رواية مداهنة عشق الفصل الثامن عشر 18 بقلم اسماء ايهاب

 

رواية مداهنة عشق الفصل الثامن عشر بقلم اسماء ايهاب


 

جلس قاسم علي الفراش بارهاق شديد يظهر علي وجهه فلم يعد يغمض له جفن و التفكير المفرط يكاد يفجر رأسه حين يغلق عينه لعله يغفل و لو ساعة واحدة ، تنهد بقوة و هو يمرر يده بخصلات شعره و وجهه و هو يحاول ان يهدئ و لو قليلاً و يفكر فيما سيفعله الخطوة القادمة حتي ينتهي كل شئ و يعود الي حياته الطبيعية السابقة لعله يقدر علي تخطي ما حدث معه هذه الفترة و لكن هل سيتخطي حبه لها ، زفر باختناق و اخرج الهاتف من جيبه ليطمئن علي شقيقه الذي اجاب علي الفور ابتسم قاسم بتلقائية و هو يتحدث بهدوء :
_ عامل اية يا عدي طمني عليك روحت للدكتور ؟

هلل عُدي مرحباً به ثم اجابه بحماس زائد :
_ ايوة و اداني ادوية و طمني اوي يا قاسم بس الموضوع هيطول لان زي ما انت قولت في مادة غريبة في جسمي اكتشفها في التحاليل

تنهد قاسم بارتياح قبل ان يتحدث مبتسماً :
_ طب الحمد لله مش مهم الوقت المهم تبقي كويس ، في واحدة جديد جت تشتغل عندنا مش كدا

_ ايوة انت عرفت منين 

قالها عُدي بتعجب ليتحدث قاسم بجدية و تحذير :
_ طب اسمع بقي يا حبيب اخوك ، كوباية الماية متشربهاش من ايديها خد منها اي حاجة و ارميها 

تحدث عُدي ببساطة و هو متعجب من هدوء اخيه مع هذا الموقف :
_ طب ما نمشيها اية يجبرنا نخليها عندنا 

نفي قاسم برأسه و هو يجيبه مفسراً :
_ لا ما هي لو مشت طارق هيلاقي الف طريقة تانية يحطلك بيها البرشام دا 

_ هو انت عرفت منين انه هو اللي عمل فيا كدا ؟

سألها عُدي بعد صمت قليل ليجيبه قاسم بثقة :
_ كنت شاكك في الممرض اللي كل ما يشوفني يطلع يجري دا و خليت ظابط صاحبي يقوم معاه بالواجب و هو اللي اعترف بكل حاجة بس خايف من طارق 

ما كاد ان يتحدث من جديد حتي استمع الي صوت دقات علي باب الغرفة ليتحدث مغلقاً الحديث مع شقيقه :
_ هكلمك تاني يا عدي سلام 

اغلق الهاتف و وضعه علي الفراش و توجه الي الباب يفتحه ليجد آسيا تقف امام الباب و بيدها صنية عليها بعض الطعام ابتسم تلقائياً رغم ما به من مشاعر متناقضة داخله اتجاهها لكن انتصر الجزء العاشق لها و افصح عن ابتسامة لطيفة لتشير هي الي الصنية بعينها قائلة :
_ جبت اكل عشان ناكل سوا 

اومأ اليها و اشار بيده الي الطاولة البلاستيكية البيضاء بزاوية السطح و تحدث :
_ تعالي نقعد علي الترابيزة برا 

توجهت الي الطاولة و اخذت ترص الاطباق بهدوء ثم اسندت الصنية علي السور و عادت من جديد لتجلس امامه علي مقعد خشبي بلا ظهر تنهد و هي تتفحص وجهه الذي يظهر علي التعب و تحدثت مستفسرة :
_ شكلك تعبان اوي يا زيدان انت منمتش 

امسك الملعقة المعدنية و شرع في تناول الأرز قائلاً :
_ بقالي كام يوم مش عارف انام 

استندت بمرفقيها علي الطاولة و مالت الي الامام قليلاً تتحدث بمرح و مشاكسة :
_ المفروض انا اللي ابقي متوترة و مش عارفة انام مش العكس يا بيبي 

ضحك بخفة حين حركت حاجبيها في نهاية الجملة
و اسرع في اخذها لمنحني اخر من الحديث حتي لا تسأل عن سبب قلقه قائلاً بهدوء بعد ان ابتلع ما بفمه من طعام :
_ عازمك علي العشا برا النهاردة 

ابتهج وجهها بسعادة و هي تعتدل في جلستها و تنزل مرفقيها عن الطاولة :
_ بجد ، موافقة طبعاً 

ابتسم علي حماسها الطفولية الذي يجزم انه لا يخرج امام احد سواه فشخصيتها القوية التي يراها خارج حدود علاقتهما لا تجعلها تفعل ذلك امام احد اخر ، طرقعت اصابعها لتذكرها شئ ما و تحدثت اليه مبتسمة :
_ علي فكرة انا مرضتش ازعلك و جبت فستان تاني غير اللي مضايقك 

ترك الملعقة من يده و مد يده لها في إشارة انه يريد الهاتف قائلاً بجدية :
_ وريني 

اخرجت الهاتف من جيب بنطالها الفضفاض الاسود و عبثت به قليلاً حتي اتت بصورة فوتوغرافية لاحد الهياكل المصنعة خصيصاً لعرض قطع الملابس يرتدي ثوب ابيض من خافة "الستان" يصل الي ما بعد الركبة بعدة سنتيمترات فتحة صدر مربعة الشكل و ضيقة لا تظهر مساحة كبيرة من الجسد بأكمام شفافة من خامة "الشيفون" بسيط الي ابعد حد و راقي و حين رأي هو الصورة شقت الابتسامة ثغره و تحدث مهللاً :
_ اوووه لا حلو دا و محترم تعرفي ان دا هيبقي احلي عليكي من اي فستان مفتوح لبستيه قبل كدا 

ضحكت و هي تشاكسة من جديد قائلة :
_ و لا عشان علي مزاجك يا استاذ 

نفي برأسه و هو يمد لها يده بالهاتف قائلاً بمزاح رافعاً كتفيه الي الاعلي :
_ لا عشان علي مزاجي طبعاً

ضحكا الاثنين و هي تأخذ منه الهاتف و تدسه من جديد داخل جيبها ليتأمل عينها هنية قبل ان يهمس بصدق :
_ هيبقي حلو عليكي اوي عشان انتي مميزة 

بعثت اليه قبلة بالهواء و هي تتحدث بسعادة :
_ حبيبي انت و الله يا زيزو 

هي بالفعل مميزة بالنسبة له .. مميزة لدرجة انها الوحيدة التي اقتحمت قلبه دون الحاجة لاخذ الإذن منه ، الوحيدة التي يمكنها رسم الابتسامة علي وجهه ، و تطفئ نيرانه بكلمة واحدة او ابتسامة منها حتي و ان كانت نيرانه اتجاهها ، ايضاً .. الوحيدة التي حطمت ما شيده لها داخل قلبه ، من اشعلت فتيل الانتقام داخل صدره و هي التي لا يمكنه ان يري الانكسار بأعينها حتي و لو كان هذا غرضه 

***********************************
قطع ناجي الارض ذهاباً و اياباً و علي اذنه الهاتف منتظر رد الطبيب بعد ان اجري فحصاً لـ عينة الدماء التي اخذها من قاسم البارحة ، متلهفاً لاصطياد فريسته في اقرب وقت ممكن ابتسم باتساع حين جاء رد الطبيب من الطرف الاخر ليتحدث ناجي بحماس قائلاً :
_ اية يا دكتور نتيجة التحاليل ظهرت 

و حين اجابه الطبيب ان التحاليل الطبية الآن نتائجها بيده همس بقلق :
_ اية الواد نضيف و لا اية 

ابتهج و اتسعت ابتسامته من جديد حين اخبره الطبيب ان النتائج سليمة لا يوجد ما يثير الشك بشأن مرض الشاب حينها هتف ناجي و قد عاود اليه الشعور بالحماس :
_ طب كويس ، لا هو اللي جاي برجله فاكر انها مصلحة شغل 

_ هكلمه يجي بكرا خلينا نخلص من الحوار دا في السريع 

اخبر الطبيب بجدية ان هذا الامر سيتم بالغد و ان يجيب عليه الاسراع و استمع الي الطبيب من الطرف الاخر و هو يسأل كيف سيتخلص من جثمان الشاب بعد انتهاء الامر ليردد ناجي بهدوء :
_ هنخلص و نرميه في اي حتة بعيد عشان هو شغال في المنطقة عندنا 

_ تمام يا دكتور متتأخرش عليا بكرا هجهزلك كل حاجة 

انهي جملته ثم ضحك بقوة قبل ان يختم حديثه و يغلق الهاتف قائلاً بسخرية :
_ و هجهز العريس لفرحه 

و حين انتهي من المكالمة اتي صوت وليد من خلفه يسأل بجدية :
_ متأكد من الواد دا يا ناجي 

زفر ناجي بضيق و هو يبحث عن رقم هاتف قاسم و يستدير اليه يصيح بانفعال :
_ بقالك اية بطل نبر الله يخليك هلاقيها منك و لا من اخوك اهي لقمة جاية جاهزة و طازة من غير ما نتعب خلينا نشوف شغلنا

انهي حديثه الحاد واضعاً الهاتف علي اذنه يتحدث الي قاسم الذي فتح الخط سريعاً و ظهر تلهفه عليه مما جعل ابتسامة ناجي تتسع بخبث :
_ ايوة يا زيدان ازيك 

جلس علي المقعد القريب منه و اخذ سيجارته من العُلبة امامه قائلاً :
_ التحاليل طلعت فلة يابا و عايزك تيجيلي بكرا نتكلم في الشغل

دارت عينه بالمكان حين سأل قاسم عن طبيعة العمل لكنه اجابه بثبات و بمزاح :
_ لما تيجي بقي هتعرف شغل اية 

اتسعت ابتسامته الخبيثة و هو يتحدث من جديد لكي يطمئنه :
_ لا كله خير بس متقاطعش 

***********************************
حمحم قاسم و هو ينزل الدرج يعدل من ياقة قميصه الاسود الكلاسيكي ، مع كل درجة تقل ليصل الي باب شقة السيد نجيب كانت تزداد ملامحه ضيقاً ، هذا العشاء الذي سيجمعهما معاً اليوم سيكون العشاء الاخير لذلك قرر ان يكون له ذكري خاصة داخل عقله ، تنهد بقوة يخرج ما بداخل صدره من ضيق و هو يقف امام باب الشقة و ما كاد ان يرفع يده ليدق الجرس ليجدها تفتح الباب لتخرج من الشقة ، شهقت بخفة حين وجدته امامها علي حين غرة و لكنها زفرت بارتياح واضعة يدها علي صدرها و ابتسمت له و هي تتأمل هيئته الانيقة اللافتة و يبتسم هو الاخر حين مرر عينه علي ثوبها الاسود الذي يتناسق مع ملابسه يصل الي الركبة يظهر قوامها الممشوق و رشاقتها و يخفي ذراعيها و صدرها أيضاً كما يفضل هو و خصلات شعرها التي تركتها علي ظهرها ليشير اليها بيمناه و هو يمدح جمالها الاخذ بجملة بسيطة :
_ اية القمر دا 

ضحكت بخفة و هي تخرج غالقة الباب خلفها ثم تحدثت بخفوت و هي تنظر الي هيئته البهية :
_ و انت كمان زي القمر 

ضحك و هو يأخذ يدها و استدار نازلاً الدرج معها قائلاً بصوت مازح :
_ طبعاً القمر دا كله مش هينفع نروح راكبين المكنة طلبت اوبر و زمانه هيوصل

خرجا من البناية مع وصل سيارة الاجرة فتح باب السيارة الخلفي لها قائلاً بابتسامة هادئة :
_ اركبي يا قمر 

صعدت السيارة بهدوء و اغلق هو الباب خلفها و توجه نحو الاتجاه الاخر من السيارة ليصعد الي جوارها و حين انطلق السائق حاوطت ذراعه العضلي بكفي يدها و مالت تهمس له بسعادة :
_ بحبك 

ابتسم لها و مال برأسه يستند علي رأسها كرد صامت منه و داخل رأسه الكثير و الكثير من الافكار حتي انه لم يستمع الي الحديث من حديثها الهادئ معه حتي توقفت السيارة و تنبه عقله الي الواقع و تلقائياً انقبض قلبه ، نقد السائق خرج من السيارة و توجه نحوها يفتح لها الباب اخذاً يدها يساعدها علي الخروج و ذهبت السيارة في طريقها الا انها وقفت تتأمل اسم المحل الذي ينير بقوة وسط جميع المحال حوله باناقة و التفتت اليه تتحدث بهدوء مشيرة الي المحل :
_ زيزو المكان غالي جداً نروح مكان اهدي شوية عشان لسة قدامك مصاريف كتير 

حاوط رقبتها بكف يده بغيظ دون ان يلمسها و هتف بضيق :
_ و انا لو عارف اني مش قد المكان 
هاجي و احرج نفسي قدامك يعني ؟

ابتعدت عنه قليلاً تعتذر و تبرر انها لم تقصد ان تحط من شأنه و لكنها سألت من جديد بحرج و لكنها لم تقدر ان تخفي تعجبها :
_ هو انت مش بتصرف اوفر اوي اليومين دول يعني .. قصدي 

حاولت ان توصل سؤالها بطريقة اخري و لكنه قاطعها حين اجابها بهدوء :
_ متخافيش مش حرامي فلوسي و الله 

حمحم بحرج و نفت برأسها مجيبة :
_ مش قصدي كنت بطمن عليك 

ابتسم و مرر يده بخصلات شعرها بحنو قائلاً :
_ اطمني يا حبيبتي 

امسك بيدها و دلفا الي المحل بهدوء ليسأل علي الطاولة التي حجزها اليوم بالهاتف و اشار اليه النادل علي مكانها ليتوجه معها الي الطاولة تاركاً يدها ليسحب لها المقعد قائلاً بمزاح :
_ اتفضلي يا برنسيسه 

جلست علي المقعد و استقرت تماماً و هو تجيب علي مزاحه :
_ شكراً يا كينج 

جلس امامها بهدوء و حينها تقدم منهما النادل ليضع قائمة الطعام علي الطاولة مع زجاجة من الماء و ذهب كما جاء ، تنهدت آسيا بقوة و هي تري وجهه المرهق الذي يدل انه ليس بخير و دائماً تشعر بتوتره لتضع يديها علي الطاولة و تمد له يمناها في دعوة منها لامساك يده قائلاً بتساؤل :
_ انا ملاحظة انك الفترة دي مش طبيعي خالص انت كويس ؟

نفي برأسه و هو يمسك بيدها يخبرها بهدوء حتي تطمئن :
_ متخافيش يا حبيبي شوية ضغوط بس و قريب اوي هتروح 

تنحنحت و هي تململ في جلستها متحدثة بهدوء :
_ زيدان لو حاسس انك اتسرعت و محتاج وقت قبل كتب كتابنا مفيش اي مشكلة 

شدد علي يدها و هو ينفي برأسه قائلاً :
_ اكيد لا يا آسيا ، قولتلك شوية ضغوطات و هتروح و كمان عشان بدور علي شغل جديد

اقترحت هي لتزيح عنه توتره و ارهاقه المبالغ به هذه الفترة :
_ طب انا ممكن اكلم حد من معارفي و نشوف شغل كو...

قاطعها بجدية دون الحاجة بعدها الي نقاش :
_ معلش يا آسيا مش هينفع 

ابتسمت و هي تسحب يدها ببطئ من يده قائلة :
_ زي ما تحب بس انا موجودة دايماً 

امسكت بقائمة الطعام تتفحص محتواها و تحاول ان تبحث عن شئ غير مبالغ في ثمنه حتي لا تتسبب له في احراج امامها و قطع اندماجها صوته و هو يهمس بأسمها رفعت رأسها اليه تنظر اليه باستفهام ليتحدث بعد ان اخذ نفساً عميقاً مقرراً ان يكون اخر ما بينهما هو اعترافه لها بالحب حتي و ان كان ليس بمحله و لكنه اراد ان يخرج ما يشعر به اتجاهها :
_ آسيا ، انا كنت دايماً فاكر ان الانسان يقدر يتحكم في قلبه يقدر يقرر مين يدخل و مين يخرج ، يمنع نفسه يحب او يبعد لو حب 

صمت هنيهة و هو يثبت عينه علي وجهها المليح و قلبه يطرق بقوة بين ضلوعه و كأنه يريد منعه من هذا الاعتراف لكنه استأنف حديثه من جديد قائلاً بصدق :
_ لحد ما قابلتلك غصب عني لقيت قلبي بين ايديكِ غصب عني لقيتني بفكر فيكِ كل يوم و احب وجودك ،ضحكتك حتي سكوتك ، تايه في تفاصيلك من غير ما اكون قادر ارجع ، فجأة لقيت نفسي بحبك .. دي اول مرة احس ان الحب مش قرار و لا حتي اختيار دي حاجة اقوي من كدا بكتير 

اغرورقت عينها بتأثر من كلماته الصادقة المتدفقة بالحب و همست بحب قائلة :
_ انا كمان بحبك يا زيزو 

ابتسم بهدوء و عاد الي الخلف يريح ظهره علي المقعد ثم اخرج من جيبه مفتاح السوار الذهبي و قدمه لها في صمت ، نظرت اليه متعجبة ثم اشارت نحو المفتاح متسائلة :
_ مش دا مفتاح الاسويرة 

هز رأسه بايجاب و اشار لها ان تأخذه لتبلتع ريقها بقلق و عادت تسأل :
_ طب هاخده لية مش قولت انه هيفضل معاك 

_ خليه معاكي الفترة دي يمكن تحبي تفكي الاسويرة في التجهيزات و هبقي اخده بعدين 

كان صوته هادئ لا يدل علي ثمة شئ قد يقلقها لتمد يدها تأخذ المفتاح و هي تبتسم بتوتر اصابها فجأة حين اخرج المفتاح من جيبه ظل تطلع اليه فترة حتي قبضت عليه بقبضة يدها بقوة متمسكة برمزية الحب داخل اسوار الكارتيية الاسطورية 

***********************************
خرجت رُقية من غرفتها بعد ان استعدت لحضور حفل زفاف إحدى بنات الجيران مع عمتها . بعدما اذعنت لإلحاح عمتها عليها للحضور ، ابتسمت السيدة سوزان و هي تتقدم منها تربت علي كتفها تحثها علي الاسراع حتي لا يتأخران و بالفعل ارتدت رُقية حذائها سريعاً و تناولت حقيبة يدها تستعد للرحيل ...
وقفا امام البناية حتي تأتي السيارة التي استدعتها عمتها و حينها ، وجدت آدم و والدته يخرجان من البناية الخاص بهما حاولت السيطرة علي أنفاسها التي اضطربت عند رؤيته ، و تجنبت النظر الي عينه بكل ما اوتيت من مقاومة ، دقات قلبها التي تسارعت بقوة حين اطل عليها بهيئته المحببة لها و ما زاد الطين بلة اقترابه هو و والدته منهما حتي توقفا تماماً أمامهما و بعد الترحاب و اكتفت بايماءة باهتة تتهرب بنظراتها الي البعيد ، تحدث آدم مقترحاً بهدوء :
_ طب بدل ما تفضلوا واقفين مستنين تاكس اوصلكم معانا احنا طلبنا اوبر 

_ لا يا حبيبي متتعبش نفسك و تتعب ماما معاك احنا كمان طلبنا عربية و زمانها جاية 

تحدثت السيدة سوزان بحسم و هي تنظر بضيق الي والدته التي لم تزيح عينها عن ابنة اخيها ثم التفتت حين رأت ضوء سيارة قوي يتوجه الي داخل الشارع و ابتسمت مشيرة الي السيارة قائلة :
_ اهي جات ، تسلم يا آدم نشوفكم بقي في الفرح 

امسكت يد رُقية و توجهت سريعاً نحو السيارة التي انطلقت فور ان صعدا بها ، تنهد آدم بقوة و ضغط علي شفتيه السفلية في حين ربتت والدته علي كتفه بحنو و داخلها صراع قوي ما بين الندم لما فعلته و بين انها فعلت الصواب حين فرقته عنها ، همست بخفوت حين اقتربت منهما سيارة الاجرة قائلة :
_ يلا يا آدم 

اومأ اليها و توجه نحو السيارة ليتوجها نحو قاعة الاحتفالات لحضور حفل الزفاف ...
وصل آدم الحفل و عينه تبحث عنها حتي وجدها تجلس جوار عمتها و بعض الجيران تضحك مع إحدى الفتيات و يتمازحان ، ابتسم بحنو و هو يتوجه مع والدته نحو خالته صافح الجميع و هم بالجلوس لكن جاء صوت انثوي من خلفه جعله يلتفت اليه ليجدها إحدى بنات الحي ابتسم بمجاملة و هو يصافحها قائلاً :
_ اهلاً ازيك يا ولاء 

اخذت ولاء تتحدث معه في اشياء عديدة بوصية من والدته التي اخبرتها انها ستكون زوجة ابنها المستقبلية ان قدرت علي كسب وده و هي تحاول قدر الإمكان فعل ذلك ، علي الجانب الآخر كانت رُقية تنظر اليه بطرف عينها و نيران الغيرة نشبت بصدرها و ضربت الحرارة جسدها بالكامل حتي تسربت الدماء الي وجنتيها التي توهجت بالاحمرار من الغضب و قبضت علي كف يدها بقوة تحاول السيطرة علي جماح غضبها قبل ان تتهور و تفعل ما لا يحمد عقباه ، تنفست بقوة حتي تهدئ قليلاً و مالت علي عمتها تخرجها انها تريد الذهاب الي المرحاض حتي تغفل قليلاً عن آدم و تقل حدة غضبها ...
التقطت حقيبتها اللامعة و توجهت الي المرحاض و مرت علي آدم و من معه و هي دون النظر اليه . 
اما هو فقد التقط قلبه مرورها قبل ناظريه و تابعها و هي تتوجه نحو المرحاض و لم يعد يستمع تلك التي اخذت تتحدث بالطب لكي تظهر اهتمامها بمجاله لكن ، تغيب عقله اصبح معلقاً عند لحظة مرورها امامه ليستأذن من ولاء و اسرع بخطوات واسعة خلفها ، علي بُعد خطوات من المرحاض سقطت منها الحقيبة و تفاجأت به ينحني امامها و يأخذ الحقيبة و يناولها اياها بهدوء مبتسماً لكنها كانت جامدة لم تبدي اي ردة فعل انما اخذت الحقيبة و هي صامتة و كادت تتوجه من جديد الي المرحاض لكنه اوقفها متعجباً :
_ رقية 

توقفت ، تشعر اتجاهه بالغضب و داخلها يغلي كالمرجل و اختنقت بغصة البكاء التي تحاول السيطرة عليها حين رمشت باهدابها عدة مرات ، التفت يقف امامها يتطلع الي وجهها الممتعض متسائلاً :
_ انتي كويسة ؟

اومأت اليه و لم تزاح عينها عن الارض ، ضغط علي شفتيه يكبح ابتسامته و هو يعلم جميع انفعالاتها عن ظهر قلب ليسأل من جديد :
_ مالك في اية ؟ 

لم يجد منها رد انما رأي علي وجهها تعابير غاضبة و التفتت بعينها ترمق ولاء بغيظ واضح و عادت عينها علي الارض من جديد ، لم يستطع كبح ابتسامته التي ظهرت جلياً علي محياه و هو يسأل بخبث :
_ انتي اضايقتي اني كنت واقف مع ولاء 

رفعت رأسها اليه و عينها قد غامت بشراسة حين واجهها بمعرفته لسبب غضبها ، عقد ذراعيها امام صدرها و تحدثت بحدة تخفي بها غيرتها :
_ مليش دعوة واقف مع مين و لية يا آدم كل واحد فين له حدود و ياريت يلتزمها 

رفعت سبابتها امام وجه في نهاية جملتها بتحذير ، ازدادت ابتسامته اتساعاً و هو يزيح اصبعها بسبابته قائلاً بنبرة متغزلة :
_ شكلك زي القمر علي فكرة 

تعالت دقات قلبها بارتباك من جملته و امسكت بذراعه تزيحه من امامها قائلاً بغيظ مشيرة بيدها نحو ولاء الواقفة تتابع الموقف بترقب :
_ آدم لو سمحت ، اتفضل ارجع للاستاذة اللي معاك عشان الوقفة الكتير تعمل دوالي 

تركته و توجهت بخطوات سريعة نحو المرحاض تدب بقدمها بالارض لتسكن ضجيج عقلها ، استند علي الحائط خلفه مبتسماً بسعادة فقد جعله هذا الموقف يسترجع بعض الذكريات له معها و كيف كانت تشتعل غيرتها عليه سابقاً ، يتمني لو تمحي الايام المريرة التي احاطت بهما و يبدأ عهد جديد بينهما يغلفه المحبة و المودة كما كان بالسابق 

*********************************** اليوم التالي مساءً توجه قاسم الي المنزل الذي يقطن به ناجي و صحبته ليضع نقطة النهاية بصفحة تلك القضية . تجمد قدمه بتوتر في مدخل البناية و هو يخرج هاتفه ليتأكد من كل الاستعدادات لمواجهة الموقف ، داعياً الله ان يوفقه بما هو مقدم عليه بالداخل و حين توقفت اقدامه امام الباب المعني اخذ ينظم أنفاسه محاولاً إحضار ثباته النفسي حينها ، فُتح الباب و ظهر من خلفه ناجي بهيئته المرتبة بعكس ما كان عليه اللقاء السابق ، ابتهج وجهه و اتسعت ابتسامته عندما رأي قاسم امامه و أزاح نفسه عن مدخل الباب تاركاً المجال لدخول الاخر قائلاً بتهليل :
_ تعالي يا زوز ادخل يا حبيب اخوك 

استحضر قاسم ثباته و قوته و سيطر بقوة علي انفعالات جسده حتي لا يظهر عليه التوتر يجيبه بابتسامة زائفة و هو يدلف الي الداخل :
_ الف شكر يا ناجي تسلم 

جلس قاسم علي المقعد الذي أُشير عليه و الذي كان مرافقاً لطاولة الطعام الكبيرة بمنتصف الردهة ، بتلقائية وضع يده علي جيبه يتحسس الهاتف حتي يطمئن قلقه من فشل مهمته ، رفع رأسه منتبهاً الي حديث ناجي الذي فرك كفي يده بعضها ببعض قائلاً بحماس واضح :
_ هدخل احضر عشا خفيف عشان نتكلم براحتنا في الشغل

أوقفه قاسم مشيرة و رفع سبابته و إبهامه في الهواء قائلاً بهدوء :
_ لا كفاية حاجة سخنة بس عشان الجو برد 

أومأ اليه ناجي و توجه نحو المطبخ بخطوات سريعة متعجلة وجد عماد يقف هناك يُعد لنفسه كوب من القهوة التي فاحت رائحتها بالمكان ، انتظر حتي صب القهوة بالكوب و مد يده يلتقطها قائلاً بجدية :
_ كلم الدكتور يستعجل 

تأفف عماد بضيق و هو يرمقه يأخذ قدح القهوة و أضاف إليها بعض نقاط من مادة مخدرة سائلة و يخرج من المطبخ كما جاء ، وضع ناجي القدح امام قاسم الذي انتهي للتو من اخبار زمائله انه داخل وكر ناجي :
_ قهوة يا زيدان 

قرب قاسم القدح منه و التفت الي الاخر الذي استقر علي المقعد امامه قائلاً متسائلاً :
_ اية بقي حكاية الشغل دا يا باشا ؟

حمحم ناجي حين اهتدي لإجابة عن سؤاله قائلاً :
_ هتشتغل فرد آمن في مصنع زيت و صابون 

قبض قاسم علي يده من اسفل الطاولة ، يتحكم في انفعالاته التي تدفعه لابراحه ضرباً حتي الموت بين يديه لكن ، لم يظهر اي شئ خلف ابتسامته الهادئة و كأنه سعيد بما قاله ناجي قائلاً :
_ طب القبض كام الشيفت كام ساعة المصنع فين كدا يعني 

أشار ناجي الي القدح و هو يقف عن المقعد قائلاً بهدوء :
_ أشرب بس الاول مستعجل علي اية هروح اعمل حاجة جوا و اجيلك 

أومأ اليه بهدوء و هو يرفع القدح علي شفتيه و كأنه سيرتشف منه لكن حين ابتعد ناجي ، انزل القدح اسفل الطاولة و افرغ محتواه علي الارض و تسرب السائل بهدوء داخل اعماق السجاد العجمي يتواري يين خيوطها  الداكنة ...

دخل ناجي الغرفة التي تُعد لاستقبال قاسم الليلة ، استقبلته رائحة المعقمات القوية و تفحص بعينه كل شئ من الفراش الصغير المجهز ، الادوات الطبية الحادة المتراصة جوار بعضها علي طاولة صغيرة و انتبه الي صوت وليد الذي تحدث خلعاً قفازاته الطبية :
_ كله تمام و كل حاجة اتعقمت و البوكسات اللي بنحط فيها الاعضاء موجودة و جاهزة في حاجة تاني 

اومأ ناجي و اشار الي الحائط خلفه من الجهة اليسري قائلاً :
_ جهز الكاميرا 

صاح عماد منفعلاً :
_ كاميرا تاني يا ناجي 

صفع ناجي كتفه بعنف و هو يتحدث بحدة :
_ اخلص دي فيها مليون 

وضع عماد يده علي كتفه متألماً و هو يتحدث برجاء :
_ بلاش حوار الدارك ويب دا يا ناجي 

لم يعره ناجي اي اهتمام بل التفت الي الآخر و تعابير وجهه توحي بالغضب قائلاً بحسم :
_ اخلص يا وليد و خلي اخوك اللي ضميره صحي فجأة دا يدخل اوضته 

رمق عماد بضيق قبل ان يلتفت نحو الباب يمضي في طريقه تاركاً الاخوان يتشاركان وجهات النظر ، تقدم من قاسم الذي وضع القدح علي الطاولة مصطنعاً انه انتهي منها للتو بعدما ارسل اشارته الي قوات الشرطة بالاسفل، توقف ناجي خلف مقعده يستند بمرفقيه علي ظهره قائلاً :
_ اعملك دور قهوة كمان 

نفي قاسم برأسه مريحاً ظهره الي الخلف ، سيطر الصمت علي الاجواء كان قاسم يقتن دوره جيداً حيث وضع يده علي جبهته ، راقبه ناجي عن كثب و خط الخبث علي وجهه و هو يتحدث بهدوء ماكر :
_ مالك يا زوز ، انت نمت و لا اية

رمش قاسم و كأنه يقاوم لفتح جفنيه ، وضع يده علي رأسه و هو يهمس بصوت ثقيل :
_ معلش يا باشا دماغي تقيلة اوي ، هقوم اروح و اجيلك تاني 

ازدادت ابتسامة ناجي خبثاً مجيباً :
_ و ماله يا حبيب اخوك 

استند قاسم علي الطاولة يحاول الوقوف بصعوبة امام ناظري ناجي المتفرسة لافعاله حتي اسقط جسده علي الارض مصطنع الاغماء ...
تأتأ ناجي ضارباً كف بالاخر و هو يطل عليه من الاعلي قائلاً :
_ لا حول و لا قوة الا بالله ، جري له اية دا ؟

خرج عماد من الغرفة حين دق جرس الباب رمق قاسم الملقي علي الارض بضيق قبل ان يشير اليه ناجي علي الباب قائلاً بجدية :
_ افتح للدكتور و تعالوا ورايا 

انتهي جملته و انحني يحمله بصعوبة علي كتفه متوجهاً الي تلك الغرفة المجهزة لاجراء جريمة يتجرد فاعليها من الانسانية و الضمير ...

سطح جسده علي الفراش الصغير ، يلهث من شدة الاجهاد لثقل جسد قاسم و التفت الي الطبيب الذي تحدث بجدية واضعاً حقيبته الجلدية علي الارض :
_ حد فيكم يقلعوا هدومه خلينا نشتغل 

ابتعد يعقم يديه و يرتدي القفازات الطبية تاركاً وليد يقترب من قاسم يحاول خلع سترته ، و بحركة خاطفة و علي حين غرة امسك قاسم بيده بيده اليسري و اخرج سلاحه الناري بيمناه ، صرخ وليد بفزع و حاول سحب يده بقوة من بين براثن قاسم الذي جذبه اليه اخذاً منه درع لحمايته من هؤلاء المجرمين حتي يصعد زملائه لالقاء القبض عليهم ...
اقترب ناجي غاضباً من قاسم الذي اشهر السلاح بوجهه و هتف مهدداً : 
_ لو قربت خطوة اول الرصاص هتطلع من مسدسي هتكون في رأسك 

تراجع ناجي علي مضض ، قد اضطربت انفاسه بغضب يود لو يمكنه القضاء عليه الآن . وجه قاسم السلاح بوجه الطبيب الذي حاول التحرك بخفة دون ان يشعر به احد و يقترب منه :
_ خليك مكانك يا دكتور 

نطق آخر كلمته بسخرية و هو يرمقه بنظرات  مشمئزة نافرة ، استغل ناجي انشغال قاسم مع الطبيب و ركض بسرعة فائقة اليه يدفعه بجسده الي الخلف حتي استطاع القاءه ارضاً صحبة وليد الذي يرتجف خوفاً مما يحدث حوله ، اندلع صراع عنيف بين ناجي و قاسم و كلاً منهما يحاول ان يظفر بالسلاح ليقضي علي الآخر لذا رفع قاسم يده و أنزلها بعنف علي رأس ناجي لتنفجر الدماء بقوة من رأسه صارخاً بألم ، استغل قاسم حالته و ازاحه عن جسده و اخذ هو وضعية الهجوم ، ابرحه ضرباً بكل ما يعتريه من غضب و ألم يصب عليه جم غضبه من نفسه و مما يحدث معه تلك الفترة و ما هو مقدم عليه ...

تسحب وليد من بين هذا الصراع بمساعدة شقيقه المستكين بهدوء غريب و حينها ، تدخلت قوات الشرطة مقتحمة الشقة بقوة و صدح صوت وقع اقدام الجنود يقترب من تلك الغرفة يعقبها اصوات حادة تأمر الجميع بالاستسلام ، فرقا الاثنان عن بعضهما البعض وسط صراخات وليد المفزوعة و الذي يهذي بكلمات عديدة  معظمها ينفي عن نفسه اي اتهام ، اخذ احد الجنود ناجي الذي تلاشي صوته الحاد المتوعد و هو يجر جراً نحو نهايته ، انحني الضابط ليطمئن علي زميله قاسم الذي كان يلهث اثر مجهوده ، ربت علي صدره يطمئنه انه بخير قائلاً :
_ انا تمام متقلقش 

التقط أنفاسه المتلاحقة و هو يعدل من هيئة ملابسه المبعثرة قائلاً بنبرة خافتة ذات مغزي :
_ خلاص خلصت 
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1