فيه أمرًا ليس سهلًا ولكن منذ متى أي شيء متعلق بها يكن سهلًا ! 

قست نبرته حين قال

ـ أنا بنبهك عشان العيش و الملح بس. 


عينيه تولت الإجابة بدلًا عنه، وقد كانت أكثر من راضيه بما توصلت إليه لذا اومأت برأسها وهي تحارب ابتسامة تعافر للظهور فوق ثغرها، ولكنه لاحظها ليلتفت ينوي المغادرة قبل أن يسقط في فخ الهوى لتهتف بلهفة أدارت قلبه إليها

ـ المسكن ريحني على فكرة. شكرًا.


اغتاظ من افتضاح مشاعره أمامها بهذه الطريقة مما جعله يقول بحنق

ـ ياريت تترزعي هنا بقى بدل ما يجيلك ضربة شمس و تصدعي تاني. 


لم تفلح في ردع بسمتها الخجلة قبل أن تقول بخفوت

ـ حاضر. 


لأول مرة بحياته يهرب. هرب منها و من سحرها الفتاك، ومن جموج مشاعره تجاهها و حنينه إليها و خاصةً هذه البسمة التي يود لو يقطف ثمارها من بين شفتيها، ولكنها للأسف فاكهته المحرمة التي سيظل يتمنى تذوقها طوال حياته.


اللهم أنَت ربِّي، لا يخفى عليك ما في قلبي، فاللهم طمأنينة منك.. يارب أعوذ بك من ضيقة القلب، وشعور لا يُشكى ولا يفهم .. اللهم أرِح قلبي بما أنت به أعلم، ولا تجعلني أشكي لمن لا يخشى عليّ من حزني.. اللهم إني أُفوض دنياي كلها إليك♥️


★★★★★★★★★★


ـ عاملة ايه ؟ طمنيني عليكي.


هكذا تحدث رؤوف وعينيه لا تفارق أسيا التي كانت تحاول الهرب من نظراته و من شعورها تجاهه بشتى الطرق لتخفض انظارها إلى كوب الشاي أمامها وهي تقول بخفوت

ـ الحمد لله كويسة. 


ـ مش باين! فيكي ايه؟


تعلم أنه يفهمها من مجرد نظرة عين و قد كان هذا أمرًا أكثر من شاق عليها لذا سحبت نفسًا قويًا داخلها قبل أن تقول بهدوء

ـ مخنوقة شويه. 


رؤوف بنبرة تقطر عشقًا

ـ طب بصيلي يمكن خنقتك تروح. مش كنتي بتقوليلي انك لما بتشوفيني بترتاحي! حصل ايه دلوقتي ؟ 


حاولت الهرب قبل أن تختنق بما تحمله في قلبها لتهتف بتوسل

ـ رؤوف أرجوك. 


قاطعها بصراحتة المعهودة

ـ متكذبيش، ولا تلاوعي. الكلام دا يتعمل مع أي حد غيري. قوليلي مالك؟ و أركني اي حاجه بينا على جنب 


رفعت رأسها تناظره بامتنان قبل أن تقول بلوعة

ـ ضي مشيت ومش عارفه اتطمن عليها. حاسه ان انا هتجنن يا رؤوف. 


ـ طب اهدي. إن شاء الله خير. يمكن معرفتش تكلمك أو نامت من كتر التعب. أنتِ متعرفيش هما سافروا ولا راحوا فين!


آسيا بانفعال

ـ ماهو دا اللي هيجنني. هي متعرفش هيروحوا فين، وعشان كدا ادتها فون صغير كان معايا عشان أما توصل تكلمني، ولحد دلوقتي مكلمتنيش. هتجنن عليها. 


رؤوف بنبرة مُطمأنه

ـ ينفع تهدي الأول. مفيش حاجه هتتحل وأنتِ متعصبة كدا. اصبري شويه دا مفاتش عشر ساعات حتى. إن شاء الله تكون بخير و نامت و اول ما تصحى هتكلمك. من امتى وأنتِ متشائمة كدا ؟ 


آسيا بخفوت

ـ غصب عني والله. خايفة عليها اوي. 


ـ أن شاء الله هتبقى كويسة. قولي يارب. 


ناظرته بامتنان و هي تقول بهدوء

ـ يارب. 


رؤوف بنبرة يشوبها الحزن

ـ ممكن أسألك سؤال؟ 


زحف الخوف إلى قلبها حين استمعت إلى جملته تخشى أن يسألها عن شيء لا تستطيع اخباره به أو شيء من شأنه أن يضعها في مواجهة قوية معه لا تقدر على خوضها الآن، ولكنها اومأت برأسها بالإيجاب ليقول باستفهام

ـ أنتِ وافقتي تقابليني ليه؟ و من غير ما تفكري. جاوبي بسرعة.


ـ عشان اعصابي كانت تعبانه، و مبرتحش في الكلام غير معاك. 


خرج الكلام من اعماق قلبها ففاجأها حين ابتسم بحنو وهو يقول 

ـ طب يالا عشان متتأخريش على شغلك، وانا موجود لو احتاجتي تتكلمي في أي وقت. 


ناظرته بامتنان جعل بسمة رائعه تُضيء وجهها و كأنما أرادت أن تعطيه أعظم مكافأة يتمناها في حياته. 


توقفت سيارته أمام الشركة لتنظر إليه وهي تقول بحرج

ـ رؤوف. 


يعرف ما يجول بخاطرها لذا هتف بنبرة جادة 

ـ خلاص يا أسيا. مش هنتكلم في اي حاجه دلوقتي، و خليكي فاكره قبل اي حاجه أننا أصحاب من واحنا صغيرين. يالا على شغلك. 


غادرت السيارة على عكس الوجه الذي رحلت به، فقد لونت الحياة معالمها بدرجة كبيرة و ملىء صدرها الارتياح، فهو كان و لا يزال أكثر شخص يفهمها في هذه الحياة.

لحسن حظها وصلت في معاد عودتهم من استراحة الغداء فتوجهت إلى المكتب مباشرةً لتنظر الى دفتر ملاحظاتها، و الآخر المدون به الجدول اليومي لرئيسها الذي كان يتقلب على جمرًا مُشتعِل حين شاهدها وهي تترجل من سيارة رجل آخر بوجه غير الذي رحلت به، ولا يعلم لما شعر بأنه هو من أرسل لها هذه الرسالة، وقد كانت كل هذه أشياء جعلته يكاد يجن لا يطيق الانتظار و لا يستطيع الصمت يود الصُراخ، فهناك شيء يحترق داخله، وهو يحاربه بكل شراسة، و كأنه فيروس قاتل يحاول جهاز المناعة مقاومته دون جدوى. 

قام بخلع رابطة العنق الخاصة به و ألقاها بعُنف و حل الأزرار العلوية لقميصه عله يستطيع التنفس و ينزاح ذلك الثُقل من فوق قلبه، ولكنه لم تساعده انما وصل إلى مسامعه طرقاتها على باب الغرفة، فود لو يصرُخ في وجهها، ولكنه بدلًا من ذلك سيُعطيها قدرها من التجاهل الذي تستحقه.

أطلت عليه برأسها وهي ترسم ابتسامة هادئة فوق ثغرها قابلها بالامُبالاه وهو يُمسِك بهاتفه و يهاتف أحداهن

ـ حبيبتي والله مشغول غصب عني. طمنيني عليكي.


تقدمت إلى أن وقفت بجواره وهي تراه يبتسم مليء فمه، و هو يحادث إمرأة يخرج صوت ضحكاتها من الهاتف لتتفاجيء به يلتفت إليها قائلًا بأمر

ـ سيبي الورق، واجلي كل مواعيدي، و متحوليش اي تليفونات عشان معايا مكالمة مهمه.


أنهى جملته وهو ينخرط في نوبة ضحك مع هذه المرأة التي يبدو أنها على صلة وطيده به، ولكنها لم تتخيل أن يصرفها من أمامه بهذه الطريقة، فقد ظنت أنها على الطريق الصحيح معه، وأنها استطاعت الاستحواذ على انتباهه، ولكنه صدمها بطريقة قاسية، و قد صح ظنها بشأنه فهو مخادع مثل شقيقته مما جعلها تتوجه إلى باب الغرفة بخطوات غاضبة ازداد اشتعالها حين سمعت جملته الأخيرة مع الفتاة

ـ أول ما تيجي هاخد أجازة من الشغل و قرفه عشان اوريكي وحشتيني قد ايه؟ 


أغلقت الباب بحدة لم تستطيع التحكم بها، فقد أزهلها ذلك الوغد، فكما هي عادة بنو البشر يغفلون عن أفعالهم المشينة، ولا يلحظون سوى أفعال غيرهم التي تُثير تقزز مبدائهم. 


يا مُجيب دعوة المُضطرين، اللهم فرج عني ما ضاق به صدري، وعجز معه صبري، وقلت فيه حيلتي، وضعفت له قوتي، تحصنت بعزتك وعظمتك وبجلالك». - «يا رب ترى ضعفي وقلة حيلتي، فإني ضعيف ذليل متضرع إليك مستجير بك من كل بلاء، مستتر بك فاسترني يا مولاي مما أخاف وأحذر وأنت أعظم من كل عظيم، بك استترت يا الله» ♥️


★★★★★★★★★


خرج عمر من المرحاض ليجد شروق تجلس على الأريكة الكبيرة التي تتوسط غرفته بوجه حزين عابس مما جعله يتابع تنشيف خصلات شعره بالمنشفة وهو يقول بتهكم


ـ صباح الخير، ولا مش خير ولا ايه؟ 

 التفتت شروق تناظره بهدوءها المعتاد الذي تجلى في نبرتها حين قالت

ـ صباح النور. 


عمر بسخرية

ـ نور ايه ؟ دي مضلمة عالآخر. 


شروق باستفهام

ـ تقصد اي؟ 


تحمحم عمر قبل ان يضع المنشفة جانبًا وهو يتوجه ليجلس على المقعد أمامها ليبدأ حديثه قائلاً بجدية

ـ بقولك ايه يا ست الكل. انا في البيت دا عبارة عن ضيف. مش عشان أنا واطي أو طفشان من بيتنا لا سمح الله. بس عشان البيت دا كئيب و مفيش حد هنا سالك للتاني. 


برقت عينيها من حديثه ليُتابع بنبرة يشوبها الحزن

ـ مبهزرش. يمكن لو مكناش اتجبرنا ندخل في التمثيلية دي مكنتش هقدر اقول كدا على أهلي. لكن بما انك معايا في نفس الدايرة فلازم تسمعي الكلمتين دول. 


تنبهت لحديثه الذي بدا جادًا ليُفاجئها حين قال بمُزاح

ـ الاوضة دي مهربي من الأدغال اللي بره دي، فلو هاجي كل يوم الاقيكي قالبه وشك كدا، و الشمس مطلعتش عنك هغير اسمك اخليه غروب، وهطلع عليكي سمعه انك كئيبة و نكديه، و احتمال تلاقيني داخل عليكي بضرة.


قهقهت شروق على حديثه، ولأول مرة تتخلى عن خجلها و تحفظها و تضحك بصدق من قلبها مما جعله يتابع بنبرته المازحة

ـ عقلك في راسك. تعرفي خلاصك، و بيتك تحاجي عليه. اول ما تحسي بنفسي في البيت الضحك يبقى للركب. أمين. 


شروق بصدق

ـ أنت دمك خفيف اوي. 


عمر بعبث

ـ و أنتِ ضحكتك حلوة اوي على فكرة 


اتسعت ابتسامتها، ولكن زينها الخجل هذه المرة، فلامست شيء ما بداخله جعل الكلمات تخرج من بين شفتيه حين قال

ـ حلو اوي دا.اثبتي على كدا بقى. 


اخفضت شروق رأسها ولكنها حاولت التغلب على هذا الخجل الذي لم يكُن مرغوب به لذا حاولت التطرق لأمرًا آخر

ـ أنا كنت محتاجة اروح ازور اصحابي عشان ملحقتش افهمهم حصل ايه وانا مشيت ليه؟ ممكن اروح اشوفهم و اتكلم معاهم؟ 


ـ ممكن بس بشرط! 


شروق باستفهام

ـ شرط ايه؟ 


عمر بمرح

ـ تاخديني معاكي و تظبطيني من أسيا صاحبتك. انا بردو جوزك حبيبك..


هذه المرة خرجت ضحكتها حد تردد صداها في أرجاء الغرفة مما جعله يقول بعبث

ـ حلو اوي دا. دا احنا أيامنا فل ان شاء الله. 


في الخارج وصلت ضحكتها إلى مسامع هايدي التي كانت تمر في طريقها للخارج مما جعل الغضب يتفشى بداخلها، فهرولت إلى والدتها لتقول بانفعال

ـ شفتي ابنك يا ست ماما و عمايله! 


هبت نبيلة من مكانها وهي تقول باستفهام

ـ حصل ايه؟ 


ـ عمال بيضحك و يهزر هو و الست هانم و صوت ضحكهم قالب البيت. 


نبيلة بحنق

ـ سمعتيهم ولا شوفتيهم؟ 


هايدي بغل

ـ سمعتهم. 


نبيلة بوعيد

ـ خليهم يفرحوا شويه، ويفتكروا أنهم انتصروا عشان لما اضرب ضربتي تبقى في مقتل. 


هايدي باستفهام

ـ هتعملي ايه يا ماما؟ 


نبيلة بغل

ـ هقولك اللي عليكي عشان تعمليه و الباقي سيبيه عليا انا. 


هايدي بشر

ـ قولي يا قلبي. 


اللهٰم لايجبر ڪسرنا إلا لطفك ولا يغني فقرنا إلا عطفك ولا يعز ذلنا إلا سلطانك ولانبلغ أحلامنا إلا بفضلك ولا تنقضي حاجتنا إلا بك ولا يفرج ڪربتنا إلا رحمتك ولآيڪشف ضرنا إلا رأفتك ولا يشفي سقمنا إلا إحسانك ولايغفر ذنوبنا إلا عفوك إليك تضرعنا ودعوناك فأستجب لنا فما خاب من رجاك ولجأ إليك♥️


★★★★★★★★


كان يهرول في طريقه إلى مدرسة ابنته، فهو قد وعدها بأنه سيذهب ليأخذها و يقضي باقي اليوم معها، و حين كان يتوجه إلى الخارج توقف عند سماعه هذا الحديث الذي جعل الدماء تغلي في عروقه وووو..

الفصل التاسع عشر من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1