رواية مداهنة عشق الفصل السادس و العشرون بقلم اسماء ايهاب
ما أن وصل قاسم إلى غرفة مكتبه في القسم مع آسيا حتى فك قيد يده المكبلة تاركًا إياها أمام الباب و ذهب ليجلس و يستريح على مقعده بكل بهدوء ، ازداد غضبها و غيظها منه خاصةً حين رفع قدميه على سطح المكتب وأمسك كتاب بيده يبدأ بقراءته متجاهلًا وجودها ، تقدمت من المكتب تضرب بيدها الحرة عليه بقوة و تصرخ به أن يفك قيدها حتى تذهب دون أن تتأخر عن ميعاد الطائرة ، و لكنه أيضاً تجاهلها و أكمل قراءة الكتاب في هدوء ، صكت على أسنانها بغيظ قبل أن تمسك اللافتة الصغيرة الخشبي المدون عليها أسمه تلقيها بالأرض ، صارخة بغضب :
_ بطل استفزاز سيبني عاملة كدا و انت بتقرأ كتاب
اعتدل بجلسته تاركًا الكتاب من يده ، يجيبها بهدوء :
_ بلحق اقرأ سطرين من كتاب كيف تتعامل مع المرأة المتوحشة قبل ما ارد عليكي
أثار حفيظتها اكثر لتحاول بشتى الطرق اخراج كفها من حلقة القيد الحديدي ، و لكنها لم تنجح أي من محاولتها اليائسة و سببت لنفسها بحُرج طفيف بمعصمها ، صرخت بغيظ تلقي بنفسها على المقعد المقابل للمكتب قائلة :
_ فك ايدي خليني اخرج ميعاد الطيارة هيفوت
انحنى نحو الأمام يستند بمرفقيه على سطح المكتب قائلًا بمشاكسة :
_ طب ما دا عز الطلب يا ايسو
تأففت بضيق تهز رأسها لينزاح شعرها إلى الخلف تهتف :
_ ما تبقاش مستفز بقى
ضحك قاسم مراقبًا حالتها الانفعالية اللطيفة بالنسبة له في حين كانت ترمقه هي بغضب ، ثم أشار لها بيده أن تهدأ قائلًا :
_ المهم دلوقتي يا هتقعد هادية كدا و نتكلم بعقل ياما هلبسك قضية حلوة كدا تقعدك غصب عنك جنبي ساكتة و مؤدبة
هبت واقفة عن المقعد و تحدثت بأنفعال واضح :
_ هي مش سايبة و انا هكلم المحامي بتاعي يجيلي حالاً و هوديك في داهية
_ تأكلي ايس كريم فانيليا ؟
سألها بهدوء متجاهلًا تهديدها الواهي ، لتتجاهل سؤاله و وقفت عن المقعد تذهب لكى تفتح الباب و تخرج لكنه منعها حين اخبرها أنها لن تخرج بسهولة و خصيصًا و القيود بيدها ، لتتراجع تخشى الإهانة من الجندي بالخارج و تقدمت من جديد تقف أمام المكتب قائلة :
_ انت عايز مني اية ؟
وقف عن مقعده يتقدم نحوها قائلًا بنبرة صادقة :
_ عايزك جنبي ، عايزك تسمعي و تفهمي
زفرت آسيا باختناق و مدت يدها نحوه تهتف :
_ انا لا عايزة اسمع و لا افهم و لا عايزاك في حياتي ، من الاخر بلاش فرهدة على الفاضي و فكني و سيبني اسافر
امسك بكلتا كفيها ينظر إليها قائلًا :
_ و انا مش قادر اسيبك تمشي ، مش قادر اخليكي تبعدي
ابعدت يدها عنه بعنف تهتف بحدة :
_ و انت لما كنت بتخطط مكنتش عارف اني هبعد عنك للابد !!
حاول أن يمتص غضبها المشتعل حين اقترب اكثر منها يجيبها بهدوء :
_ كنت فاكرك هي ، لو ...
لكنها قاطعته تدفعه بصدره ليرتد خطوة إلى الخلف صارخة :
_ لو كنت حبتني بجد كنت عملت تحريات و عرفت ان مش انا ، كنت هتطلع ألف حاجة تخليني بريئة
صرخ أمامها بغضب يأكل روحه كل يوم و هو يلوم نفسه على ما حدث :
_ الغضب عماني مكنتش مستوعب اي حاجة ، البنت اللي حبيتها طلعت خطيبة اخويا اللي دفناها من هنا و ودينا اخويا مصحة نفسية من هنا ، ازاي عايزاني استوعب المفاجأة دي
أشارت إلى نفسها بأنامل مرتعشة ، ثم هتفت بصوت متحشرج كابحة البكاء قدر امكانها :
_ و انت ازاي عايزني استوعب ان الراجل الوحيد اللي حبيته يكون بيخدعني و بيرتب معايا لليوم اللي هيفضحني فيه وسط كل الناس
وضع يده على رأسه يكبح سبه نابية قد تخرج منه في حق كارما المتسببة بكارثة حلت على حياتهما و جعلتها كابوس بعد أن كان حلم وردي لطيف يتمني كلًا منهما إكماله على اكمل وجه ، توجه نحو مقعده من جديد قائلًا :
_ اكيد مش هبرر موقفي اللي زي الزفت ، بس عايزك تحطي نفسك مكاني و تعذريني و تديني فرصة اخيرة
جلس على المقعد يراقب تعابير وجهها الثابتة حتى استندت براحتي يدها على سطح المكتب تطلب بهدوء :
_ طلعني من هنا لو سمحت
_ آسيا ، ادينا فرصة
أخبرها بلطف لاخر مرة حتى يميل قلبها له ، و لكنها تجاهلت جملته تتحدث من جديد بهدوء :
_ عايزة اخرج من هنا
نفذ صبره الذي استخدمه لاخر لحظة ، و ظهر الغضب جليًا على وجهه ، ثم ضرب بكفه على سطح المكتب بقوة يهتف بحدة :
_ طب اية رأيك بقى مفيش خروج من هنا و لا سفر ، هتفضلي معايا غصب عنك
كان هدوئها الهدوء ما قبل العاصفة حيث أنها تبدلت من الهدوء و الثبات إلى الغضب الشديد و العصبية المفرطة ، ثم انحنت تأخذ اللافتة الخشبي عن الأرض و على حين غرة تهبط بها على رأسه بقوة لتنفجر منه الدماء ، صرخ متألمًا يضع يده موضع الألم ثم نظر إلى كفه الذي تلوثت كاملة بالدماء هاتفًا بغضب :
_ يا مجنونة !
حين رأت الدماء انتفض قلبها من مضجعه ، اقتربت منه بلهفة تجثو جواره ، ارتجفت بذعر عندما تأوه من جديد يضغط على جرحه اكثر ، همست بأسف و خوف يلتهمها :
_ زيدان ! انا اسفة و الله مكنش قصدي
وقف عن المقعد يتوجه نحو الباب دون الرد عليها ، لتلحق به سريعًا تمسك بذراعه تهمس باضطراب :
_ انا اسفة و الله يا زيدان ، طب انت رايح فين ، زيدان
كررت أسم زيدان دون وعي اكثر من مرة ، كأنها تربط بين مشاعرها اتجاهه ، و شخصيته الوهمية التي وقعت بحبها ، و حين لاحظ هو ذلك التفت إليها ينظر إلى شحوب وجهها ، و توترها الواضح عليها ، أجابها باختصار :
_ هروح المستشفى
أومأت إليه على الفور ، تمسك بمقبض الباب لكى تفتحه ، لكنه منعها حين وضع يده على الباب قائلًا :
_ استني
دس يده بجيب بنطاله يخرج مفتاح القيد المكبلة به ، ثم فك قيدها ، لتتوجه معه إلى الخارج مازال يضع يده على رأسه ، اسرع إليه الجندي الذي يسير بالرواق متسائلًا عما حدث له ، لكن اجابه قاسم بهدوء أنه حادث بسيط و عليه التوجه إلى المشفى .
خرجا معًا من القسم حتى وصل أمام سيارته وتتبعه بهدوء يظهر عليه الخوف الشديد ، أوقفته قبل أن يفتح باب مقعد السائق تمسك بيده تهمس بتلعثم :
_ خليك انا هسوق
أومأ لها بصمت تاركًا لها المجال لقيادة السيارة ، و توجه هو إلى المقعد الآخر ، انطلقت سريعًا نحو أقرب مشفى رغم ارتجافتها التي لا تهدأ لم تتوقع أن تسبب في إصابة بالغة و أن كان يستحق ذلك ، لكن صمته و هدوئه يربكها و يشعرها بالذنب اكثر ، ابتلعت ريقها بصعوبة ، ثم همست :
_ زيدان
همهم قاسم منشغل مع المحارم الملطخة بالدماء في محاولة واهية منه للسيطرة على النزيف ، لتنظر إليه بندم ، و اردفت بأسف :
_ حقك عليا بجد مكنش قصدي افتحلك دماغك
التفت ينظر إليها لثواثي معدودة قبل أن ينفجر بالضحك ، ببراءة تخبره أنها لم تقصد إصابته كأن ما فعلته شيء بسيط لا يذكر ، فهمت لماذا يضحك حين تكررت جملتها داخل عقلها من جديد ، لتردف من جديد :
_ هدوئك دا مضايقني بجد ، زعق حتى و لا اعمل اي حاجة و هيبقي حقك
أشار بيده نحو الأرض التي تسير عليها السيارة ، ثم هتف بغيظ قابضًا على كف يده :
_ دا انا من حقي اسفلت وشك بالاسفلت ، بس هاخد حقك بطريقة تانية
ابتلعت ريقها بتوتر ، توقف السيارة أمام المشفى ، ثم سألت بفضول :
_ هتعمل اية ؟
غمز لها بعينه اليسرى ، و هم بالخروج من السيارة ، قائلًا بمراوغة :
_ هنزل اخيط الجرح
***********************************
أجرى عُدي عدة محاولات للتواصل معها عبر الهاتف ، و لكنه لم يجد منها رد ، يعلم أن لها كامل الحق في أخذ موقف واضح منه ، و لكن دفعته غيرته التي سرت كالنيران باوردته حين رأى صورتها مع آخر . تأفف بضيق يحاول الاتصال بها من جديد ، و أخيراً تلقى منها رد هذه المرة ، حيث أتى صوتها من الطرف الاخر تقول بجمود :
_ ايوة يا عدي خير في حاجة
اغتاظ من برود ردها ، و هتف بضيق :
_ انتي مبترديش لية ؟
ضغط على أسنانه حتى أصدرت صوت صريف حين اجابته بذات النبرة :
_ مشغولة
صمت يلتقط أنفاسه حتى يهدأ ، ثم تنهد بقوة قائلًا :
_ طب متزعليش مني لو ضايقتك
صاحت من الطرف الآخر بضيق ، تشرح له أن الأمر لم يستدعي احراجها :
_ اه بصراحة ضايقتني يا عدي اية في حضنه دي ، على فكرة دي صورة عادية جدًا و اتصورت زيها كتير
خرج منه لفظ نابي حين انهت جملتها ، فشهقت بصدمة قبل ان تنهره صارخة :
_ عدي احترم نفسك
زفر بضيق يجيبها بغضب :
_ ما انت اللي مستفزة و تحرقي الدم
_ انا مقولتش حاجة تستفزك دلوقتي ، انت كدا اللي بتتعدي حدود الصداقة على فكرة
كان نبرتها محذرة الا يتخطى حدوده ، و لكنه لم يهتم لذلك ، انما قرر أن يبوح لها بسر غضبه عليها لعل عقلها الصغير يستوعب حديثه الواضح هذه المرة :
_ كنت غيران يا جنة
ساد الصمت بينهما بعد جملته ، و كأن الحديث هرب من لسانها لم يصدر عنها إلا صوت أنفاسها التي تتعالى رويدًا رويدًا ، ليتنهد من جديد يردف بغيظ :
_ الصورة استفزتني ، و انتي مستفزة اكتر
استعادت ثباتها بصعوبة ، و لاحت ذكرى قديمة أمامها جعلتها تتحدث بضيق :
_ عدي احنا قولنا هنرجع اصحاب و بس
همس لها مبتسمًا :
_ و مين له سلطان على قلبه
صمتت من جديد تستشعر صدق حديثه إلا أنها شعرت بالخوف يتسلل إليها ، من فترة كانت الأمور بينهما تسير على ما يرام ، لكنه تركها بالمنتصف متحججًا باختفاء مشاعره اتجاهها ، تهكمت تلقي على مسامعه اكثر جملة كانت سبب لها في أذى نفسي كبير :
_ اكيد دا شعور عابر و هترجع تحس بالندم ، خلينا اصحاب احسن يا عدي
اكد لها جديته حين قال :
_ انا متأكد المرة دي
ضحكت رغمًا عنها حين استمعت إلى نبرته الواثقة ، ثم تحدثت بحدة :
_ معلش مش مستعدة لأي استهتار بمشاعري بعد كدا
تنهد بقوة ، يخبرها بنبرة هادئة ، صادقة :
_ اليومين اللي غبتي عليا فيهم حسسني اد اية أنا غبي ، مفتقدك في يومي يا جنة ، اليوم ناقصه حاجة حلوة من غيرك
ضحكت من جديد ساخرة ، ثم قالت بتهكم :
_ هجبلك بسبوسه و انا جاية ازورك يا صديقي
حذرها من الاستهزاء به :
_ جنة
زفرت بضيق شديد ، تغلق هذا الموضوع تمامًا الآن :
_ لما ابقى متأكدة من مشاعري نبقى نتكلم يا عدي
ودعته سريعًا قبل أن تغلق الهاتف ، لم تنتظر أي كلمة أخري منه ، زفر غاضبًا من نفسه ، نادمًا على تصرفه الاهوج معها بالماضي ، ها هو يدفع ثمن تصرفاته تباعًا
***********************************
اغلق آدم باب الغرفة بعد أن استلم الطعام من عامل الفندق ، توجه بالعربة النقالة المتراص عليها الطعام اتجاه الفراش ، حين لاحظ استيقاظ زوجته التي تحاول الاعتدال جالسة . ابتسم بأتساع يجلس إلى جوارها ، قائلًا بحب :
_ صباح الفل يا حبيبتي
مالت نحوه تقبل وجنته اليمنى ، ثم أشارت بيمناها إلى عربة الطعام ، قائلة بصوت متحشرج اثر النوم :
_ صاحي نشيط و طالب الفطار كمان
اقترب منها اكثر ، أحاط خصرها بين ذراعيه ، يهمس مشاكسًا :
_ في حد احلامه تكون بين ايديه و يعرف ينام بردو
_ بجد منمتش خالص ؟
سألت بهدوء ، لينفى برأسه مجيبًا :
_ ساعة و صحيت اتأكد اني مش بحلم و ان احلامي اتحققت خلاص
لفت ذراعيها حول رقبته تسأل بهدوء :
_ ممكن اسألك سؤال ؟
أومأ إليها ، يراقب تعابير وجهها الذي يظهر عليها التردد قبل أن تسأل بهدوء :
_ هو انت مفكرتش و لا مرة انك تتجوز و تنساني
ابتسم يمرر يده اليسرى بخصلات شعرها ، بينما اليمنى تشير إلى حوائط الغرفة قائلًا بنبرة صادقة لمست قلبها على الفور :
_ و لا مرة خطر على بالي ، و بعد هنساكي ازاي و صورك مغرقة أوضتي
انهى جملته وابتعد عنها ليبدأ بالطعام ، لكنها امسكت بيده تمنعه من التحرك و قد ابتهج وجهها بسعادة حين علمت انه لازال محتفظ بصورها الفوتوغرافية على حوائط غرفته ، لكن ذلك لم يمنع فضولها لذا تحدثت بهدوء :
_ طب عشان خاطري ، هو سؤال واحد و هسيبك تاكل
انتبه إليها من جديد بكامل حواسه ، ابتلعت ريقها بتوتر متسائلة بصوت خافت :
_ انت زعلت لأني اتجوزت كر
لكنه قاطعها يبتر أسم "كريم" قبل أن يكتمل ، يزجرها بنظراته قبل أن يصيح بحدة :
_ رقية خلاص
لاحظت تبدل ملامحه إلى الغضب الشديد ، لتميل على كتفه تستند برأسها عليه قائلة :
_ طب خلاص ، اخر سؤال و الله العظيم
زفر بضيق من كثرة أسئلتها التي تعكر صفو أول ايام زواجهما السعيد ، و لكنه هتف بغيظ منها :
_ اللهم طولك يا روح ، اسألي يا رقية
كان اكثر الأسئلة اهمية و شغل تفكيرها دائمًا ، لذا لم تتردد و هي تسأل بفضول :
_ مامتك وافقت على جوازنا فجأة لية ؟
ابتعدت عن كتفه تنظر داخل عينيه لترى مدى صدقه ، أحاط فكها بين أنامله بغيظ قائلًا :
_ انت صاحية مالك كدا
همهمت بضيق ، ثم ازاحت يده عن فكها ، قائلة :
_ مجرد سؤال شاغلني يا آدم
زفر بقوة ، و أمسك بيدها اليمنى يمرر أنامله برفق على جلدها ، قائلًا :
_ امي وافقت براضاها يا ستي عشان عرفت اني عمري ما هحب حد غيرك مهما حصل
تنهدت بارتياح شديد ، و ظهرت ابتسامة واسعة على ثغرها بسعادة أن اكبر مشكلتها قد انتهت ، ثم أشارت نحو الطعام قائلة بأغتباط :
_ هات كدا اشوف الفطار دا بيقول اية
ضحك بصخب يجذب يدها لكى تخرج عن الفراش ، قائلًا :
_ قومي اقعدي جنبي
وقفت عن الفراش ترتدي مأزر حريري من اللون الأبيض ، ثم انحنت لتقبل وجنته تهمس بهدوء :
_ هغسل وشي و اجيلك جري
ذهبت سريعًا إلى المرحاض للاغتسال ، في حين صدح رنين هاتفها على وحدة الادراج ، فطلبت منه أن يرد على المتصل بدلًا عنها ، مال بجسده نحو وحدة الادراج حتى أخذ الهاتف يفتح الاتصال ، ابتسم حين وجد المتصل السيد صبري خال رُقية ورحب به بحفاوة كبيرة ، و أبلغه أن ينتظر حتى تأتي رُقية للرد عليه حينها خرجت رُقية من المرحاض تجفف وجهها بمنشفة بيضاء ، ثم أسرعت نحو آدم تأخذ الهاتف بسعادة قائلة :
_ صباح الفل يا خالو ، عامل اية يا حبيبي
أجاب السيد صبري بهدوء بعد أن تنحنح بجدية :
_ الحمد لله يا روكا بخير ، بقولك ابعدي كدا عن آدم عايز اقولك حاجة
رمقت رُقية زوجها بنظرة خاطفة ، و اخذت حجاب طويل تضعه على رأسها ينسدل علي كتفيها و صدرها ، و توجهت نحو الشرفة تهمس بقلق :
_ خير يا خالو بعدت عنه
_ كريم كان جاي كتب الكتاب و الحمد لله لحقته ، انتي فعلا قولتليه انك هتفكري ترجعيله و خلفتي وعدك ؟
سأل في نهاية جملته ، لتنفي رُقية سريعًا ، و لم تنتبه إلى صوتها الذي ارتفع فجأة منفعلة :
_ ابدًا و الله العظيم يا خالو ، انا اخر مرة قولتله يبعد عني و يسيبني في حالي ، دا كداب
تحدث السيد صبري بهدوء :
_ أنا بس حبيت اسألك عشان اعرف اتصرف معاه
زفرت بضيق ، و التفتت حيث آدم الذي انتبه إلى صوتها المرتفع وانفعالها الواضح ، لتحاول تمالك نفسها تهمس بهدوء :
_ كداب يا خالو و خليه يحل عني و عن حياتي بقي يعتبر أنه معرفش الحقيقة و لسة فاكرني عملتله سحر و رميني كدا تمام
أجاب خالها بصوت هادئ يحاول انهاء هذا النقاش قائلًا :
_ متقلقيش يا حبيبتي انا هحل الموضوع معاه هو و اهله
انهت المكالمة بعد أن ودعت خالها ، و التفتت تتوجه داخل الغرفة تحت تساؤلات زوجها عما يحدث ، رسمت ابتسامة لطيفة على ثغرها قائلة :
_ مفيش حاجة يا دومي
جلست إلى جواره تربت على كتفه مبتسمة ببهوت قائلة :
_ مطلبتش لبن لية انت بتحب تشرب كوباية الصبح
ابتسم بسعادة كونها لازالت تتذكر روتين حياته ، أحاط خصرها بذراعه يقربها منه قائلًا :
_ بقى بيتعبني الصبح يا حبيبي
أمسك بكوب من عصير البرتقال يمده نحوها يردف :
_ كنتي بتزعقي لية في حاجة و لا اية
نفت برأسها تحاول أن تزيد ابتسامتها قائلة :
_ يا حبيبي دا بيتكلم على مراته انها محضرتش كتب كتابنا فضايقت بس مفيش حاجة
مسد على خصلات شعرها المنسدلة برتابة ، يتحدث بهدوء يضمها إليها اكثر :
_ هو بغض النظر اني مش مصدق ، بس متزعليش نفسك على اي حاجة و الست دي ملكيش دعوة بيها نهائيًا
مالت برأسها على صدره ، تتنهد براحة كبيرة غمرت روحها حين ضمها إليه ، ثم همست بحب :
_ طول ما انت جنبي عمري ما ازعل على حاجة ابدًا
**********************************
قطب الطبيب الجُرح الذي أصيب به قاسم بثلاث غرز دقيقة بعد أن خدر منطقة الألم برأسه ، انتهى الطبيب بوضع ضمادة طبية ، و ابتعد عنه يتمنى له الشفاء العاجل تاركًا اياه مع آسيا التي كانت تقف بعيدًا عنهما تنتظر أن ينتهي ، أقتربت آسيا بهدوء منه حتى وقفت أمامه تتفحص وجهه الشاحب ، ثم نطقت متسائلة :
_ انت كويس ؟
أومأ لها بصمت ، و نفض خصلات شعره المتساقطه على كتفه حين اقتصه الطبيب حتى تسنح له الفرصة لقطب الجرح ، حمحمت هي بحرج قبل أن تهمس :
_ أنا آسفة تاني ، لو عايز نعمل محضر عادي
رفع رأسه ينظر إليها يرى جديتها في الحديث ، ليتنهد بقوة معتدلًا بجلسته على فراش المشفى قائلًا بهدوء :
_ هعتبر أن اللي عملتيه تخليص حقك مني ، بس كدا يبقى خالصين و نبدأ من جديد
مد يده ليصافحها ، معرفًا عن نفسه بجدية :
_ انا الرائد قاسم الدميري ، ممكن نتعرف ؟
تجاهلت حديثه ، و نظرت بلا مبالاة إلى يده الممدودة لها ، ثم رفعت رأسها تتحدث :
_ بما أنك اعتبرتها تخليص حق ، يبقى انت مرضي اقدر انا بقى استأذن
كادت أن تنصرف من أمامه إلا أنه أمسك بيدها يمنعها من الذهاب ، يجبرها على الجلوس على طرف الفراش قائلًا :
_ بما أننا دلوقتي خالصين ، لازم تديني فرصة تانية و دا حقي بعد اللي عملتيه فيا
أشار إلى رأسه المصابة بنهاية جملته ، فأبعدت يدها عنه بحدة ، تعقد ذراعيها امام صدرها قائلة :
_ مش مستعدة للارتباط ، خطيبي لسة ميت من وقت قليل
جلس إلى جوارها ، ينظر إليها بترقب متسائلًا بتوجس :
_ لو خطيبك رجع من الموت تقبلي تعيشي معاه العمر كله
ضحكت بسخرية ، ثم وقفت أمامه متحدثة :
_ محدش بيرجع من الموت يا سيادة الرائد ، لو رجع هيكون بالنسبالي شبح
هز رأسه تزامنًا مع تحريك سبابة يمناه في إعجاب ، قائلًا بمزاح :
_ حلو جو الجن العاشق دا
تنهد بقوة ، يقف عن الفراش مشيرًا نحو باب الغرفة ، متحدثًا بهدوء :
_ يلا عشان هتوصليني ، و لما اشوفك بكرا ان شاء الله تكوني غيرتي رأيك
خرجت من الغرفة ، و تبعها هو بخطوات هادئة واضعًا يده على رأسه يفكر كيف سيجعلها تتراجع عن إصرارها بالفراق عنه ، و يبدو أن ما يدور برأسه يروقه للغاية حيث اتسعت ابتسامته بسعادة غامرة ، يصعد السيارة إلى جوارها لتقود حتى منزله
***********************************
عند عودتها ألقت على جدها اللوم لمساعدته لقاسم حتى لا تسافر ، و لكنه أستطاع أن يمتص غضبها ، و جعلها تهدأ مقتنعة أن كل ما فعله لأجل مصلحتها ، و حين أتي الصباح ابلغها الجد أنه يريد الذهاب إلى منزله حتى يجمع باقي اغراضه ، و وافقت هي على اصطحابه ذات المكان الذي تولدت به مشاعرها و تفاقم به حبها للشخص الخطأ ، و قد كانت توعد نفسها أنها لن تخطو خطوة أخرى داخل تلك البناية مجددًا .
و مع اقترابها من المنطقة التي يقطن بها جدها ازدادت انقباضة قلبها حتى شعرت أنه يُعتصر داخل صدرها ، و ازدادت ايضًا وتيرة أنفاسها حين وصلت أمام البناية ، تشكلت غصة البكاء بحلقها حين طلب منها جدها الصعود معه و مساعدته ، و لكنها تمالكت نفسها بثبات تحسد عليه ، خرجت من السيارة بهدوء تصعد الدرج ببطء و مع كل خطوة تتزاحم الذكريات برأسها حتى كادت تصرخ من شدة الغضب الذي تملك منها عندما اتت ذكري عقد القران بعقلها .
تجمدت أقدامها أمام باب شقة جدها بصدمة حين وجدت "قاسم" ينزل الدرج بهدوء يرتدي بملابس عامل التوصيل أو شخصية "زيدان" يقترب منهما بابتسامة هادئة مرحبًا :
_ الحارة نورت بوجودكم يا حاج و الله
تصلب جسدها بارتباك وتفصٌد العرق على جبهتها ، لا تبدى أي ردة فعل غير أنها تحدق به بتعجب لما يفعل ، ليقترب منها حتى وصل أمامها مباشرةً يلوح بيده أمام وجهها قائلًا :
_ متنحة لية يا آسيا
فتح السيد نجيب باب الشقة و دلف إلى الداخل تاركًا الباب مفتوحًا ، في حين ازدادت ابتسامة قاسم يقترب منها اكثر يراوغها قائلًا :
_ اية معجبكيش جو الجن العاشق
رفعت رأسها تنظر إلى عينيه بتشتت ، و قلبها بدأت تنتظم نبضاته و تهدأ ، شملها بنظرة سعيدة قبل أن يغمز بعينه اليسرى قائلًا :
_ زيدان رجع من الموت
وضعت يدها على صدرها ، ثم بدأ في أخذ شهيق و زفير قوي تمنع نفسها بصعوبة من الانجراف وراء مشاعرها و الاستسلام إلى مراضاته لها ، و همست بتلعثم :
_ انت عايز اية ؟
_ وحشتيني ، قولت يمكن تحني لما زيدان يرجع
أجابها بهدوء و عيناه لم تنزحا عنها ، لتنفي برأسها و تتراجع خطوة إلى الخلف هاربة ، تهمس بارتباك :
_ انا عايزة امشي
أمسك برسغها قبل أن تتحرك خطوة أخرى ، يجذبها معه ليتقدما من شقة الجد يتحدث بحسم :
_ مش هتمشي بعد النهاردة ، هندخل نتكلم جوا في فلاش باك كدا لازم نعدله
أجبرها على دخول الشقة لتجد السيدة أمل بالداخل ، تجاورها جنة التي تستند بيدها على مقعد عُدي المتحرك الذي يجلس عليه يراقب ما يحدث بهدوء ، أمامهم طاولة عليها كعكة كبيرة بيضاء يحيطها اوراق الزهور الحمراء ، ابتلعت ريقها بصعوبة تتحرك نحو جدها في حين اغلق قاسم الباب متقدمًا منها ، دس يده بجيب بنطاله يخرج منها عُلبة مخملية لونها ازرق داكن فتحها لتظهر سوار الكارتيية و معها خاتم من الدهب يتوسطه فص من الألماس .
ارتد جسدها إلى الخلف في رهبة تملكت من قلبها ، تنفى برأسها وعبراتها تتسابق على وجنتيها ترفض أن تخوض أي لحظة مما مضى ، أمسك بيدها رغمًا عنها يتحدث بجدية :
_ المرة دي مختلفة يا آسيا
رفع يدها يقبلها بحب ، ثم اردف :
_ المرة دي مفيش اي حاجة هتفرقنا ، المرة دي هنبدأها واضحة و هنعيشها في صدق
أخذ مفتاح السوار يرفعها أمام عينها يستأنف حديثه :
_ عمري ما اديلك المفتاح تاني ، هيفضل على طول معايا مش هفرط فيكي تاني ، مش هخسرك أبدًا
أخذ شهيق قوي قبل أن يتقدم منها خطوة أخرى قائلًا :
_ بشبح زيدان او حقيقة قاسم ، تتجوزيني يا آسيا
عم الصمت والجميع في حالة ترقب ، و ينتظرون ردها ، بينما هي تنظر بين العُلبة و بين وجهه في صمت مطبق ، حتى عيناها لا تعبرا عما يعتريها كعادتها ، مما جعله يشعر بالتوتر ، خشية أن ترفض طلبه للزواج منها .
و بعد مرور بضع دقائق ولازال يقف منتظر اجابتها بلهفة ، تملك منه اليأس ، تهدلت أكتافه بحزن ، ليغلق العُلبة المخملية متراجعًا إلى الخلف خطوة ، يتحدث بهدوء :
_ أنا بحبك ، و هفضل أحبك العمر كله و مش هستسلم لحد ما تكوني ليا
التفت عنها ، و كاد يغادر الشقة إلا أنها أوقفته حين همست بصوت متحشرج خافت :
_ اوعدني ..
توقف بمحله حين شعر بخطواتها خلفه ، توقفت أمامه تمامًا ، رفعت يدها تمسح دموعها و اردفت :
_ اوعدني انك عمرك ما هسيبني تاني ، اوعدني ما هخدعني تاني ، اوعدني انك هتفضل صادق معايا مهما حصل
ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغره ، يحدق في عينيها الجميلتين ، و كأنه يبث لها صدقه من خلال حديثٍ صامت حتى همس بسعادة :
_ اوعدك بعمري كله يا برنسيسه
نظرت إلى جدها الذي شجعها بنظراته ، ثم التفتت نحو قاسم من جديد تمد يدها حتى يُلبسها السوار قائلة :
_ اخر مرة هلبس فيها الاسويرة دي ، لو قلعتها عمري ما هفكر فيك تاني حتى
ألبسها السوار مقبلًا باطن كفها في حب وسط تهليل جنة وتصفير عُدي ، اقترب يقبل قمة رأسها بعدما ألبسها الخاتم ، يهمس باغتباط :
_ انتي فرصة ابقى غبي لو ضيعتها مرتين يا ايسو