رواية مداهنة عشق الفصل الثالث و العشرون بقلم اسماء ايهاب
فقد وجهها كل معالم البهجة والحياة ، بهت لون بشرتها الناصعة ، وأصبح يميل لونها إلى الاصفرار .
جسدها حاضر في الواقع ، بينما عقلها مغيب ، يستقبل ذكريات عديدة لها مع شقيقتها منذ الطفولة حتى فقدتها .
يتضحم صدرها بالحزن كلما لاحت أمامها طيف ذكري جديدة ، ارتجفت أنفاسها مستشعرة ألمًا مبرحًا يلتهم جسدها ، ضربت البرودة جسدها بقسوة ، فجذبت إليها الغطاء تدثر به محاولة بث الدفء .
طُرق الباب ، دلفت جنة إلى الداخل وبيدها صنية عليها بعض الطعام لها . وضعت الصنية بجوارها
على الفراش ، ثم مدت يدها تمسد على ساقها برفق ، قائلة :
_ عاملة اية دلوقتي يا حبيبتي
لم يصدر من آسيا كلمة أو التفاتة نحو صديقتها ، تنهد جنة بحزن ، و أخذت قطعة من "التوست" وضعت عليها بعضًا من فاكهة "الافوكادو" ، ثم مدت يدها إليها ، قائلة :
_ كلي دي يا آسيا ، أنتي مأكلتيش من امبارح
مجددًا لم تجد منها ردة فعل ، أعادت الخبز بالصحن ، و كادت أن تتحدث ، ليقاطعها طرقات الباب .
دلفت العاملة ، تنظر إلى جنة وقالت :
_ في شاب برا أسمه راوي و عايز يقابل أنسة آسيا
اومأت إليها جنة وأشارت إليها أن تأذن له بالدخول ،
دلف راوي إلى الداخل بهدوء ، ألقى التحية على جنة ، ثم تقدم نحو آسيا ، يقدم لها واجب العزاء .
ساد الصمت حين لم تجب عليه آسيا ولم تنظر إليه حتى ، تنحنحت جنة ، تقف عن الفراش تشير إليه بالجلوس ، ثم تحدثت بهدوء :
_ حاول تقنعها تأكل ، و أنا هروح اجيبلك حاجة تشربها
خرجت جنة من الغرفة تاركة الباب مفتوحًا ، راقب راوي حالة آسيا غير المطمئنة ، ثم تحدث إليها :
_ عارف انك مش قادرة تستحملي اللي حصل ، بس في نفس الوقت لازم تبقي متماسكة اكتر من كدا ، جدك حالته وحشة اوي و محتاجك جنبه ، صدقيني أنتِ مش لوحدك و احنا كلنا جنبك .
ظهر تأثرها بحديثه على معالم وجهها دون حديث ، ليأخذ قطعة الخبز يمدها إليها ، قائلاً :
_ عارف انك في صدمة و حزن و وجع ، بس لازم تقفي من تاني ، ادعيلها بالرحمة
مد قطعة الخبز إلى شفتيها حتى تأكل ، و استأنف حديثه :
_ ممكن تأكلي بقى عشان نفسك مش اي حد تاني !
حينها ، كان قاسم قد وصل إلى غرفة آسيا . تأججت نيران الغيرة بقلبه ، توحشت ملامحه الحادة ، قبض على كف يده من شدة غضبه . كاد أن يتقدم بخطى سريعة اتجاهه ليفتك به ، لكن منعته يد والدته التي قبضت علي ذراعه وكأنها استشعرت بما ينوي فعله .
أغمض عينيه بقوة ، تنفس بهدوء حتي يهدأ غضبه ولو قليلًا ، فهي بحالة لا تسمح بأن يصدر عنه أي فعل طائش وأن كان نابعًا عن غيرته .
دلفت السيدة أمل إلى الغرفة أولًا تلاها قاسم الذي تنحنح بقوة ، فأنتبه إليه راوي واعتدل بجلسته واضعًا الخبز بالصحن مجددًا .
مد قاسم يده ليصافحه ، و حين أمسك بيده جذبه بقوة ليقف عن الفراش ، ثم تحدث بحدة :
_ شكر الله سعيك يا حبيبي
ظهر التعجب على ملامح راوي وهو ينظر بين يده ووجه قاسم الذي يظهر عليه الغضب ، ربت قاسم علي كتف راوي بقوة ودفعه إلى الخارج يردف بغيظ :
_ مع ألف سلامة
ضرب راوي كفًا بكف وهو يغادر الغرفة متعجبًا من فظاظته ، ثم توجه قاسم بعد أن تأكد من خروج راوي نحو آسيا التي لم يلفت انتباهها اي مما حدث ، جلس القرفصاء جوار الفراش وأمسك بيدها يقبلها ، هامسًا :
_ عاملة اية يا قمري
سحبت يدها من يده دون النظر إليه والتفتت تنظر إلى السيدة أمل بسكون . أقتربت منها والدة قاسم تربت علي كتفها برفق ، ثم قالت :
_ أنا أمل ابقى أم قاسم
حين لم تلقى منها رد ، نظرت إلى قاسم الذي لازال يجثو جوارها وتحدثت :
_ اطلع شوف اخوك يا قاسم
أومأ إليها ونهض واقفًا ، ثم مرر يده على خصلات شعرها ، و تنهد بقوة قبل أن يخرج من الغرفة ، تاركًا والدته مع آسيا لتحاول مواستها و التخفيف عنها .
ما إن تأكدت السيدة أمل من خروج قاسم حتى أقتربت منها مجددًا تمرر يدها برفق علي كتفها وقالت بهدوء :
_ قاسم حكى ليا حاجات كتير عنك ، منهم أنك اقوى بنت ممكن اقابلها في حياتي
رددت آسيا بخفوت ، تنظر إليها بعينين دامعتين :
_ كنت قوية .. عشانها .
نظرت نحو باب الشرفة المغلقة ، و عقلها يصور لها صورة لشقيقتها تقف أمامها مبتسمة ، بتلقائية ابتسمت ، ثم اردفت :
_ كنت عايزة الناس تعملي حساب قبل ما تأذيها
تعالى صوت بكائها تدريجيًا ، حين اختفى طيف أسيل و استأنفت حديثها بتعلثم :
_ بس الأقدار مفيش منها مفر
أحاطت السيدة أمل كتفها تضمها بحنان إليها ، ثم قالت بهدوء :
إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى
همست آسيا بحزن ، و قد ازداد بكائها وتعالت شهقاتها الحادة التي تمزق صدرها :
_ و نعم بالله
***********************************
خرجت جنة من المطبخ ، و بيدها صينية صغيرة فضية عليها قدح قهوة مزخرف بنقوش كلاسيكية راقية . ما إن وصلت إلى الردهة و همت بالصعود إلى الطابق العلوي ، حتى تجمدت محلها ذاهلة ، و ارتجفت يداها بقوة ، فأهتز القدح و سكب بعض من محتواه على الصينية . رمشت بأهدابها مرات متتالية تتأكد من وجود عُدي بالفعل أمامها والذي انتبه إليها ، و ظهرت الدهشة على ملامحه ايضًا، ثم قال :
_ جنة ، ازيك ؟
، نظرت إليه بعينين يغمرهما الحزن ، تتأمل حالته التي لم تفهم بعد كيف وصل لها ،
بينما هي كذلك ، داهمتها ذكريات من الماضي تجمعهما سويًا ، واصداء جمل بسيطة لازالت تردد بأذنها بصوته ، تفاقم حزنها و ألم لم يندمل حتى الآن .
رغم كل ذلك ، تقدمت منه بخطى هادئة ، تحاول لملمة شتات مشاعرها الثائرة ، حتى وقفت أمامه مباشرةً ، هزت رأسها بهدوء قبل أن تجيب بصوت ثابت لم تظهر به أي من انفعالاتها :
_ كويسة ، الف سلامة عليك
خفض بصره نحو قدميه بحسرة ، و مرر يده على ركبتيه ، ثم قال :
الله يسلمك
كادت أن تستأذن منه وتنصرف إلا أنه سأل مستفهمًا :
_ أنتي تعرفي آسيا ؟
اومأت برأسها فقط دون أن توضح له ما علاقتها بها ، فحاول هو تخفيف حدة الأجواء والغضب الخفي بعينيها ، و لم ترد هي البوح به ، قائلًا :
_ أنا اخو قاسم
صكت أسنانها بغضب واضح ، لم تقدر علي كبحه أكثر من ذلك ، إذًا هو سبب انتقام قاسم من رفيقتها ، أقتربت من الطاولة تضع عليها الصينية بحدة ، حتى أنها اصدرت ضجيج ، و سقط القدح مفرغًا كامل محتواه .
عادت تقف أمامه من جديد ، تتحدث بعصبية لم تستطع لجمها :
_ أنت سبب كل اللي حصل ! خليت اخوك ينتقم منها و هي معملتش فيك أي حاجة ، عرضتها لفضيحة كل الناس كانت بتتكلم عنها ! لولا ذكائها كان زمان محدش سابها في حالها
رفع يديه يشير لها أن تهدأ ، ثم هتف حتي يجعلها تستمع إليه رغمًا عنها :
_ اهدي يا جنة ارجوكي و اسمعي ، اللي حصل سوء تفاهم
ضحكت باستهزاء ، ثم نفت برأسها ، قائلة بحدة :
_ لا ، اللي حصل سوء استخدام للعقل
التفتت لتغادر الردهة ، لتجد قاسم يقف أمامها متعجبًا من حديثها الحاد مع شقيقه ، رمقته باستحقار وصعدت الدرج بغضب .
حينها ، توجه قاسم نحو شقيقه ، يجلس علي المقعد المجاور له ، متسائلاً :
_ هو أنت تعرف جنة منين ؟
زفر عُدي بضيق ، و أجاب بهدوء :
_ موضوع قديم
ابتسم قاسم بتهكم ، و أعاد ظهره إلى الخلف ، قائلًا بسخرية :
_ طبعًا ، مواضعيك كتير بس محدش يعرف عنها حاجة
وجد الندم بعينيه واضحًا ، فاستأنف حديثه متسائلًا :
_ و اية بقي موضوع جنة ؟
تنهد بقوة ، و مرر يده على وجهه بغضب وسط نظرات شقيقه الثاقبة عليه و كأن عينيه تعري روحه مما قد يشعر به من ندم و غضب داخلي من نفسه ، ثم بدأ يسرد له تفاصيل تعارفه بجنة :
_ قابلتها في الچيم و كنت معجب بيها و لما شوفتها في عروض ليها زاد إعجابي بيها و حسيت انها هي كمان معجبة ، كلمتها و اتعرفت عليها و اخدنا ارقام بعض ، فضلنا فترة نتكلم و خرجنا كذا مرة و روحت لها كام عرض
صمت هنيهة وابتلع ريقه يرطب حلقه الجاف ، ثم أردف :
_ بعدين لقيت الانبهار بدأ يختفي و حسيت انها بقت بالنسبة لي عادية جداً .. بعدت عنها يومين كدا يمكن إحساسي غلط و لما هي اللي كلمتنا تسأل عن غيابي عنها ، قولتلها ان خلاص قررت ابعد و ان علاقتنا كانت غلط من الاول
رفع عُدي رأسه حيث الدرج التي صعدته ، ثم ردد مجددًا :
_ الغريب ان وقتها كانت هادية بشكل خلاني ندمت اني قولتلها كدا ، بعدت بكل بساطة من غير حتى ما تسأل اية غير شعوري ناحيتها
زفر قاسم بغضب ، و لكم يد المقعد بقوة ، قائلًا :
_ أنا مش عارف اقولك اية
هز رأسه بهدوء كأنه يبلغه بصمت أنه يعلم ما يريد قوله ، عاد بمقعده المتحرك إلى الخلف قليلًا ، ثم تحدث بصوت خافت :
_ تعرف ان بعدها ندمت جدًا و حاولت اكلمها بس هي اللي رفضت انها تكلمني او تقابلني
تحدث قاسم بحدة ، بعدما وقف عن المقعد :
_ حقها .. طالما مش متأكد من مشاعرك تعلقها بيك لية من الاول و بعدين تسيبها
أغمض عُدي عينيه يضغط على جفنيه بقوة ، يشعر بالندم يفتك به أكثر من ذي قبل ، ثم سأل :
_ زي ما خليتك تعمل مش كدا ؟
تهرب قاسم من الحديث عن هذا ، هم بصعود الدرج قائلًا :
_ هشوف ماما عشان نمشي
ابتسم ابتسامة باهتة ، يعلم بتهرب قاسم من الحديث عن خطأ فادح قد ارتكبه بحق آسيا ، حتى لا تسوء حالته النفسية كما أخبره الطبيب .
***********************************
_ خالتي بالله عليكي حاولي تقنعينها
قالها آدم الذي يقف أمام باب شقة السيدة سوزان ، يرجو خالته أن تحاول اقناعها بزواجه من رُقية دون وجود والدته ، ابتسمت له خالته بحب ، و ربتت علي كتفه برفق حتي يطمئن ، قائلة :
_ متخافش يا حبيبي دي سوزان دي طيبة و قلبها ابيض
رن جرس الباب و انتظر حتى يُفتح الباب ، لحظات قليلة وفتحت السيدة سوزان الباب و استقبلتهما بترحاب وابتسامة واسعة :
_ أهلًا يا أهلًا ، ازيك يا ميرفت عاملة اية يا حبيبتي
دلفت السيدة ميرفت إلى الداخل بهدوء ، ثم أجابت مبتسمة :
_ الحمد لله بخير يا سوزي
دلف آدم خلفها بعد أن ألقى التحية على السيدة سوزان والتي بحثت بعينيها عن والدته ، امتعض وجهها حين لم تجدها معهما ، الا انها أغلقت الباب بهدوء و لم يصدر عنها أي رد فعل يظهر ضيقها .
تنحنحت السيدة ميرفت قبل ان تسأل :
_ اومال فين رقية
ارتفع صوت السيدة سوزان ، و هي تنادي على رُقية ، تخرج في نبرتها كل ما يعتمل بداخلها من ضيق .
خرجت رُقية على اثر صوت عمتها من الغرفة ، و توجهت نحو المطبخ تأخذ صينية الضيافة عن الطاولة ، ثم تحركت نحو الردهة بخطى هادئة .
وضعت الصينية على الطاولة ، و اقتربت تحيي السيدة ميرفت التي تكن لها قدر كبير من الحب و الاحترام ، ثم جلست إلى جوارها .
حمحم آدم ينبه خالته أن تتحدث ، أومأت إليه ونظرت نحو السيدة سوزان ، متحدثة :
_ بصي يا سوزي انا جاية النهاردة أطلب ايد رقية لابني آدم
تنهد السيدة سوزان بقوة ، لمع الحزن بعينيها و هي تري العبرات العالقة بأهداب إبنة اخيها ، و تحدثت بجدية :
_ انتي عارفة يا ميرفت انك غالية عليا اوي و مرفضلكيش طلب ، بس من غير وجود سحر و موافقتها مش هقدر اوافق على آدم ، انتي شوفتي اللي حصل المرة اللي فاتت و انا مش هسمح لاختك تعمل في رقية اي حاجة تاني
تحدثت السيدة ميرفت مشيرة نحو آدم :
_ آدم شاريها و بيحبها و انتي عارفة كدا كويس ، و مش هيسمح ان اي حاجة تحصل تزعلها
رفعت الاخري يدها باعتراض مقاطعة اياها عن الحديث :
_ معلش يعني يا ميرفت بس هو سمح مرة قبل كدا ، و مش عايزة اقولك كان أثرها اية على رقية و امها اللي تعبت بعدها و دخلت المستشفى
و حين أنتهت من حديثها مالت نحو الأمام تأخذ كوب من العصير ، تمده إلى السيدة ميرفت ، ثم قالت مبتسمة :
_ خلينا ناخد قاعدتنا مع بعض و كأنها زيارة عادية انتي منوراني
و حين وجد آدم ان لا سبيل من موافقة عمتها ، تحدث سريعًا :
_ أنا هبعد رقية عن امي تمامًا صدقيني و مش هسمح بأي حاجة تأذيها
نفت السيدة سوزان برأسها غير راضية عن حديثه ، ثم قالت :
_ شرطي الوحيد أن سحر تيجي تتقدملها يا آدم و دا محصلش يبقي كل شيء قسمة و نصيب
استمعوا إلى طرقات على باب الشقة ، استأذنت رُقية ، وقفت تفتح الباب ، و ظهرت الصدمة جلية علي وجهها حين وجدت والدة آدم تقف أمامها تنظر إليها بهدوء ، لذا همست بذهول :
_ طنط سحر !!
لم تتبدل ملامح السيدة سحر بل ظلت تحدق برُقية و عينيها الباكية ، و قالت :
_ اية مش هتستقبليني و لا اية يا رقية
أزاحت رُقية نفسها عن صد الباب و افسحت المجال إليها حتى تدخل ، تفاجأ الجميع من وجودها ، و وقفت السيدة سوزان متحفزة لصد اي هجوم قد تفعله ، لكنها أذهلت الجميع حين ابتسمت و صافحت السيد سوزان ، ثم نظرت إلى شقيقتها ، و قالت معاتبة :
_ كدا بردو تيجي مع آدم يخطب لوحدك
ابتهج وجه السيدة ميرفت و ربتت علي الأريكة في دعوة صامتة بالجلوس إلى جوارها ، ثم تحدثت مشيرة نحو السيدة سوزان :
_ كويس انك جيتي يا غالية ، الست سوزي منشفة ريقنا و مكنتش راضية بأي حاجة غير وجودك
نظرت السيد سحر إلى آدم الذي لم يستوعب بعد أن والدته استسلمت و جاءت لكي تطلب له يد رُقية ، ابتسم باغتباط ، و همس شاكراً والدته بأمتنان .
التفتت السيدة سحر نحو رقية ، ثم تحدثت معتذرة :
_ أنا أسفة جدًا يا رقية على كل اللي حصل
تنهدت بقوة و التفتت برأسها إلى السيدة سوزان ، قائلة بجدية :
_ دلوقتي يا سوزان أنا جاية اطلب ايد رقية لابني آدم على سنة الله و رسوله و بكل رضا و الله
خرجت تنهيدة ارتياح في ذات الوقت من كلًا من رُقية و آدم ، ثم نظرا إلى بعضهم البعض ، و ابتسما .
نظرت عمتها بينهما ، ثم ضحكت بسعادة ، قائلة :
_ يبقي أنا موافقة و نقرأ فاتحة دلوقتي كمان
اتم الجميع قراءة سورة الفاتحة ، و انطلقت الزغاريد من عمتها بفرحة عارمة غمرتها ، و تبادلوا التهاني مقررين إنهاء الحديث بتفاصيل الزيجة الآن
***********************************
وصل قاسم إلى قسم الشرطة ، و توجه مباشرةً إلى مكتب صديقه عمرو الذي استقبلته بحبور ، يبلغه أنه قد حدث ما اراد ، و تم إلقاء القبض على طارق و شركائه . ابتهج قاسم ، و شعر بالسعادة تتفاقم داخل صدره ، مرر يده علي فخذيه بحماس قبل أن يسأل عن التفاصيل . أخذ عمرو ملف أسود عن المكتب ، و قدمه إلى قاسم ، قائلًا :
_ اللي حصل يا سيدي ان الكاميرات جابت مكالمة فيديو بين ناجي و طارق بيتفقوا علي الفلوس اللي هيدهاله لو بعتله فيديوهات الناس اللي بياخد أعضائهم بكل التفاصيل في فيديو تاني و هما بيتكلموا فيديو كول و المريض حافظ الفيديو عنده على اللابتوب و الشحنة اللي كانت في المينا و انت وقفتها الكونتينر كان جوا ناس متخدرة رايح يتعمل عليها لايفات تتباع بملايين و واحد من شركائه اعترف بالكلام دا ، تخيل المريض جايب ناس يقطعها عشان مزاجه هو و الصحبة الكريمة
_ آه .. أخيرًا
قالها قاسم بعد تنهيدة حارة من أعماق قلبه ، يعود برأسه إلى الخلف ، ضحك عمرو بخفة وضرب بيده على سطح المكتب ، قائلاً :
_ انت لو شوفت وشه بعد اعتراف شريكه ان الكوو عرف اننا شوفنا الفيديوهات اللي على اللابتوب بتاعه ، كنت حاسس انه هيتجلط
ضحك قاسم بصخب متخيلًا هلع طارق ، و خوفه مما سيحل به بعد كشفه . تنهد حامدًا الله ، ثم التفت إلى عمرو من جديد متسائلاً :
_ متعرفش حاجة عن قضية أسيل التهامي
هز عمرو رأسه ، و أجاب بهدوء :
_ ايوة جابه أمير اللي جوزها قال انه كان خاطفها و انكر كل الاتهامات و أنه ميعرفش حاجة عن القتيلة من زمان ، خرج بس الوقتي تحت المراقبة و كمان هيشوفوا إشارة تليفونه لقط في نفس المكان و لا لا
وقف قاسم عن المقعد ، يرتب من هيئة ثيابه ، ثم تحدث بجدية :
_ طيب انا هروح مكتبي و أي جديد بلغني بيه
***********************************
دقت الساعة العاشرة مساءً ، و آسيا لم تخرج من غرفتها لم تمس الطعام ، و لم تسمح بتواجد صديقتها معاها . منذ أن غادرت السيدة أمل ، و هي تمسك بالحاسوب المحمول ، فقد وصتها أن تستمع إلى بعض المقاطع الدينية المصورة لبعض علماء الدين ، أخذها الفضول لسماع ما ترويه تلك السيدة ، و منذ ساعات و هي تنتقل من مقطع مصور إلى آخر حيث كان عقلها مغيب عن بعض الحقائق و تناولت المقاطع موضوعات عديدة ، مثل الجنة والنار ، الحساب ، التوبة ، المغفرة ، و يوم القيامة .
و مع كل مقطع تزداد دموعها ، و تهمس بالاستغفار ، ثم تردد في أذنها صوت قاسم حين قال :
"_ انتي في غفلة و الله"
اليوم ايقنت أنها كانت في غفلة بالفعل ، كانت تتعرى أمام الجميع ، تنشر صور فوتوغرافيه لها على مواقع التواصل بشكل منفر . اغلقت الحاسوب ووضعته على وحدة الادراج ، ثم توجهت نحو المرحاض تنوي الوضوء .
حين خرجت من المرحاض ارتدت اكثر الاشياء احتشامًا و ألقت حجاب ابيض صغير على رأسها ، ارتجف قلبها في مهابة حين وقفت بمنتصف الغرفة تريد اداء الفريضة ، كانت تشعر بالتيه و الضياع ، سيطرت الرهبة علي ملامحها التي بهتت بخوف .
رفعت يديها إلى جوار رأسها تهمس بصوت مرتجف :
_ الله اكبر
اتبعت ما شاهدت في المقاطع عن الصلاة الصحيحة حتى سجدت لله وحينها ، انفجرت في بكاء مرير ، بصوت مرتفع ، و في حالة من الإنهيار التام أخرجت ما بداخلها من ألم في حديث خافت بينها و بين ربها .
خارج الغرفة كان السيد نجيب تود الاطمئنان على حفيدته ، و ما كاد ان يطرق الباب حتى استمع إلى صوت بكائها و شهقاتها المرتفعة و همست متلعثمة لا يقدر على فهمها ، طرق الباب عدة مرات ولكن لم يلقى اجابة منها ، ليضطر إلى فتح الباب ، وجدها تسجد بالارض تبكي و تهمس طالبة العفو و المغفرة من الله عز و جل .
ابتهج السيد نجيب و ظهرت السعادة طاغية علي ملامحه لم يراها يومًا تصلي و لم تسمع إلى نصيحته لها قط ، و بتلقائية أغلق الباب عليها يستند على الباب هامسًا بسعادة :
_ إنك لا تهدي من أَحببت وَلكن الله يهدي من يشاء