رواية مداهنة عشق الفصل التاسع عشر 19 بقلم اسماء ايهاب

 

 

رواية مداهنة عشق الفصل التاسع عشر بقلم اسماء ايهاب

 

عاد قاسم الي غرفته مجدداً بعد انتهاء التحقيقات في الواقعة و تم اغلاق القضية نهائياً . انتهت مهمته ، المهمة التي جلبته الي تلك المنطقة و القت به في دوامة عشق مستحيل تشكلت بين ليلة و ضحاها ، تهدلت أكتافه و كأنها تنهار تحت اعباء لا تُحتمل ، زفر بثقل ثم القي جسده المنهك علي الفراش .
بعد عدة أيام سيقيم حفل عقد قران وهمي ، نظمه خصيصاً ليجعلها مسخة في أعين الجميع و يذيقها مرارة ما تعرض له شقيقه ذات يوم .
شعر بالاختناق و كأن هناك يداً خفية تطبق علي عنقه تحاول إزهاق روحه ، لم يعد يتحمل ، يريد ان تمر الأيام سريعاً حتي ينتهي كل شئ و يمزق تلك الصفحة التي بها أسمها ، يمحو صورتها العالقة بذهنه .
صوت إشعار جديد من هاتفه المحمول جعله يخرج من قوقعة أحزانه التي تحاوطه بشكل مؤلم ، اخرج هاتفه من جيب بنطاله يلقي نظرة علي ذلك الأشعار ليجد انه مقطع مصور جديد شاركته آسيا مع متابعيها ... 
ضغط علي الشاشة لتشغيل ذلك المقطع ، و ما لبث الا ثواني حتي اشتعلت عيناه بشرر بغضب مكبوت و كأن النيران التي بداخله وجدت لها وقوداً جديداً ، صورتها و هي تتمايل بثقتها المعتادة علي منصة عرض الأزياء ترتدي ثوب فاضح من وجهه نظره ، تستدير بكل زاوية تعرض إطلالاتها الفاتنة علي الحضور تتباهي بحسنها الفريد ، اشعلت داخله صراعاً جديداّ بين حب و غيرته عليها و بين انتقامه منها ، انتصرت غيرته حين اجري اتصال بها باناملة مرتعشة من شدة الغضب و ما ان استمع الي صوتها بالطرف الاخر حتي هدر بعنف :
_ اقسم بالله يا آسيا لو ما مسحتي الفيديو هدغدغ الدنيا فوق دماغك 

استمع الي صوتها من الطرف الآخر و خلفه يتلاشي الاصوات الضجيج الذي يأتي من موقع عملها و كأنها تبتعد عن التجمعات حولها :
_ في اية بس يا زيدان ، الفيديو من عرض ليا شغل يعني و جايب تفاعل كبير اوي 

هب واقفاً عن الفراش و قد تأججت النيران بجسده من لهجتها الباردة الغير مبالية بغضبه المشتعل ، صرخ بها بغضب ملوحاً بيده في انفعال واضح :
_ تفاعل اية و زفت اية ، امسحي الفيديو يا آسيا و مش هكررها تاني 

تأففت بضيق و هي تهمس باستعطاف :
_ يا زيدان 

جز علي اسنانه و تغاضي عن اي شئ يمكنه ان يمنعه عن حبه لها او غيرته عليها و صاح من جديد بضيق :
_ خلصانة يا آسيا ، دقيقتين و افتح الاقي الفيديو اختفي 

كادت ان تجيبه الا ان آتي صوت جنة من جوارها تتحدث إليها بلهفة :
_ آسيا ، تعالي بسرعة كارما رجعت 

استمع بعدها الي صوت آسيا الغاضب و هي تسأل بحدة :
_ رجعت ازاي يعني 

ساد الصمت للحظات قبل ان تجيبها جنة بهدوء :
_ يوسف خطبها 

ارتفعت وتيرة أنفاسها بغضب و هتف موجهة حديثها الي قاسم الذي يستمع الي الحوار دون مقاطعة :
_ هكلمك تاني يا زيدان 

حذرها قبل ان تغلق الهاتف يهدر بحدة و جدية لا تقبل بعدها نقاش :
_ الفيديو يتمسح يا آسيا 

اغلق الهاتف و القاه علي الفراش يقبض علي قبضته بعنف حتي هرب الدماء منها ، كاد يصرخ من شدة غضبه كاد يحطم الغرفة حتي يهدئ مذكراً نفسه انه لم يعد لديه الحق في الخوض بخصوصيتها و التحكم بما ستفغل لم يعد لديه الحق في عشقها الذي نهش عظامه من شدة الألام المصاحبة له ، حتي تلك الغيرة التي تكاد تعمي عيناه من شدة الغضب لم يعد لديه الحق بها ، زمجر بقوة و هو يخرج من الغرفة صافعاً الباب بعنف يقف أمام السور يستنشق اكبر قدر من الهواء داخل رئتيه لعل الهواء المنعش يخمد نيرانه المستعرة داخل صدره 

***********************************
خرجت رُقية من المطبخ بعد ان كانت مشغول في اعداد الطعام في غياب عمتها لتري الهاتف الذي لم  يتوقف عن الرنين بشكل مزعج و قررت الإجابة علي هذا الرقم المجهول اي كان صاحبه ، فتحت الإتصال و وضعت الهاتف علي أذنها دون حديث حتي يتبين لها هوية المتصل ، شعرت بالاختناق يداهمها فجأة و قشعريرة سكنت بدنها و هي تستمع الي صوت طليقها كريم من الطرف الآخر ، وضعت يدها علي فمها تكبح سباب لعين كاد يفلت من بين شفتيها ، همس منادياً بأسمها حين طال صمتها لتزفر بضيق و هي تجيبه بحدة :
_ نعم يا كريم في اية 

تنهد كريم بحرارة و همس باشتياق صادق :
_ وحشتيني قولت اطمن عليكِ

ارتفع حاجبها و ارتسم التهكم علي وجهها و هي تتحدث بسخرية :
_ لا و الشهادة لله انت اصيل اوي يا كريم 

_ انا عارف انك لسة زعلانة مني بس انا عا..

قطعته بانفعال شديد قابضة علي الهاتف بقوة و قد توهجت وجنتيها بالحُمرة من شدة الغضب :
_ و لا عايز و لا مش عايز ، انا مش عايزة اكلمك و لا اسمع صوتك تاني ، حل عني بقي يا اخي

اغلقت الهاتف و لازالت تقبض عليه بعنف ، تتسارع أنفاسها بغيظ بكل وقاحة يقتحم حياتها من جديد و كأنه لم يلقيها منذ شهور دون الالتفات خلفه و السماح لها بتفسير ما حدث . استمعت الي صوت هاتفها من جديد يعلن عن اتصال جديد ضغطت علي أسنانها و هي تجيب علي الهاتف متحدثة بحدة :
_ انا مش قولتلك حل عني 

_ لا مقولتيش

علمت صاحب الصوت المشاكس و حديثه الماكر لتهتف بصوت خافت متعجبة :
_ آدم !

تغاضي عن تعجبها و هتف  بهدوء متسائلاً :
_ هو مين دا اللي قولتيله يحل عنك في حد بيضايقك ؟

كادت ان تنجرف في الحديث معه و تخبره بما حدث و لكنها ضمت شفتيها تسجن كلماتها المندفعة داخل حقلها في حين استمعت الي سؤاله يتكرر مرة اخري لتجيبه بهدوء :
_ حاجة خاصة متشغلش بالك انت 

و لأنه يحفظها كما يحفظ كف يده علم انها كانت ستخبره و لكنها تراجعت باللحظة الاخيرة ليتنهد و يعود متسائلاً :
_ قولي يا رقية في اية ، طليقك بيضايقك 

توجهت بخطواتها الهادئة نحو الردهة تجلس علي الأريكة الواسعة تجيبه برجاء :
_ آدم ارجوك خليك في حياتك و خليني في حياتي 

مررت يدها المرتجفة اثر تدافع مشاعرها تجاهه علي جبهتها و استأنفت حديثها بهدوء حاولت به اخفاء الحزن بنبرتها :
_ لو كان مستحيل زمان مرة فهو دلوقتي مستحيل الف مرة ... ربنا يوفقك و تلاقي بنت الحلال اللي تسعدك و ...

قطع حديثها حين هتف بصدق :
_ لو كنت عايز غيرك كان زمان معايا عيال دلوقتي ، انا مش عايز غيرك يا روكا 

نبرته توسلتها ان تصدقه و ان تفتح مجالاً جديداً لهما معاً لكن تسللت ذكريات خبيثة الي عقلها دفعة واحدة جعلتها تسب ضعفها امامه و حبه الساكن داخل ضلوعها لم يقل او ينزاح عنها و لو ثواني ، هوت بيمناها علي ركبتها بعصبية و كأنها تعاقب نفسها علي ضعف ليس بيدها و هي تهتف بحسم :
_ قولتلك مش هينفع ، حب تاني و عيش حياتك و انسي اي حاجة كانت بيني و بينك ، عشان نرتاح احنا الاتنين 

ساد صمت مطبق علي الطرفين و لم يصدر عن اي منهما كلمة اخري فوق جملتها انما صوت أنفاسهما الغاضبة كان الرابح و اعلن عن نفسه بقوة و  باختلاف الأسباب هو كان غاضب من تخليها الدائم عنه و إرادتها في ابعاده عن حياتها و ان كان بزواجه من اخري اما هي كانت غاضبة من عدم قدرتها علي البوح بما يبوح داخل صدرها انما كان عليها جعله يتخلي عن التمسك بها الذي لا يجدي نفعاً ، كسر وحشة الصمت صوته مثقلاً بالخيبة :
_ انتي ازاي قادرة في كل مرة تحسسيني اني مش فارق معاكي ، خدتي قرار فراقنا لوحدك ، نسيتي كل حاجة و اتجوزتي و دلوقتي انا اللي بقولك مش عايز غيرك

اتسعت عينها بذهول من حديثه و هو يلقي عليها اللوم بكل بساطة و كأنها المخطئة الوحيد بقصتهما ، ارتعشت شفتيها بغضب و هي تصيح به بحدة :
_ انت اللي ازاي مش حاسس باللي عملته فيا و بتتكلم كأن مفيش حاجة حصلت و انه ينفع نكون مع بعض تاني 

ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة لجفاف حلقها و استأنفت حديثها بصوت اكثر ارتفاعاً و كأنها بذلك تلقي ما بداخلها من كتمان :
_ انت موقفتش لمامتك وقت ما شككت في شرفي و اضطريت اخد قرار انا مش عايزاه عشان امي اللي اتهانت بشكل بشع و كرامتي اللي مامتك داست عليها 

اختنقت بعبراتها و هي تكمل حديثها الغاضب :
_ امي تعبت بعد اللي حصل و كانت عايزة تطمني عليا قبل ما تموت عشان كدا وافقت اتجوز كريم ، اللي مامته هو كمان مكنتش تتخير عن مامتك و بهدلتني و اخر حاجة اتهمتني باطل و خلتني اطلق و ارجع عند خالي اللي مراته متوصتش و عملت الواجب و زيادة معايا لحد ما هربت و رجعت لنقطة الصفر تاني 

عند انتهاء جملتها تركت عبراتها تتدفق علي وجنتيها ، التقطت أنفاسها المختنقة و هي تهمس بضعف :
_ انا و انت في نفس المكان كل دا و انا اللي بحسسك انك مش فارق معايا فعلاً 

كان مع كل كلمة منها يشعر بخنجر يسكن قلبه و تفاقم شعره بالذنب حاول ان يبرر لها حين نطق نادماً :
_ رقية انا حاولت و ...

بترت جملته و هي تنفي برأسها بقوة لا تريد ان تسمع منه كلمة اخري قائلة بنبرة متحشرجة يلتهمها الخذلان :
_ متتصلش بيا تاني و لا تجمعني معاك ثانية واحدة يا آدم 

اغلقت الهاتف و تركته يتهاوي علي الارض و سمحت لنفسها ان تسبح في دوامة جديدة من الظلام تطلق سراح دموعها السجينة منذ فترة و سنحت لها الفرصة في غياب عمتها ان تتألم بصوت مسموع كما لم تفعل من قبل ، ان تنهار قوتها الزائفة و تماسكها الواهي 

***********************************
دلف أمير الي الغرفة البالية التي اسكن بها أسيل . وجدها علي حالها لا تزال تضم نفسها بذراعيها ، مستكينة لا تبدي اي ردة فعل سوا دموعها التي تتسابق الي وجنتيها .
امسك المقعد الخشبي الملقي أرضاً ، وضع قدمه اليسري عليه مستنداً بذراعه ، اشار بعينه الي الطعام امامها و الذي كان "جبن و خبز فقط " قائلاً :
_ مأكلتيش لية بس ؟ ، هو الأكل مش عاجبك؟

رفعت عينها الخضراوين، الذابلتين من كثرة البكاء نحوه ، تتحدث بخفوت و صوت متحشرج :
_ أمير خرجني من هنا و انا هعملك اللي انت عايزه 

اتسعت ابتسامته ، غمز بعينه اليسري بخبث قائلاً :
_ تمضي علي ورق تنازل عن املاكك كلها 

صمتت هنيهة ، ثم هتفت بجدية و هي تمد يدها اليه :
_ حاضر موافقة هات ورق و امضيلك عليه دلوقتي 

_ و هتمضي معاهم علي ورق طلاقك من فارس 

نطقها بمكر و هو يراقب موافقتها الفورية علي التخلي عن جميع ممتلكاتها ، استنكرت حديثه ، جعدت ما بين حاجبيها بغضب قائلة بحدة :
_ مستحيل ! انت عايز الفلوس و انا هديلك اللي انت عايزه .. ملكش دعوة بحياتي مع فارس 

انزل قدمه عن المقعد ، ازاحه بعيداً تقدم منها بهدوء يدس يمناه بجيب بنطاله قائلاً :
_ خلاص خلاص متتعصبيش كدا . 
فارس كدا كدا جاي هنا ، و ساعتها هنعرف حياتك مع فارس هتفضل قد اية 

صاحت أسيل بأنفعال تزيح خصلاتها الطويلة الي الخلف :
_ انت عايز مني اية 

دني نحوها ، ينظر الي عينها مباشرةً قائلاً بثقة :
_ انا عايزك انتِ .. يا سيلا

زفرت أنفاسها بحنق ، ثم اومأت اليه بالموافقة قائلة :
_ هطلق من فارس بس ميجيش هنا 

ضحك ضحكة قصيرة ، اعتدل بوقفته قائلاً :
_ تؤ .. فات الوقت هو فعلا جاي في الطريق 

ما ان انهي جملته حتي فُتح الباب و دُفع فارس الي الداخل بحدة ، كاد ان يسقط علي الارض في حين تحدث أمير ساخراً :
_ اوووه الاستاذ كمان جه اهو 

لم يهتم فارس به بل أسرع الي زوجته يضمها الي صدره باشتياق . قبل قمة رأسها يهمس لها معتذراً عما وضعها به . حينها ، اقترب احد رجال أمير يهمس بأذنه ، أومأ اليه و اشار اليه ان ينصرف ، التفت الي أسيل و زوجها ، ابتسم بسخرية و هتف بتهكم :
_ راجعلكم تاني يا جوز حمام .

أنصرف أمير و تركهما خلفه . يمرر يده علي ظهرها يواسيها ، اما هي تدفن رأسها بصدره ، تقبض علي سترته بقوة تتمتم بكلمات لم يفهم منها حرف لشدة بكائها التي انفجرت به حين وجدته امامها ، حاوط وجهها براحتيه و رفع راسها إليه يتفحص ملامحها بقلق قائلاً :
_ اسيل انتي كويسة ؟ ، عملك حاجة ؟

رُدت اليها أنفاسها المسلوبة برؤيته و اطمئن قلبها المُلتاع بوجوده ، عينها اخبرته بما لم يبوح به لسانها ليقترب منها مقبلاً جبهتها بأسف قائلاً :
_ حقك عليا يا أسيل ، انا السبب 

قطعت لومه لنفسه حين قالت :
_ انا عارفة كل حاجة يا فارس ، انا اللي بدلت الورق

استند بجبهته علي جبهتها مختنقاً بكلمات الاعتذار التي كادت تخرج من فمه ، لم يعد قادر علي الاعتذار حتي ، لم يعد يعلم كيف عليه ان يبرر موقفه ، أزاحت عنه عناء الحديث حين رفعت يدها تمررها علي ذراعه تهمس بهدوء :
_ انا مش زعلانة منك صدقني انا عارفة امير عايز يوصل لاية ، عايز يفهمني اني غلط لما سيبته ، عايز يعاقبني اني اتجوزتك انت

شدد علي ضمها من جديد و هو يهمس بندم :
_ انا اسف حقك عليا ، صدقني انا مش هخليه يأذي شعرة منك و هنطلع من هنا انا و انتي بخير 

***********************************
خرجت آسيا رفقة صديقتها جنة حيث يقف يوسف مع خطيبته المزعومة . كانت تقف إلي جوار يوسف الذي يحاوط خصرها بذراعه ، توجه نحوها نظراتها الماكرة و كأنها تعلن انتصارها علي شئ غير معلوم ، وقف آسيا بثبات أمام يوسف ، تعقد ذراعيها امام صدرها في تحدي واضح لتلك الماثلة امامها ثم تحدث بثقة :
_ مبروك يا چو ... بجد عرفت تختار 

ظهر التهكم جلياً في جملتها الاخيرة ، لذا حاولت جنة كبح ضحكتها واضعة يدها علي فمها . لم تُظهر كارما الانزعاج ابداً و هذا ما اذهل آسيا ، بل ضحكت بصوت مرتفع و كأنها مدحتها للتو ، مالت اكثر نحو جسد يوسف الثابت تتحدث بدلال :
_ ميرسي يا آسيا ، كنت عارفة انك هتفرحي 

تجاهلتها آسيا و كأنها لم تستمع إليها و حينها ، اقتربت كارما منها تاركة يوسف خلفها ، امسكت بخصلات شعرها تمرر يدها عليه بشكل أزعج آسيا ثم قالت :
_ و عارفة انك هتفرحي اكتر لما تعرفي اني بقيت .. العارضة الرئيسية مكانك 

رغم ثباتها أمام غريمتها، الا ان النيران كانت تتأجج داخلها و هي تري انه تم استبدالها بمن هي اقل منها ، ابعدت آسيا يدها عنها بعنف و هي تنظر الي يوسف الذي لم يتحدث منذ البداية تسأل بهدوء :
_ فعلاً يا چو ، هي بقت the main model 

اومأ إليها بصمت ، عينه تخبرها ان هذا جزاء لها علي عدم قبولها الزواج منه ، ابتسمت هي باتساع و رفعت الهاتف لتجري اتصال قائلة :
_ هي فعلاً اللي تستحقها ، هكلم المحامي عشان نفسخ العقد اللي بنا 

اضطربت ملامح يوسف الساكنة منذ البداية و اقترب منها قائلاً :
_ نفسخ اية بس يا آسيا ، محصلش حاجة كبيرة و انتي مضيتي علي شرط جزائي 

ضحكت آسيا بصخب قبل ان تجري الإتصال قائلة :
_ و مش انا اللي يتعمل معايا كدا يا چو ، انت اللي محتاج أسمي مش انا خالص 

ثباتها و ثقتها جعلته يهتز أمامها ، حاول جعلها تقلع عما تنوي و لكن إصرارها انتصر ، نظرت اليه بتعالي و هي تتحدث للمحامي :
_ الو ، استاذ فاروق ، لو سمحت تعدي عليا في الفيلا بليل عشان عايزة افسخ عقد شغلي مع چو 

اغلقت الهاتف بعد حديثها مع المحامي ، و نظرت إلي كارما من جديد بشموخ قائلة :
_ مبروك يا كارما علي شغلك الجديد ، متنساش تعدي عليا يا چو في الفيلا ، هبقي ابعتلك الميعاد 

التفتت ترحل من المكان بكل هدوء ، لم تظهر أي ضيق او غضب بداخلها انما انتصرت عليها بقوتها و ثقتها بنفسها اللامتناهية ، و جعلته يتوسل لها ان تتراجع عن ترك العمل ، مالت شفتيها في ابتسامة خبيثة و هي تستمع إلي صوت يوسف العالي و هو يصرخ بها و يتهمها انها ستدمر حياته المهنية 

***********************************
مرت ثلاثة أيام ، و اضطراب قاسم يزداد يوماً بعد يوم ، و شعوره الذنب يتواثب داخل صدره ، و لكن في كل مرة يتلقي فيها اتصالاً من شقيقه ، يتلقاه كصفعة قاسية توقظه من أوهام حبه الواهي . تقدم بخطوات هادئة داخل منزل العائلة ، بعدما فتحت له العاملة الباب تلك التي يعلم أنها تعمل تحت أمر طارق .
توجه مباشرةً الي غرفة شقيقه عندما علم ان والدته ذهب لزيارة شقيقتها ، كان آدم يجلس مع عُدي يتبادلان اطراف الحديث ، جلس علي الفراش جوار شقيقه و مع حديث طويل يحاول به الاطمئنان عليه ، ساد الصمت هنيهة ، قبل ان يهتف قاسم في هدوء :
_ بكرا كتب الكتاب ، عايزك تكون جاهز عشان هتيجي مع آدم تشوفها بنفسك 

سأل آدم مستفسراً :
_ و انت هتكون فين ؟

_ هروح بيتنا القديم ، هات اكتبلك رقمي الجديد 

اجابه بهدوء و هو يمد يده يأخذ الهاتف منه ، راقب عُدي تعابير وجهه الممتعض قبل ان يتحدث :
_ شكلك مضايق من اللي هيحصل

أعطي الهاتف لصاحبه و التفت إلي شقيقه قائلاً بجدية :
_ بالعكس .. أنا مبسوط اني هقدر اخدلك حقك 

لم يقتنع عُدي بحديثه ، و خصيصاً عيناه التي تخفي داخلها حزن يستطيع رؤيته بسهولة لذا سأل مستفسراً :
_ انت حبيتها يا قاسم مش كدا ؟

زفر قاسم و هو يمرر أنامله علي جبهته قائلاً بهدوء :
مبحبش حد يا عدي ، بس مضغوط شوية 

استند عُدي علي كفي يده ساحباً نصفه السفلي بصعوبة حتي يعتدل بجلسته ثم ربت علي كتفه بحنو قائلاً :
_ علي فكرة هي فعلاً تتحب مفيش عليك لوم ، لو حابب نلغي كل حاجة انا موافق

هب قاسم واقفاً عن الفراش ، و صاح بأنفعال :
_ عدي هقوم امشي ، قولتلك مفيش كلام من دا

_ خلاص اهدي 

قالها آدم و هو يجذب يده حتي يجلس من جديد ، رفع قاسم سبابته يشير الي عُدي قائلاً بصوت مرتفع غاضب :
_ اللي هتشوفه بكرا جزء بسيط من اللي عايز اعمله 

امسك آدم ذراع قاسم يحاول تهدئته قائلاً :
_ كفاية اللي هيحصل بكرا يا قاسم ، انت بتقول انها عزمت ناس كتير و صحافة كمان ، يعني هتبقي فضيحة كبيرة ليها 

شرد عُدي و اشتعلت عيناه بحقد دفين قائلاً :
_ كانت ذكية معزمتش اي حد في كتب كتابنا ، و انا كنت عبيط و ماشي وراها و مصدق انها بتعمل كل دا عشان علاقتنا تستمر 

صرخ آدم بغضب ، يوقف عُدي عن الحديث قائلاً :
_ خلاص يا عدي ، هو مش ناقص 

وقف قاسم عن الفراش ، يقبض علي كف يده يتحكم في غضبه الشديد قائلاً بحدة :
_ بكرا هتشوف حقك قدام عنيك متستعجلش

***********************************
أصر عليها ان تذهب مع جدها اولاً إلي دار المناسبات و يعقبها هو مع باقة زهور من التوليب كما تفضل ، و لثقتها العمياء به وافقت علي ذلك ، تعلقت بذراع جدها و هي تدخل معه القاعة بغرور ، حتي جلست علي المقعد المخصص لها المزين بزهور الاوركيد الزرقاء و البيضاء معاً في تناغم رقيق ، تعالت اصوات الكاميرات التي تتسابق لالتقاط صوراً لها ، و الجميع يترقب حضور العريس من ربح بقلب عارضة الأزياء الشهيرة "آسيا التهامي" .
مر الوقت كالريح العاصفة عليها ، كلما مرت دقيقة اخري كلما ازدادت وتيرة دقات قلبها في قلق ، شدت بقبضتها علي قماش ثوبها و ابتسمت بتوتر في وجه المدعوين تحاول الا تظهر توترها لاحد و لكن ارتجافة جسدها واضحة لا تحتاج تفسير تأخر الوقت و العريس لم يأتي بعد الي عقد القران بدأت همهمات الجميع تعلو لتصل الي أذنيها تشعرها بالضياع و قلة الحيلة التفتت الي صديقتها جنة التي أقتربت منها حين لاحظت توترها متحدثة بارتباك تفرك يدها ببعض البعض قائلة :
_ مش اتأخر اوي ؟

ربتت الأخري علي ذراعها برفق و هي تحاول تهدئنها قائلة بهدوء :
_ الغايب حجته معاه زمانه جاي .

وقفت تأخذ هاتفها من يد صديقتها لتهاتفه من جديد ، و لكن نفس النتيجة الهاتف مغلق . تسارعت أنفاسها بخوف ، و قد تعلقت عيناها علي الباب في انتظاره و كلما مرت عليها الدقائق كلما شعرت بالاختناق ، و بدأ الحضور ينسحبون واحداً تلو الآخر حتي خلي المكان تماماً .
لترتمي هي تجلس علي المقعد المخصص للعروس اطرافها ترتجف بوضوح و شعورها بالخذلان الآن لا يوصف ، لم تكن تتوقع منه هذا ابداً و ان داهمتها افكارها السوداوية ليالي عمرها كله لم تكن لتخيل لها ان توضع في مثل هذا الموقف و لا ان تُهان كبريائها بهذا الشكل ، سقطت عبراتها علي وجنتها تهمس بصوت ضعيف :
_ عمري ما كنت اتخيل ان دا يحصلي او هو يعمل معايا كدا 

انحنت جنة بالقرب منها تحاول مواستها تخبرها ان من الممكن حدوث شئ قد منعه من الحضور ، نقت برأسها بهستريا و انتفضت واقفة عن المقعد قائلة بحدة لا تقبل بأي عذر له بعد الآن :
_ اللي حصل اني اختارت غلط و بس .

تقدمت من باب الخروج في حين توقفت سيارة سوداء فاخرة امام الباب و من بداخلها كان آدم و عُدي الذي ينتظر رؤية انهيار تلك الحقيرة التي تسببت له في كثير من الأذي ، نظر حيث اشار صديقه نحو الباب يريه مصير من يعبث معهم التفت بلهفة ليري حالتها المزرية امام عينه بتشفي بها ، شخصت عينه هو يري تلك العروس التي ترتدي الابيض تخرج من القاعة تجر أذيال الخيبة خلفها و دموعها تتسابق لتظهر ألمها اشار بيده نحوها متحدثاً بصدمة :
_ مش هي ، مش هي دي انتم عملتوا اية الله يخربيتكم !

التفت الي صديقه يشير الي هاتفه سريعاً قائلاً بلهفة :
_ كلم قاسم بسرعة قوله يجي يلحقها قوله مش هي دي 

صُدم آدم مما تفوه به و تطلع الي من تقف أمام باب القاعة تنتظر ان تأتي السيارة ليسرع في اخذ الهاتف و مهاتفه صديقه ليأتي لينقذ ما يمكن انقاذه حاول مرة و اثنان و ثلاث علي الرقم البديل له و أخيراً اجابه بجمود :
_ ايوة ، شافها و لا لسة 

و حين اتي صوته من الطرف الاخر هتف سريعاً بصرامة :
_ في خلال دقايق تكون هنا يا قاسم بيقول مش هي بيقول انك غلطان 

صمت لثواني لم يستوعب تلك الجملة ابتلع ريقه بصعوبة و هو يحاول اقناع نفسه انه استمع خطأ ليهمس بتلعثم :
_ هو انت بتقول اية !

_ بقولك مش هي انجز تعالي بسرعة الحقها و قولها اي عذر يمكن الموضوع يعدي اخلص

انهي حديثه بحدة و اغلق الهاتف تاركاً الاخر متجمد بصدمة هل تسبب لها في فضيحة !! دون سبب هل استطاع ان يخذلها بعد ان وثقت به هل ظلمها و اخذ ثأر ذنب لم تقترفه اخذت اسئلة عديدة تتزاحم برأسه تسحق عقله ليهب واقفاً اخذاً مفتاح سيارته و ركض سريعاً نحو الخارج .
و لقربه من دار المناسبات في خلال عدة دقائق كانت تستقر السيارة خلف سيارة اخيه و ترجل منها يسرع في خطواته متقدماً من باب القاعة و الذي وجدها فارغة مظلمة و كأن لم يكن بها اي مظهر من مظاهر الفرح التفت نحو صديقه الذي نادي بأسمه يخبره ان رحلت قبل وصوله وضع يده علي رأسه بعجز و قد انهار عالمه فوق رأسه و تسبب لها في جرح لن يلتئم بسهولة 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1