رواية مداهنة عشق الفصل العشرون 20 بقلم اسماء ايهاب

  

 

رواية مداهنة عشق الفصل العشرون بقلم اسماء ايهاب



كان سبب قلق جدها و صديقتها عليها هدوئها و صمتها المريب طوال الطريق . ملامحها ثابتة لم يظهر علي اثر للغضب او الانكسار ، متماسكة و كأن ما حدث لا يمسها في شئ ، حتي وصلت السيارة التي تقودها جنة الي منزل آسيا ، و زهي بلونه الابيض الذي يبرق تحت الإضاءة القوية .
توجهت بخطواتها الهادئة نحو الاعلي غير عابئة الي نداءات جدها القلق خلفها. و من هنا بدأ يزول تجمدها و يذوب الجليد الذي يحاوط ملامحها ، تلاحقت أنفاسها الهادرة و هي تغلق الباب بالمفتاح ثم رمت به بعيداً ، عقلها لا يستوعب ما حدث ، اتركها تواجه فضيحة كبيرة و هرب ! تخلي عنها بعد ان وثقت به و وضعت قلبها بين يديه بكل سذاجة ؟! دارت بالغرفة بعينين زائغتين ، و يتردد بأذنها اصوات الهمهمات الصادرة عن المدعوين بالحفل و تعليقتهم الخفية عن سبب غيابه ، وضعت يدها علي أذنها في محاولة يائسة منها لطرد الضجيج ، و لكنه ازداد اكثر حتي صرخت بقوة ، هرع علي اثرها جدها و جنة و توجها الي الاعلي .
صوتها المذبوح اخذ يتعالي بصراخ حاد ممتزجاً مع صوت تحطيم زجاج المرآة الطويلة التي ازاحتها بيدها لتسقط ارضاً ، دفعت كل شئ امامها علي الأرض و كأنها تبحث عن شئ بعينه ، بحثت بجنون حتي توقفت حركتها تماماً أمام رؤيتها "مفتاح سوار الكارتييه" هديته لها .
اخذت المفتاح و فتحت السوار و خلعته عن معصمها . الآن علمت لما أعطاها المفتاح كان يخطط لذلك اليوم و يعلم انها ستحتاجه لتنزعه عنها ، جثت علي الأرض و اخذ القطعة الحديدية الداعمة للمرآة و اخذت تحاول تحطيم السوار بكل قوتها غير مهتمة بطرقات الباب القوية و لا التوسلات لها ان تفتح .
توقفت عن محاولة تحطيم السوار و جلست علي الأرض ساكنة و سكن كل شئ حولها الا صوت أنفاسها العالية حتي طرقات الباب و التوسلات توقفت . و كأن موعد انهيارها قد حان ، بكت بكاء شديد كطفل حُرم من أمه ، سمحت لنفسها ان تنتحب واضعة يدها علي وجهها .
فُتح جدها الباب عندما اخذ المفتاح من العاملة ، و خلع قلبه حزناً عليها لأول مرة يري حفيدته تنهار بهذا الشكل اقترب منها بلهفة و جلس الي جوارها يحتويها بحنان بين ذراعيه يمرر يده علي خصلات شعرها متحدثاً بهدوء حتي تسكن :
_ اهدي يا حبيبتي اهدي ، بسم الله علي قلبك حتي يهدئ 

ازداد بكائها و تعالت شهقاتها ، مشددة علي سترة جدها بقبضة يدها تهمس له بما يؤلمها و في المقابل يحاول مواستها و تهدئتها .
اخذت جنة كوب الليمون من العاملة التي طلبته منذ قليل ، جثت الي جوار صديقتها تربت علي ظهرها تطلب منها بهدوء ان تتناول العصير حتي تهدئ ، تجرعت رشفتين من الكوب ثم ازاحت يد جنة حتي تتركها و وقفت عن الأرض تستند علي يديها ، جلست علي الفراش بهدوء و كأنها لم تنهار منذ دقائق ، رفعت رأسها إلي جدها تهتف بصوت متحشرج :
_ متخافش عليا يا جدو انا بقيت تمام .

تطلع جدها الي وجهها و قد توهجت وجنتيها بالحُمرة لتجبر نفسها علي الابتسامة قائلة :
_ متقلقش صدقني انا كويس ، ممكن تفضل معايا هنا و متروحش 

تقدم منها يقبل جبهتها ، يربت علي كتفها قائلاً :
_ حاضر يا حبيبتي مش هروح ، قومي خدي دش و غيري هدومك 

اومأت إليه ، ليستدير ليغادر الغرفة و هو يوصي بها صديقتها التي اكدت أنها لن تتركها ابداً .
اغلقت جنة الباب خلف السيد نجيب ، اتجهت تجلس جوار آسيا تحتضنها برفق تحاول ان تخفف عنها وقع الصدمة و ما حدث لها ، اما عنها فسكنت احضان صديقتها بهدوء ، تستقبل مواساة جنة برحابة صدر دون ان تنبس ببنت شفة 

***********************************
جلس علي طاولة الطعام بمنزل عائلته القديم ، يدفن رأسه بين كفيه بخزي لم يكن يتوقع يوماً ان يقع في مثل هذا الموقف ان يكون بهذه الخسة ، تنهد بقوة مستغفراً ربه حين على صوت أخيه و هو يلومه علي فعلته الهوجاء و يصرخ به أنه اخطأ ، لم يتحرى عنها قبل ان يرتب للانتقام اثار ثرثرة شقيقها حفيظته ليقف عن المقعد بعنف مزيحاً اياه للبعيد و هو يصيح بنفاذ صبر :
_ اسكت بقي .. اسكت كفاية 

اقترب من عُدي الذي يجلس علي مقربة منه علي المقعد المتحرك الخاص به يصرخ من جديد بغضب :
_ انت مش قولت أسمها آسيا التهامي و بتشتغل عارضة أزياء لازم افهم ان هي هو واحدة هتكون بنفس الاسم و الشغل 

صمت هنيهة يحاول التقاط أنفاسه التي سُلبت فجأة و كأن الجدران تضغط علي صدره ثم اشار إلي شقيقه بأتهام قائلاً بصوت حاد :
_ كله غلطك عملت فيها الكبير الواعي و روحت حبيت و خطبت واحدة منعرفش عنها حاجة و لا عرفتنا عليها و لا شوفناها 

تدخل آدم بينهما يدفع قاسم ان يتراجع الي الخلف قائلاً بهدوء :
_ خلاص يا جماعة صلوا علي النبي خلونا نفكر هنصلح اللي حصل دا ازاي 

تراجع قاسم الي الخلف واضعاً يده علي رأسه يردد الصلاة علي النبي حتي تهدئ نفسه و لو قليلاً ، حينها تحدث عُدي محاولاً تقبل ثورة اخيه :
_ انت لازم تروح تتكلم معاها و تفهمها ان اللي حصل سوء تفاهم 

نفي قاسم برأسه  مجيباً عليه بضيق :
_ مش هتقبل تسمع مني حاجة .. اللي حصل لا يمكن يتصلح و خصوصاً مع واحدة زي شخصية آسيا ابداً 

تحدث عُدي و هو يشاهد عينى شقيقه التي ظهر بهما طوفان من الغضب و الحسرة و الندم :
_ كنت عارف انك حبيتها 

زئر قاسم بعصبية و هو يدفع بقدمه الطاولة الصغيرة المجاورة له و لم ينفي حديث شقيقه بل أكد علي ذلك قائلاً : 
_ و ضيعتها من أيدي ، خسرتها

ردد آدم بضيق :
_ عشان مشيت ورا غضبك ، المفروض كنت اتأكدت الأول 

التفتت إليه قاسم ، ينظر إليه شزراً قبل ان يدفعه بكتفه قائلاً بأنفعال :
_ انت غبي انت كمان بقولك نفس الاسم و نفس المهنة مفيش غير آسيا التهامي عارضة الأزياء واحدة بس 

_ خلاص روح وراها عند جدها 

اقترح عُدي ببساطة ليجيبه قاسم بعد أن ارتمي علي اقرب مقعد له :
_ كلمت كامل عيني هناك ، مروحتش لا هي و لا جدها اكيد راحت الفيلا بتاعتها 

تحدث عُدي بأمل و هو يحرك مقعده لكي يقترب منه :
_ كويس روحلها هناك 

_ معرفش المكان ، كلمت حد هيشوفلي العنوان و يبعتهولي 

نطقها قاسم بارهاق و هو يضع يده علي عينه ، ربت عُدي علي كتفه بحنو قائلاً :
_ ان شاء الله كله هيتصلح و هترجعه لبعض 

ثم هتف بأسف شاعراً بالضيق لتسببه بأزمة كبيرة في حياة شقيقه :
_ حقك عليا يا قاسم انا السبب في اللي حصل 

مال قاسم يقبل رأس شقيقه و كأنه يزيح عنه الشعور بالذنب ، صدح صوت هاتفه بأشعار جديد و حين وجد عنوان منزل آسيا هب واقفاً يأخذ أغراضه و يتوجه إلي الخارج دون ان ينطق بكلمة و لكنهما علما لما أسرع بالخروج بعد تلك الرسالة ...
صف سيارته أمام الباب و اخبر الحارس أنه بحاجة لرؤية صاحبة المنزل ليبلغ الحارس العاملة بهاتف صغير بطلبه و التي أجابته ان آسيا قد ذهبت للنوم منذ قليل و لا يمكن ازعاجها ، اغلق الحارس الهاتف و ابلغ قاسم بذلك و لكنه أصر علي رؤية الجد ان كان مستيقظاً ، دقائق و خرج السيد نجيب مهرولاً نحو قاسم الذي حاول استقبال انفعالاته بهدوء .
وقف السيد نجيب أمامه ينظر إليه باشمئزاز قائلاً :
_ اول مرة اغلط في نظرتي لبني آدم 

تحدث قاسم بهدوء محاولاً امصاص غضبه :
_ انا عايز حضرتك تسمعني الأول اللي حصل سوء تفاهم و الله 

صاح السيد نجيب بغضب و هو يشير نحو المنزل حيث تقبع آسيا :
_ سوء تفاهم اية اللي يخليك متحضرش كتب كتابك و تسيبها في القاعة لوحدها تواجه الموقف الزفت دا

تنهد قاسم بثقل و تحدث برجاء :
_ اسمعني بس الاول و انا هفهمك كل حاجة 

صمت السيد نجيب و بدأ قاسم في سرد له كل شئ من البداية حتي تلك اللحظة خافياً فقط مهنة آسيا الحقيقة حتي لا يتسبب لها في مشكلة جديدة و أنهي حديثه متحدثاً بأسف :
_ انا أسف بجد علي كل اللي حصل ، انا بحب آسيا بجد و مكنتش اعرف اننا هنوصل لهنا 

ربت السيد نجيب علي كتفه بحدة و لم يتعاطف مع اي كلمة خرجت منه ثم تحدث بحسم :
_ روح يا بني شوف دنيتك بعيد عنها و ربنا يوفقك 

كاد قاسم أن يتحدث يخبره أنه يريد ان يصلح الوضع بينهما و لكن نظرته الحادة النافرة جعلته يتراجع و يودعه بهدوء مغادراً المكان و قلبه يطرق بقوة لا يهدئ و قد كسى الحزن ملامح وجهه و خصيصاً حين انطلق بالسيارة بعيداً عن المنزل قبل ان يسترضيها و يشرح لها الموقف .

***********************************
في صباح اليوم التالي استيقظت آسيا في موعدها كان لديها مقابلة عمل جديد مع احد مصممي الأزياء ، كانت صادمة بشكل يثير القلق عليها رغم عيناها الحمراء المنتفخة من كثرة البكاء الا انها لا تظهر الا القوة و الثبات ، وضعت مساحيق التجميل لتخفي أثر اي ارهاق او بكاء عن وجهها و تراقبها جنة عن كثب و الخوف علي صديقتها ينهش داخلها ، اجفلت جنة حين نطقت آسيا بهدوء :
_ كفاية مراقبة و بصي برا شوفي في صحافة برا 

تحركت جنة صوب الشرفة تلقي نظرة علي الاجواء بالخارج و كما توقعت تماماً أمام البوابة الرئيسية العديد من الصحافيين و عدسات المصورين تستعد لالتقاط لحظة خروج آسيا ، زفرت بضيق و التفتت إليها قائلة :
_ الصحافة في استقبالك علي البوابة 

وضعت احمر الشفاه علي طاولة الزينة و التفتت إلي صديقتها تهتف بهدوء : 
_ تمام مفيش مشكلة انا محتاجهم بردو 

عقدت جنة حاجبيها متعجبة من جملتها و ازداد تعجبها حين اخرجت ثوب أنيق محتشم من اللون الاسود و قالت :
_ البسي حاجة سودا من عندي خلينا ننزل 

_ أسود !!

اتجهت آسيا الي المرحاض لتبدل ثيابها سريعاً و هي تتحدث بجدية :
_ بسرعة و هتفهمي بعدين 

رغم تعجب جنة الا انها اسرعت تبحث عن ثوب باللون الأسود ...
نزلت إلي الاسفل بهدوء يخفي داخله بركان من الغضب ، دعتها العاملة لتناول الفطور و توجهت نحو جدها الذي يجلس بالردهة يقرأ ورده اليومي من القرآن الكريم قبلت رأسه و هي تخبره أن يأتي لتناول الطعام معها ، اغلق المصحف الشريف و وضعه علي الطاولة أمامه ، التفت اليها مبتسماً يسألها بحنو :
_ عاملة اية يا حبيبتي دلوقتي 

أومأ إليه و هي تجيبه مبتسمة :
_ الحمد لله انا تمام يا جدو متقلقش

_ زيدان جيه هنا امبارح و انتي نايمة 

تبدلت حالتها الهادئة فجأة ، اشتعلت عيناها بغضب شديد ، تحولت ملامحها الي الحدة ليكمل جدها حديثه بهدوء :
_ شرحلي كل حاجة ، اسمه قاسم ظابط و كان في مهمة يكشف الناس اللي بتاجر في الاعضاء اللي اتقبض عليهم قريب في المنطقة 

اكمل الجد حديثه كانت تستمع الي الحديث و لكن عقلها لا يستوعب و يشعل قلبها بالحقد عليه أكثر فأكثر ، حين انتهي الحديث ، ظلت ساكنة لم تعلق بحرف واحد يكشف عما بداخلها ثم وقفت تشير الي جدها نحو غرفة الطعام قائلة بهدوء :
_ اتفضل نفطر يا جدو قبل ما اخرج 

تبادل الجد و جنة النظرات القلقة حين سبقتهما نحو غرفة الطعام ، كانت تأكل بشهية علي غير عادتها لا تنظر إليهما و لا تبدي أي ردة فعل ، تكبح كامل انفعالاتها داخلها ، انتهت من طعامها في حين تقدمت منها العاملة تخبرها ان الحارس يبلغها بتجمع الصحافة بالخارج ، اومأت إليها مبتسمة بخبث ثم وقف عن الطاولة متحدثة :
_ يلا يا جنجون عايزة اقابل الصحافة 

ابتلعت جنة الطعام و وقفت عن الطاولة تعدل المقعد بمحله قائلة :
_ ناوية علي اية يا آسيا 

قبلت آسيا وجنتي جدها ، ودعته ، تأخذ طريقها نحو الخارج و تبعتها جنة بقلق ، ما ان خرجت حتي تجمع  حولها الصحافيين راغبين في أخذ كلمة علي لسانها لتفسير ما حدث بالأمس ، رفعت يدها في إشارة لهم بالهدوء قائلة :
_ بهدوء يا شباب من فضلكم 

سألتها أحدي الصحفيات عن سبب غياب خطيبها أمس ، لذا رسمت آسيا الحزن علي ملامحها و تحدثت بصوت مختنق :
_ امبارح خطيبي عمل حادثة كبيرة و توفى ارجوكم ادعوله بالرحمة ... و ادعولي ربنا يصبرني علي فراقه 

ردد الجميع عبارات التعازي و تحدثت الصحفية من جديد بأسف :
_ البقاء لله ، ربنا يصبرك يا أنسة آسيا

اغرورقت عيناها بالدموع صادقة لم تقدر علي كبحها و هي تجيبها بهدوء :
_ و نعم بالله ، ارجوكم بلاش كلام كتير في الموضوع دا نحترم مشاعر اهله يا جماعة 

تنهدت و هي ترفع يدها إليهم مودعة ثم هتفت بهدوء :
_ شكراً ليكم بس مضطرة استأذن 

تجاوزت التجمع و خلفها جنة حتي وصلت إلي سيارتها المصفوفة بجوار المنزل ، و ما أن جلست إلي جوارها جنة حتي هتفت بذهول :
_ انتي قولتلهم أنه مات بجد بكل بساطة 

أدارت السيارة ، اسرعت تنطلق في طريقها تردد بثقة :
_ و ابسط من كدا كمان ، هو فعلاً مات بالنسبة لي 

علي الجانب الآخر حيث قاسم كان لازال مستيقظ ، لم يغفل و لو لدقيقة ، يجلس علي المقعد في وضع غير مريح بردهة منزل عائلته القديم . يتأكله الندم رويداً رويداً ينتظر ليحل الصباح حتي يذهب إليها يحاول رؤيتها و الحديث معها ، زفر بضيق و انحني ياخذ الهاتف عن الطاولة ليري ما كُتب عنها بعدما حدث أمس ، وجد مقطع مصور جديد علي أحد الصفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" منذ دقائق يعرض به آسيا التي ترتدي الأسود تخبرهم أن خطيبها قد توفي ، ظل هادئ حتي انتهي المقطع حينها ، جلجلت ضحكته الرجولية عالياً ، كان متأكد أنها ستخلف توقعاته ككل مرة ، قد فعلت ، اغلق الهاتف و وقف عن المقعد ليصل إليها بأي شكل من الاشكال و ينهي هذا الخلاف .

***********************************
_ يا حبيبتي احنا اهل تشرفي في اي وقت 

هتفت بها السيدة سوزان عبر الهاتف و هو ينظر إلي رقية بطرف عينها مما جعلها تشعر أن الأمر يتعلق بها ، اغلقت السيدة سوزان الهاتف و تقدمت تجلس إلي جوارها علي الاريكة أمام التلفاز ، وضعت الهاتف علي الطاولة و تحدثت قائلة :
_ بقولك يا روكا 

التفتت إليها رُقية بانتباه تسأل بعينها عما تريد ، ابتسمت عمتها بوجهها و مررت يدها علي شعرها بحنو قائلة :
_ في واحدة جارتنا شافتك في الفرح اللي كنا فيه و عايزاكي لابنها

حاوطت كتفها بذراعها تضمها إليها تستأنف حديثها :
_ هو أرمل و معندوش اطفال عنده ٣٦ سنة يعني مناسب جداً 

نفت رُقية برأسها و هتفت بضيق :
_ مش هعيد التجربة تاني يا عمتو ، مش عايزة اتجوز تاني

ابعدتها عمتها عنها تنظر إلي وجهها و عينها التي غام الحزن بها قائلة :
_ يا حبيبتي محدش بيفضل لوحده ، و بعدين مش يمكن دا العوض من ربنا ليكي 

مررت يدها علي كتفيها بلطف تكمل حديثها قائلة :
_ اقعدي معاه و لو مش مرتاحة خلاص و لا كأن حاجة حصلت 

انزلقت دمعة منها علي وجنتيها و همست برجاء :
_ يا عمتو عشان خاطري بلاش 

تحدثت عمتها بأصرار قائلة بهدوء :
_ عشان خاطري انا يا حبيبتي جربي بس تقعدي معاه و صدقيني انا جنبك 

صمتت رُقية لم تجد رد علي عمتها ، ابتسمت السيدة سوزان و تعود إلي ضمها من جديد قائلة بهدوء :
_ أنا هقولهم يجوا اخر الاسبوع الجاي و ربنا يقدم اللي فيه الخير 

***********************************
مر أسبوع عليها كانت ترفض لقائه ، او أي مكالمة هاتفية منه ، و بدأت ممارسة حياتها الطبيعية و عملها الجديد ، و كان اليوم أول عرض لها لمصمم آخر غير چو .
صعدت منصة العرض بثقة و قوة كعادتها تمر بين الحضور مستعرضة ثوبها بشموخ لا يليق الا بها و كأن لم يمر عليها اي ألم ابداً كأنها محت هذا من ذاكرتها و حياتها تثبت لنفسها و للجميع انها ستظل قوية مهما حدث لها غير راغبة بخلق مجال لشفقة البعض عليها و شماتة البعض بها ، رفعت رأسها بكبرياء و هي تكمل طريقها نحو نهاية المنصة و حين وصلت هناك تجمد قدميها و ازدادت وتيرة دقات قلبها و هي تراه بين الحضور يجلس بثبات واضعاً قدم فوق الاخري عينه متركزة علي عينها مباشرةً في حديث صامت بينهما تسارعت انفاسها باضطراب و وضح هذا من حركة صدرها الذي يعلو و يهبط بقوة تود لو تتناسي محل وجودها و تنزل عن هذه المنصة تمزق وجهه البغيض باظافرها و لكنها سرعان ما تداركت نفسها و ابتلعت ريقها بصعوبة تبث لنفسها الهدوء حتي تكمل العرض و بالفعل التفتت تعود بخطوات واثقة نحو الكواليس .
و حين اختفت من امامه نحو الداخل تحرك هو سريعاً اتجاه الكواليس من الباب الخلفي الذي رأه حين اتي ، صك علي اسنانه بعنف و هو يود لو يتناسي ما اتي لاجله لدقيقة و يقوم بتعنيفها علي هذا الثوب العاري التي ترتديه لكن هذا الوقت غير مناسب بالمرة لقد اتي بغرض التحدث بكل تحضر و رقي ليشرح لها الامر كاملاً تنهد بقوة و هو يفتح الباب لكن جاء الحارس الداخلي للباب يمنعه من الدخول لاستحالة السماح للاخرين باختراق خصوصية العارضات ليزفر بضيق و هو يشير الي الباب قائلاً بغضب :
_ طب ممكن تنادي علي أنسة آسيا من جوا 

صمت الحارس قليلاً ينظر الي قاسم بتردد ثم اومأ اليه قائلاً بهدوء :
_ طيب هبلغها 

دلفت الي الداخل و هي ترتجف من شدة ما تشعر به من انفعالات لتسرع باخذ كوب من الماء ارتشفت من الماء البارد المتواجد بين يديها لعله يطفئ من النيران المستعرة بداخل صدرها و هي لا تصدق انه جاء اليها من جديد كيف تجرأ علي فعل ذلك كيف استطاع مواجهتها ببساطة بعد ما حدث و اثناء تفكيرها بفعلته وجدت صوت ينادي بأسمها التفتت لتجد الحارس يخبرها بهدوء :
_ في راجل مستني حضرتك برا 

علمت هويته دون الحاجة للتفكير اومأت برأسها الي الحارس الذي خرج الي محل عمله من جديد ، وضعت الكوب من يدها بحدة و نظرت في المرآة الي هيئتها تتأكد من عدم تواجد اي تعبير اخر علي وجهها سوا الهدوء و الثبات ثم خطت نحو الخارج تنفست بهدوء حين وجدته امامها و اقتربت منه حتي اصبحت امامه بالضبط عقدت ذراعيها امام صدرها في تساؤل صامت عن سبب وجوده و لانه اكثر من يعرفها اجاب عن سؤالها بهدوء :
_ انا عارف اني غلط بس احنا محتاجين نتكلم 

ابتسمت بسخرية علي وقاحته هل يطلب الحديث الآن هل اصبح للحديث مكان بينهما بعد فعلته التي سببت لها فضيحة تحدث عنها جميع معارفها قبل ان تعلن وفاة خطيبها و هذا ما جعل غضبها منه يتفاقم داخلها حتي اصبح ثورة لا تُخمد و حركتها مشاعرها الثائرة رغبة في اطفاء اشتعالها و لم تعي لنفسها الا و هي ترفع يدها و تهبط بها علي وجهه في صفعة قوية التف وجهه علي اثرها القوي ، ارتعشت أنفاسها و هي تنظر إليه و إلي يدها و لم تبالي بتقدمه منها بغضب يحاول السيطرة عليه حتي لا يزداد الامر سوءاً و لا نظراته القاتلة لها التي بالفعل مرعبة الي حد كبير بل همست بنبرة قوية و هي تنظر الي عينه بحدة :
_ الكلام بنا انتهي وقته انت لعبت مع الشخص الغلط ، لو شوفت وشك صدفة حتي مش هتتوقع رد فعلي 

انهت حديثها و عادت الي الداخل من جديد دون انتظار كلمة اخري منه وضع يده علي وجنته اثر الصفعة القوية التي تلقاها منها و التي تدل علي غضبها الشديد من فعلته و هو يعطيها كامل الحق لذا لم يكن بيده الا ان يكبح جماح غضبه عنها استند علي الحائط خلفه و اغمض عينه نادماً علي ما آلت اليه الامور بينهما يود لم يمكنه اصلاح ما افسده ، اقترب الحارس الذي يتابع ما يحدث منذ البداية يتسأل بحماقة و هو ينظر الي وجنته التي بدأت الحُمرة تتسلل اليها :
_ اجبلك تلج يا باشا يلحق الالتهاب 
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1