رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل العشرون بقلم جميلة القحطانى
مع رهف، كتبت رسالة طويلة ثم مسحتها، وكتبت فقط:أنا مش كويسة يا رهف… مش مرتاحة خالص.
أغلقت الهاتف، ومدّت جسدها على السرير ببطء.
لأول مرة منذ مدة، شعرت أن الهواء ثقيل… كأن الجدران تُراقبها، وكأنها لم تعد تملك حتى حق الغضب.
كانت الشمس على وشك المغيب حين دخل خالها عليها وهو يجر حقيبة سفره بعجلة، وجهه مرهق ونبرته جافة:
سهير… أنا مسافر ضروري. عندي شغل في الدمام، وممكن أتأخر.
شهقت:بس أنا… أنا لسه جاية، ولسه بتأقلم.
لم يلتفت لنظرتها، فقط ترك جملة مقتضبة:فهد موجود، لو احتجتي حاجة كلميه.
وقبل أن تستوعب الأمر، كان الباب قد أُغلق خلفه، وصوت المحرك يبتعد رويدًا عن البيت.
كانت وحدها… ومع فهد.
في اليوم التالي، طرق فهد باب غرفتها طرقًا عنيفًا، كأن لا شيء تغيّر منذ ليلة الانفجار.
تعالي… وقّعي على شوية أوراق للبيت والشقة. خالك قال نخلّصهم بدري.
نزلت دون رغبة، وجلست على طرف الطاولة، تنظر إلى الأوراق أمامها.
صفحات كثيرة، كلمات قانونية، توقيعات ناقصة.
يعني إيه دول؟
قال ببرود:تعديلات على الإيجار وبعض التوكيلات... حاجات إدارية، مالكيش دعوة.
نظرت إليه بريبة:بس المفروض أقرأ.
قطعها بنبرة آمرة:وقّعي يا سهير. ما فيش وقت للهبل ده.
ترددت، لكنها وجدت نفسها تمسك القلم. شيء بداخلها كان يخبرها أن هناك خطأ، لكن خوفها منه كان أكبر من اعتراضها.
مرت ثلاثة أيام بعدها، ولم يظهر سعد.
سألت عنه الخادمة، فقالت إنه خرج منذ يومين ولم يعد. هاتفه مغلق.
حتى مهاب لا يعلم مكانه.
بدأت الوحشة تحيط بقلبها كغيمة سوداء. فهد لا يكلمها إلا بجفاف، لا أحد يطرق بابها، ولا رسالة واحدة على هاتفها تبشر بالخير.
وفي إحدى الليالي، وهي تهمّ بالنوم، سمعت خطوات ثقيلة تتوقف أمام غرفتها…
ثم طرق خفيف…
ثم صمت طويل…
ثم صوت فهد:بكرا عندنا مشوار… البسي كويس.
في الصباح، استيقظت سهير على صوت طرق قوي على الباب.
فهد قال من الخارج، بصوته الجاف المعتاد:قدامك ربع ساعة. لبسي جاهز.
نهضت ببطء، لا تعرف إلى أين هي ذاهبة، لكن في داخلها قلق لم تستطع كتمانه.
ارتدت عباءتها السوداء، لفت شالها حول رقبتها، ونزلت بهدوء.
وجدته ينتظرها في السيارة، لا ينظر لها، ولا يتكلم.
الطريق كان صامتًا، كل شيء ساكن، سوى صوت عجلات السيارة على الأسفلت.
إحنا رايحين فين؟
لم يرد.
زادت ضربات قلبها. الأماكن التي يمرّ بها لم تكن مألوفة.