رواية مابين الحب و الحرمان الفصل السابع عشر 17 بقلم ولاء رفعت على

 

 

 رواية مابين الحب و الحرمان الفصل السابع عشر بقلم ولاء رفعت على


تتلاطم الأمواج علي صخور شاطئ عروس البحر، توقفت سيارة أجرة جماعية أمام إحدي الشوارع القريبة من الكورنيش و ترجل منها حبشي ذو الهيئة المزرية و شعره المبعثر  يبدو كالذي فقد رشده، صعد أعلي الرصيف ثم أخرج من جيبه ورقة مدون بها العنوان و عندما وجد إنه وصل إلي المكان المنشود مسح علي شاربه و قال بتوعد: 
- هانت يا هدي أبقي وريني منظرك و أنتِ بتبوسي إيدي عشان أرحمك هوريكي وش حبشي التاني اللي عمرك ما شوفتيه. 
و تجلت إبتسامة شيطانية علي ثغره، و علي بُعد أمتار بداخل بناء مرتفع... 

تجلس هدي أمام التلفاز لكنها لم تنظر إليه بل تتأمل صغيريها و هما يلاعبان و يركضان في الردهة و يدور ذهنها عدة أفكار عديدة عندما تتذكر أمر زوجها الذي سرقت أمواله و هربت،أحياناً تشعر بالندم لكن عندما تعود ذاكرتها عليها بما كان يفعله معها من معاملة قاسية و يدخر أمواله و يبخل عليها و علي أولادهما كان ذلك كافياً ليجعل الشعور بالندم سرعان ما يتبدد علي الفور. 

- يلا يا محمد، يلا يا بسنت تعالو يا ولاد كولو الفشار و التسالي. 
كان صوت خالتها التي خرجت من المطبخ و تحمل صينية كبيرة مليئة بأطباق التسالي و ذرة الفشار، ترك الأطفال اللعب و ركضا إليها و قبل أن يتناول أي منهما شيء توقفا ينظران إلي والدتهما فسأل الولد والدته: 
- أكل يا ماما؟ 

أنتبهت هدي إليه و ربتت عليه: 
- كُل يا حبيبي. 

نظرت إليهم الخالة بشفقة و قالت : 
-أنتو بتستأذنو في بيت خالتكم كده هزعل منكم، كولو يا حبايبي الخير كتير. 

عقبت هدي علي ما حدث: 
- معلش يا خالتي أصل أبوهم معودهم ياكلو و يشربو بستأذان. 

- ماشي يا بنتي ده لو كان هما في بيت حد غريب لكن هيستأذنو في بيت أبوهم! 

إبتسمت الأخري بسخرية و قالت: 
- دي أقل حاجة يا خالتي، لو حكيت لك علي اللي كان بيعمله مش هاتصدقي، يلا الله يسامحه. 

ربتت خالتها عليها و سألتها: 
- لسه بتحبيه رغم كل اللي شوفتيه معاه؟ 

أطلقت تنهيدة ثم أجابت و عبراتها تجمعت للتو: 
- للأسف يا خالتي برغم كل ده لسه بحبه، قلبي بيحبه و عقلي كارهه مش عارفه أعمل إيه، أنا في دوامة و خايفة و تايهة، حسبي الله و نعم الوكيل. 
و أطلقت سراح دموعها الأسيرة فأحتضنتها خالتها و اخذت تربت عليها بحنان و بمواساة: 
- ما تخافيش يا حبيبتي أنتِ هنا في أمان و الحمدلله إنه ما يعرفش أنا عايشة هنا يعني عمره ما يقدر يوصلك و ربنا يريح بالك و يشيل الحزن من قلبك. 

صدح رنين جرس الباب، نهضت الخالة قائلة: 
- هتلاقيه عمك مراد بس إيه اللي رجعه من الشغل بدري كده. 

و بمجرد أن فتحت الباب وجدت من يدفعها من أمامه و يصيح بصوت غليظ و جهوري: 
- هي فين الخاينة الحرامية؟ 

أنتفضت هدي و نهضت، ركض نحوها الصغيرين يرتجفان بخوف، لحقت به الخالة توبخه: 
- أنت مين سمح لك تدخل و كمان بالطريقة الهمجية دي! 

أزاحها بيده من طريقه قائلاً : 
- و النبي أركني علي جمب يا حاجة أنا جاي أخد مراتي عشان ليها عندي حساب عسير. 

صرخت هدي و كان الخوف يبدو عليها: 
- ده بعينك، عمري ما هرجع لك تاني يا بخيل يا معفن. 

و في لحظة كان شعرها في قبضته و يخبرها بتهكم و صياح: 
- مين البخيل و المعفن يا حرامية يا بنت الـ.... 

حاولت الخالة دفعه و تخلصها من يده: 
- أبعد عنها يا حبشي و عيب اللي بتعمله ده، أبعد أحسن ما أتصل بالبوليس. 

رمقها بنظرة من نار قائلاً بتحدي: 
- أتصلي يا ست الحاجة بس هيجو ياخدو بنت أختك الحرامية اللي سرقت شقي عمري. 

ردت الخالة بصياح: 
- مفيش اللي أنت بتقوله ده و أبعد إيدك عنها أحسن لها. 

- يا وليه غوري من وشي أنا محترم سنك و محترم إن في بيتك. 

صرخت هدي و هي تحاول التملص من قبضته: 
- أتصلي بالبوليس يا خالتي. 

فقالت الخالة: 
- أنت بني آدم قليل الأدب و زبالة و إستحالة هدي تقعد علي ذمتك دقيقة كمان. 

صرخت هدي: 
- طلقني يا حبشي. 

أخذ يدفعها ذهاباً و إياباً و شعرها ما زال في قبضته: 
- أخد فلوسي الأول يا حرامية و هاطلقك بالتلاتة. 

رمقته بغضب و عينيها باكية: 
- ده علي جثتي، الفلوس دي حق سنين عمري اللي ضاعت معاك و صبري علي بخلك و حق عيالك اللي فضلت حارمهم من كل حاجة. 

ما زاده حديثها سوي تأججت نيران مراجل غضبه أكثر فأكثر بدلاً من أن يعترف بخطأه قال لها: 
- علي جثتك!، أستحملي بقي اللي هعمله فيكي. 

و كاد يصفعها حتي وجد قبضة قوية، صاحت الخالة: 
- شريف! 

فسأله حبشي بإستهزاء و يبدو علي وجهه إمارات الشر و علي وشك أن يهاجمه: 
- و مين أنت يا عم الأمور؟ 

كان شريف ينظر إلي هدي التي تسمرت في تلك اللحظة و نظرات الخوف تنضح من عينيها بينما قالت الخالة: 
- شريف يبقي إبني يا حبشي. 

نظر شريف إلي والدته و قال لها: 
- ماما، خدي هدي و الولاد و أدخلو جوه. 

و قبل أن تخطو هدي خطوة أوقفها حبشي و يقبض علي ساعدها: 
- مش هاتخطي غير رجلها علي رجلي،  و أنت مالك و واحد جاي ياخد مراته إيه اللي يحشرك ما بينا. 

رمقه شريف بتهديد جلي و أخبره: 
- إحمد ربنا إن أنا جيت في الوقت المناسب و زي ما هي مراتك أنا أبقي ابن خالتها و لما ألاقيك تمد إيدك عليها مش هاسكت لك. 

ترك حبشي ذراعها و أبتسم بتهكم و سأله: 
- مش هاتسكت إزاي يا عم شريف!، طيب و عليا الطلاق لأنا واخدها حالاً و لو دكر أبقي أتكلم حتي. 

و جذب زوجته من خصلاتها مرة أخري مما جعل الأخر ينفذ صبره و لم يتحمل حماقة ذلك الوغد فزمجر كالوحش قائلاً: 
- الظاهر الذوق و الأدب ما ينفعوش مع واحد حيوان زيك. 

و أخذ يكيل له اللكمات و الركلات،  بينما ركضت هدي بعيداً عندما حررها زوجها خصلاتها من قبضته و أخذت تصرخ بتوسل: 
- خلاص يا شريف بالله عليك. 
ـــــــــــــــــــــ
تمكث عايدة في غرفتها منذ أن عادت و بعدما علمت من نفيسة أن كلا من معتصم و ليلة غادرا المنزل، أخذت تفكر فيما هي مُقبلة عليه و حينما تتخيل نجاح تلك الخطة الشيطانية فقلبها يتراقص من السعادة، تريد إزاحة ليلة بشتي الطرق من أمامها. 

و دقائق كانت تخطو بخفة بعد أن سرقت مفتاح شقة معتصم من نفيسة التي تغط في النوم منذ قليل، أدارت المفتاح داخل قفل الباب و ولجت إلي الداخل، ذهبت إلي المطبخ فتحت الضلفة العليا لتضع بها السكين الملفوف لكنها تراجعت. 
خرجت و أتجهت إلي غرفة النوم و قررت أن تضعها داخل خزانة الثياب لاسيما الرف الذي يخص ثياب ليلة و قامت بدسها أسفل الثياب المطوية و ما أن أنتهت من مهمتها غادرت علي الفور. 

دلفت إلي غرفتها و أمسكت بالهاتف، و قامت بإدخال شريحة ثم أجرت إتصالاً: 
- ألو، أنا عايزة أبلغ عن جريمة قتل! 

ــــــــــــــــــــــ
داخل قسم الشرطة يقف كلا من حبشي و يكبل أحد يديه أصفاد حديدية طرفها الأخر بيد العسكري، وجهه ملئ بالكدمات مما زاد مظهره رعباً و تجلس هدي التي تبكي أمام مكتب الضابط و أمامها يجلس شريف إبن خالتها. 
قال الضابط: 
- أهدي يا مدام هدي و بطلي عياط عشان عايز أسمع أقوالك. 

مال شريف للأمام قليلاً نحوها و أخبرها: 
- بتعيطي ليه إحنا هنا أصحاب حق و الرائد عماد يبقي صاحبي. 

صاح حبشي بصوت كالحمل الوديع المجني عليه: 
- يا باشا أنا اللي المفروض أقدم بلاغ فيهم هما الأتنين مراتي الحرامية اللي سرقت فلوسي و هربت علي هنا و لما روحت لها عند خالتها و بسألها الفلوس فين جه إبن خالتها اللي قاغد قدامك ده و نزل فيا ضرب يعني أنا بقدم بلاغين كده. 

عاد الضابط بظهره إلي الوراء و رمق حبشي بسخرية و أخبره: 
- أولاً مراتك لو خدت منك فلوس في عرف القانون ماتبقاش جريمة سرقة إلا إذا زورت في أوراق باسمك بيع و شراء عقود ملكية لكن خدت فلوس منك دي مسأله تحلوها ما بينكم و من غير تعدي أي طرف فيكم علي التاني و وشها عليه آثار ضرب، إما بالنسبة لأستاذ شريف ده يبقي بيته هو و والدته و أنت اللي جيت تعتدي عليهم بالضرب و السب و القذف و الجيران تشهد و شئ طبيعي هيدافع عن نفسه و عن أهل بيته حتي بنت خالته اللي تبقي مراتك. 

صاح حبشي مرة أخري بسخط و إساءة: 
- اه هي بقت كده و اللي سمعته ده صح، أنت و هو أصحاب فعايز توجب مع صاحبك و تلبسوني مصيبه و أنا مش هاسكت. 

- أخرس يا متهم و خدو يا عسكري تحت في الحجز. 
ثم نظر إلي كاتب المحضر و أمره: 
- ضيف عندك علي المحضر تهمة التعدي علي السلطات، خليه يتعلم الأدب و يتربي له كام سنه في السجن. 

هنا توقفت هدي عن البكاء و نهضت لتتوسل الضابط: 
- أرجوك يا بيه أنا خلاص متنازلة بس بلاش تحبسه. 

رمقها شريف بصدمة فقال للضابط : 
- معلش يا عماد ممكن أتكلم معاها دقيقتين علي إنفراد. 

لبي الأخر طلبه و حينما أصبح كليهما بمفردهما  قال لها: 
- هتتنازلي عن حقك، بعد ما ضربك و بهدلك و لولا أنا جيت في الوقت المناسب الله أعلم كان عمل فيكي إيه! 

أزاحت عبراتها بأطراف أناملها من عينيها ثم قالت: 
- يا شريف إحنا ملناش غيره أنا و العيال، لو طلقني مين اللي هايستحملني بولادي و أمي يادوب معاش أبويا يكفيها بالعافية،  و غير المصاريف العيال محتاجين أبوهم زي ما هم محتاجيني. 

عقد حاجبيه و هز رأسه برفض: 
- أنا مستغرب تفكيرك، إزاي تقبلي تعيشي مع واحد حسب ما سمعت إنه بخيل و مجوعك و بيعملك اسوأ معاملة من ضرب و إهانة، إزاي تقابلي كل ده علي نفسك. 

أطلقت زفرة لعلها تزيح و لو قليلاً عما بداخلها من حزن دفين ثم قالت: 
- ساعات الظروف و الحياة بيحكمو عليك ترضي بالأمر الواقع و كمان لما تبقي مسئول عن أطفال يبقي لازم تفكر فيهم قبل نفسك. 

- غلط يا هدي، لو كنتِ فاكرة إن اللي بتعمليه ده عمل بطولي و أهم حاجة سعادة ولادك حتي لو علي حساب حياتك ده يبقي إسمه إنتحار، عايشة مجرد جسد من غير روح، و ليه كل ده و أنتِ ربنا و دينك حافظ لك حقوقك لما تلاقي عيشتك مع جوزك مستحيلة و فيها ضرر نفسي و مادي عليكي و علي أولادك ليه تكملي، ليه تيجي علي نفسك لحد ما في يوم يسبب لك عاهة مستديمة و لا لا قدر الله يديكي خبطة تموتي فيها، ساعتها هترتاحي بس هاتسيبي عيالك هيتبهدلو مع أب ظالم و بخيل و مفيش في قلبه رحمة. 

ردت بتأفف و إصرار: 
- في ستات كتير عاشت و أستحملت و كان بيحصلهم اللي اسوأ من الضرب و برغم كده كملوا عشان خاطر ولادهم. 

أخبرها بتهكم و غضب : 
- و في الأخر يطلعو لنا عيال معقده نفسياً و يكملو مسيرة أبوهم في الهمجية و القرف اللي ما بيخلصش. 

صمتت و لم تعلم بماذا تجيب عليه، فلديه حق لكن ما بيدها حيلة أو شئ تفعله، تخشي كلمة مطلقة و كذلك حمل مسئولية طفليها بمفردها و ما ستواجهه من بطش زوجها بعد الطلاق من مضايقات و التهرب من دفع النفقة. 

- أنت بتتكلم بقلب جامد يا شريف عشان أنت مش في مكاني و اللي إيده في الميه مش زي اللي في أيده في النار. 

نهض و وقف أمامها ليدافع عن نفسه من ذلك الإهتمام و يفجر لها ما بداخله : 
- أنا قلبي اللي في النار من زمان يا هدي، من وقت ما أتفجأت زي أي حد غريب و عرفت بخبر جوازك في نفس يوم الفرح، و برغم كدة جيت بس وقفت من بعيد عشان أقدر أشوفك لاقيتك فرحانة، و أنا عشان بحبك كنت بتمني لك تكوني سعيدة أهم حاجة. 

أتسعت عيناها و غرت شفاها بصدمة فأردف: 
- أيوه بحبك و مازالت بحبك و كنت بتابع أخبارك من بعيد لبعيد، أنا لما شوفته و هو بيمد إيده عليكي كان نفسي أقطع له إيده دمي غلي و ما أستحملتش، يا هدي أنتِ اللي زيك يتشال علي الراس و يتحط جوه العين. 

نهضت و تهربت من النظر إليه، أمسكت بمتعلقاتها قائلة: 
- أنا عايزة أمشي. 

عقد حاجبيه بضيق فسألها: 
- انا عارف كلامي مش وقته، بس ارجوكِ فكري في الكلام التاني و بصي ليكِ و لولادك، لو التنازل عن المحضر هيرضيكي هاعمل اللي يريحك. 

- أنا هتنازل عن المحضر عشان مش عايزة حد في يوم من الأيام يعاير عيالي و يقولهم يالا يا للي أمكم سجنت أبوكم أو ياللي ابوكم رد سجون. 

ــــــــــــــــــــ
يمسك في يديه كوبين من مشروب حمص الشام الساخن و يسير نحو تلك الجالسة أعلي السياج علي كورنيش النيل كانت تغني مع الأغنية الصادرة من المركب الراسية علي الشاطئ: 
- علي عش الحب طير يا حمام... 

صمتت عندما وجدته يقف أمامها و يتأملها بإبتسامة حالمة فقال لها: 
- كملي، وقفتي ليه. 

ضربت حُمرة الخجل خديها فأشاحت وجهها و نظرت نحو مياه النيل المتلألأة: 
- أصل بتكسف أغني قدام حد، أخري أدندن مع نفسي لما بكون فرحانة و مبسوطة. 

عقد حاجبيه بحزن زائف: 
- و أنا بالنسبة لك أبقي حد! 

هزت رأسها بالنفي ثم أجابت: 
- أنتَ ليا العالم كله. 

غر فاهه بسعادة و ترك الكوبين جانباً علي السياج و أقترب منها ليخبرها بحماس شديد: 
- عارفة أنا لو قولت لك حاسس بإيه دلوقت و نفذت اللي حسه هانتمسك بفعل فاضح في الطريق العام. 

أطلقت ضحكاتها إلي العنان و شاركها الضحك أيضاً حتي توقفت عن الضحك و عقبت: 
- خير اللهم أجعله خير، قلبي حاسس آخرة الضحك دي نكد مستنينا. 

أمسك يدها بحنان و قال: 
- طول ما أنتِ جمبي فرحة الدنيا و ما فيها، يبقي النكد هيجي منين! 

رمقته بعتاب و أجابت باللوم: 
- جوازك من عايدة ده يبقي إيه إن شاءالله. 

تذكر إلحاح والدته و ماحدث في الأيام المنصرمة، أطلق زفرة من أعماقه ثم أخبرها: 
- بصي للمرة الأخيرة بقولها لك يا ليلة، أنا قلبي اللي يملكه واحدة بس، هي اللي خطفتني من أول نظرة لدرجة ما بقتش شايف غيرها و بس. 

صدق كلماته أخترق فؤادها فأصابته كالسهم مما جعل بريق عيناها قد توهج و أصبحت تلمع كالنجوم في سماء ليلة شاعرية صافية، أتسع ثغرها ببسمة تنضح بعشق غامر: 
- أنا بحبك أوي يا معتصم، حب عمري ما سمعت عنه و لا هايكون زيه. 

نزلت من فوق السياج و رمقته بسعادة تملأ الكون بهجة و سرور قائلة: 
- بمناسبة اللحظة الحلوة أوي دي ليك عندي مفاجأة. 

قطب ما بين حاجبيه و رمقها بفضول فسألها : 
- ممكن أعرف إيه هي ده لو معندكيش مانع يعني. 

إبتسمت و قامت بالضغط علي وجنته بإصبعيها السبابة و الإبهام: 
- و لما هقولها لك هاتبقي مفاجأة إزاي! 

أمسكت بيده و خللت أناملها الرقيقة بين خاصته الغليظة و أردفت: 
- يلا بينا نروح و لما نوصل بيتنا هحكي لك عن المفاجأة عشان دي محتاجة طقوس خاصة. 
ــــــــــــــــــــــــــ
- يا بنتي هاتروحي فين الساعة دي، عيب اللي بتعمليه ده. 
قالتها خالة هدي التي ردت و تتجنب النظر إلي شريف الجالس في حالة صمت: 
- معلش يا خالتي أنا هانزل في أي فندق و هاشوف لي شقة إيجار. 

رمقتها بغضب و قالت: 
- فندق و شقة إيجار و أنا موجودة!، ما تقولها حاجة يا شريف. 

و قبل أن يتحدث الأخر بحرفٍ واحد سبقته بإصرار و لهجة حادة موجهة إليه: 
- خالتو أنا مش صغيرة، و بعدين أنا عايزة أبقي علي راحتي. 

نهض شريف و ينظر إليها بإمتعاض: 
- أنا أصلاً رايح أقعد في الشاليه، أتفضلي خليكِ هنا علي راحتك. 

رمقته بتحدي و إصرار عاقدة ساعديها: 
- و أنا قولت هامشي يعني هامشي. 

زفرت الخالة بسأم و قالت: 
- علي راحتك يا بنتي، و أنا شقتي مفتوحه ليكِ في أي وقت. 

أبتسمت لها هدي: 
- شكراً يا خالتو. 

و همت بالذهاب فقامت بالنداء علي صغيريها و قبل أن تفتح الباب و تغادر أوقفها شريف قائلاً: 
- أستني هاجي أوصلك. 

رفعت إحدى حاجبيها و الرفض بادي علي ملامحها: 
- شكراً، أنا هاخد تاكس. 

أطلق زفرة بنفاذ صبر و قبل أن يتهور بفعل أهوج تركها و دلف إلي الداخل، بينما هي ذهبت برفقة صغيريها، وصلت إلي نهاية الشارع الذي يعمه الهدوء، أنتظرت لدقائق علها تجد سيارة أجرة حتي توقفت أمامها سيارة أجرة خاصة، سألت السائق الذي يرتدي قبعة و نظارة شمسية يخفي بها معظم وجهه: 
- في فندق قريب من هنا يا سطا؟ 

أكتفي بالإيماءة و لن تدقق في ملامح هذا الغريب، فتحت الباب، فولج الأولاد إلي داخل السيارة و وضعت الحقائب جوارهما بينما هي جلست في المقعد الأمامي بجوار السائق الذي بمجرد أن دخلت و أغلقت الباب، أنطلق بسرعة جعلتها تشعر بالقلق لاسيما بعد أن وجدته يضغط علي زر أوصد كل الأبواب و النوافذ، ألتفتت إليه و سألته بخوف جلي: 
- أنت بتقفل الأبواب ليه؟ 

رفع زواية فمه بإبتسامة ساخرة ثم بدأ يخلع القبعة و النظارة و رمقها بنظرة تكفي أن تخبرها بالذي ينتظرها من أهوال: 
- معقول يا دودو معرفتيش حبشي جوزك حبيبك أبو عيالك. 

أطلقت صرخة فقام بدفع رأسها إلي الأمام و يصيح بها: 
- أخرصي أنا لسه عملت فيكي حاجة! 

أصتدمت جبهتها في التابلوه مما أفقدها الوعي في التو و هذا كان علي مرأي و مسمع الصغار، أكتفي كليهما بالبكاء و جسدان يرتجفان بشدة من الخوف. 
ـــــــــــــــــــــ
و لنعود إلي معتصم و ليلة التي تُعد ليلة و لا ألف ليلة حيث طلبت منه بأن ينتظرها في الأسفل و يصعد إليها بعد أن تقوم بمهاتفته ريثما تنتهي من إعداد طقوس مفاجأتها. 

كان يقف داخل الشرفة لدي منزل والدته و كانت تتحدث في الهاتف، بينما هو ينفث دخان سيجارته في الهواء الطلق فشعر بخطوات خلفه، علم في الحال صاحبة الخطوات: 
- عايزة إيه يا عايدة، و لا تكوني ناوية تعترفي و تقولي مين أبو اللي في بطنك! 

و ابتسم بتهكم فوقفت جواره و أرتسمت علي ملامحها إمارات القلق و الخوف: 
- اللي في بطني يبقي إبن عشيق مراتك. 

و في لحظة كانت تلابيب عبائتها في يديه،قائلاً بغضب من بين أسنانه: 
- أقسم بالله كلمة تانية علي مراتي لهكون رميك من البلكونة و لا يهمني. 

أمسكت بيديه و رمقته بتمثيل مُتقن لتكمل له السيناريو الذي علي وشك أن يتم: 
- و رحمة أخوك ما بكدب، ليلة فعلاً كانت علي علاقة بواحد إسمه عمار و لما أنت أتجوزتها فضل يكلمها و مرة جالها هنا، و لما نزلت السوق كان مستنيها يشوفها، فضلت مراقباها لحد ما عرفت إنها بتروح له المكان اللي عايش فيه، شافتني و هددتني إن لو مابعدتش عنها و لو اتكلمت بحرف هتخلي اللي إسمه عمار يدلق علي وشي مية نار، و في آخر مرة سمعتها بتقول إنها رايحة له روحت هناك عشان أصورهم و ابعت لك الصور كدليل بدل ما أنت ما بتصدقنيش، أتاريه كان كمين من عشيقها، ضربني علي راسي و فوقت لاقيته ربطني في السرير و... 

تصنعت الحرج فأردفت: 
- و عمل اللي عمله معايا بالغصب و صور فيديو بكده و هددني لو أتكلمت هينشر الفيديوهات دي علي النت، مراتك جت لي بعدها بيومين و عرفت اللي حصلي فضلت تشتم و تزعق إنه إزاي عمل معايا كده، تقدر تقول غارت و أستحلفت لي إنها هاتدفعني تمن اللي حصل ده غالي،  أنا عارفة إنك مش مصدقني بس مصير الأيام تثبت لك. 

كانت نظرات عيناه كالذي فقد صوابه، جاحظة من صدمة ما سمعه للتو فقاطع أفكاره المُظلمة في تلك اللحظة صوت سيارة الشرطة التي توقفت أمام منزله و ترجل منها رجال الشرطة. 

و بالأعلي قد أنتهت للتو من إعداد السهرة الرومانسية و أضواء الشموع و صوت الموسيقي الذي قاطعها رنين الجرس و طرقات شديدة علي الباب، ظنت إنه هو فقالت: 
- للدرجدي مش قادر تصبر، حاضر أنا جاية أ... 

فتحت الباب فـ تفاجأت برجال الشرطة أمامها، شدت من طرفي مأزرها و تناولت وشاحها الموضوع أعلي منضدة بجوار باب المنزل، أرتدت الوشاح علي رأسها بعشوائية و الضابط يسألها: 
- أنتِ ليلة محمد نصار؟ 

ابتلعت ريقها بخوف و رهبة ثم أجابت: 
- ايوه أنا. 

تعليقات



×