رواية مابين الحب و الحرمان الفصل التاسع عشر بقلم ولاء رفعت على
تقف أمام الضابط و بجوارها المحامي الذي كلفه ابن خالتها من أجل محضر إختطافها عنوة و التعدي عليها، و في زاوية يقف هذا الهمجي مقيد اليدين و بجواره العسكري يمسك ذراعه.
تحدقه بطرف عينيها و لم تصدق في يوم من الأيام هذا كان زوجها و لديهما أطفالاً، كيف سولت إليه نفسه بأن يفعل بها ما أقترفه من تعدي من الممكن قد يصل إلي القتل إذا لم تبلغه عن مكان أمواله.
- مدام هدي، أمضي هنا.
قال لها الضابط و يشير إلي نهاية الورقة، أخذت القلم و ترددت في الإمضاء، نظر إليها المحامي و أومأ لها فقامت بتوقيع إسمها ثم عادت حيثما تقف.
نظر الضابط إلي حبشي بازدراء ثم عاد ببصره إلي هدي و قال لها:
- حضرتك كدة في أمان، الأستاذ هيتحول علي النيابة و بالمحضر ده لو رفعتي قضية طلاق هتكسبيها علي طول، لأنه زوج غير مؤتمن و غير أهل للثقة و لا عليكِ و لا علي عياله.
نظر إلي العسكري و بأمر أردف:
- خد المتهم علي الحجز.
ثم قال لهدي:
- تقدري حضرتك تروحي دلوقت.
أومأت في صمت و ذهبت، و في الخارج وجدت خالتها التي جذبتها بين ذراعيها:
- هدي حبيبتي، عامل فيكِ إيه ابن الحرام ده؟
تدخل شريف قائلاً:
- يلا يا أمي خلينا نمشي من هنا.
كان لا يتحمل النظر إلي حبشي، ود لو قام. بطرحه أرضاً و ينهال عليه باللكمات و هذا لما فعله في ابنة خالته، و هذا ليس بدافع الحب بل بدافع الغيرة و المروءة، يبغض الرجال الذين يحللون إلي أنفسهم التعدي علي المرأة.
دلفت هدي إلي داخل سيارة شريف و كذلك خالتها بجوارها، كانت الأخري تلتزم الصمت و تلاحظ نظرات شريف لها عبر المرآة و كأنه يسألها ماذا بعد؟
وصل ثلاثتهم إلي المنزل، و كانت تمسك الخالة بيد هدي:
- تعالي يا حبيبتي، تعالي أقعدي أرتاحي.
كانت تبحث بعينيها عن شىء ما فسألتها:
- فين ولادي؟
أجابت الخالة و تربت عليها بحنان:
- ما تقلقيش عليهم، أول ما وصلهم شريف أكلتهم و حمتهم و أخدتهم في حضني لحد ما ناموا، صعبوا عليا لما فضلوا يعيطوا خايفين عليكِ، منه لله أبوهم.
عقب ابنها قائلاً:
- خلاص هانت، بكرة المحامي هيرفع قضية الطلاق.
فقالت الخالة:
- أصبر عليها يا ابني لما تاخد نفاسها و ترتاح لها يومين، و بعدين ده قرارها هي اللي تقول تطلق و لا لاء.
نظرت إلي هدي الشاردة في الفراغ و سألتها:
- ناوية علي إيه يا بنتي؟
انتبهت إلي سؤال خالتها و رمقتها بتيه، نظرت إلي شريف المحتقن وجهه بالدماء من حالة الغضب التي يشعر بها كلما ينظر إلي آثار أيدي حبشي علي وجهها و الدماء المتجلطة علي جانب شفتيها.
أجابت و الحيرة تغلب أمرها:
- مش عارفة.
ليتها ما نطقت، هنا تحول شريف المعروف إنه هادئ الطباع إلي شخص آخر، صاح بصوت جهوري:
- مش عارفة إيه!، أنتِ لسه باقية علي واحد لولا جينا أنقذناكِ منه كان زمانه قتلك عشان شوية فلوس اللي عنده أهم منك و من ولاده!
أجهشت في البكاء، حدقته والدته بعتاب و لوم:
- وطي صوتك يا شريف و اهدي، مالك بتزعق لها كدة ليه، الست في حالة يعلم بيها ربنا مش قادرة تفكر، تيجي أنت و الزمن عليها.
ابتعد عنهم قليلاً، ولي ظهره إليهما و يزفر بقوة لعل يهدأ من روعه و يخبو غضبه الثائر، ألتفت إلي والدته و قال:
- عن إذنك يا أمي، سبينا لوحدنا خمس دقايق.
فقالت الأخري و تخشي علي ابنة شقيقتها من غضب ولدها:
- عارف لو زعلتها و الله يا...
- ما تخافيش يا أمي، عمري ما أقدر أزعلها و أنتِ أكتر واحدة عارفة كدة.
نهضت الخالة قائلة:
- إذا كان كدة ماشي، هادخل أقعد جمب الأولاد و خمسة و راجع لكم.
و عندما دخلت الخالة في احدى الغرف، سار الأخر إلي الكرسي المقابل لهدي و جلس و بهدوء تحدث:
- حقك عليا ما تزعليش مني، أنتِ ما تعرفيش جوايا إيه كل ما أبص لوشك و أشوف آثار ضربه ليكِ المعلمة علي وشك، بصي أنا مش هجبرك علي حاجة، و هاقف جمبك لحد ما تقفي علي رجلك و أي حاجة أنتِ عايزاها هتتنفذ، بس عايزك تفكري في نفسك و في عيالك قبل أي شىء.
نظرت إلي عينيه التي تخبرها بمدي حبه إليها و كيف يريدها أن تكون إليه زوجة و حبيبة، بينما عقلها بداخله صراع دائر لا تعلم ماذا عليها أن تفعل.
- أنا حالياً كل اللي في دماغي عيالي و عشانهم استحمل أي حاجة.
اندفع الأخر قائلاً:
- و ولادك هيبقوا عيالي و هخليهم يعيشوا حياة و تعليم و مستقبل أحسن، و طبعاً حقهم يشوفوا أبوهم بس طبعاً لازم يكون في محيط آمن ليهم.
حديثه كان صريحاً علي طلبه للزواج منها، و هي الآن ما زالت علي ذمة زوجها العفن البخيل.
نهضت و قالت:
- شريف، أديني فرصة حتي لو أطلقت لسه فيه تلات شهور عدة، ما ينفعش أتكلم و لا أقول حاجة غير لما يخلصوا.
أخبرها بإصرار:
- و أنا مش عايز حاجة غير كلمة موافقة و هاستني حتي لو سنة مش تلات شهور بس، ده أنا أكتر واحد يعرف معني الصبر.
شعرت بالضغط و هي في حالة لا تسمح بأي قرار حتي لو كانت لديها موافقة:
- و أنا مش قادرة أتكلم دلوقت.
عقد ما بين حاجبيه و ظل ينظر لها ثم قال:
- علي راحتك، أنا علي أي حال مشغول اليومين دول يعني مش هاتشوفيني كتير، ده غير إني مسافر بعد شهرين و إحتمال هقعد فترة كبيرة برة.
سألته و الحزن جلي في صوتها:
- و هترجع أمتي؟
نهض و وقف أمامها بمسافة قصيرة:
- مش عارف، بس بكلمة منك ممكن أرجع عن قرار السفر خالص، كله بأيدك أنتِ.
※ـــــــــــــــــــــــ※
أمام مكتب الضابط داخل قسم إمبابة، يجلس المحامي الموكل في قضية ليلة، يمسك بمجموعة من الأوراق:
- دي يا فندم بيانات بكل الأرقام و الرسائل الصادرة و الواردة للقتيل عمار، و اضح إن حد مسحهم وقت وقوع الجريمة و بحكم مهنتي و خبرتي قدرت أوصل لصاحبة رقم كانت بتبعت له رسايل مضمونها إنها بتحرض القتيل إنه يبتز مدام ليلة أو يبلغ جوزها الأستاذ معتصم إنهم كانوا علي علاقة ببعض.
سأله الضابط المحقق و ينظر إلي الأوراق:
- و دي مين دي اللي من مصلحتها تخلص من ليلة؟
ابتسم الأخر بثقة و يضبط من عويناته قائلاً:
- تبقي الأستاذة عايدة مرات أخو معتصم.
و في مكان آخر موحش و ألا هو الزنزانة حيث تجلس في ركن بعيد عن تلك النسوة و الفتيات اللاتي يضحكن و يتغامزن بينهن، قالت إحداهن بصوت مرتفع حتي تسمعه الأخري:
- و مالها دي من وقت ما جت عمالة تعيط زي اللي مات لها ميت.
عقبت فتاة أخري بسخرية:
- لا دي شكلها اتمسكت في شقة.
ردت فتاة ثالثة:
- دي شكلها صغير علي كدة، دي هتلاقوها اتقفشت مع الواد بتاعها بعد ما خرجوا من الدرس.
- يا ضنايا، صعبت عليا.
قالتها إحداهن فأطلق الباقي ضحكات سافرة
- طب أستنوا هاروح أسألها مش ممكن تكون زميلة لينا في الكفاح.
قالتها إمرأة ترتدي ثوب فاضح يبدو علي مظهرها إنها من فتيات الليل الماجنات، اقتربت منها و جلست بجوارها تتشدق بالعلكة:
- مال القمر قاعد لوحده ليه و عمال يعيط، ما تفرفشي كده محدش واخد منها حاجة.
رمقتها ليلة بازدراء ثم نظرت بعيداً مما أثار حنق الأخري، فصاحت:
- لاء يا حبيبتي ده أنتِ بصي عدل بدل ما أخزوق لك عينيكِ الحلوين دول، شايفة نفسك علي إيه يا بت.
و كادت تدفعها من يدها، أوقفها صوت إمرأة:
- نعيمة، أقصري الشر و أبعدي عن البنت.
نظرت المرأة إلي تلك السيدة الوقور و وقفت بإحترام قائلة:
- أمرك يا حاجة كوثر يا بركة القسم كله.
عادت إلي أدراجها، و قامت السيدة بالإشارة إلي ليلة:
- تعالي يا بنتي أقعدي جمبي.
توقفت ليلة عن البكاء و ترددت في الذهاب إلي الأخري التي أدركت هذا فأردفت:
- تعالي يا حبيبتي، ما تخافيش أنا زي والدتك.
نهضت و ذهبت إليها و بحذر جلست بمسافة قليلة، تمكنت رؤية وجهه تلك السيدة بوضوح، وجهها كالبدر المنير في ليلة التمام، و عليه إمارات الخير و السماح.
- أنا اسمي كوثر، دخلت هنا بسبب أشتريت معظم جهاز بنتي بالقسط، قدرت أدفع قسط ورا التاني و من أول خامس قسط مقدرتش، الأسعار ولعت و ما بقتش قادرة علي طلبات ولادي و لا جهاز أختهم اللي ما بيخلصش، صاحب المحل مقدرش يصبر عليا أكتر من خمس شهور، راح قدم فيا محضر و جابوني علي هنا، مش هانكر قلبي واكلني علي عيالي، بس اللي متأكدة منه ليهم رب يحميهم و يحفظهم لحد ما رجع لهم، بدعي لهم ربنا يوقف لهم ولاد الحلال، أنتِ بقي اسمك إيه؟
أجابت الأخري بإقتضاب:
- ليلة.
ابتسمت إليها و قالت:
- اسمك حلو أوي يا ليلة، بس شكلك صغير أنك تدخلي في مكان زي ده، عملتي إيه خلاهم يقبضوا عليكِ؟
أجابت الأخري قائلة بحزن دفين:
- أنا صغيرة في العمر فعلاً، بس لحد دلوقت الدنيا علمتني فوق عمري عمر تاني، كفاية إحساس الظلم في حاجة ما عملتهاش، يمكن ربنا بيعاقبني عن ذنوب أستهونت بيها، أو بدفع تمن غبائي لما خبيت عن جوزي حاجات يمكن لو حكيتها له من يوم ما عرفته، مكنش بقي ده حالي.
لم تفهم السيدة السبب كاملاً لكنها أدركت بأن ليلة وقعت في براثن الظلم، و تنتظر العدل من رب العباد، ربتت عليها و أخبرتها:
- بصي يا بنتي، خديها نصيحة من واحدة شافت قد اللي شوفتيه ميت مرة، مهما الدنيا غدرت بيكِ مفيش غيره اللي تلجأي له في أي محنة، أرفعي إيديكِ و قولي يارب و أشكي له همك و أدعي يقف جمبك و يظهر الحق و براءتك لو كنتِ مظلومة.
عقبت الأخري بكل ما يدور في رأسها و يفيض به قلبها الملتاع:
- أنا فعلاً مليش غير ربنا، من وقت ما بابا و ماما أتوفوا و سابوني لأخ عمري ما شوفت معاه حنية أخوه و أهله الجنيه و بس، وثقت و حبيت واحد و قولت يمكن ده اللي هلاقي معاه اللي أتحرمت منه من حب و حنان، أتاريه كان بيخدعني و بيتسلي بيا، و يوم ما ضحكت لي الدنيا و ربنا رزقني بالراجل الحنين اللي كنت بحلم بيه،حبني و حبيته و كأن الدنيا أستكترته عليه، في يوم و ليلة فرقتني عنه و
يا عالم دلوقت لسه بيحبني و لا كرهني بعد اللي حصل و هيبعد عني هو كمان زي كل اللي بعدوا و راحوا، أنا تعبت أوي، مبقتش قادرة، يارب.
ضمتها الحاجة كوثر إلي صدرها و أخذت تربت عليها:
- اهدي يا بنتي، سمي الله و أستغفريه، و ادعي بكل اللي نفسك فيه، ربنا أقوي و أحن من أي بشر.
- و نعم بالله.
قالتها ليلة و أخذت تبكي بحرقة و بألم، تنادي ربها من أجل نصرتها في تلك المحنة و يلهمها الصبر علي هذا الإبتلاء.
و في الخارج كان المحامي قد أنتهي من ما جاء إليه و تقديم بعض الأدلة التي ربما يجد بها براءة ليلة، قابله معتصم الذي ينتظر خارجاً و يحمل أكياساً كثيرة مليئة بالطعام و بعض المستلزمات.
- ها عملت إيه يا متر، الظابط شاف السجل و الرسايل؟
كان سؤال معتصم و الذي أجاب عليه المحامي قائلاً:
- قالي مش كفاية لنفي التهمة عن مدام ليلة، بس قالي لسه المعمل الجنائي و التحريات شغالة لأن فيه دايرة مفقودة، برغم أنهم لقوا أداة الجريمة و التليفون اللي جالهم من مجهول إن مدام ليلة المتهمة، لكن مفيش بصمات ليها، طبعاً ممكن يقولوا كانت لابسه جوانتي أو حاجة عازلة عشان البصمات، بس أحسن حاجة إن التحريات شغالة و لسه فيه أمل.
أغمض الأخر عينيه، كم هو قلبه يموت من الخوف و القلق عليها بالرغم من صدمته بعد علمه بكل شئ و موقفه الذي أتخذه اتجاهها لكن هذا لم يمنعه عن الوقوف جوارها و مساعدتها حتي إظهار براءتها.
ذهب إلي إحدي العساكر و أعطاه ورقة مالية من أجل أن يقوم بإيصال ما جلبه إليها من طعام و أشياء أخري.
※ــــــــــــــــــــــــــــ※
بداخل هذا البناء القديم، يتسلل إثنان من الرجال الملثمين حتي وصل كليهما إلي أعلي البناء حيث يوجد مسرح الجريمة، توقف إحداهما و قال للآخر:
- بقولك إيه يا واد يا مسعود، اللي بنعمله ده خطر أوي لو المعلم كشف الحكاية هيخلينا نحصل المرحوم، و لو البوليس طلع مراقب المكان هنروح في ستين داهية و برضو المعلم هيبعت اللي يخلص علينا عشان ما نعترفش عليه للحكومة.
لكزه الأخر و أخبره بصوت خافت:
- فال الله و لا فالك، ما تبطل نواح زي غراب البين، قولت لك نلاقي بس البضاعة و هناخدها و نقول يا فكيك و لا من شاف و لا من دري، و افترضنا الحكومة كانت مراقبة المكان، كده كده مخبيين وشوشنا و ساعة القدر برضو نجري.
تراجع الأول و قال بتردد:
- لاء يا عم أنا قلبي مقبوض، و المصلحة دي شكلها هتبقي خراب فوق دماغنا، تعالي نمشي.
- بطل ياض يا جبان و أنجز، تعالي دور معايا نشوف المرحوم كان مخبي الحاجة فين، أهو نصرفها و نطلع لنا بقرشين حلوين.
أذعن الأخر في النهاية، و ذهب معه و أخذ كليهما يبحثان، بينما توقف إحدهما في مكانه فسأله الذي يدعي مسعود:
- مالك ياض واقف كده ليه، ما تدور معايا.
- أصلي مزنوق و عايز أدخل الحمام.
حدقه الأخر بإشمئزاز قائلاً:
- روح الله يقرفك، فك زنقتك برة بعيد عني.
خرج و ابتعد عن الغرفة، أخرج هاتفه من جيبه و قد ظن أن الأخر لا يراه، بل كان مسعود يشعر بالخوف من أن صاحبه يوشي به إلي المعلم، خرج ليطمئن قلبه لكن رأي ما كان يخشاه، صاح و يوجه لكمة لصاحبه:
- يا ابن الـ... بتسلمني للمعلم يالاه.
دافع الأخر عن نفسه:
- أنت فاهم غلط، ده تليفوني جاله مكالمة، اسمعنـ...
سدد له لكمة أخري قوية، أخذ كل منهما يضرب الأخر و لا يدركان ما يحدث بالأسفل، فبعد أن صعد كليهما، قام مراقب العمارة بإبلاغ الضابط و الذي أرسل قوة للقبض عليهما.
- وقف ضرب منك ليه و سلموا نفسكم.
صاح بها الضابط، فقال مسعود:
- إيه ده يا باشا و الله ما عملنا حاجة، ده إحنا كنا بنهزر مع بعض مش أكتر.
حدقه الضابط بازدراء و أخبره:
- جايين تهزروا في مكان حصل فيه جريمة قتل!، هاتوهم علي البوكس.
※ـــــــــــــــــــــــــ※
و في المخفر صاح مسعود بألم بعد أن لطمه بقوة مساعد الضابط
- و عليا النعمة يا باشا معرفش حاجة أزيد من اللي قولته لك، إحنا كنا جايين نشقر علي عمار و منعرفش إنه أتقتل.
حدقه الضابط بإبتسامة ساخرة قائلاً:
- و أنا مقولتش إن عمار أتقتل، أديك وقعت بلسانك و كدبك أتكشف، ها مش ناوي برضو تقول مين اللي قتل عمار و إيه السبب؟ و إلا...
نظر الضابط إلي مساعده و الذي ألتقط شيئاً من منضدة خلفه فكان صاعق كهربائي، و عندما رآه مسعود لا سيما قام الضابط بتشغيله فأصدر أزيزاً، صاح بذعر مبالغ به:
- لاء، كهرباء لاء، مش عايز أموت، أبوس إيدك يا باشا هعترف بكل حاجة بس بلاش كهربا.
أستنتج الضابط من علامات الفزع علي وجه مسعود إنه لديه رهاب من الكهرباء، و بإبتسامة انتصار قال:
- أنجز و قول و إلا أنت عارف.
هز الأخر رأسه و عينيه لا تحيد عن الصاعق بذعر:
- هقول، هقول يا باشا، الحكاية هي أن عمار خد بضاعة مخدرات برشام علي حشيش علي كوك من المعلم بحوالي ربع مليون جنيه يمكن أكتر، المعلم أداله مهلة لو خلصت تكون فلوس البضاعة عنده و هدده و قاله لو ماجيبتش الفلوس و لا البضاعة رقبتك هاتكون التمن، المعلم افتكر إن عمار هيغدر بيه بعت واحد اسمه التروبيني، ده تخصصه يخلص أي عملية انتقام للمعلم من غير ما يسيب وراه دليل ضده.
أمره الضابط الذي ينصت له:
- ها، كمل و بعدين.
أجاب الأخر بتردد و خوف:
- و الله يا باشا زي ما حكيت لك بالظبط و الباقي حضرتك عارفه و هو قصة قتل عمار، و المعلم اطمن لما أستقص و عرف إن حد شال الموضوع، و ده خلاني أنا و الولاه مدبولي نيجي عشان ندور علي البضاعة اللي مرجعهاش عمار و قولنا خلينا نسترزق منها و من غير ما يعرف المعلم.
مد الضابط الصاعق بالقرب منه و يسأله:
- مفيش حاجة تاني؟
صرخ الأخر بخوف و فزع:
- أقسم بالله يا باشا ده كل اللي أعرفه و قولته لسعادتك.
- كده حلو أوي، يلا يا عسكري خدوهم الأتنين علي الحجز.
نفذ الأخر الأمر علي الفور، فقام الضابط بالإتصال:
- حضروا لي قوة بسرعة عندنا طالعة في المُنيب.
※ــــــــــــــــــــــــــــ※
و في اليوم التالي أستيقظت ليلة علي نداء العسكري لها:
- ليلة محمد نصار.
نهضت و أجابت:
- حاضر.
و قبل أن تغادر الزنزانة رمقتها السيدة كوثر بإبتسامة مشرقة و أخبرتها:
- أنا حلمت لك حلم جميل أوي، أبشري يا بنتي.
أومأت لها الأخري و ذهبت مسرعة عندما كرر النداء عليها مرة أخري.
و في مكتب الضابط، أشار إليها قائلاً:
- تعالي يا ليلة أتفضلي أقعدي.
وجدت المحامي يجلس و الضابط تظهر علي ثغره بسمة، جعلتها توترت أكثر، جلست بتوجس و سألته:
- خلاص هترحل علي النيابة؟
أجاب الضابط:
- لاء هتترحلي علي بيتكم، الحمدلله قبضنا علي المجرم إمبارح و جاري التحقيق معاه، لأن طلع الموضوع وراه عصابة مخدرات كبيرة كان شغال معاهم القتيل.
تذكرت أمر مكالمة عمار لها حين أتصل عليها ليستغيث بها و يريد المال.
- يعني أنا كدة براءة؟
أجاب المحامي الذي يجلس في سعادة من أجل موكلته:
- هنخلص حضرتك شوية إجراءات بسيطة.
و عقب الضابط:
- هتخرجي بضمان محل إقامتك و هتفضلي تحت المراقبة لحد ما تخلص التحقيقات مع المجرم، ألف مبروك علي البراءة.
- الله يبارك في حضرتك.
قالتها بشبه ابتسامة، و بعد أن أنتهت من إجراءات إخلاء سبيلها، خرجت من القسم لم تجد أحد، كانت تود إن يكون في إنتظارها لكن خاب ظنها.
وجدت المحامي يقف بجوار سيارة أجرة و أخبرها:
- مدام ليلة، تعالي أركبي السواق هيودي حضرتك علي البيت.
ذهبت و دلفت إلي داخل السيارة، أخذت تراقب الطريق من خلف النافذة و تبكي و تقول داخل رأسها:
- للدرجدي هونت عليك يا معتصم، بالتأكيد المحامي أتصل عليك و قالك إن أنا بريئة، اه لو تعرف أنا بحبك قد إيه و صعب عليا بعدك عني.
※ـــــــــــــــــــــــــ※
وصلت السيارة داخل الحارة و نزلت ليلة لتجد السيدات تتهافت عليها بسعادة:
- حمدالله علي السلامة يا ليلة.
و قالت أخري:
- و الله كنا بندعي لك يا بنتي، أصل معدنك طيب و عمرك ما تعملي اللي سمعناه ده.
هزت ليلة رأسها بإمتنان:
- شكراً.
أطلقت أخريات الزغاريد التي وصلت إلي والدة معتصم و عايدة التي نهضت من أمام التلفاز لتري مصدر الزغاريد، وقفت هي و حماتها في الشرفة ليجدن الجارة المقابلة تخبرهما بفرح:
- ألف مبروك يا أم معتصم، ليلة خرجت بالسلامة بس بيقولوا راحت عند بيت أخوها.
ردت الأخري بسعادة عارمة:
- يا فرج الله، لما أروح أكلم معتصم و أقوله.
و كانت عايدة تقف و الشر يتطاير من عينيها تقول بصوت خافت:
- هي البت دي مش عارفة أخلص منها!، صبرك عليا يا ليلة يا أنا يا أنتِ في البيت ده.
كانت نفيسة تتصل بولدها لكنه لم يرد كالعادة، فقالت:
- الله يسامحك يا معتصم، لازم أنزل أدور عليه و قبلها هاروح لـ ليلة أطمن عليها و أخليها ترجع لبيتها عقبال ما معتصم يرجع هو كمان، و ينوروا عليا البيت.
بعد قليل...
أخذت تطرق الباب، نهضت ليلة من فوق الأريكة بصعوبة:
- حاضر.
قامت بفتح الباب فوجدت والدة زوجها التي بمجرد رؤيتها قامت بعناقها:
- حمدالله على السلامة يا حبيبتي، و الله فرحت لك لما خرجتي و طلعتي براءة.
- الله يسلمك يا خالتي، أتفضلي اقعدي، تشربي إيه؟
قالتها و همت بالذهاب إلي المطبخ، فأوقفتها الأخري و قالت:
- تعالي هنا أنا مش جاية عشان أشرب، يلا تعالي معايا علي بيت جوزك.
وقفت ليلة و حدقتها بنظرة ساخرة:
- و فينه جوزي أصلاً؟، مجيت حضرتك علي عيني و راسي، لكن أنا مش راجعة و قولي لابنك ما تقلقش أنا مش عايزة أي حاجة منك، أنا ليا ربنا اللي أحن من الكل.
حدقتها الأخري بحزن و سألتها:
- ليه بتقولي كده يا حبيبتي، كفي الله الشر، إيه اللي حصل.
شعرت بدوار مفاجئ لاسيما بعد أن ازداد التوتر لديها:
- مفيش يا خالتي، كل اللي أقدر أقوله لك مش راجعة البيت تاني و...
لم يتحمل جسدها أكثر من ذلك، يكفيها ما تحملته الأيام السابقة و كانت لا تأكل و تكتفي بشرب الماء فقط مما جعلها نقصت وزناً قليلاً، و حول عينيها بدأت الهالات السوداء في الظهور.
وقعت مغشي عليها، صرخت والدة معتصم:
- ليلة؟