رواية المطارد الفصل السابع عشر بقلم امل نصر
- بشعري كيف يعني ؟ هو انت عايز مني ايه بالظبط؟
سألته ندى بتوجس وقد انتابها الشك منه ومن مطلبه ، رد هو على تخوفها بتبرير :
- ماتفهمنيش غلط ياندى ، انا بس بقولك على اللي نفسي فيه، فيها حاجة يعني لما اتخيل اني برسم وشك وشعرك الحرير نازل على جنابه ، فيها حاجة يعني لما احلم اني بلمس شعرك اللي انا متأكد انه هايكون جميل زي وشك القمر وطويل كمان ، مش هو شعرك يبقى طويل برضوا ياندى ؟
- ايوة طويل .
اجابت ببلاهة ودون تفكير اكمل هو :
- لونه في سواد الليل ولا هو في لمعة سلاسل الدهب .
- لا انا شعري مش اصفر ، انا شعري لونه اسود .
تبسم من مكانه مردفًا له :
- انا برضوا اتخيلت كدة ، بيبقى شلال اسود بيتفرد على ظهرك وقت مابتسرحيه، مش بقولك انك اميرة ياندى ، امتى بقى قلبك يحن وتخليني اشوفك بيه .
استفاقت لنفسها قائلة بلهجة جعلتها حازمة :
- لو سمحت ياكرم ماتجيش السيرة دي تاني لاحسن ازعل منك .
وصلها صوته سريعًا :
- لا ياندى بلاش تزعلي مني وترجعيني لعذابي في بعدك وجفاكي من تاني ، دا انا مصدقت انك حنيتي ترودي عليا، وسمعت اَخيرًا صوتك؛ صوتك اللي نبرته احلى من كل الاغاني .
صمتت وقد اعجبها الغزل، فشعر هو بذلك فااكمل :
- ووشك اللي زي البدر في جماله بيغريني ارسم صورتك تاني وتالت ورابع ، واغرق بيها حيطان البيت وحتى سقف الاوضة بتاعتي .
ردت بخجل وانتشاء من غزله لها :
- طب خلاص طيب، كل دا فيا انا ، هو انا حلوة قوي لدرجادي يعني ؟.
- حلوة قوي قوي ياندى ، ياما نفسي تحسي بالحب اللي انا شايلهولك في قلبي، ياما نفسي اسمعها منك الكلمة اللي هاتحييني وتحسسني اني عايش بحق .
سألته بعدم فهم :
- كلمة ايه اللي انت عايز تسمعها مني ؟
- كلمة بحبك ، قولي بحبك ياندى ، خليني اعرف انام النهاردة وارتاح .
صمتت بعدم معرفة ، لا تعلم كيف تنطقها فتابع هو بإصرار :
- قولي ياندى ريحي قلبي ، قولي .
ردت بتوتر وارتباك :
- اقول ازاي يعني ؟ ممعرفش انا وبصراحة اتكسف اقول حاجة زي دي .
زاد بإلحاحه الغريب :
- لا يا ندى ماتقوليش كدة ، انا وانتِ مافيش مابينا كسوف ، رددي ورايا وانتِ تعرفي تقوليها ، بحبك ياكرم .
صمتت مرة ثانية والح اكثر :
- حرام عليكي ياندى ، قولي بقى وريحيني ابوس ايدك ، بحبك ياكرم .
اذعنت تحت الحاحه اخيرًا فقالت دون ان تشعر بمعناها :
- بحبك ياكرم .
انطلق تهليله عبر الاثير بغير تصديق وكأنه ربح الجائزة الكبرى :
- الله عليكِ الله عليكِ ، ياحبيبتي انتِ، ايوة كدة انعشي قلبي واحييه بعد ما كان بيموت مني الايام اللي فاتت ، عارفة ياندى انا عشان المناسبة الحلوة دي ، مجهزلك هدية.
التمعت عيناها ببريق الفرح ولكنها حاولت الا تظهر ذلك في صوتها وهي تسأله بجدية :
- هدية ايه ؟ انا ماينفعش اخد منك هدايا .
- دي هدية بسيطة يا ندى مش مستاهلة يعني.
- ايوة بس انت مش خطيبي عشان اقبل منك .
قالت بدلال استغله هو :
- قريب قوي هاتبقي مراتي ياندى بس انتِ اقنعي ابوكي وامك ، وانا مستعد اخليكي تكملي سنتك في بيتي هنا ، واساعدك كمان في الدراسة . بس انتِ ساعديني الاول عشان يقبلوا .
تبسمت بانتشاء على تعلقه بها فقالت بلطف :
- حاضر ، ححاول اقنع امي وهي تقنع ابويا .
.........................
انهى العم فضل سهرته واصر على العودة الى بلدته رغم الحاح سالم عليه بالمبيت ولكن قبل ذهابه طلب من سالم رؤية ابنته التي قامت بمساعدة ابيها في رعاية صالح ووالدتها التي اصرت بحنان الأم على علاجه، تقدمت نجية نحوه مرحبة :
- يامرحب يامرحب ، نورت بلدنا ياحج .
صافحها الرجل قائلًا بسرور :
- يامرحب بيكِ ياشيخة العرب ، والله الواحد معارف هايودي جميلك دا فين يابنت الأصول ،
- جميل ايه بس ياحج ؟ احنا مجرد اسباب وربنا هو الشافي المعافي.
- ونعم بالله بس برضك ! انا راجل اقول الحق ولو على رقبتي ، ناس غيركم مكانوش هايرضوا ابدًا انهم يعالجوا صالح ، وانتم ظانين انه مجرم وماتعرفوش اصله الكريم ، لكن ارجع واقول ايه ، هو راجل طيب عشان كدة وقفلوا ناس زيكم ولاد حلال،.
- مساء الخير .
دوت من قريب بصوتها الرقيق جعلته يعتدل في وقفته وهو ينظر لها بهيام، اثارت انتباه الرجل العجوز الذي رحب بها بأبوية قائلًا :
- يااهلا يااهلًا ياست ابوكي ، انتِ بقى يمنى ؟
اومأت برأسها اليه وهي تقترب لتصافحه بخجل وابتسامة جميلة .
- ايوة انا يمنى ، ااهلا بيك ياعمي .
رحب فضل معجبًا بها وعيناه تتنقل نحو صالح كل ثانية :
- دا انت صغيرة قوي يابتِ ، دا انا افتكرتك كبيرة عن كدة .
اومأت مبتسمة بصمت فتابع هو مخاطبًا اباها :
- ملكش حق ياسالم ، ياراجل لما حكتيلي عنيها ، مقولتش ليه انها زي البسكويتة الحلوة كدة ، صغيرة ومنمنمة .
اعتدل يونس في جلسته يتحمم بغضب قائلًا :.
- بسكويت ايه والكلام الفاضي دا ياعم الحج ، ماتخلي بالك من كلامك .
ضحك فضل بصوت مجلل يردف ليونس :
- وماقول بسكويتة ولا عصفورة حتى ، هو انا شباب عشان تخاف مني، دا انا في عمر جدها ياراجل .
اخفض يونس عيناه وقد اسكتته الحجة ولكنها ارتفعت مرة ثانية على قول فضل المشاكس :
- بس اقولك انا لما شوفتها برضوا اتفتحت نفسي .
احتدت معه نظرات صالح وسالم ايضًا فتابع فضل بمكر :
- ياخوانا مش ليا ، دا انا بقولكم اتي قد جدها ، انا قصدي على واحد في معزة عيالي .
اردف بها وعيناه نحو صالح الذي تمتم حانقًا بداخله من الاعيب الرجل العجوز ، رد سالم من الناحية الأخرى :
- دا انت بحورك غريقة قوي ياعم فضل .
ضحك جميعهم على قول سالم، واستمرت الجلسة الودية الجميلة مع العم فضل لنصف الساعة تقريبًا قبل ان يتركهم الرجل ويغادر عائدًا الى بلدته، عاد ايضًا صالح الى غرفته ، وقد انتابه بعض الراحة من رؤية الرجل الطيب والمعاملة الكريمة من اهل المنزل ، ولكن كالعادة لا تكتمل معه الراحة والقلق عاد ينهش بقلبه خوفًا على شقيقته التي عادت للقصر الملعون مرة أخرى، وهو لا يعلم ماحالها الاَن ، ان كانت تتلقى معاملة جيدة ام سيئة في هذا البيت، هل رحموا ضعفها ام ينتقموا منه فيها، فرك بكفه على صفحة وجهه يتمنى ان يطمئن قلبه عليها، في خضم ذلك القلق والحيرة الشديدة، تذكر ابتسامتها الجميلة ورقتها في الرد على العم فضل الماكر ، والذي اوشك على فضحه امامهم بتلميحاته الخبيثة ، والتي لم يفهماها سواه وذلك لتاريخ عشرتهم الطويلة مع بعض ، ولكن المحير له الاَن ، كيف علم هذا العجوز مابقلبه ، ام يكون قد رأى وميض عشقها في عينيه، ام ماذا يكون؟ كيف عرف هذا الخبيث ليشاكسه هكذا بكل ثقة.
.......................
حينما عاد سالم ليلًا بعد توصيله للضيف حتى الموقف العمومي لسيارات البلدة ، وجد شقيقه يونس في انتظاره جالسًا بتحفز على الكنبة الخشبية في مدخل المنزل، تبسم له سالم قائلًا :
- وقدرت تسهر تستناني وانت جاي من مشوار السوق ومهدود حيلك .
اجابه يونس بامتعاض :
- وانام كيف وانا بيتي بقى كيف الشارع والناس الغريبة داخلة طالعة فيه من غير احم ولا دستور .
رد سالم وهو يجلس بجواره على طرف الكنبة الخشبية :
- ناس مين اللي غريبة بس ياواد ابوي؟ هو في حد يقدر يدخل البيت من غير شورة صحابه يايونس ، وان كان على الراجل الضيف ، فاانا اللي جبته بنفسي وسحبته سحب من بلده كمان .
- كمااان ! انت اللي جبته بنفسك ياسالم ؟ وانت تعرفه منين دا اساسًا ؟ ولا يكونش بقيت مرسال كمان للباشا اللي جوا؟ اسمع ياسالم انا مسكت نفسي ومارديتش اكسفك قدام الراجل الغريب، رغم ان دمي كان بيغلى وانا شايف الواد ده قاعد معاكم واكنه من اهل البيت، في ايه ياسالم ؟ هو الواد ده بقى وارث معانا عشان يجيب ضيوفه كمان نضايفهم في بيتنا ،
اومأ له سالم بيداه :
- اهدى بس انت وانا هاحكيلك على كل حاجة .
- هاتحكيلي ايه بقى؟ لا يكون هاتقولي كمان انك اكتشفت انه برئ وان الطلقة اللي كانت في دراعه ، كانت هزار مع واحد صاحبه.
تبسم سالم من طريقة شقيقه ثم قال بجدية :
- لا ياسيدي مش هاقولك هزار ولا اي حاجة من الكلام ده ، انا بس هاحكيلك اللي قالهولي صالح ، واكدهولي الراجل الضيف النهاردة .
.............................
بداخل غرفتها يمنى وعلى سريرها كانت تتقلب في فراشها و على وسادتها تناجي سلطان النوم كعادتها مؤخرًا ، ولكن هذه المرة لم يكن تفكيرها مرهقًا فيمن اقتحم حياتها قريبًا بدون استئذان، هذه المرة كانت تفكر بحالمية نبتت بداخلها بعد لقاءها بالرجل الضيف ، الذي اكد بحضوره ، اصل صالح الطيب كما ذكر لها أباها ، مؤجلًا سرد قصته عليها ، والتي قال عنها بالتفصيل ، وهو تعرض صالح لظلم لا يتحمله بشر ، ولكنه ذكر ايضًا انه اصبح بدون مستقبل ، بمعنى انه لايوجد امل في.....
عند هذه النقطة فاقت يمني لنفسها حتى لا تترك نفسها لهواها وتشطح بتفكيرها في شئ اقرب منه للمستحيل ، تقلبت بجمبها تغمض عيناها حتى تستطيع النوم وتنهي يومها هذه بكل مافيه، ولكن ماهي الا دقائق معدودة ودوى صوت هاتفها ، رفعت رأسها وتناولته من الكمود لترى من المتصل ولكنها لم تعلم وذلك لانه كان رقم مجهول ، ردت بتردد :
- الوو ... مين اللي بيتصل .
- الوو ..... ايو يمنى ازيك عاملة ايه ؟
ضغطت على عيناها بغيظ وقد علمت هوية المتصل من صوته من قبل ان ترد عليه :
- عايز ايه ياسعد ؟
اتاها صوته مع اصوات همهمة قريبة مكتومة:
- يعني هاكون عايز ايه يعني ؟ ابن خالك وبيتصل عشان يطمن عليكِ .
ردت قائلة بحدة :
- لا اطمن يابن خالي وطمن امك اللي حاطة ودنها على التليفون معاك وبتمليك الكلام اللي بتقهولي، انا كويسة ، كويسة قوي ومش ناقصني حاجة خالص، ياساتر .
هتفت بالاخيرة بعد ان انهت المكالمة بوجههم دون استئذان ، لو كان الأمر بيدها لأسمعتهم من الكلمات بما يليق بيهم ،ويستحقونه ، ولكنها تخشى غضب والدتها ، فهي الأدري بغضب نجية فيما يخص اخيها وابنه، ابن امه، كما تسميه دائمًا يمنى .
..............
- ها ياواد ابوي ايه رأيك في الكلام اللي قلته دلوقت؟
سأل سالم بعد أن سرد القصة من بدايتها لنهايتها لأخيه الذي ، اشاح يونس بعيناه قليلًا ثم قال :
- وانت ايش عرفك ان كلام الاتنين صادق ؟ مش يمكن يكونوا متفقين مع بعض عليه
رد سالم :.
- وه يايونس ، هو انا غبي عشان ماعرفش افرز اللي قدامي واكشف ان كان صادق ولا كداب ؟
تأفف يونس قائلًا بنفاذ صبر :
- لا ياسالم مش غبي، بس حاسك مايلوا ، يعني هاتصدق عشان انت عايز تصدق، مش هاتدور ولا هتدعبس على الحقيقة .
حدق سالم بشقيقه قليلًا ثم قال :
- اقولك حاجة يايونس، انا حاسس ان انت كمان مصدق من جواك ، بس بتنكر قدامي عشان مش عايز تبين .
التفت اخيه يرمقه بنظرة مضطربة ثم أشاحها مرة أخرى قائلًا :
- حتى لو مصدق ياسالم ، انا شايف اننا نبعد عن الشر ونغنيله، صاحبنا ده ، زين ولا عفش لنفسه بقى، احنا ناس بنجري على اكل عيشنا بالضالين ، انت بيتقطع فرطك النهار كله في شغل الزرع وتيجي الليل تقسمه نص حراسة من الحرامية وساعتين خطف نوم ، وانا واحد شغلتي في سمسرة البهايم يدوب بحوش منها بالعافية لتشطيب الشقة اللي مرضياش تخلص دي عشان اتجوز بقى واريحكم من همي، فاحنا مش ناقصين، حد من الناس الكبيرة دي يحط علينا، دول مرحموش اللي متربي معاهم في بيتهم هايرحمونا احنا الغلابة؟
تنهد سالم يستوعب كلمات اخيه ثم قال :
- كلامك كلو سليم يا يونس، بس احنا هانستعجل الأمور ليه؟.مدام قلبنا اطمن من ناحيته وعرفنا اصله الكريم ، يبقى نصبر عليه لما يخف وبعدها يحلها الحلال ، بس عالاقل دلوك انا هاحط راسي على المخدة وانا مطمن ، ان اللي قاعد جوا مش حرامي ولا قتال قتلة.
اومأ برأسه يونس ينهض عن الكنبة وهو يمط بجسده :
- روح انت نام وانا كمان هاروح احط راسي اللي تقلت دي من مشوار السوق وجري البهايم الكبيرة ، دا حتة بقرة النهاردة اطلقت في السوق ، عليا النعمة بهدلت رجالة بشنبات .
ضحك سالم من قلبه وهو يتبع اخيه هو الاَخر أيضًا وسأله مستندًا بكفه على كتف يونس وهم يتحركون للداخل :
- و على كدة بقى عرفتوا تمسكوها ولا لاه ؟
- مسكناه بس بعد ايه ؟ بعد مرضغتنا في التراب ، الله جاها بالطين دي ، مش عارف انا جابت الشدة دي منين ؟
حينما وصلوا الى غرفة يونس وهم ليضع المفتاح ليفتح بابها ، أجفله سالم سائلًا :
- بقولك ايه يايونس صح ؟ ااه ها ترضى لو طلبت منك تبيت حد معاك في الأوضة؟
قطب يونس قليلًا باستفسار ، قبل ان يرتخي حاجبيه هاتفًا :
- لاه يا سالم ، اياك يكون قصدك .....
قطع جملته مشيرًا بسبابته نحو احدى الغرف ، اأومأ له سالم يهز برأسه بابتسامة :
- ايوة يايونس ، هو اللي اقصده .
فغر يونس فاهه واضعًا كفيه على خصره، يسأله بغيظ:
- ليه بقى عايز افهم ، هو بيتنا يبقى المقر الرسمي بتاعه ، ماهو مرزوع في اؤضة ولدك الصغير على ما يقوم على رجليه ويروح لحاله بعدها.
رد سالم :
- انا معاك في كل كلامك ، بس بصراحة يعني انا صعب عليا النهاردة لما شفت فرحته لما طلع وقعد بينا واتعشى مع ناس تاكل معاه وتفتح نفسه ، بدل الحبسة ليل نهار في اؤضته .
- ياعم وانا مالي ؟ ترزعه معايا في اوضة واحدة ليه ؟
قال يونس بتأفف ، قال سالم بمحايلة :
- عشان انت شباب زيه وسنك مقارب لسنه ، يعني هاتعرفوا تحكوا بكلام الشباب اللي انتوا تعرفوه.
صمت يونس حانقًا ، كرر سالم بلهجة مترجية :
- ها واد ابوي ايه رأيك .