![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل التاسع عشر بقلم نورهان ال عشري
ـ بقولك البت دي لازم تتربى و نفكرها بعلقة الحفلة إياها. دي خلت أبيه كمال وأبيه خالد يجبروني اعتذرلها مرتين. هايدي انا مش هتحملها اكتر من كدا. هموتها في أيدي و اخلص. مبقاش غير بنت الخدامة دي كمان اللي هتتنطط علينا. فكري هنغورها من الشركة ازاي ؟
كان هذا حديث ميرهان الذي وصل إلى مسامع خالد حين كان يدلف خارج الشركة، فوجدها تتحدث مُعطية ظهرها إليه مما جعله يقترب حتى يعرف مع من تتحدث بهذه العصبية ليتفاجأ بحديثها الذي يقطر حقدًا جعل دماء الغضب تثور في عروقه فهتف بنبرة قاسية
ـ و ايه كمان يا بنت الأسياد!
ارتعد جسد ميرهان حين سمعت حديث خالد لتلتف إلى الجهة الأخرى تناظره بذُعر تفشى في سائر جسدها الذي أخذ يهتز كنبرتها حين قالت
_ أ. أبية. خالد.
اقترب منها خالد و عينيه تعكسان خيبة أمل كبيرة بالإضافة إلى غضب أهوج جعله يقول بحدة
ـ بقيتوا بتصنفوا الناس خدم و أسياد! و يا ترى بقى دي تصرفات ناس أصلًا عدى عليها تربية!
ميرهان بتلعثُم فقد شعرت بانسحاب الهواء من رئتيها
ـ مانا هفهمك. انت سمعت غلط. انا بس عايزة أبعدها عني….
قاطعها خالد بقسوة
ـ اسكتي. كل ما بتتكلمي بحس بخيبة أمل انك اختي.
كلماته أصابت أعماقها من الصميم لتهتف بأسى
ـ أنت دايمًا شايفي وحشة حتى لو مكنتش كدا.
خالد بجفاء
ـ عشان مشوفتش منك غير كدا، بس خلي بالك الوضع دا مش هيستمر كتير. عشان أنا هبدأ اتعامل معاكي بنفسي بعد كدا.
أرادت تذكيره بأنه لا يراهم من الأساس منذ وفاة زوجته، و حتى طفلته ولكنه لم يمهلها الوقت بل تابع بتحذير
ـ و تأكدي أن مفيش أي شيء بيحصل في الشركة دي مبيكونش عندي علم بيه، فأحسنلك ابعدي عن آسيا نهائي.
ـ في ايه ؟ و مالها آسيا؟
هكذا هتفت أشجان التي كانت في طريقها للخارج و أذا بها تسمع إسم شقيقتها الذي نطقه بنبرة غاضبة جعلت القلق يغزو تفكيرها و يشوب لهجتها ليلتفت ناظرًا إليها و كذلك ميرهان مما جعلها تُعيد استفهامها بقلق اكبر
ـ آسيا اختي كويسة صح؟
ميرهان بدهشة
ـ أختك! هي الهانم شغلتك هنا…
ـ ميرهان. على شغلك.
نبرتة الحادة اخرستها و جعلتها تبتلع باقي حروفها ولكن عينيها كانت كبركة حمراء مشتعلة من فرط الغضب و الحقد، و لم يفت ذلك على أشجان التي هالها ما رأت بعيني هذه الفتاة التي غادرت لتتركهت برفقته، فرفعت عينيها تناظره بصمت يحمل استفهام كبير و انتظار لإجابه تبدد قلقها على شقيقتها، وقد لاح ذلك في عينيها التي جذبت أنظاره للحظة، و خاصةً أنها كانت صافية لا تعكس حزن يشوه لونهم الجميل ولا عبرات تطمس بريقهم الرائع.
ـ سايبه شغلك ليه ؟
احتارت ماذا تجيبه، فلا مُبرر لكونها تركت عملها و خرجت ولكنها أرادت مهاتفه المنزل والإطمئنان على أطفالها كما اعتادت كل يوم. تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بارتباك
ـ كن. كنت. كنت عايزة الحق حضرتك قبل ما تمشي.
ضيق عينيه و هو يناظرها بريبة، فقد كان متأكد بنسبة كبير أنها تكذب ولكنه نحى شكه جانبًا و استفهم باختصار
ـ ليه؟
ـ عش. عشان. اه كنت عايزة أسألك عن الشغل اللي. اللي كلفتني بيه. اعمل فيه ايه؟
تلعثمها سبباً كافياً للتأكد من أنها تكذب و كذلك حديثها الواهي لذا تحدث بجفاء ضاعف من حرجها
ـ أنا بقول كلامي مرة واحدة. لو مركزتيش فيه مترجعيش تسأليني عنه.
أنهى جملته و التفت يستقل سيارته التي جلبها السائق، و التي كان زجاجها معتم للغاية، فمن بالداخل يرى من هم بالخارج ولكنهم لا يرونه لذا دقق النظر في ملامحها التي خيم عليها خيبة الأمل، و في هذه اللحظة شعر بأن هناك شيء داخله يريد معرفة كل شيء يخص هذه المرأة.
★★★★★★★★★★★
ـ لساتك مش ناوية تاكلي بردك!
هكذا تحدثت بدرية بجفاء مع ضي التي كانت تتسطح فوق أحد الأرائك التي تتوسط الصالة المتوسطة الحجم في هذا البيت الذي لم تتعرف حتى على محتوياته بل، فقد كانت منشغلة بالرثاء على نفسها وهي تشجب ذلك القهر الذي تضعها الحياة تحت طائلته، فأخذت تذرف الكثير من العبرات التي لامست قلب بدرية فاقتربت تربت على كتفها بحنو قلما أظهرته تجاهها وهي تُتابع بلهجة أهدأ
ـ طب جومي نتحدت سوى. هتفضلي تبكي أكده الباجي من عمرك!
ـ معيزاش اعمل حاچة. همليني الله يرضى عليكي و سبيني باللي اني فيه.
كان صوتها مُتحشرجًا حين هتفت بهذا الحديث، وما أن همت بدرية بالحديث حتى شعرت باهتزاز هاتفها فانسحبت إلى الداخل لتقوم بالرد عليه بعد أن أغلقت الباب خلفها
ـ ايوا يا زناتي.
زناتي بصوت يرتجف رعبًا
ـ اللي كنا خايفين منه حوصول يا بدرية.
شعرت بالأرض تميد بها، ولكنها حاولت أن تبدو متماسكة حين قالت
ـ تجصد ايه يا زناتي؟
ـ رماح. عايز نچاة!
تلاشى تماسكها و احتل الذُعر معالمها و صوتها حين قالت
ـ يتجول ايه يا زناتي ! عايز نچاة يعمل بيها اي؟
زناتي بنبرة مغمومة
ـ هيكون ليه يا بدرية! عايز ينزلها الوكر. بس لول لازمن تعدي عليه.
انتفضت بدرية غضبًا شاب نبرتها حين هتفت
ـ يعدي عليه جطر البعيد. احنا مش بنا اتفاج ولا اي؟ دي بدل بتي اللي خلاني جتلتها بيدي و مش هسمحله يجرب عليها.
زناتي بقلة حيلة
ـ و هتعملي اي ؟ هتجدري تجفي جدامه؟
تاهت بها السبُل وشعرت بالعجز للحظات مرت بلا عودة، فعقلها وضعها أمام حقيقة واحدة لا فرار منها قد تكون هي الطريق الوحيد لإنقاذ هذه المسكينة لذا تحدثت بقسوة
ـ لاه. مش اني اللي هجف جدامه. اني هخليه يجف جدام اللي مبيرحمش. اسمعني زين.
شعرت بالحنين يجتاحها لسماع صوت مقرب إلى قلبها عله يهدأ و يتخطى هذا الحزن الذي يكاد يقتله لذا اعتدلت في نومتها و قامت باخراج الهاتف الذي أعطته لها آسيا من ملابسها وهي تحاول فتحه و التعامل معه حتى تتحدث مع أصدقائها ليأتيها صوت حاد من خلفها
ـ أخيرًا جومتي من نومت العيانين دي؟
صوتها كان كجرس إنذار اهتز له جسدها، و أخذت تستغفر في سرها وهي تحاول إعادة الهاتف مرة أخرى إلى مكانه دون أن تلاحظها بدرية التي اقتربت لضي التي اشتعل جسدها برعشة الخوف لتتفاجئ ببدرية التي التفت لتقف أمامها تناظرها بعينين تحملان شيء يشبه الحنان الذي لم تختبره معها سوى مرات قليلة ولكن لم تنتهي المفاجأت عند هذا الحد فقد مدت بدرية أناملها تمحي العبرات التي تُبلل وجهها وهي تقول بنبرة حزينة
ـ البُكى ملايجش عليكي و على چمالك يا نچاة.
تفاجئت حين نادتها بهذا الاسم الحقيقي لها و الذي
لم تكُن تناديها به مُطلقًا، فقد أطلقت عليها اسم 'ضي" كونه يتناسب مع ملامحها أكثر هكذا أخبرتها
ـ بجالك كتير جوي مجولتيش الاسم ده. اشمعنى النهاردة!
أغمضت بدرية عينيها لثوان ثم احتجزت بعض الهواء داخل رئتيها قبل أن تقول بنبرة مُتحشرجة
ـ أول ما چيتي عالدنيا كنتي نچاة لكل اللي حواليكي حتى نفسك، وعشان أكده سمناكي نچاة بس لما كبرتي و بچيتي كيف الجمر سميتك ضي.
ـ و ليه مش جمر!
ـ عشان الجمر ضلمه. بياخد ضيه من الشمس، و علشان أكده سميتك ضي.
طافت عيني بدرية على ملامح ضي وهي تحدث لتُجيبها الأخيرة بنبرة تتضور حزنًا
ـ وليه طفيتيني اكده؟ ليه بعدتيني عن خواتي و اصحابي؟ دانا محستش بطعم الدنيا غير واني جارهم!
ستار من الجفاء كانت تتوارى خلفه هي و حزنها الذي يلون كل تجعيدة في وجهها حين قالت
ـ في حاچات كتير الأم بتخبيها عن عيالها يا بتي عشان تحميهم و تحافظ عليهم.
ـ و الضرب و الإهانة عشان تحميني و تحافظي عليا بردك!
بدرية بغموض
ـ حتى ده كان عشان خوفي عليكي.
ضاقت ذرعًا بكل هذا الغموض الذي يُلازم حياتها منذ أن وعت على هذه الدنيا لذا هتفت بانفعال
ـ اني تعبت من حديتك اللي مالوش كماله ده. تعبت من كل الشك و الأسئلة اللي بتنهش في عجلي و معرفاش ليها أي إچوبة. جوليلي في ايه؟ أنتِ مخبية عني ايه؟ اني مين وأنتِ مين و ايه جصة الوشم اللي عيزاني اخبيه عن الناس كلها، والوشم اللي في رچلي اللي معرفاش اية جصته هو كمان؟ و الراچل اللي جلبتي الدنيا لما عرفتي أنه شافه ايه جصته هو راخر؟
تجاهلت كل هذا الألم المتبلور في عينيها كالشمس في وسط السماء و أيضًا هذا السيل من الاستفهامات و قالت بغموض
ـ جوليلي يا ضي ايه رأيك في الراجل ده و تجبلي تتچوزيه و تعيشي معاه ولا لا؟
لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم♥️
★★★★★★★★★★★
ـ و بعدين يا أسيا؟ هنفضل مش عارفين حاجه عن ضي كدا ؟
هكذا استفهمت غنى بحزن قابلته آسيا بالحنق حين قالت
ـ هتلاقي أم أربعة و أربعين كابسة على نفسها مش هتعرف تطلع الفون، ولا تكلمنا.
غنى بتهكم مرير
ـ آسيا هو احنا ليه حظنا كدا؟
ـ دا اللي هو ازاي يعني ؟
غنى بنبرة تقطر حزنًا
ـ أنا واللي حصلي في جوازي، و اللعبة اللي اتعملت عليا عشان ابعد عن ياسر، و أشجان و أمين اللي حبته و قلبها اختاره و بهدلته فيها و خيانته ليها، و ضي و اللي حصلها قبل ما تيجي هنا، و خالتو بدرية و قسوتها عليها و فراقها عننا، و شروق اللي اتجرت في حرب كبيرة اوي هي و اختها و دخلت عش الدبابير برجليها و مش عارفين هتخرج منه ازاي، ولا هيحصل فيها اي؟ احنا بجد حظنا وحش اوي.
آسيا بتقريع
ـ عشان كلكوا اختارتوا غلط. أنتِ كان عندك عقل تفكري بيه، وحتى لو اتضحك عليكي في حوار ياسر مكنش مفروض تجري تتخطبي و تتجوزي على طول كدا، و أشجان محدش كان مرتاح لأمين دا و هي اللي كانت مصممة عليه، و ضي هانم اللي مستسلمة لأمها و كأنها بتحركها برموت كنترول، و الست شروق هانم اللي اختارت تروح المكان المقرف دا بمزاجها.
ناظرتها غنى بصدمة، فتابعت آسيا باستهجان
ـ كل واحدة فيكوا كان قدامها الف اختيار، وهي اللي اختارت أسوأهم.
دافعت غنى عن نفسها و صديقاتها قائلة
ـ محدش فينا بيعرف الغيب، ولا حد كان يتوقع أنه يحصله كدا، متبقيش ظالمه يا آسيا.
آسيا بعملية
ـ مش ظالمة يا غنى. انا بتكلم بالعقل و المنطق. اللي لو مشينا بيهم مش هيبقى حالنا بالبؤس اللي انتوا فيه دا.
اغتاظت غنى من حديثها، وقالت بتهكم
ـ طب ما أنتِ بتغلطي نفس غلطنا، وبتبعدي عن رؤوف وأنتِ عارفة قد ايه هو بيحبك!
رجفة قوية أصابت قلبها في الصميم، ولكن عقلها احكم تطويق ألمه مما جعلها تقول بنبرة ثابتة
ـ بالعكس. انا ببعدي عن رؤوف بتفادى اللي انتوا وقعتوا فيه.
ـ غلطانه يا آسيا. رؤوف بيحبك و أنتِ بتحبيه.
بشق الأنفس كانت تكبح جماح قلبها فلم يكُن ينقصها حديث آسيا الذي كان له صدى كبير داخلها لذا سارعت ببتر كل شيء يجرها إلى علاقة لن تجني منها سوى الفُتات لذا هتفت بنبرة جافة
ـ الحب لوحده ميكفيش، و كمان لو هيكون سبب في قتل الطموح يبقى بلا منه. الإنسان مش هعيش خمسين مرة يا غنى، و يا يعيشها صح و يستمتع بالحياة يا يموت أحسن.
غنى بصدمة
ـ منطقك غريب اوي يا آسيا، ولما الإنسان يدوس على قلبه كدا هيعيش صح؟ و بعدين طموح ايه اللي هيموته الحب؟ هو الطموح دا هيطبطب عليكي لما تكوني حزينة أو تعبانه! يا آسيا دانا كان بييجي عليا أيام كنت بموت حرفيًا، ومكنتش بتمنى في الدنيا غير ايد ياسر تطبطب عليا.
آسيا بتهكم
ـ شوفتي هو دا أقصى طموحك ! ايد ياسر تطبطب عليكي، وطول ما أنتِ كدا عمرك ما هترتاحي، و هيفضل حبه يتحكم فيكي، و يذلك.
غنى بنبرة تحترق قهرًا
ـ كلامك دا معناه انك عمرك ما حبيتي. لو كنتي فعلا حبيتي رؤوف كان التفكير في بعده في حد ذاته يرقدك في السرير.
آسيا بنبرة تفوح منها رائحة الكبر
ـ لا يا حبيبتي. مش انا اللي الحب يخليها تعيا، ولا ترقد في السرير. انا أقوى من كدا بكتير، وقلبي دا في أيدي. يدق للي انا عايزاه يدقله، و يوم ما يعصاني أو يذلني بالطريقة دي ارميه تحت رجلي.
غنى بنفاذ صبر
ـ طب اسكتي عشان النقاش معاكي بيعصبني.
أسيا بتهكم
ـ بيعصبك! ولا حبيب القلب وحشك!
اهتاجت دقات قلبها حين أتت على ذكر شوقها له و كأنها تؤكد على حديقها، ولكن ما الفائدة من شوق لن تجد ما يروي ظمأه ؟
احتل الهم معالمها و نبرتها حين قالت
ـ مبقاش منه فايدة يا آسيا. خلصت خلاص.
ـ و أيه اللي خلصها مفهمتش؟
غامت عينيها بحزن تجلى في حديثها حين قالت
ـ ياسر لو سامحني على كل غلط غلطه في حقه عمره ما هيقدر يتخطى اني كنت لراجل تاني غيره.
اسبلت أهدابها وهي تُفصِح عن ألمها الذي يجيش به صدرها قبل أن تقول بنبرة محرورة
ـ تخيلي أنه مكنش بيقدر يتحمل يجيلي عريس، و يبقى زي المجنون عمال يسأل نفسه شافك فين؟ و عرفك ازاي؟ مكنش بيتحمل حد يبصلي بعنيه. ممكن يقدر يتجاوز اني كنت مرات راجل تاني غيره؟
آسيا بتهكم
ـ مرات ايه معلش؟ راجل ! هو فين دا؟ هو شبة البني آدم دا يتقال عليه راجل!
غنى بأسى
ـ بالنسبالك هو كدا. بالنسبة لياسر هو راجل.
لم تكُن من النوع الذي يحمل العواطف على محمل الجد لذا حاولت أن تحاورها بالعقل حين قالت
ـ غنى حبيبتي انا هقولك كلمتين. فكري فيهم على مهلك. ربنا ادنا العقل عشان نستخدمه، وأنتِ بتحبي ياسر. غلطي كل الناس بتغلط. بس الأهم من دا كله انك تتخطي المرحلة دي عشان تعرفي ترجعيه تاني.
ـ مستحيل يا آسيا.
آسيا بنفاذ صبر
ـ المستحيل بيتحقق. لو انتِ عايزاه يتحقق، و أهم حاجه انك تكوني متأكدة أنه لسه بيحبك. وقتها مش هيبقى في مستحيل. خصوصًا انك عارفة نقط ضعفه ناحيتك.
غنى بيأس
ـ خايفة احاول و يبقى على فشوش. اه انا حاسة أنه لسه بيحبني. على الأقل لسه بيغير عليا. لكن بردو أنا عارفة هو قد ايه عنيد، و دماغه ناشفة و كرامته فوق الكل.
آسيا بتفكير
ـ كدا يبقى أنتِ محتاجة تحركي المية الراكدة دي شوية.
ـ يعني ايه دا؟
آسيا بتخطيط
ـ يعني اول حاجه تتجاهليه تمامًا. بس في نفس الوقت تهتمي بنفسك و بشغلك. يحس انك مقبلة على الحياة بدل جو البؤساء اللي أنتِ عيشالي فيه
دا. تتعاملي معاه بالنظرات وبس.
غنى بعدم فهم
ـ الجزء الأول فهماه. انما يعني ايه اتعامل معاه بالنظرات دي؟
ـ يعني تتكلمي معاه برسمية و بحدود بس عنيكي بتلغي كل الحدود دي. يعني حبك يبان في عنيكي. غير كدا لا. يقوم يفهم انك بتجاهدي نفسك وبتحاولي تتخطيه و مش قادرة.
غنى بحماس
ـ طب و بعدين؟ اعمل ايه تاني ؟
ـ تفصلي عالحال دا شويه. لحد ما يستوي عالآخر ومع أول لحظة ضعف ليه تديله واحدة عايز مني ايه يا ياسر؟ رسيني على بر. انا مابنمش الليل بسببك.
غنى باستنكار
ـ ايه ايه؟ ايه يا بت انتِ الكلام الحامض دا؟ انا عمري ما اقول كدا، وبعدين أنتِ اللي بتقوليلي كدا! دا أنتِ كنتي عملالي فيها رضوى الشربيني من شوية.
آسيا ببساطة
ـ زي ما قولتلك انا بحكم عقلي، و بمشي بخطوات محسوبة، و الضعف دا خطوة أخيرة هستخدمها لم أعرف أن اللي قدامي استوى، وقتها مينفعش اكون قوية. مسمعتيش عن حكمة بتقولك سر قوة المرأة في ضعفها ولا ايه؟ شغلي دماغك يا غنغون.
لم تكد تنهي حديثها حتى وجدت باب الغرفة يفتح و شروق تطل برأسها وهي تقول بمرح
ـ بتنموا على مين من غيري يا واطيين؟
اندفعت الفتيات لعناقها بشغف و شوق كبيران كان متبادل من جانب الجميع لتقول شروق أخيرًا
ـ وحشتوني أوي يا بنات. حاسة كإني سيباكوا بقالي سنة.
آسيا بحنق
ـ ما أنتِ اللي مشيتي و سبتيني. حد قالك تخلعي مع الدكتور ابو لسانين دا.
شروق بمُزاح
ـ فكرتيني. دا بيقولي ظبطيلي مع آسيا مش انا جوزك حبيبك. معجب بيكي يا بت على فكرة.
قهقهت الفتيات على حديث شروق بتقول آسيا بنبرة تفشى بها الغرور
ـ طبعًا يا بنتي أي شخص عاقل هيعجب بيا. بتهزري ولا ايه!
غنى بسخرية
ـ ايه يا بت التواضع دا؟ خفي شويه وحياة خالتك. متحسسنيش أن البت أنجلينا جولي ولا حاجه!
آسيا بوعيد
ـ قدها عشر مرات ياختي وبكرة تشوفي ان ما كنتوا تتمسحوا فيا و معبركوش مبقاش أنا آسيا.
شروق بمرح
ـ لا يا غنى ملكيش حق آسيا واطية مع الناس كلها إلا احنا.
آسيا بمُزاح
ـ ليه عشقاكوا في الضلمة؟ دانا أول ما ربنا يكرمني هحبسكوا كلكلوا.
قهقهت الفتيات على حديث آسيا لتقول شروق بمرح
ـ القاعدة دي ناقصة البت ضي. عديت عليها وانا جاية و ملقتهاش حد يرن على تليفون المطبعة ويقولها تيجي وحشتني اوي.
تبادلت كُلًا من آسيا وغنى النظرات لتقول الأخيرة بحزن
ـ ضي مشيت يا شروق.
لم تفهم شروق حديث غنى لتتولى آسيا سرد ما حدث وسط حزن خيم على الفتيات الثلاثة.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيِعِ سَخَطِكَ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. - اللهُ اللهُ رَبِّي، لا شَرِيكَ لَهُ، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم إنا نستغيث بك فأغثنا، نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا♥️
★★★★★★★★★★
ـ عامل ايه يا نجم العشوائيات؟
هكذا تحدث عمر بمزاح مع ياسر الذي عانقه بقوة وهو يقول بسخرية
ـ دكتور الغبرة اللي محدش شاف وشه بعد ما مصلحته خلصت.
عمر بتهكـم
ـ اوعى تكون قصدك اني واطي و بتاع مصلحتي. لا كدا ازعل.
ياسر بسخرية
ـ لا دا انت تتفلق. فينك يا ابني انت؟
عمر بمرح
ـ مانا اهو يا ابني قدامك اهو، و احمد ربنا ان انت شايفني أصلًا. انا راجل عندي التزامات.
أضاف ياسر بتقريع
ـ اه صح، و خصوصًا انك بقيت راجل متجوز.
تبدد المرح بعينيه وهتف بحنق
ـ لا بالله عليك اقطم على كدا. متجوز ايه؟ الناس تصدقك. انا لا متجوز ولا الحوار دا راكب معايا من أساسه. ربنا يعدي الأيام على خير و اخلص.
ياسر باندهاش
ـ للدرجادي الموضوع تقيل عليك؟
عمر بنبرة يفوح منها رائحة الكبر
ـ يا أبني دي فضيحة في حقي. دي الناس كلها مستنيه تشوف عمر الوتيدي هيتجوز مين ؟ لو حد شم خبر هتبقى فضيحه العبد لله بجلاجل.
ياسر باستنكار
ـ لا دا انت هبت منك عالآخر، و بكرة هتندم.
عمر بملل
ـ سيبك مني أنا. المهم طمني ايه احوالك؟
احتل الحزن عينيه و قسمات وجهه ولكن نفته لهجته حين قال
ـ بخير الحمد لله.
ـ مش باين عليك. حاسس ان في حاجه مضيقاك. مالك؟
هكذا تحدث عمر فاحتار ماذا يخبره و هل يمكن للحديث سرد ما يشعُر به من تخبُط، فاكتفى بعدة كلمات مقتضبة لا تُغني ولا تُسمِن من چوع
ـ الطبيعي يعني. شوية مشاكل في الشغل.
ـ وانا اقول الجو حرر فجأة كدا ليه؟ توقعت والله اني الاقيك موجود.
هكذا تحدث يزيد بملل. حين رأى عمر الذي ناظره بتشفي تجلى في نبرته حين قال
ـ أهلًا بعرة الدكاترة. ايه ياد جسمك مبقاش له وش من قفا كدا ليه؟ فين الباي فين التراي؟
يزيد بتحسر
ـ راحوا في الباي باي. هو اللي يدخل الكلية المنيلة دي هيبقى عنده وقت ياكل و يشرب حتى.
عمر بتهكم
ـ معلش عندي سؤال دخلت الكلية دي ليه وانت مابتحبهاش و عمال تصيح من وقت ما دخلتها لما قرفتنا.
لطالما توقف عند هذا الاستفهام كثيرًا دون أن يجد له إجابة مقنعة، ولكنه تحدث بصراحة أذهلت عمر
ـ عشان افرح هيام اختي، و الناس تقول الدكتور راح الدكتور جه.
ياسر بخشونة
ـ تقريبًا دا نوع من أنواع الهيافة.
يزيد بسلاسة
ـ تعددت أنواع الهيافة. بس في النهاية دي هيافة مفيدة.
قهقه عمر على حديثه قبل أن يقول بسخرية
ـ ردودك دايمًا جاهزة كدا. دا الله يكون في عون ياسر أنه معاشرك.
ياسر بتهكم
ـ لا انا بديله على عينه. ماليش خلق لطولة لسانه.
يزيد بسخرية
ـ والله يا دكتور عمر انا اللي ليا الجنة اني متحمله. دا عليه قلم يخليك تدخل الإسلام من أول و جديد.
لون الخبث معالمه قبل أن يُتابع
ـ و بعدين ما هو أنا مش ابيض و بسمسم وعنيا عسلي و شعري غجري عشان تتحمل طولة لساني.
جحظت عيني ياسر من حديث يزيد و وصفة لها، ولكن عمر لك يُتيح له الفرصة للحديث إنما صاح باندهاش
ـ أوبا. الكلام دا كبير يا ريس. حالًا اعرف الليلة دايرة على اي؟
تعابير ياسر كانت مُفزعة مما جعل يزيد يهب من مكانه وهو يقول بتذكُر
ـ شوف قعدتوا ترغوا و نستوني انا جاي ليه. الحاج عبد الغفور البرعي اتصل و قال لهيام أن أم روضة اتوفت ولازم تسافروا الفجر عشان الدفنة
تفاجيء ياسر من حديث يزيد و لكنه سرعان ما تحدث بنبرة خشنة
ـ لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم.
يزيد باندهاش
ـ زعلان عليها ولا ايه؟ يا راجل دي أحسن حاجه عملتها في حياتها أنها ماتت. دي قارفة الكل و أولهم بنتها.
تحدث عمر الذي لم يكُن يفهم اي شيء مما يحدث حوله
ـ لا معلش هو في اي؟ مين روضة دي؟
يزيد بامتعاض
ـ خطيبة الريس المستقبلية.
أنهى جملته و توجه إلى الخارج ليهتف عمر باندهاش
ـ الكلام دا حقيقي؟ انت خطبت؟
لم يكد ياسر يُجيبه حتى رن هاتفه و كان المتصل شروق، فرفع عمر يده إلى ياسر الذي تفهم انها على الهاتف ليتوجه للداخل تاركًا له المجال في الحديث.
ـ أية يا حلو؟ وحشتك ولا اي؟
شروق بتهكم
ـ النمرة غلط ياعماد.
عمر بسخرية
ـ عماد! بتخونيني بعد اسبوع من الجواز
ـ تخيل.
عمر بنبرة عابثة
ـ طب بمناسبة الخيانة. ما تشوفيلي آسيا صاحبتك. قوليلها دا دكتور لقطة و واد چان و زي القمر.
قهقهت شروق على حديثه قبل أن تقول بمُزاح
ـ قولتلها قالت مش التايب بتاعي.
عمر بسخرية
ـ مش التايب بتاعها! حلو اوي دا، اعرفيلي ايه هو التايب بتاعها بالظبط عشان أحدد أهدافي القادمة.
ابتسمت على حديثه قبل أن تتلقى ضربة من غنى التي أشارت لها في الخفاء مما جعلها تتراجع إلى الهدف الرئيسي من هذه المحادثة لتعود مرة أخرى لنبرتها الهادئة حين قالت
ـ بقولك ايه انت لسه عند ياسر؟
ـ اه فعلًا بس شكلي هقوم. حصل عندهم حالة وفاة و هيسافروا عالفجر فمش هعطله أنتِ قدامك كتير عندك ؟
شروق بلهفة
ـ لا انا عادي في أي وقت عدي عليا. قولي يا عمر. هو مين مات عند ياسر؟
عمر بسلاسة
ـ دي والدة خطيبته.
برقت عيني غنى التي انطلقت كلمات عمر كسهم نافذ في أعماق قلبها. لتحاول شروق معرفة المزيد مما جعلها تقول باستفهام
ـ ايه دا هو ياسر خطب؟
ـ تقريبًا اه. انا لسه معرفتش منه الحوار بالظبط. بس اتحكى قدامي الكلام.
هكذا تحدث عمر بسلاسة ولا يعرف وقع كلماته على قلب غنى التي هبط الدمع من بين مآقيها بصمت جعل شروق تسرع في إنهاء المكالمة حتى تطمئن على صديقتها
ـ طيب يا عمر هكلمك كمان شويه.
عمر باهتمام
ـ في حاجه؟ انتِ كويسة؟
شروق بلهفة
ـ اه كويسة هكلمك كمان شوية.
أنهت المكالمة وهي تتوجه إلى غنى القابعة بين ذراعي آسيا تبكي بصمت كمن اعتاد على هذا الموقف و هذا الألم لتقول شروق بحنو
ـ متعمليش في نفسك كدا يا غنى؟ اللي حصل دا كان شيء متوقع. خصوصًا بعد اللي قالهولك آخر مرة.
غنى بنبرة تقطر وجعًا
ـ عارفة. بس كنت اتمنى الدنيا تفاجئني ولو مرة و تفرحني بحاجة بحبها.
كان ألمها عظيمًا ووجعها لا يُحتمل و كأن أوتار قلبها تتمزق وهي عاجزة لا تملك القدرة حتى على الصُراخ لتهتف آسيا بحنق
ـ بصي ربنا هو اللي اختار، و انتِ تستاهلي أحسن منة مليون مرة. متزعليش نفسك.
شروق بتفكير
ـ و في رأي تاني. هو ممكن يكون بيردلك القلم أو عايز يحسسك باللي هو حس بيه لما اتخطبتي. انا مش عبيطة، و ياسر لسه بيحبك فعلًا.
بريق من الأمل تسلل إلى داخلها و قد اختار قلبها أن يقتنع بهذا الحديث عل الألم بداخلها يهدأ قليلًا
اللهم إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدّين وقهر الرّجال. - اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلّه، لا إله إلا أنت. - يا فارج الغم، اجعل لي من أمري فرجًا ومخرجًا، يا سامع كل شكوى، وكاشف كل كرب♥️
★★★★★★★★★★
جاء الصباح هادئًا عند البعض و عند البعض الآخر مُغبرًا برماد القلوب التي احترقت ليلًا دون أن تجد أحد يحاول إخماد حرائقها.
ـ صباح الخير يا خالد.
توقف أمام سيارته حين سمع صوت شقيقته نبيلة قادم من الخلف، فالتفت على مضض وهو يوميء برأسه لتقترب نبيلة وهي تقول بهدوء
ـ عامل ايه النهارده ؟
خالد باختصار
ـ بخير.
لم يكن الحديث يطول بينهم أبدًا لذا شرعت في الحديث مُباشرةً
ـ ميرهان كانت عندي امبارح، و بصراحة البنت زعلانه منك اوي
خالد بجفاء
ـ بس أنا لسه مزعلتهاش.
نبيلة بنبرة ودودة
ـ بالراحة عالبنت يا خالد. ميرهان لسه صغيرة، و محتاجه منك شوية حنية.
خالد بنبرة يشوبها السخرية
ـ الحنية مش حل يا نبيلة ولا ايه ؟
تعلم إلى ما يشير بحديثه لذا تخطت هذه النقطة الشائكة لتقول بنبرة يشوبها التوسل
ـ مش فكرة كدا. انا بقول تفهمها بالراحة و تتعامل معاها بهدوء
نفذ صبره من حديثها الذي يعلم بأنه ماهو إلا مقدمة لشيء ما لذا هتف بجفاء
ـ بدل ما تدافعي عن ميرهان ظبطي هايدي عشان اللتنين دول مش عاجبني.
نبيلة بهدوء
ـ ليه؟ دول بنات زي الورد.
خالد بنبرة جافة تحمل الكثير بين طياتها
ـ دا على حسب اي نوع ورد تقصديه؟ في أنواع سامة، انا ماحبش بناتنا يكونوا منهم.
حاولت تجاوز كل النقاط التي ستجعلها في مواجهة لومه لذا قالت بلامُبالاة
ـ متكبرش الموضوع يا خالد.
خالد بنبرة حازمة
ـ انا لسه مكبرتش المواضيع، ومن مصلحهم أنها متكبرش. عرفيهم كدا.
حاولت تملقه قائلة بابتسامة مطمئنة
ـ متقلقش انا هتكلم معاهم.
خالد بجفاء
ـ كويس. عشان لو الوضع متظبطش أنتِ هتتحاسبي زيك زيهم.
ضاقت ذرعًا من هذا الحديث الذي لا يروق لها فقالت بضجر
ـ قولتلك متقلقش يا خالد انا هتكلم معاهم و أشوف في ايه. المهم كنت عايزة اتكلم معاك في موضوع
ناظر ساعته قبل أن يقول بنفاذ صبر
ـ الموضوع اللي عايزاني فيه بره عني. ابنك مش صغير وعارف بيعمل ايه.
تشقق قناع البرود الذي كانت ترتديه لتهتف باستنكار
ـ يعني انت موافق عاللي عمله يا خالد؟
خالد بجمود
ـ ماليش اني اقبل أو ارفض. الموضوع لا يهمني ولا يخصني.
حاولت اللعب على مشاعره وقالت بنبرة حزينة وهي تستعد لذرف عبرات التماسيح علها تؤثر به
ـ طيب اكيد أنا اهمك قولي اعمل ايه؟ ابني بيضيع مني و سعاد عايزة تاخده مني
شملتها نظراته بطريقة اجفلتها قبل أن يقول بقسوة
ـ لا أنتِ ولا سعاد هتقدروا تسيطروا على عمر. عشان هو مش عز الدين، و لو شوفتي الحكاية من بره هتلاقي أن الزمن بيدور و دا اللي مخوفك يا نبيلة.
تلعثمت الحروف فوق شفتيها حين قالت
ـ تقصد ايه ياخالد؟
لم يستطِع منع التشفي من التسلل لنبرته حين قال
ـ اقصد أن اللي عملتيه بيترد، وللأسف محدش هيقدر يعملك حاجة عشان كل حاجه في الدنيا دي سلف و دين.
أنهى جملته و استقل سيارته لينطلق إلى عمله تاركًا نبيلة خلفه تحترق كمدًا من حديثه الذي بقدر صوابه بقدر ما تمقته.
دلف إلى مكتبه و لا إراديًا ذهب تفكيره إلى منطقة خطر تحمل على لافتتها اسم إمرأة الحزن و الجمال التي غزت أحلامه البارحة خاصةً حين اخبرته ابنته أنها اشتاقت لرؤية صديقتها، فأخذت الاستفهامات تدور بعقله كالطواحين ما الشيء المُميز الذي وجدته طفلته في هذه المرأة جعلها تتعلق بها بهذه الطريقة؟
لحقت به سلمى التي ما اد دلفت الى الداخل حتى شرعت في اخباره بمخططه اليومي إلى أن انتهت وهي تضع أمامه بريده الأسبوعي ليطالعه وهو يستفهم بخشونة
ـ ايه رأيك في مستوى البنت بتاعت الأرشيف؟ في أخطاء في الملفات ؟
تحمحمت سلمى لا تدري ماذا تخبره؟ ليطول صمتها مما جعله يرفع رأسه يناظرها باستفهام
ـ ساكتة ليه؟
قررت أخباره بالحقيقة حين قالت
ـ لو حضرتك تقصد أشجان، فهي أصلًا مستلمتش الشغل اللي حضرتك بلغتني بيه، ولما سألت عليها عرفت انها مشيت بعد ما حضرتك مشيت على طول. حتى من غير ما تستأذن.
موجة عارمة من الغضب اجتاحته للحد الذي جعل نظراته تُظلم و ملامحه تتجهم مما جعل سلمى تشعر بالذُعر الذي جعلها تقول بلهفة
ـ بس أنا عملتهم وجهزتهم لو حضرتك تحب تشوفهم..
ـ على مكتبك.
أومأت برأسها بلهفة وهي تحمد ربها أنها ستنجو من بين براثن الوحش الذي جاءت كلماته قاسية حين تابع
ـ لو سألت قوليلها استغنينا عن خدماتها.
ـ حاضر يا فندم.
لا يعلم لما شعر بكل هذا الغضب الهائل تجاهها، فقد كان يشعر بخليط غريب من المشاعر نحوها يتسيد هذا الخليط الشفقة على ظروف حياتها، ولكنه لا يتهاون في الإهمال و خاصةً أن كان عمدًا.
ترك القلم من يده وهو يزفر بقوة ليتوجه إلى النافذة وهو يشاهد المارة من بعيد بنظرات زائغة اهتدت فقط حين وقعت عينيه عليها.
كانت تهرول إلى الأعلى وهي تلهث من فرط التعب، فقد قضت الليلة الماضية بجانب طفلها المريض، فمنذ أن اخبرتها المدعوة مديحة البارحة أثناء العمل بأن تأتي في الحال لإن طفلها مريض وهي على هذا الحال تجري هنا وهُناك لكي تعد الطعام و تجلس بجانب طفلها وتلبي طلبات طفلتها الصغيرة و حماتها حتى أنها لم تنم سوى ساعات قليلة منذ البارحة ولكنها مُجبرة على المواصلة رغم إنهاك الجسد والروح.
فورًا صعدت إلى الطابق العلوي و داخلها تبتهل الى الله حتى لا يعلم بأنها لم تنجز الأعمال التي كلفها بها، وحين دلفت إلى مكتب السكرتارية الخاص به توجهت فورًا إلى سلمى وهي تقول بأنفاس لاهثة
ـ من فضلك. مستر خالد كان مكلفني بشغل اعمله قالي هيكون مع حضرتك.
شعرت سلمى بالإشفاق عليها ولكنها لا تملك من أمرها شيء لذا قالت بأسف
ـ مفروض كنتي تستلميه امبارح، ولما اتأخرتي بعت أسأل عنك قالولي مشيت. اضطريت اعمله، و للأسف مستر خالد لما عرف قالي اقولك أن احنا استغنينا عن خدماتك.
هوى قلبها بين ذراعيها، فالحياة دائمًا ما تغتال أحلامها ببراعة، و تقطع عليها جميع سبُل النجاة دون اعتبار لكونها أضعف من أن تقف في مواجهة نسمة هواء، فكل شيء يُثقِل كاهلها حتى التنفس بات ثقيلًا على صدرها.
ارتمت بثقلها على المقعد خلفها، و هي تحاول استرداد أنفاسها الهاربة، لتقترب منها سلمى قائلة بلهفة
ـ أنتِ كويسة؟
أشجان بخفوت
ـ كويسة.
سلمى باهتمام وهي تناولها كوب من المياة موضوع فوق مكتبها
ـ طب خدي اشربي ميه.
بللت ريقها ببضع قطرات من المياة قبل أن تقول بنبرة خافتة يشوبها التوسل
ـ ممكن اطلب منك طلب؟
ـ طبعًا. اتفضلي.
أشجان بنبرة مُهتزة و عينين اغرورقت بالدموع
ـ ممكن تقولي لمستر خالد اني عايزة أقابله.
سلمى بتعاطف
ـ حاضر. خليكي هنا ثواني.
كان الانتظار يقرضها من الداخل بكل ثانية تمر و سلمى لم تخرج بعد بالرغم من أنها لم تأخذ وقتاً طويل في الداخل ولكنه الخوف يجعل الدقيقة تمر دهرًا
أخيرًا خرجت سلمى ولكن بملامح تحمل خيبة أمل تفهمتها أشجان على الفور لتبادرها الحديث قائلة
ـ رفض !
أومأت سلمى بصمت، و بلحظة هوجاء تولد داخلها شعور قوي بأنها تود الصُراخ في وجه الجميع قائلة كفى، و لسوأ حظها غيبت عقلها و توجهت إلى مكتبه دون النظر إلى تحذيرات سلمى لتقوم بفتح باب غرفة مكتبه وهي تتوجه الى حيث يجلس بوجه يحمل غضب العالم أجمع و عينين اجتمعت بهم جميع خيبات العالم.
ـ انا بس عايزة اسألك سؤال. هو انتوا ليه مبتتجبروش غير على الضعيف؟ ليه مبتمارسوش القهر غير على اللي عارفين أنه مش هيقدر يقف قدامكوا؟
بلحظة لم يتخيل أن يراها بهذه الهيئة تقتحم مكتبه بهذا الشكل إضافة إلى حديثها الذي صدمه ليقول بجفاء
ـ نعم!
لم تكن تراه بعينه بل رأت خيبتها في زواجها و في أهلها و قلة حيلتها مما جعلها تقول بأسى من بين أنهار من العبرات المُتدفقة بغزارة فوق خديها
ـ لما عرفت اني محتاجة فلوس هنتني و بعتلي صدقة، وجيت بعدها عشمتني و خليتني اتعلق زي الغريق بقشاية، ومن غير ما تعرف حصلي ايه و لا جرالي ايه هديت كل حاجه فوق دماغي و استغنيت عن خدماتي. انت وحش كدا ازاي؟
حالة من الذهول سيطرت عليه و لأول مرة بحياته يعجز عن الحديث أو حتى إبداء أي رد فعل تجاه موقف يتعرض له، فمظهرها و حديثها و بكائها اشعروه بأنه فعل بحقها جريمة!
ـ ايه الدراما الأوفر دي معلش!
كانت هذه الكلمات اول شيء استطاع التفوه به ولكنها ضاعفت من انفعالها مما جعلها تقول بحرقة
ـ انك تلعب بالناس و مصيرهم دي دراما اوفر؟ انت عندك حق فعلًا انا اللي غلطانه لما فكرت اتكلم مع حد معندوش قلب زيك..
قاطعها خالد صارخًا بنبرة ارتعدت لها جدران الغرفة
ـ لحد هنا و اخرسي مسمعش صوتك. أنتِ متعرفيش بتتكلمي مع مين؟
انتفض جسدها من فرط الذُعر الذي تضاعف حين رأته ينصب عوده الفارع و يتقدم نحوها بعينين بدت وكأنها نافذة للجحيم كما جاءت لهجته حادة كالسيف حين قال
ـ احمدي ربنا انك ست، و إلا مكنتيش هتطلعي بنفس الوش اللي دخلتي بيه من الباب دا.
كانت شهقاتها تتردد في أرجاء الغرفة، و صوت بكائها أصاب شيء ما داخله إضافة إلى جسدها الذي ينتفض و عينيها التي يلونهم الخوف و الألم مما جعل سيل من الشفقة يتدفق في قلبه لأجلها، فأراد أن يجنبها غضبه الضاري ليقول بخشونة
ـ روحي على مكتبك.
بهذه اللحظة شعرت بالحنق على كل ما يُحيط بها، فلم تعد تحتمل سيتوقف قلبها في أي لحظة مما جعلها تقول بنبرة متقطعة و حروف غير مفهومة.
ـ انا. انا . مس. مستقيلة.
أنهت جملتها و هرولت إلى الخارج و منه إلى خارج الشركة بأكملها فأخذت تعدو لا تعلم إلى أين ؟ تريد الهرب إلى أقصى ما يمكنها الوصول، تريد أن تضيع وسط الزحام عل أحزانها تضل طريقها إليها، ولكن خارت قواها ولم تعد تستطِع التنفس، فتوقفت لتستند على أحد الجدران وهي تلهث بقوة ليصل إلى مسامعها صوت هاتفها الذي أذ يرن دون انقطاع، ولسوأ حظها كان المتصل أكثر شيء تبغضه في هذه الحياة، و قد كانت لحظة فارقة في حياتها جعلتها تقول بالضغط على ذر الإجابة وهي تقول بجفاء
ـ أيوا.
امين بانفعال
ـ أنتِ يا هانم. ازاي تسيبي ابنك تعبان و تنزلي تروح الشغل؟ للدرجة دي معندكيش قلب ولا احساس؟
وصلت لمرحلة اللا تراجع مما جعلها تصرخ مليء فمها دون عابئة لنظرات المارة بها
ـ خرجت عشان اشتغل و اصرف عليك. سيبت ابني عيان عشان أبوه داير ورا الستات و سايبني انا اشتغل و اتمرمط. لو كنت متجوزة راجل مكنتش خرجت من بيتي.
الجمته صدمة انهيارها بهذا الشكل، فطوال سنوات زواجه منها لم يرى منها هذا الانفعال مما جعله يهتف بصدمة
ـ أشجان.
ـ أشجان وزفت. عايز مني ايه ؟ ابعد عني بقى. ربنا ينتقم منك انت اللي حوجتني للي يسوى و اللي ميسواش. ربنا ياخدك.
أنهت جملتها و قامت برمي الهاتف الى منتصف الطريق ليتحول إلى أشلاء تمامًا كحالها، ولكنها تفاجئت بنظرات المارة لها مما جعلها تهرول إلى حيث تأخذها قدماها إلى أن استقرت في مقهى جانبي دلفت إليه تبغي الراحة فقد انهكها جسدها و خارت قواها لتجلس على طاولة في آخر المقهى وهي تضع رأسها بين يديها تبكي بحرقة وهي لا تشعر بشيء مما يدور خلفها لتمر دقائق لا تعلم عددها إلى أن تجمدت الدماء بعروقها حين سمعت هذه الكلمات الآتيه من خلفها
ـ ايه في الدنيا يستاهل الدموع دي كلها؟
اللَّهمَّ إنِّي أسألكَ من خيرِ ما سألكَ عبدكَ ونبيكَ، وأعوذ بكَ من شرِّ ما عاذَ منه عبدكَ ونبيكَ. ربي إنِّي أسألكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ، وأعوذ بكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ. كما أسألكَ أن تجعلَ كلَّ قضاءٍ قضيتَه لي خيرًا»♥️
★★★★★★★★★★★
أخذت تطوف في أرجاء الغرفة وداخلها يحترق كمدًا و غيرة تكاد تفتك بها ولا تعلم كيف تهدأ من نيرانها قليلًا؟ لتتوقف أمام حقيقة مؤكدة وهي أنها لا تستطيع العيش بدونه لذا سحبت عدة انفاس بداخلها قبل أن تُمسِك بهاتفها و تقول بتدوين بضع كلمات كان فحواها
ـ صباح الخير. ضي فتحت الفون و رنت على آسيا رنة و قفلت الفون بعدها.
ثم ارسلتها في رسالة نصية وهي تتوعد له بداخلها لتمر دقائق قبل أن تستمع إلى رنين هاتفها، فشعرت بالإنتشاء يغمرها حين وجدته اسمه يزين شاشة الهاتف، ولكنها قررت أن تشن حرباً باردة على طريقتها، فبعد أن انتهى رنين الهاتف قامت بإرسال رسالة نصية أخرى فحواها
ـ عندي اجتماع مع أولياء الأمور، و مش عارفه ارد عليك لو في جديد هكلمك.
حالما رآى رسالتها حتى ثارت الدماء في عروقه و خرج من بين الرجال أثناء العزاء وهو يهاتفها مرة أخرى و هذة المرة أجابت بعد أن أخذت وقتًا طويلًا و هي تلهو على اوتار غيرته الجنونية التي هي سلاحها الوحيد في هذه الحرب
ـ ألو.
ما أن سمع صوتها حتى هتف بحدة
ـ مبترديش ليه؟
غنى برقة وهي تخفض نبرة صوتها
ـ مانا بعتلك قولتلك اني في اجتماع مع أولياء الأمور..
قاطعها بشراسة
ـ اجتماع مع مين ياختي؟ أولياء أمور ايه؟ هو أنتِ في الأمريكان ؟
غنى باستفزاز
ـ مش عجباك الحضانة بتاعتي ولا حاجه؟
ياسر بنبرة مغلولة من استفزازها له
ـ كلك على بعضك مش عجباني.
اغضبتها جملته كثيرًا لذا احتدت نبرتها قليلًا حين قالت
ـ والله انا مطلبتش رأيك فيا. انا بعت ابلغك باللي حصل عشان صاحبتي مش اكتر.
شعر بأنها تمادى قليلًا لذا هتف بنبرة خشنة
ـ و متصلتيش ليه؟ اية جو الرسايل دي؟
غنى بجفاء
ـ محبتش ازعجك. عارفه انك بتدفن حماتك.
قالت جملتها الأخيرة بسخرية قابلها بالاندهاش حين قال
ـ حماة مين؟
تسلل الفرح إلى داخلها حين خرج استفهامه والذي ينفي صلته بهذه الفتاة، ولكنها لازالت على جمودها حين قالت
ـ معرفش انت أدرى. لو عرفت حاجه عن ضي هبقى ابعتلك، و دلوقتي مضطرة اقفل عشان معايا ناس.
وصلت إلى نقطة مشتعلة بداخله مما جعله يهتف بغضب
ـ استني هنا بكلمك. ناس مين؟
غنى بملل
ـ قولتلك أولياء أمور، وبعدين بتسأل ليه ؟ انت مالك معلش!
تعاظم الحنق بداخله و ود لو يكسر عنقها، ولكن للأسف هو بعيد عنها الآن لذا هتف بجفاء
ـ ولا يفرقلي، ويالا بقى عشان اروح ادفن حماتي.
اغلق الهاتف في وجهها وهو يرغب و يزبد من فرط الغضب ثم قام بإجراء مكالمة هاتفية بينما كانت هي الأخرى تحترق من فرط الغضب ليمر وقت ليس بطويل تفاجئت حين رأت يزيد يدلف إلى داخل الغرفة وهو يقول بحنق
ـ أنتِ ياللي تتشكي في بطنك. اجتماع أولياء أمور ايه اللي عندك؟
اللهم إني أسألك باسمك الحسيب الكافي أن تكفني كل أموري من جليل وحقير مما يشوش خاطري يا كافي. اللهم إني أسألك فرجًا قريبًا، وصبرًا جميلًا، ورزقًا واسعًا، والعافية من البلايا، وشكر العافية والشكر عليها، وأسألك الغنى من الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
♥️
★★★★★★★★★★
كان كمال يدلف إلى داخل مكتبه لتبرق عينيه حين رآى….