رواية زيغه الشيطان الفصل التاسع عشر
'المرأه لغز مفتاحه كلمه واحده... هي الحب.'
- فريدريك نيتشه.
________
كانت ريما قد أرتدت ملابسها مستعدة للهبوط فلم تستطع مها منعها، فقد أصبحت غريبة منذ ذهاب شهاب و لا يمكن لاحد السيطرة عليها، فهتفت مها وهي تحاول للمرة الأخيرة:
- يا ريما أعقلي..بلاش جنان.
- كنت عاقله هو اللي جنني يا مها، شهاب قضى عليا، كل مرة كنت بحاول أرجع ريما القديمة لغاية ما قضى عليها انا نفسي مبقتش عارفة اعقل واهدى…
قالت كلماتها بوجع شديد وغضب من كل شيء حولها، كلما تتذكر اعترافها بحبه...وأخذه من هذا سبب لجرحها…
فقد اعترفت بها مرتين..و كانت على استعداد أن تسلم نفسها له وأن يمتلكها رغم عدم اعترافه بشيء نحوها، ولكن مهما فعلت يشعرها بأنها كانت مخطئة حينما فتحت له قلبها مرة اخرى ومنحته فرصة جديدة..
فصاحت مها بغضب شديد من اندفاعها:
- انا معرفش ايه اللي حصل، بس باين أنه خايف عليكي، وواضح أن في سوء تفاهم، ويا ريما مهما حصل ما بينكم مينفعش اللي عايزة تعمليه ده...
انا مش هكلمك عن حبك لشهاب، هكلمك حتى أن قرار زي ده مينفعش تعمليه من غير ما ترجعي لاهلك فيه، انتِ من ساعه ما جيتي بتكدبي على مامتك أنك لسه هناك في بيتك ..
ثم تنهدت مها وأخذت انفاسها وهي تحاول أن تلين عقلها وتعدلها عن قرارها التي أتخذته:
- ريما عارفة لو باباكي ومامتك عرفوا انتِ رايحة تعملي إيه هيحصل إيه وانتِ مفهماهم انك في بيتك مع جوزك..
أنتشلت ريما حقيبتها غير مبالية بأي شيء، لا ترى شيء سوى أن تقتص لكرامتها وتستردها…
- مها انا ماشية لو هتفضلي تضايقيني هسيبلك البيت وامشي انا اللي في دماغي هعمله مهما قولتي..
- والله هتروحي العباسية رسمي وساعتها هقول انا قولت…
- ماشي ابقي قولي ساعتها سلام.
خرجت ريما من الغرفة بغضب ونار مشتعلة بداخلها، فركضت مها خلفها ممسكه بمعصمها، فهتفت متسائلة:
- رايحة فين ؟!
- انتِ عندك فقدان في الذاكرة اومال كنا بنقول أيه جوة !
هتفت مها بنبرة قلقة وصارمة:
- انا مش موافقاكي بس مش هسيبك تروحي لوحدك رجلي على رجلك، ونرجع قبل ما مرام تيجي…
_________
في مكتب أمجد..
دخلت فتاة من إحدى العاملات لديه بالمكتب مخبره إياه بتواجد ريما ياسر..وفتاة أخرى بصحبتها، ليأمرها بأن تدخلهم على الفور..
ولجت ريما لتبتسم بخفوت وخلفها صديقتها..
فـ نهض أمجد من مقعده مصافحًا إياهم مرحبًا بهم بحرارة وأخذ يسألهم عن الشيء اللتان يريدان شربه، فطلبوا مشروب ساخن على مضض…
ثم تحدث أمجد بنبرة هادئة وبسمة تزين محياه:
- منورة يا مدام يا ريما، أول مرة تيجي مكتبي…
تنحنحت ريما بغضب من نظرات مها الغاضبة إلى امجد فيكفي أنه صفع زوجته امامهم جميعًا، ثم ردت ريما بنعومة:
- بنورك يا متر..
جاءت الفتاة وهي تحمل كوبين من الشاي وفنجان القهوة لامجد وحينما لم تجد أي طلب اخر يقع على عاتقها ذهبت
فعاد امجد مردد بهدوء ونبرة مرحة وهو يحاول أن يخمن سبب مجيئها:
- خير يا مدام ريما، ربنا يسترها مش متعود أشوف الناس في الخير في مكتبي بصراحة.
ابتسمت ريما بخفوت على دعابته لتخبط قدم مها بخفة وخلسة، فكانت تعقد ساعديها وتجلس وهى تزفر بضيق ولا تدري ريما السبب !
تنهدت ريما ثم قالت موضحة:
- بص يا متر، اللي حصل في فرحي مع شهاب أنت المسؤل عنه وفرحي يعتبر باظ بسببك، وانتَ بعدها جيتلي المعرض وقولتلي أنك مستعد تعمل اي حاجة عشان تعوضني فرحي اللي باظ ده يعني زي اعتذار كدة ليا أنا وشهاب…
عاد امجد بظهره للخلف متذكرًا ذلك اليوم الذي ذهب إليها واعتذر لها مبينًا لها مدى ندمه ورغبته في تعويضهم عما حدث ولم يطول حديثهم فقد استغرق حوالي خمس دقائق فقط…
مط امجد شفتاه واماء مؤكدًا:
- صح، ولسه عند كلمتي اقدر اعتذرلكم أزاي عن الغلط ده…
أخذت ريما نفس طويل، ثم هتفت بنبرة مندفعة حاسمة:
- انا عايزاك ترفعلي قضية على شهاب وتكون المحامي بتاعي…
نظر لها أمجد باستغراب شديد وفرحة خفية...وكادت البسمة أن تشق ثغره لولا سيطرته عليها واتخاذه قناع البرود والضيق لأجلهم:
- قضية ايه مش فاهم ؟!!!!!
أجابت مها بسخرية لم تستطيع إخفاءها:
- قضية خلع يا متر، أصلها اختارتك لانك بتؤمن بحقوق المرأة فقالت عليك محامي ميتعوضش...مش كده يا ريما ؟
زفرت ريما وقالت مثبته انظارها على أمجد:
- قضية خلع، انا عايزة أخلع شهاب..
فهم أمجد تلميح تلك الفتاة وسخريتها منه لكنه تجاهلها...فما يسمعه كفيل لاسعاده ضهرًا بأكمله…
بعد مضي بعض الوقت..
خرجت ريما من مكتبه برفقة مها التي لم تكف عن رمق أمجد بنظرات يملؤها الكره طيلة حديثهم واتفاقهم بعدما وافق على طلبها....
تحركا سويًا وما لبثت مها أن تخرج من باب المكتب بأكمله حتى وجدت جسدًا يتصادم بها...
رفعت رأسها وتمتمت بخشونة ولاذعة:
-مش تفتح يا عم.
لم يجيبها الشاب ومر من جوارها كأنه لم يفعل شيء...
جذبتها ريما من ذراعيها للخارج، متحدثة بحنق:
-أنا عايزة افهم إيه اللي عملتيه مع الراجل جوه ده، ده زي ما يكون قتلك قتيل.
ردت مها عليها بوجوم:
-لا مش قتلي قتيل، بس الراجل ده أنا مش مرتحاله، وشهاب لو عرف باللي عملتيه ده مش هيسكت يا ريما.
-وأنا مش عايزاه يسكت يا مها وبرضو هخلعه يلا بقى خلينا نمشي من هنا.
هتفت ريما بتلك الكلمات وهى تتحرك فلحقت بها مها...
أما داخل المكتب...
وبعد مغادرة ريما كانت بسمته الماكرة الشماتة تزين ثغره مردد بينه وبين نفسه:
-البت ريما كانت عجباك يا أمجد واستخسرتها في شهاب..اديها جتلك على الطبطاب...انا هوريك يا شهاب...هوريك مين هو امجد الشيمي…
اقتحم هاني مكتب أمجد دون استئذان مستغلًا غياب المسؤولة عن دخول العملاء..حدق به امجد بنظرة متفحصة يشعر بأنه رآه من قبل لكن ذاكرته لا تسعفه..
اقترب منه هاني ورفع يديه ماددًا إياها معرفًا ذاته.
-أنا هاني معرفش تعرفني ولا لا بس أنا من نفس البلد بتاعتك..واسف لو كنت دخلت كدة بس مفيش حد برة…
رفع أمجد يديه وبادله سلامه بغرور وعجرفة، متيقنًا بأنه قد رآه هناك من ذي قبل...
-أهلا أتفضل..
جلس هاني بالمقعد القابع أمامه، جالت عينيه بالمكتب قبل أن يتحدث موضحًا سبب مجيئة:
-بصراحة أنا جاي عشان في مصلحة حلوة...
عاد أمجد بظهره للخلف وخرج صوته متسائلًا:
-مصلحة إيه دي؟
ثبت هاني نظراته عليه ثم اقترب برأسه قليلًا وقال دون مقدمات:
-بصراحة بقى ليك عندي حتة خبر هتخليك تركب نجم ودلدل رجلك كمان، وتخليه مش عارف يرفع رأسه وسط أهل البلد...
ارتفع حاجبي أمجد واستطاع ذلك الشاب جذب كامل تركيزه معه:
-خبر إيه ده اكلم..
ابتسم الشاب بخبث، متمتم:
-هكلم بس كله بتمنه، والخبر ده يستاهل كتير... كتير اوي كمان...
رد أمجد على الفور:
-هديك اللي أنت عايزه انطق..
اتسعت بسمة هاني، وقال بخفوت:
-طبعا أنت عارف أن ياسمين عمته الصغيرة مخطوبة لأيمن ابن محمد اللي مرشح نفسه في الانتخابات، الاتنين بقى غلطوا مع بعض والبت سلمتله نفسها ومحدش يعرف بعملتهم دي غير اتنين راضية اختها وعامر اخوه....اللي هو يبقى صاحب نجم….
__________
صف بسيارته أمام ذلك البيت المهجور التي وصفته لها ووجدها تقف في فنائه وهو مازال في سيارته تنفس الصعداء ثم هبط من السيارة غالقًا الباب بعنف قليلا مصدرًا هذا العنف صوت صدع في هذه المنطقة المليئة بالأراضي الزراعية..
اقترب نجم منها قائلا بنبرة جامدة وهو ينظر لها وهى تتحاشي النظر له:
- عايزة مني إيه تاني يا رقية ؟!!!!
__________
دخل نجم المنزل هو وابنته بعد أن أخذها من المدرسة كعادة كل يوم وتحديدًا الفترة الماضية حينما دخلت غرام لحياته بصفة أخرى فهي ترى أنها يهملها فيحاول الحديث معها والجلوس معها لوقت اكثر مما سبق…
صعدت ابنته إلى غرفتها ليلمح طيف غرام من الأعلى فكانت على وشك الهبوط وبمجرد رؤيته ركضت الى غرفتها مرة أخرى وكأنها تهرب منه، دخل إلى المكتب ليقابل محمد والد عامر يخرج من عند جده فاوصله إلى الباب ثم عاد مرة أخرى لجده..
- السلام عليكم يا جدي.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا نچم، إيه ده غريبة يعني جاي بدري..
- ده ميعاد سندس كل يوم كنت بسيبها عند الباب وأروح المزرعة بس جولت ادخل اتحدث معاك في موضوع اجده..
قال نجم كلماته بهدوء شديد، فهتف رضوان بقلق:
- في ايه يا نجم، متقلقنيش..
علق نجم بنبرة هادئة وابتسامة ارتسمت على ثغره :
- مفيش حاجة يا چدي، انا خلاص هريحك وأعملك اللي انتَ عاوزه..
نظر له رضوان باستغراب وحك لحيته البيضاء قائلا بنبرة هادئة:
- هتريحني كيف عاد ؟!
هتف نجم قائلا بثبات انفعالي ونبرة هادئة :
- فرحي ودخلتي انا وغرام هيكونوا بعد راضية وياسمين ايه جولك عاد…
كان رضوان يرتشف قهوته لتقف في حلقه ويسعل بشدة بمجرد سماعه تلك الكلمات ثم تحدث بدهشة :
- انتَ بتتكلم جد يا نچم !!!!!
- ايوة جد الجد كمان، ولو حابب اكون مع راضية وياسمين في نفس اليوم معنديش مانع..
تهللت اساريره وقال معارضًا على الفور:
- لا، انتَ ليلتك لازم تكون كبيرة ومميزة ده انتَ كبير البلد والمرة دي فرحك مش على أي حد فرحك على غرام النچم بت عمك يعني فرحة عمري أني الاقيكم حواليا…
_________
" في المساء "
تجلس غرام أمام المرآة تمشط شعرها وتضع حمرة على وجهها وترتدي حلق ذهبي في أذنيها وكأنها تحرص على التواجد في هيئة انثوية في كل الأوقات فلا تريد أن يراها ولو لدقيقة واحدة مهملة في منظرها أو في هيئة طفلة صغيرة فهي تريد أن تفهمه انه امرأة مكتملة الأنوثة وعاقلة وراشدة لتحتوي ابنته وتكن زوجة له فهى ليست بصغيرة…
دخلت ياسمين ليتسامروا في العديد من الأشياء وكانت ياسمين تشعر ببعض التقلبات في حالتها الصحية والنفسية بسبب الحمل وتحاول ألا تظهر شيء.
دخلت توحيدة قائلة بنبرة ساخرة:
- انا جولت هلاقيكي أهنه يا ياسمين ما انتم التوأم الروحي..
دخلت بعد ان ضحكت ياسمين وغرام، وجلست توحيدة لتراقب غرام وهي تنهض من أمام المرآة وتوجهت إلى الطاولة لترتشف من كوب الشاي التي تركته منذ ساعة فهي تعشق تذوقه باردًا فهتفت توحيدة بمرح وسخرية:
- ربنا يهديكي يا غرام يا بتي وتفضلي اجدة فايقة ورايقة لما تتجوزي وتتذوقي كل ليلة وتحطي الاحمر والاخضر ومترجعيش بعد ما توقعي الراجل تضربي البوظ شبرين...
ضحكت غرام وهتفت بدلال وهي تمسك الكوب :
- لا متقلقيش عليا يا قلبي، انا مش نكدية وزي ما انا في كل وقت بهتم بنفسي…
فهتفت توحيدة بمكر:
- انا جولت عاد لازمًا مزاجكك يكون عالي…
عقبت غرام بعدم فهم:
- اشمعنا يعني ؟
- شوفي البت عاملة نفسها مخبراش..
قالت توحيدة كلماتها وهي تنظر إلى ياسمين بمكر فقالت غرام بعدم فهم :
- مش فاهمة بجد يا توحة قصدك أيه ؟
- ليه مخبراش أن نجم قدم ميعاد فرحكم ودخلتكم وهتبقي بعد جواز راضية وياسمين…
بعد أن قالت توحيدة كلماتها، سقط كوب الشاي من غرام، لتنظر لها بفم مفتوح لا تصدق ما سمعته، فتحدثت توحيدة بسخرية:
- والله مجنونة يا غرام؛ البت تنحت يا ياسمين مش مصدقة نفسها باين، ليه كنتي فاكرة إياك انكم هتجعدوا سنتين بجد..
لم تتحدث غرام أبدا، دقات قلبها عنيفة تنظر لهم بدهشة لا تصدق ما تسمعه حتى..
__________
اليوم التالي…
في حجرة الأجتماعات الخاصة بالقناة
أنهى فهمي اجتماعه للتو وغادر الجميع فلم يتبقى سوى ابنه مشغول البال، لا يفكر بسواها...
انتشله صوت والده قائلًا:
-قولي يا شهاب ناوي تعمل إيه مع ريما..
مسح شهاب على وجهه بضيق وتحدث بوجوم تام:
-مش عارف يا بابا بس الأكيد أني مش هسيبها انا سايبها بس تهدأ وبعدين هشوف هعمل إيه معاها.
اماء له فهمي بتفهم، وغمغم بحنان:
-لو حابب ممكن اروح لها واكلم معاها وافهمها انا اللي ح
قاطعة شهاب رافضًا تلك الفكرة:
-لا يا بابا بلاش هتفتكر أننا بنضغط عليها، أنا عايزها تهدأ خالص من ناحيتي..
تلفظ فهمي بأسلوب مرح عله يرسم بسمه على وجهه ابنه:
-كله من دودي منها لله.
-ابتسم شهاب بسمة طفيفة على أسلوب والده...
ثم اقترب منه فهمي و ربت على كتفيه وقال:
-عندي ميعاد دلوقتي هخلصه وبليل اشوفك في البيت، سلام يا بطل.
-سلام يا بابا..
رحل فهمي، فظل شهاب جالسًا مكانه، اغمض عينيه للحظات متذكرًا تلك اللحظات التي جمعتهم سويًا...
زفر بعنف و اخفض رأسه صادمًا إياها بحافة الطاولة أمامه، هامسًا:
-غبي غبي...
هنا واستمع صوت دقات على الباب صاحبها ولوج أمجد الذي سأل عنه وعلم بوجوده في تلك الحجرة ..
نهض شهاب ما أن رآه امامه، وقال بحدة:
-أنت بتعمل إيه هنا؟
ابتسم أمجد بسمة استفزاز وصاح بمرح:
-الاه هى دي نورت اوضة الاجتماع يا امجد، مكنش العشم يا راجل..
زمجر شهاب به وقال بشراسة:
-أنت هتصاحبني اخلص..
صمت أمجد ثوانِ ثم أضاف بنبرة خبيثة شامتة:
-لا مش هصاحبك يا شهاب، احنا عمرنا ما هنبقى صحاب اصل ازاي صحاب وأنا المحامي بتاع مراتك...
قطب شهاب حاجبية بعدم فهم، فلم يتوقف أمجد واسترسل:
-الاه تاني هو أنا مقولتلكش أن مراتك كانت عندي امبارح وأننا هنرفع عليك قضية خلع وهتخلعك يا معلم، وانا قولت بقى اجيلك ونحل الموضوع ودي اصلى بعمل حساب للعشرة.....