رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل التاسع عشر بقلم جميلة القحطانى
لا تشعر فيه بالغربة.
لكن يبدو أن حتى ذلك كثير عليها.
في تلك الليلة، جلست سهير تبكي بصمت خلف الباب، تفكر في أين يمكن أن تذهب.
ليس لها مكان، ولا سند، ولا احترام في هذا البيت.
والشاب الجديد في الغرفة… كأنه رسالة أن لا مكان لها، لا حتى بين الجدران التي كانت تعتقد أنها تعرفها.
سعد كان جالسًا على الكنبة في مكتب فهد، يهزّ رجله بعصبية واضحة، وصوته منخفض لكنّه حاد:أنا مثلت الدور زي ما قلتلي… دخلت الحمام وخرجت قدامها وكأني قاعد في أوضتها من زمان. بس حرام، البنت اتصدمت، كانت هتعيط وهي واقفة… إزاي قلبك يسمح؟
فهد كان واقفًا عند النافذة، ينظر بعيدًا بصمت. ظهره مشدود، لكن عينيه فيها قلق خفي.
هي مش قد كده ضعيفة زي ما باين… بتعرف تلاعب اللي حواليها، وعارفة تاخد اللي هي عايزاه. وأنا مش هسيب لها فرصة تتحكم في البيت زي ما عملت أمها زمان.
سعد، وقد زاد غضبه:يعني تعاقبها على ذنب غيرها؟! دي بنت تايهة ومكسورة، مش لازم نزيد عليها كمان. أنا حاسس بالذنب من ساعة ما شفت عينيها.
فهد لفّ بسرعة وقال بحدة:متدخلش في اللي مالكش فيه يا سعد. أنا عارف أنا بعمل إيه.
سعد وقف، وجهه محمر:لا، يا فهد… أنت مش عارف. أنت بتغرق في كرهك للبنات، للي خانتك، للناس كلها، وبتجرّ معاهم ناس ملهاش ذنب. البنت دي غلبانة… وساكتة. وده أكتر حاجة بتوجع.
ساد الصمت لثوانٍ.
فهد جلس على طرف المكتب، صوته نازل:مش قادر أثق… لا فيهم ولا في دموعهم. البنت دي… وجودها بيقلب عليّا الدنيا كلها.
سعد نطق بهدوء وهو يلتقط أنفاسه:يمكن عشان أول مرة تحس إنك غلطت… وإنك جرحت حد فعلاً ما يستاهلش.
دخلت سهير غرفتها بعد أن هدأت العاصفة، لكن قلبها كان لا يزال في فوضى. لم تنس نظرات ذلك الشاب الغريب، ولا نظرة فهد التي كانت كالسيف، حادة ومليئة بالازدراء.
جلست على طرف السرير، تحتضن وسادتها كأنها تبحث فيها عن دفء مفقود. همست لنفسها:أنا اللي غلطانة… كنت فاكرة لما أرجع هنا ألاقي حتة صغيرة أحس فيها بالأمان. حتى غرفتي ما بقتش ليا.
صوت الضحكة من الخارج جعل قلبها يرتجف. كان سعد يضحك مع أحدهم، وسمعت اسمه يتكرر. ارتبكت… سعد؟ أهو الشاب اللي رأته؟ كيف وصل إلى غرفتها؟ وهل كان كل شيء مخططًا؟
شعرت بالقهر أكثر مما شعرت بالخوف.
كانت وحيدة، في منزل لا أحد فيه يسمع أنينها، ولا يحترم خصوصيتها.
أخرجت هاتفها وفتحت دردشتها القديمة .