رواية مداهنة عشق الفصل الثالث و العشرون 23 بقلم اسماء ايهاب

 

 

رواية مداهنة عشق الفصل الثالث و العشرون بقلم اسماء ايهاب



فقد وجهها كل معالم البهجة والحياة ، بهت لون بشرتها الناصعة ، وأصبح يميل لونها إلى الاصفرار .
جسدها حاضر في الواقع ، بينما عقلها مغيب ، يستقبل ذكريات عديدة لها مع شقيقتها منذ الطفولة حتى فقدتها . 
يتضحم صدرها بالحزن كلما لاحت أمامها طيف ذكري جديدة ، ارتجفت أنفاسها مستشعرة ألمًا مبرحًا يلتهم جسدها ، ضربت البرودة جسدها بقسوة ، فجذبت إليها الغطاء تدثر به محاولة بث الدفء .

طُرق الباب ، دلفت جنة إلى الداخل وبيدها صنية عليها بعض الطعام لها . وضعت الصنية بجوارها 
على الفراش ، ثم مدت يدها تمسد على ساقها برفق ، قائلة :
_ عاملة اية دلوقتي يا حبيبتي 

لم يصدر من آسيا كلمة أو التفاتة نحو صديقتها ، تنهد جنة بحزن ، و أخذت قطعة من "التوست" وضعت عليها بعضًا من فاكهة "الافوكادو" ، ثم مدت يدها إليها ، قائلة :
_ كلي دي يا آسيا ، أنتي مأكلتيش من امبارح 

مجددًا لم تجد منها ردة فعل ، أعادت الخبز بالصحن ، و كادت أن تتحدث ، ليقاطعها طرقات الباب .
دلفت العاملة ، تنظر إلى جنة وقالت :
_ في شاب برا أسمه راوي و عايز يقابل أنسة آسيا 

اومأت إليها جنة وأشارت إليها أن تأذن له بالدخول ، 
دلف راوي إلى الداخل بهدوء ، ألقى التحية على جنة ، ثم تقدم نحو آسيا ، يقدم لها واجب العزاء .
ساد الصمت حين لم تجب عليه آسيا ولم تنظر إليه حتى ، تنحنحت جنة ، تقف عن الفراش تشير إليه بالجلوس ، ثم تحدثت بهدوء :
_ حاول تقنعها تأكل ، و أنا هروح اجيبلك حاجة تشربها 

خرجت جنة من الغرفة تاركة الباب مفتوحًا ، راقب راوي حالة آسيا غير المطمئنة ، ثم تحدث إليها :
_ عارف انك مش قادرة تستحملي اللي حصل ، بس في نفس الوقت لازم تبقي متماسكة اكتر من كدا ، جدك حالته وحشة اوي و محتاجك جنبه ، صدقيني أنتِ مش لوحدك و احنا كلنا جنبك .

ظهر تأثرها بحديثه على معالم وجهها دون حديث ، ليأخذ قطعة الخبز يمدها إليها ، قائلاً :
_ عارف انك في صدمة و حزن و وجع ، بس لازم تقفي من تاني ، ادعيلها بالرحمة 

مد قطعة الخبز إلى شفتيها حتى تأكل ، و استأنف حديثه :
_ ممكن تأكلي بقى عشان نفسك مش اي حد تاني !

حينها ، كان قاسم قد وصل إلى غرفة آسيا . تأججت نيران الغيرة بقلبه ، توحشت ملامحه الحادة ، قبض على كف يده من شدة غضبه . كاد أن يتقدم بخطى سريعة اتجاهه ليفتك به ، لكن منعته يد والدته التي قبضت علي ذراعه وكأنها استشعرت بما ينوي فعله . 
أغمض عينيه بقوة ، تنفس بهدوء حتي يهدأ غضبه ولو قليلًا ، فهي بحالة لا تسمح بأن يصدر عنه أي فعل طائش وأن كان نابعًا عن غيرته .

دلفت السيدة أمل إلى الغرفة أولًا تلاها قاسم الذي تنحنح بقوة ، فأنتبه إليه راوي واعتدل بجلسته واضعًا الخبز بالصحن مجددًا .
مد قاسم يده ليصافحه ، و حين أمسك بيده جذبه بقوة ليقف عن الفراش ، ثم تحدث بحدة :
_ شكر الله سعيك يا حبيبي 

ظهر التعجب على ملامح راوي وهو ينظر بين يده ووجه قاسم الذي يظهر عليه الغضب ، ربت قاسم علي كتف راوي بقوة ودفعه إلى الخارج يردف بغيظ :
_ مع ألف سلامة 

ضرب راوي كفًا بكف وهو يغادر الغرفة متعجبًا من فظاظته ، ثم توجه قاسم بعد أن تأكد من خروج راوي نحو آسيا التي لم يلفت انتباهها اي مما حدث ، جلس القرفصاء جوار الفراش وأمسك بيدها يقبلها ، هامسًا :
_ عاملة اية يا قمري 

سحبت يدها من يده دون النظر إليه والتفتت تنظر إلى السيدة أمل بسكون . أقتربت منها والدة قاسم تربت علي كتفها برفق ، ثم قالت :
_ أنا أمل ابقى أم قاسم 

حين لم تلقى منها رد ، نظرت إلى قاسم الذي لازال يجثو جوارها وتحدثت :
_ اطلع شوف اخوك يا قاسم 

أومأ إليها ونهض واقفًا ، ثم مرر يده على خصلات شعرها ، و تنهد بقوة قبل أن يخرج من الغرفة ، تاركًا والدته مع آسيا لتحاول مواستها و التخفيف عنها .
ما إن تأكدت السيدة أمل من خروج قاسم حتى أقتربت منها مجددًا تمرر يدها برفق علي كتفها وقالت بهدوء :
_ قاسم حكى ليا حاجات كتير عنك ، منهم أنك اقوى بنت ممكن اقابلها في حياتي 

رددت آسيا بخفوت ، تنظر إليها بعينين دامعتين :
_ كنت قوية .. عشانها .

نظرت نحو باب الشرفة المغلقة ، و عقلها يصور لها صورة لشقيقتها تقف أمامها مبتسمة ، بتلقائية ابتسمت ، ثم اردفت :
_ كنت عايزة الناس تعملي حساب قبل ما تأذيها 

تعالى صوت بكائها تدريجيًا ، حين اختفى طيف أسيل و استأنفت حديثها بتعلثم :
_ بس الأقدار مفيش منها مفر 

أحاطت السيدة أمل كتفها تضمها بحنان إليها ، ثم قالت بهدوء :
إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى 

همست آسيا بحزن ، و قد ازداد بكائها وتعالت شهقاتها الحادة التي تمزق صدرها :
_ و نعم بالله 

***********************************
خرجت جنة من المطبخ ، و بيدها صينية صغيرة فضية عليها قدح قهوة مزخرف بنقوش كلاسيكية راقية . ما إن وصلت إلى الردهة و همت بالصعود إلى الطابق العلوي ، حتى تجمدت محلها ذاهلة ، و ارتجفت يداها بقوة ، فأهتز القدح و سكب بعض من محتواه على الصينية . رمشت بأهدابها مرات متتالية تتأكد من وجود عُدي بالفعل أمامها والذي انتبه إليها ، و ظهرت الدهشة على ملامحه ايضًا، ثم قال :
_ جنة ، ازيك ؟

، نظرت إليه بعينين يغمرهما الحزن ، تتأمل حالته التي لم تفهم بعد كيف وصل لها ، 
بينما هي كذلك ، داهمتها ذكريات من الماضي تجمعهما سويًا ، واصداء جمل بسيطة لازالت تردد بأذنها بصوته ، تفاقم حزنها و ألم لم يندمل حتى الآن .

رغم كل ذلك ، تقدمت منه بخطى هادئة ، تحاول لملمة شتات مشاعرها الثائرة ، حتى وقفت أمامه مباشرةً ، هزت رأسها بهدوء قبل أن تجيب بصوت ثابت لم تظهر به أي من انفعالاتها :
_ كويسة ، الف سلامة عليك

خفض بصره نحو قدميه بحسرة ، و مرر يده على ركبتيه ، ثم قال :
الله يسلمك 

كادت أن تستأذن منه وتنصرف إلا أنه سأل مستفهمًا :
_ أنتي تعرفي آسيا ؟ 

اومأت برأسها فقط دون أن توضح له ما علاقتها بها ، فحاول هو تخفيف حدة الأجواء والغضب الخفي بعينيها ، و لم ترد هي البوح به ، قائلًا :
_ أنا اخو قاسم 

صكت أسنانها بغضب واضح ، لم تقدر علي كبحه أكثر من ذلك ، إذًا هو سبب انتقام قاسم من رفيقتها ، أقتربت من الطاولة تضع عليها الصينية بحدة ، حتى أنها اصدرت ضجيج ، و سقط القدح مفرغًا كامل محتواه . 
عادت تقف أمامه من جديد ، تتحدث بعصبية لم تستطع لجمها :
_ أنت سبب كل اللي حصل ! خليت اخوك ينتقم منها و هي معملتش فيك أي حاجة ، عرضتها لفضيحة كل الناس كانت بتتكلم عنها ! لولا ذكائها كان زمان محدش سابها في حالها 

رفع يديه يشير لها أن تهدأ ، ثم هتف حتي يجعلها تستمع إليه رغمًا عنها :
_ اهدي يا جنة ارجوكي و اسمعي ، اللي حصل سوء تفاهم 

ضحكت باستهزاء ، ثم نفت برأسها ، قائلة بحدة :
_ لا ، اللي حصل سوء استخدام للعقل 

التفتت لتغادر الردهة ، لتجد قاسم يقف أمامها متعجبًا من حديثها الحاد مع شقيقه ، رمقته باستحقار وصعدت الدرج بغضب .
حينها ، توجه قاسم نحو شقيقه ، يجلس علي المقعد المجاور له ، متسائلاً :
_ هو أنت تعرف جنة منين ؟

زفر عُدي بضيق ، و أجاب بهدوء :
_ موضوع قديم 

ابتسم قاسم بتهكم ، و أعاد ظهره إلى الخلف ، قائلًا بسخرية :
_ طبعًا ، مواضعيك كتير بس محدش يعرف عنها حاجة 

وجد الندم بعينيه واضحًا ، فاستأنف حديثه متسائلًا :
_ و اية بقي موضوع جنة ؟

تنهد بقوة ، و مرر يده على وجهه بغضب وسط نظرات شقيقه الثاقبة عليه و كأن عينيه تعري روحه مما قد يشعر به من ندم و غضب داخلي من نفسه ، ثم بدأ يسرد له تفاصيل تعارفه بجنة :
_ قابلتها في الچيم و كنت معجب بيها و لما شوفتها في عروض ليها زاد إعجابي بيها و حسيت انها هي كمان معجبة ، كلمتها و اتعرفت عليها و اخدنا ارقام بعض ، فضلنا فترة نتكلم و خرجنا كذا مرة و روحت لها كام عرض 

صمت هنيهة وابتلع ريقه يرطب حلقه الجاف ، ثم أردف :
_ بعدين لقيت الانبهار بدأ يختفي و حسيت انها بقت بالنسبة لي عادية جداً .. بعدت عنها يومين كدا يمكن إحساسي غلط و لما هي اللي كلمتنا تسأل عن غيابي عنها ، قولتلها ان خلاص قررت ابعد و ان علاقتنا كانت غلط من الاول 

رفع عُدي رأسه حيث الدرج التي صعدته ، ثم ردد مجددًا :
_ الغريب ان وقتها كانت هادية بشكل خلاني ندمت اني قولتلها كدا ، بعدت بكل بساطة من غير حتى ما تسأل اية غير شعوري ناحيتها 

زفر قاسم بغضب ، و لكم يد المقعد بقوة ، قائلًا :
_ أنا مش عارف اقولك اية 

هز رأسه بهدوء كأنه يبلغه بصمت أنه يعلم ما يريد قوله ، عاد بمقعده المتحرك إلى الخلف قليلًا ، ثم تحدث بصوت خافت :
_ تعرف ان بعدها ندمت جدًا و حاولت اكلمها بس هي اللي رفضت انها تكلمني او تقابلني 

تحدث قاسم بحدة ، بعدما وقف عن المقعد :
_ حقها .. طالما مش متأكد من مشاعرك تعلقها بيك لية من الاول و بعدين تسيبها 

أغمض عُدي عينيه يضغط على جفنيه بقوة ، يشعر بالندم يفتك به أكثر من ذي قبل ، ثم سأل :
_ زي ما خليتك تعمل مش كدا ؟ 

تهرب قاسم من الحديث عن هذا ، هم بصعود الدرج قائلًا :
_ هشوف ماما عشان نمشي 

ابتسم ابتسامة باهتة ، يعلم بتهرب قاسم من الحديث عن خطأ فادح قد ارتكبه بحق آسيا ، حتى لا تسوء حالته النفسية كما أخبره الطبيب . 

***********************************
_ خالتي بالله عليكي حاولي تقنعينها 

قالها آدم الذي يقف أمام باب شقة السيدة سوزان ، يرجو خالته أن تحاول اقناعها بزواجه من رُقية دون وجود والدته ، ابتسمت له خالته بحب ، و ربتت علي كتفه برفق حتي يطمئن ، قائلة : 
_ متخافش يا حبيبي دي سوزان دي طيبة و قلبها ابيض 

رن جرس الباب و انتظر حتى يُفتح الباب ، لحظات قليلة وفتحت السيدة سوزان الباب و استقبلتهما بترحاب وابتسامة واسعة :
_ أهلًا يا أهلًا ، ازيك يا ميرفت عاملة اية يا حبيبتي 

دلفت السيدة ميرفت إلى الداخل بهدوء ، ثم أجابت مبتسمة :
_ الحمد لله بخير يا سوزي

دلف آدم خلفها بعد أن ألقى التحية على السيدة سوزان والتي بحثت بعينيها عن والدته ، امتعض وجهها حين لم تجدها معهما ، الا انها أغلقت الباب بهدوء و لم يصدر عنها أي رد فعل يظهر ضيقها .
تنحنحت السيدة ميرفت قبل ان تسأل :
_ اومال فين رقية 

ارتفع صوت السيدة سوزان ، و هي تنادي على رُقية ، تخرج في نبرتها كل ما يعتمل بداخلها من ضيق .
خرجت رُقية على اثر صوت عمتها من الغرفة ، و توجهت نحو المطبخ تأخذ صينية الضيافة عن الطاولة ، ثم تحركت نحو الردهة بخطى هادئة .
وضعت الصينية على الطاولة ، و اقتربت تحيي السيدة ميرفت التي تكن لها قدر كبير من الحب و الاحترام ، ثم جلست إلى جوارها .
حمحم آدم ينبه خالته أن تتحدث ، أومأت إليه ونظرت نحو السيدة سوزان ، متحدثة :
_ بصي يا سوزي انا جاية النهاردة أطلب ايد رقية لابني آدم 

تنهد السيدة سوزان بقوة ، لمع الحزن بعينيها و هي تري العبرات العالقة بأهداب إبنة اخيها ، و تحدثت بجدية :
_ انتي عارفة يا ميرفت انك غالية عليا اوي و مرفضلكيش طلب ، بس من غير وجود سحر و موافقتها مش هقدر اوافق على آدم ، انتي شوفتي اللي حصل المرة اللي فاتت و انا مش هسمح لاختك تعمل في رقية اي حاجة تاني 

تحدثت السيدة ميرفت مشيرة نحو آدم :
_ آدم شاريها و بيحبها و انتي عارفة كدا كويس ، و مش هيسمح ان اي حاجة تحصل تزعلها

رفعت الاخري يدها باعتراض مقاطعة اياها عن الحديث :
_ معلش يعني يا ميرفت بس هو سمح مرة قبل كدا ، و مش عايزة اقولك كان أثرها اية على رقية و امها اللي تعبت بعدها و دخلت المستشفى 

و حين أنتهت من حديثها مالت نحو الأمام تأخذ كوب من العصير ، تمده إلى السيدة ميرفت ، ثم قالت مبتسمة :
_ خلينا ناخد قاعدتنا مع بعض و كأنها زيارة عادية انتي منوراني 

و حين وجد آدم ان لا سبيل من موافقة عمتها ، تحدث سريعًا :
_ أنا هبعد رقية عن امي تمامًا صدقيني و مش هسمح بأي حاجة تأذيها 

نفت السيدة سوزان برأسها غير راضية عن حديثه ، ثم قالت :
_ شرطي الوحيد أن سحر تيجي تتقدملها يا آدم و دا محصلش يبقي كل شيء قسمة و نصيب 

استمعوا إلى طرقات على باب الشقة ، استأذنت رُقية ، وقفت تفتح الباب ، و ظهرت الصدمة جلية علي وجهها حين وجدت والدة آدم تقف أمامها تنظر إليها بهدوء ، لذا همست بذهول :
_ طنط سحر !!

لم تتبدل ملامح السيدة سحر بل ظلت تحدق برُقية و عينيها الباكية ، و قالت :
_ اية مش هتستقبليني و لا اية يا رقية

أزاحت رُقية نفسها عن صد الباب و افسحت المجال إليها حتى تدخل ، تفاجأ الجميع من وجودها ، و وقفت السيدة سوزان متحفزة لصد اي هجوم قد تفعله ، لكنها أذهلت الجميع حين ابتسمت و صافحت السيد سوزان ، ثم نظرت إلى شقيقتها ، و قالت معاتبة :
_ كدا بردو تيجي مع آدم يخطب لوحدك 

ابتهج وجه السيدة ميرفت و ربتت علي الأريكة في دعوة صامتة بالجلوس إلى جوارها ، ثم تحدثت مشيرة نحو السيدة سوزان :
_ كويس انك جيتي يا غالية ، الست سوزي منشفة ريقنا و مكنتش راضية بأي حاجة غير وجودك 

نظرت السيد سحر إلى آدم الذي لم يستوعب بعد أن والدته استسلمت و جاءت لكي تطلب له يد رُقية ، ابتسم باغتباط ، و همس شاكراً والدته بأمتنان .
التفتت السيدة سحر نحو رقية ، ثم تحدثت معتذرة :
_ أنا أسفة جدًا يا رقية على كل اللي حصل

تنهدت بقوة و التفتت برأسها إلى السيدة سوزان ، قائلة بجدية :
_ دلوقتي يا سوزان أنا جاية اطلب ايد رقية لابني آدم على سنة الله و رسوله و بكل رضا و الله 

خرجت تنهيدة ارتياح في ذات الوقت من كلًا من رُقية و آدم ، ثم نظرا إلى بعضهم البعض ، و ابتسما .
نظرت عمتها بينهما ، ثم ضحكت بسعادة ، قائلة :
_ يبقي أنا موافقة و نقرأ فاتحة دلوقتي كمان 

اتم الجميع قراءة سورة الفاتحة ، و انطلقت الزغاريد من عمتها بفرحة عارمة غمرتها ، و تبادلوا التهاني مقررين إنهاء الحديث بتفاصيل الزيجة الآن 

***********************************
وصل قاسم إلى قسم الشرطة ، و توجه مباشرةً إلى مكتب صديقه عمرو الذي استقبلته بحبور ، يبلغه أنه قد حدث ما اراد ، و تم إلقاء القبض على طارق و شركائه . ابتهج قاسم ، و شعر بالسعادة تتفاقم داخل صدره ، مرر يده علي فخذيه بحماس قبل أن يسأل عن التفاصيل . أخذ عمرو ملف أسود عن المكتب ، و قدمه إلى قاسم ، قائلًا :
_ اللي حصل يا سيدي ان الكاميرات جابت مكالمة فيديو بين ناجي و طارق بيتفقوا علي الفلوس اللي هيدهاله لو بعتله فيديوهات الناس اللي بياخد أعضائهم بكل التفاصيل في فيديو تاني و هما بيتكلموا فيديو كول و المريض حافظ الفيديو عنده على اللابتوب و الشحنة اللي كانت في المينا و انت وقفتها الكونتينر كان جوا ناس متخدرة رايح يتعمل عليها لايفات تتباع بملايين و واحد من شركائه اعترف بالكلام دا ، تخيل المريض جايب ناس يقطعها عشان مزاجه هو و الصحبة الكريمة 

_ آه .. أخيرًا

قالها قاسم بعد تنهيدة حارة من أعماق قلبه ، يعود برأسه إلى الخلف ، ضحك عمرو بخفة وضرب بيده على سطح المكتب ، قائلاً :
_ انت لو شوفت وشه بعد اعتراف شريكه ان الكوو عرف اننا شوفنا الفيديوهات اللي على اللابتوب بتاعه ، كنت حاسس انه هيتجلط 

ضحك قاسم بصخب متخيلًا هلع طارق ، و خوفه مما سيحل به بعد كشفه . تنهد حامدًا الله ، ثم التفت إلى عمرو من جديد متسائلاً :
_ متعرفش حاجة عن قضية أسيل التهامي 

هز عمرو رأسه ، و أجاب بهدوء :
_ ايوة جابه أمير اللي جوزها قال انه كان خاطفها و انكر كل الاتهامات و أنه ميعرفش حاجة عن القتيلة من زمان ، خرج بس الوقتي تحت المراقبة و كمان هيشوفوا إشارة تليفونه لقط في نفس المكان و لا لا 

وقف قاسم عن المقعد ، يرتب من هيئة ثيابه ، ثم تحدث بجدية :
_ طيب انا هروح مكتبي و أي جديد بلغني بيه 

***********************************
دقت الساعة العاشرة مساءً ، و آسيا لم تخرج من غرفتها لم تمس الطعام ، و لم تسمح بتواجد صديقتها معاها . منذ أن غادرت السيدة أمل ، و هي تمسك بالحاسوب المحمول ، فقد وصتها أن تستمع إلى بعض المقاطع الدينية المصورة لبعض علماء الدين ، أخذها الفضول لسماع ما ترويه تلك السيدة ، و منذ ساعات و هي تنتقل من مقطع مصور إلى آخر حيث كان عقلها مغيب عن بعض الحقائق  و تناولت المقاطع موضوعات عديدة ، مثل الجنة والنار ، الحساب ، التوبة ، المغفرة ، و يوم القيامة . 
و مع كل مقطع  تزداد دموعها ، و تهمس بالاستغفار ، ثم تردد في أذنها صوت قاسم حين قال :
"_ انتي في غفلة و الله" 

اليوم ايقنت أنها كانت في غفلة بالفعل ، كانت تتعرى أمام الجميع ، تنشر صور فوتوغرافيه لها على مواقع التواصل بشكل منفر . اغلقت الحاسوب ووضعته على وحدة الادراج ، ثم توجهت نحو المرحاض تنوي الوضوء .
حين خرجت من المرحاض ارتدت اكثر الاشياء احتشامًا و ألقت حجاب ابيض  صغير على رأسها ، ارتجف قلبها في مهابة حين وقفت بمنتصف الغرفة تريد اداء الفريضة ، كانت تشعر بالتيه و الضياع ، سيطرت الرهبة علي ملامحها التي بهتت بخوف .
رفعت يديها إلى جوار رأسها تهمس بصوت مرتجف :
_ الله اكبر 

اتبعت ما شاهدت في المقاطع عن الصلاة الصحيحة حتى سجدت لله وحينها ، انفجرت في بكاء مرير ، بصوت مرتفع ، و في حالة من الإنهيار التام أخرجت ما بداخلها من ألم في حديث خافت بينها و بين ربها .

خارج الغرفة كان السيد نجيب تود الاطمئنان على حفيدته ، و ما كاد ان يطرق الباب حتى استمع إلى صوت بكائها و شهقاتها المرتفعة و همست متلعثمة لا يقدر على فهمها ، طرق الباب عدة مرات ولكن لم يلقى اجابة منها ، ليضطر إلى فتح الباب ، وجدها تسجد بالارض تبكي و تهمس طالبة العفو و المغفرة من الله عز و جل .
ابتهج السيد نجيب و ظهرت السعادة طاغية علي ملامحه لم يراها يومًا تصلي و لم تسمع إلى نصيحته لها قط ، و بتلقائية أغلق الباب عليها يستند على الباب هامسًا بسعادة :
_ إنك لا تهدي من أَحببت وَلكن الله يهدي من يشاء
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1