رواية مداهنة عشق الفصل السادس و العشرون 26بقلم اسماء ايهاب


رواية مداهنة عشق الفصل السادس و العشرون بقلم اسماء ايهاب



ما أن وصل قاسم إلى غرفة مكتبه في القسم مع آسيا حتى فك قيد يده المكبلة تاركًا إياها أمام الباب و ذهب ليجلس و يستريح على مقعده بكل بهدوء ، ازداد غضبها و غيظها منه خاصةً حين رفع قدميه على سطح المكتب وأمسك كتاب بيده يبدأ بقراءته متجاهلًا وجودها ، تقدمت من المكتب تضرب بيدها الحرة عليه بقوة و تصرخ به أن يفك قيدها حتى تذهب دون أن تتأخر عن ميعاد الطائرة ، و لكنه أيضاً تجاهلها و أكمل قراءة الكتاب في هدوء ، صكت على أسنانها بغيظ قبل أن تمسك اللافتة الصغيرة الخشبي المدون عليها أسمه تلقيها بالأرض ، صارخة بغضب :
_ بطل استفزاز سيبني عاملة كدا و انت بتقرأ كتاب 

اعتدل بجلسته تاركًا الكتاب من يده ، يجيبها بهدوء :
_ بلحق اقرأ سطرين من كتاب كيف تتعامل مع المرأة المتوحشة قبل ما ارد عليكي 

أثار حفيظتها اكثر لتحاول بشتى الطرق اخراج كفها من حلقة القيد الحديدي ، و لكنها لم تنجح أي من محاولتها اليائسة و سببت لنفسها بحُرج طفيف بمعصمها ، صرخت بغيظ تلقي بنفسها على المقعد المقابل للمكتب قائلة :
_ فك ايدي خليني اخرج ميعاد الطيارة هيفوت

انحنى نحو الأمام يستند بمرفقيه على سطح المكتب قائلًا بمشاكسة :
_ طب ما دا عز الطلب يا ايسو 

تأففت بضيق تهز رأسها لينزاح شعرها إلى الخلف تهتف :
_ ما تبقاش مستفز بقى

ضحك قاسم مراقبًا حالتها الانفعالية اللطيفة بالنسبة له في حين كانت ترمقه هي بغضب ، ثم أشار لها بيده أن تهدأ قائلًا :
_ المهم دلوقتي يا هتقعد هادية كدا و نتكلم بعقل ياما هلبسك قضية حلوة كدا تقعدك غصب عنك جنبي ساكتة و مؤدبة

هبت واقفة عن المقعد و تحدثت بأنفعال واضح :
_ هي مش سايبة و انا هكلم المحامي بتاعي يجيلي حالاً و هوديك في داهية

_ تأكلي ايس كريم فانيليا ؟

سألها بهدوء متجاهلًا تهديدها الواهي ، لتتجاهل سؤاله و وقفت عن المقعد تذهب لكى تفتح الباب و تخرج لكنه منعها حين اخبرها أنها لن تخرج بسهولة و خصيصًا و القيود بيدها ، لتتراجع تخشى الإهانة من الجندي بالخارج و تقدمت من جديد تقف أمام المكتب قائلة :
_ انت عايز مني اية ؟

وقف عن مقعده يتقدم نحوها قائلًا بنبرة صادقة :
_ عايزك جنبي ، عايزك تسمعي و تفهمي 

زفرت آسيا باختناق و مدت يدها نحوه تهتف :
_ انا لا عايزة اسمع و لا افهم و لا عايزاك في حياتي ، من الاخر بلاش فرهدة على الفاضي و فكني و سيبني اسافر 

امسك بكلتا كفيها ينظر إليها قائلًا :
_ و انا مش قادر اسيبك تمشي ، مش قادر اخليكي تبعدي 

ابعدت يدها عنه بعنف تهتف بحدة :
_ و انت لما كنت بتخطط مكنتش عارف اني هبعد عنك للابد !!

حاول أن يمتص غضبها المشتعل حين اقترب اكثر منها يجيبها بهدوء :
_ كنت فاكرك هي ، لو ...

لكنها قاطعته تدفعه بصدره ليرتد خطوة إلى الخلف صارخة :
_ لو كنت حبتني بجد كنت عملت تحريات و عرفت ان مش انا ، كنت هتطلع ألف حاجة تخليني بريئة 

صرخ أمامها بغضب يأكل روحه كل يوم و هو يلوم نفسه على ما حدث :
_ الغضب عماني مكنتش مستوعب اي حاجة ، البنت اللي حبيتها طلعت خطيبة اخويا اللي دفناها من هنا و ودينا اخويا مصحة نفسية من هنا ، ازاي عايزاني استوعب المفاجأة دي

أشارت إلى نفسها بأنامل مرتعشة ، ثم هتفت بصوت متحشرج كابحة البكاء قدر امكانها :
_ و انت ازاي عايزني استوعب ان الراجل الوحيد اللي حبيته يكون بيخدعني و بيرتب معايا لليوم اللي هيفضحني فيه وسط كل الناس 

وضع يده على رأسه يكبح سبه نابية قد تخرج منه في حق كارما المتسببة بكارثة حلت على حياتهما و جعلتها كابوس بعد أن كان حلم وردي لطيف يتمني كلًا منهما إكماله على اكمل وجه ، توجه نحو مقعده من جديد قائلًا :
_ اكيد مش هبرر موقفي اللي زي الزفت ، بس عايزك تحطي نفسك مكاني و تعذريني و تديني فرصة اخيرة 

جلس على المقعد يراقب تعابير وجهها الثابتة حتى استندت براحتي يدها على سطح المكتب تطلب بهدوء :
_ طلعني من هنا لو سمحت 

_ آسيا ، ادينا فرصة 

أخبرها بلطف لاخر مرة حتى يميل قلبها له ، و لكنها تجاهلت جملته تتحدث من جديد بهدوء :
_ عايزة اخرج من هنا 

نفذ صبره الذي استخدمه لاخر لحظة ، و ظهر الغضب جليًا على وجهه ، ثم ضرب بكفه على سطح المكتب بقوة يهتف بحدة :
_ طب اية رأيك بقى مفيش خروج من هنا و لا سفر ، هتفضلي معايا غصب عنك 

كان هدوئها الهدوء ما قبل العاصفة حيث أنها تبدلت من الهدوء و الثبات إلى الغضب الشديد و العصبية المفرطة ، ثم انحنت تأخذ اللافتة الخشبي عن الأرض و على حين غرة تهبط بها على رأسه بقوة لتنفجر منه الدماء ، صرخ متألمًا يضع يده موضع الألم ثم نظر إلى كفه الذي تلوثت كاملة بالدماء هاتفًا بغضب :
_ يا مجنونة !

حين رأت الدماء انتفض قلبها من مضجعه ، اقتربت منه بلهفة تجثو جواره ، ارتجفت بذعر عندما تأوه من جديد يضغط على جرحه اكثر ، همست بأسف و خوف يلتهمها :
_ زيدان ! انا اسفة و الله مكنش قصدي 

وقف عن المقعد يتوجه نحو الباب دون الرد عليها ، لتلحق به سريعًا تمسك بذراعه تهمس باضطراب :
_ انا اسفة و الله يا زيدان ، طب انت رايح فين ، زيدان 

كررت أسم زيدان دون وعي اكثر من مرة ، كأنها تربط بين مشاعرها اتجاهه ، و شخصيته الوهمية التي وقعت بحبها ، و حين لاحظ هو ذلك التفت إليها ينظر إلى شحوب وجهها ، و توترها الواضح عليها ، أجابها باختصار : 
_ هروح المستشفى 

أومأت إليه على الفور ، تمسك بمقبض الباب لكى تفتحه ، لكنه منعها حين وضع يده على الباب قائلًا : 
_ استني 

دس يده بجيب بنطاله يخرج مفتاح القيد المكبلة به ، ثم فك قيدها ، لتتوجه معه إلى الخارج مازال يضع يده على رأسه ، اسرع إليه الجندي الذي يسير بالرواق متسائلًا عما حدث له ، لكن اجابه قاسم بهدوء أنه حادث بسيط و عليه التوجه إلى المشفى .
خرجا معًا من القسم حتى وصل أمام سيارته وتتبعه بهدوء يظهر عليه الخوف الشديد ، أوقفته قبل أن يفتح باب مقعد السائق تمسك بيده تهمس بتلعثم :
_ خليك انا هسوق 

أومأ لها بصمت تاركًا لها المجال لقيادة السيارة ، و توجه هو إلى المقعد الآخر ، انطلقت سريعًا نحو أقرب مشفى رغم ارتجافتها التي لا تهدأ لم تتوقع أن تسبب في إصابة بالغة و أن كان يستحق ذلك ، لكن صمته و هدوئه يربكها و يشعرها بالذنب اكثر ، ابتلعت ريقها بصعوبة ، ثم همست :
_ زيدان 

همهم قاسم منشغل مع المحارم الملطخة بالدماء في محاولة واهية منه للسيطرة على النزيف ، لتنظر إليه بندم ، و اردفت بأسف :
_ حقك عليا بجد مكنش قصدي افتحلك دماغك 

التفت ينظر إليها لثواثي معدودة قبل أن ينفجر بالضحك ، ببراءة تخبره أنها لم تقصد إصابته كأن ما فعلته شيء بسيط لا يذكر ، فهمت لماذا يضحك حين تكررت جملتها داخل عقلها من جديد ، لتردف من جديد :
_ هدوئك دا مضايقني بجد ، زعق حتى و لا اعمل اي حاجة و هيبقي حقك 

أشار بيده نحو الأرض التي تسير عليها السيارة ، ثم هتف بغيظ قابضًا على كف يده :
_ دا انا من حقي اسفلت وشك بالاسفلت ، بس هاخد حقك بطريقة تانية 

ابتلعت ريقها بتوتر ، توقف السيارة أمام المشفى ، ثم سألت بفضول :
_ هتعمل اية ؟

غمز لها بعينه اليسرى ، و هم بالخروج من السيارة ، قائلًا بمراوغة :
_ هنزل اخيط الجرح 

***********************************
أجرى عُدي عدة محاولات للتواصل معها عبر الهاتف ، و لكنه لم يجد منها رد ، يعلم أن لها كامل الحق في أخذ موقف واضح منه ، و لكن دفعته غيرته التي سرت كالنيران باوردته حين رأى صورتها مع آخر . تأفف بضيق يحاول الاتصال بها من جديد ، و أخيراً تلقى منها رد هذه المرة ، حيث أتى صوتها من الطرف الاخر تقول بجمود :
_ ايوة يا عدي خير في حاجة 

اغتاظ من برود ردها ، و هتف بضيق :
_ انتي مبترديش لية ؟

ضغط على أسنانه حتى أصدرت صوت صريف حين اجابته بذات النبرة :
_ مشغولة 

صمت يلتقط أنفاسه حتى يهدأ ، ثم تنهد بقوة قائلًا :
_ طب متزعليش مني لو ضايقتك 

صاحت من الطرف الآخر بضيق ، تشرح له أن الأمر لم يستدعي احراجها :
_ اه بصراحة ضايقتني يا عدي اية في حضنه دي ، على فكرة دي صورة عادية جدًا و اتصورت زيها كتير 

خرج منه لفظ نابي حين انهت جملتها ، فشهقت بصدمة قبل ان تنهره صارخة :
_ عدي احترم نفسك 

زفر بضيق يجيبها بغضب :
_ ما انت اللي مستفزة و تحرقي الدم 

_ انا مقولتش حاجة تستفزك دلوقتي ، انت كدا اللي بتتعدي حدود الصداقة على فكرة 

كان نبرتها محذرة الا يتخطى حدوده ، و لكنه لم يهتم لذلك ، انما قرر أن يبوح لها بسر غضبه عليها لعل عقلها الصغير يستوعب حديثه الواضح هذه المرة :
_ كنت غيران يا جنة 

ساد الصمت بينهما بعد جملته ، و كأن الحديث هرب من لسانها لم يصدر عنها إلا صوت أنفاسها التي تتعالى رويدًا رويدًا ، ليتنهد من جديد يردف بغيظ :
_ الصورة استفزتني ، و انتي مستفزة اكتر

استعادت ثباتها بصعوبة ، و لاحت ذكرى قديمة أمامها جعلتها تتحدث بضيق :
_ عدي احنا قولنا هنرجع اصحاب و بس

همس لها مبتسمًا :
_ و مين له سلطان على قلبه 

صمتت من جديد تستشعر صدق حديثه إلا أنها شعرت بالخوف يتسلل إليها ، من فترة كانت الأمور بينهما تسير على ما يرام ، لكنه تركها بالمنتصف متحججًا باختفاء مشاعره اتجاهها ، تهكمت تلقي على مسامعه اكثر جملة كانت سبب لها في أذى نفسي كبير :
_ اكيد دا شعور عابر و هترجع تحس بالندم ، خلينا اصحاب احسن يا عدي 

اكد لها جديته حين قال :
_ انا متأكد المرة دي 

ضحكت رغمًا عنها حين استمعت إلى نبرته الواثقة ، ثم تحدثت بحدة :
_ معلش مش مستعدة لأي استهتار بمشاعري بعد كدا 

تنهد بقوة ، يخبرها بنبرة هادئة ، صادقة :
_ اليومين اللي غبتي عليا فيهم حسسني اد اية أنا غبي ، مفتقدك في يومي يا جنة ، اليوم ناقصه حاجة حلوة من غيرك 

ضحكت من جديد ساخرة ، ثم قالت بتهكم :
_ هجبلك بسبوسه و انا جاية ازورك يا صديقي 

حذرها من الاستهزاء به :
_ جنة 

زفرت بضيق شديد ، تغلق هذا الموضوع تمامًا الآن :
_ لما ابقى متأكدة من مشاعري نبقى نتكلم يا عدي 

ودعته سريعًا قبل أن تغلق الهاتف ، لم تنتظر أي كلمة أخري منه ، زفر غاضبًا من نفسه ، نادمًا على تصرفه الاهوج معها بالماضي ، ها هو يدفع ثمن تصرفاته تباعًا 

***********************************
اغلق آدم باب الغرفة بعد أن استلم الطعام من عامل الفندق ، توجه بالعربة النقالة المتراص عليها الطعام اتجاه الفراش ، حين لاحظ استيقاظ زوجته التي تحاول الاعتدال جالسة . ابتسم بأتساع يجلس إلى جوارها ، قائلًا بحب :
_ صباح الفل يا حبيبتي 

مالت نحوه تقبل وجنته اليمنى ، ثم أشارت بيمناها إلى عربة الطعام ، قائلة بصوت متحشرج اثر النوم :
_ صاحي نشيط و طالب الفطار كمان 

اقترب منها اكثر ، أحاط خصرها بين ذراعيه ، يهمس مشاكسًا :
_ في حد احلامه تكون بين ايديه و يعرف ينام بردو 

_ بجد منمتش خالص ؟

سألت بهدوء ، لينفى برأسه مجيبًا :
_ ساعة و صحيت اتأكد اني مش بحلم و ان احلامي اتحققت خلاص 

لفت ذراعيها حول رقبته تسأل بهدوء :
_ ممكن اسألك سؤال ؟

أومأ إليها ، يراقب تعابير وجهها الذي يظهر عليها التردد قبل أن تسأل بهدوء :
_ هو انت مفكرتش و لا مرة انك تتجوز و تنساني 

ابتسم يمرر يده اليسرى بخصلات شعرها ، بينما اليمنى تشير إلى حوائط الغرفة قائلًا بنبرة صادقة لمست قلبها على الفور :
_ و لا مرة خطر على بالي ، و بعد هنساكي ازاي و صورك مغرقة أوضتي

انهى جملته وابتعد عنها ليبدأ بالطعام ، لكنها امسكت بيده تمنعه من التحرك و قد ابتهج وجهها بسعادة حين علمت انه لازال محتفظ بصورها الفوتوغرافية على حوائط غرفته ، لكن ذلك لم يمنع فضولها لذا تحدثت بهدوء :
_ طب عشان خاطري ، هو سؤال واحد و هسيبك تاكل

انتبه إليها من جديد بكامل حواسه ، ابتلعت ريقها بتوتر متسائلة بصوت خافت :
_ انت زعلت لأني اتجوزت كر

لكنه قاطعها يبتر أسم "كريم" قبل أن يكتمل ، يزجرها بنظراته قبل أن يصيح بحدة :
_ رقية خلاص 

لاحظت تبدل ملامحه إلى الغضب الشديد ، لتميل على كتفه تستند برأسها عليه قائلة :
_ طب خلاص ، اخر سؤال و الله العظيم 

زفر بضيق من كثرة أسئلتها التي تعكر صفو أول ايام زواجهما السعيد ، و لكنه هتف بغيظ منها :
_ اللهم طولك يا روح ، اسألي يا رقية

كان اكثر الأسئلة اهمية و شغل تفكيرها دائمًا ، لذا لم تتردد و هي تسأل بفضول :
_ مامتك وافقت على جوازنا فجأة لية ؟

ابتعدت عن كتفه تنظر داخل عينيه لترى مدى صدقه ، أحاط فكها بين أنامله بغيظ قائلًا :
_ انت صاحية مالك كدا 

همهمت بضيق ، ثم ازاحت يده عن فكها ، قائلة :
_ مجرد سؤال شاغلني يا آدم 

زفر بقوة ، و أمسك بيدها اليمنى يمرر أنامله برفق على جلدها ، قائلًا :
_ امي وافقت براضاها يا ستي عشان عرفت اني عمري ما هحب حد غيرك مهما حصل 

تنهدت بارتياح شديد ، و ظهرت ابتسامة واسعة على ثغرها بسعادة أن اكبر مشكلتها قد انتهت ، ثم أشارت نحو الطعام قائلة بأغتباط :
_ هات كدا اشوف الفطار دا بيقول اية 

ضحك بصخب يجذب يدها لكى تخرج عن الفراش ، قائلًا :
_ قومي اقعدي جنبي 

وقفت عن الفراش ترتدي مأزر حريري من اللون الأبيض ، ثم انحنت لتقبل وجنته تهمس بهدوء :
_ هغسل وشي و اجيلك جري

ذهبت سريعًا إلى المرحاض للاغتسال ، في حين صدح رنين هاتفها على وحدة الادراج ، فطلبت منه أن يرد على المتصل بدلًا عنها ، مال بجسده نحو وحدة الادراج حتى أخذ الهاتف يفتح الاتصال ، ابتسم حين وجد المتصل السيد صبري خال رُقية ورحب به بحفاوة كبيرة ، و أبلغه أن ينتظر حتى تأتي رُقية للرد عليه حينها خرجت رُقية من المرحاض تجفف وجهها بمنشفة بيضاء ، ثم أسرعت نحو آدم تأخذ الهاتف بسعادة قائلة :
_ صباح الفل يا خالو ، عامل اية يا حبيبي 

أجاب السيد صبري بهدوء بعد أن تنحنح بجدية :
_ الحمد لله يا روكا بخير ، بقولك ابعدي كدا عن آدم عايز اقولك حاجة 

رمقت رُقية زوجها بنظرة خاطفة ، و اخذت حجاب طويل تضعه على رأسها ينسدل علي كتفيها و صدرها ، و توجهت نحو الشرفة تهمس بقلق :
_ خير يا خالو بعدت عنه 

_ كريم كان جاي كتب الكتاب و الحمد لله لحقته ، انتي فعلا قولتليه انك هتفكري ترجعيله و خلفتي وعدك ؟

سأل في نهاية جملته ، لتنفي رُقية سريعًا ، و لم تنتبه إلى صوتها الذي ارتفع فجأة منفعلة :
_ ابدًا و الله العظيم يا خالو ، انا اخر مرة قولتله يبعد عني و يسيبني في حالي ، دا كداب 

تحدث السيد صبري بهدوء :
_ أنا بس حبيت اسألك عشان اعرف اتصرف معاه 

زفرت بضيق ، و التفتت حيث آدم الذي انتبه إلى صوتها المرتفع وانفعالها الواضح ، لتحاول تمالك نفسها تهمس بهدوء :
_ كداب يا خالو و خليه يحل عني و عن حياتي بقي يعتبر أنه معرفش الحقيقة و لسة فاكرني عملتله سحر و رميني كدا تمام 

أجاب خالها بصوت هادئ يحاول انهاء هذا النقاش قائلًا :
_ متقلقيش يا حبيبتي انا هحل الموضوع معاه هو و اهله 

انهت المكالمة بعد أن ودعت خالها ، و التفتت تتوجه داخل الغرفة تحت تساؤلات زوجها عما يحدث ، رسمت ابتسامة لطيفة على ثغرها قائلة :
_ مفيش حاجة يا دومي 

جلست إلى جواره تربت على كتفه مبتسمة ببهوت قائلة :
_ مطلبتش لبن لية انت بتحب تشرب كوباية الصبح 

ابتسم بسعادة كونها لازالت تتذكر روتين حياته ، أحاط خصرها بذراعه يقربها منه قائلًا :
_ بقى بيتعبني الصبح يا حبيبي 

أمسك بكوب من عصير البرتقال يمده نحوها يردف :
_ كنتي بتزعقي لية في حاجة و لا اية 

نفت برأسها تحاول أن تزيد ابتسامتها قائلة :
_ يا حبيبي دا بيتكلم على مراته انها محضرتش كتب كتابنا فضايقت بس مفيش حاجة 

مسد على خصلات شعرها المنسدلة برتابة ، يتحدث بهدوء يضمها إليها اكثر :
_ هو بغض النظر اني مش مصدق ، بس متزعليش نفسك على اي حاجة و الست دي ملكيش دعوة بيها نهائيًا 

مالت برأسها على صدره ، تتنهد براحة كبيرة غمرت روحها حين ضمها إليه ، ثم همست بحب :
_ طول ما انت جنبي عمري ما ازعل على حاجة ابدًا 

**********************************
قطب الطبيب الجُرح الذي أصيب به قاسم بثلاث غرز دقيقة بعد أن خدر منطقة الألم برأسه ، انتهى الطبيب بوضع ضمادة طبية ، و ابتعد عنه يتمنى له الشفاء العاجل تاركًا اياه مع آسيا التي كانت تقف بعيدًا عنهما تنتظر أن ينتهي ، أقتربت آسيا بهدوء منه حتى وقفت أمامه تتفحص وجهه الشاحب ، ثم نطقت متسائلة :
_ انت كويس ؟ 

أومأ لها بصمت ، و نفض خصلات شعره المتساقطه على كتفه حين اقتصه الطبيب حتى تسنح له الفرصة لقطب الجرح ، حمحمت هي بحرج قبل أن تهمس :
_ أنا آسفة تاني ، لو عايز نعمل محضر عادي

رفع رأسه ينظر إليها يرى جديتها في الحديث ، ليتنهد بقوة معتدلًا بجلسته على فراش المشفى قائلًا بهدوء :
_ هعتبر أن اللي عملتيه تخليص حقك مني ، بس كدا يبقى خالصين و نبدأ من جديد 

مد يده ليصافحها ، معرفًا عن نفسه بجدية :
_ انا الرائد قاسم الدميري ، ممكن نتعرف ؟

تجاهلت حديثه ، و نظرت بلا مبالاة إلى يده الممدودة لها ، ثم رفعت رأسها تتحدث :
_ بما أنك اعتبرتها تخليص حق ، يبقى انت مرضي اقدر انا بقى استأذن 

كادت أن تنصرف من أمامه إلا أنه أمسك بيدها يمنعها من الذهاب ، يجبرها على الجلوس على طرف الفراش قائلًا :
_ بما أننا دلوقتي خالصين ، لازم تديني فرصة تانية و دا حقي بعد اللي عملتيه فيا

أشار إلى رأسه المصابة بنهاية جملته ، فأبعدت يدها عنه بحدة ، تعقد ذراعيها امام صدرها قائلة :
_ مش مستعدة للارتباط ، خطيبي لسة ميت من وقت قليل

جلس إلى جوارها ، ينظر إليها بترقب متسائلًا بتوجس :
_ لو خطيبك رجع من الموت تقبلي تعيشي معاه العمر كله 

ضحكت بسخرية ، ثم وقفت أمامه متحدثة :
_ محدش بيرجع من الموت يا سيادة الرائد ، لو رجع هيكون بالنسبالي شبح 

هز رأسه تزامنًا مع تحريك سبابة يمناه في إعجاب ، قائلًا بمزاح :
_ حلو جو الجن العاشق دا 

تنهد بقوة ، يقف عن الفراش مشيرًا نحو باب الغرفة ، متحدثًا بهدوء :
_ يلا عشان هتوصليني ، و لما اشوفك بكرا ان شاء الله تكوني غيرتي رأيك 

خرجت من الغرفة ، و تبعها هو بخطوات هادئة واضعًا يده على رأسه يفكر كيف سيجعلها تتراجع عن إصرارها بالفراق عنه ، و يبدو أن ما يدور برأسه يروقه للغاية حيث اتسعت ابتسامته بسعادة غامرة ، يصعد السيارة إلى جوارها لتقود حتى منزله 

***********************************
عند عودتها ألقت على جدها اللوم لمساعدته لقاسم حتى لا تسافر ، و لكنه أستطاع أن يمتص غضبها ، و جعلها تهدأ مقتنعة أن كل ما فعله لأجل مصلحتها ، و حين أتي الصباح ابلغها الجد أنه يريد الذهاب إلى منزله حتى يجمع باقي اغراضه ، و وافقت هي على اصطحابه ذات المكان الذي تولدت به مشاعرها و تفاقم به حبها للشخص الخطأ ، و قد كانت توعد نفسها أنها لن تخطو خطوة أخرى داخل تلك البناية مجددًا . 
و مع اقترابها من المنطقة التي يقطن بها جدها ازدادت انقباضة قلبها حتى شعرت أنه يُعتصر داخل صدرها ، و ازدادت ايضًا وتيرة أنفاسها حين وصلت أمام البناية ، تشكلت غصة البكاء بحلقها حين طلب منها جدها الصعود معه و مساعدته ، و لكنها تمالكت نفسها بثبات تحسد عليه ، خرجت من السيارة بهدوء تصعد الدرج ببطء و مع كل خطوة تتزاحم الذكريات برأسها حتى كادت تصرخ من شدة الغضب الذي تملك منها عندما اتت ذكري عقد القران بعقلها .
تجمدت أقدامها أمام باب شقة جدها بصدمة حين وجدت "قاسم" ينزل الدرج بهدوء يرتدي بملابس عامل التوصيل أو شخصية "زيدان" يقترب منهما بابتسامة هادئة مرحبًا :
_ الحارة نورت بوجودكم يا حاج و الله 

تصلب جسدها بارتباك وتفصٌد العرق على جبهتها ، لا تبدى أي ردة فعل غير أنها تحدق به بتعجب لما يفعل ، ليقترب منها حتى وصل أمامها مباشرةً يلوح بيده أمام وجهها قائلًا :
_ متنحة لية يا آسيا 

فتح السيد نجيب باب الشقة و دلف إلى الداخل تاركًا الباب مفتوحًا ، في حين ازدادت ابتسامة قاسم يقترب منها اكثر يراوغها قائلًا :
_ اية معجبكيش جو الجن العاشق 

رفعت رأسها تنظر إلى عينيه بتشتت ، و قلبها بدأت تنتظم نبضاته و تهدأ ، شملها بنظرة سعيدة قبل أن يغمز بعينه اليسرى قائلًا :
_ زيدان رجع من الموت 

وضعت يدها على صدرها ، ثم بدأ في أخذ شهيق و زفير قوي تمنع نفسها بصعوبة من الانجراف وراء مشاعرها و الاستسلام إلى مراضاته لها ، و همست بتلعثم :
_ انت عايز اية ؟

_ وحشتيني ، قولت يمكن تحني لما زيدان يرجع 

أجابها بهدوء و عيناه لم تنزحا عنها ، لتنفي برأسها و تتراجع خطوة إلى الخلف هاربة ، تهمس بارتباك :
_ انا عايزة امشي 

أمسك برسغها قبل أن تتحرك خطوة أخرى ، يجذبها معه ليتقدما من شقة الجد يتحدث بحسم :
_ مش هتمشي بعد النهاردة ، هندخل نتكلم جوا في فلاش باك كدا لازم نعدله 

أجبرها على دخول الشقة لتجد السيدة أمل بالداخل ، تجاورها جنة التي تستند بيدها على مقعد عُدي المتحرك الذي يجلس عليه يراقب ما يحدث بهدوء ، أمامهم طاولة عليها كعكة كبيرة بيضاء يحيطها اوراق الزهور الحمراء ، ابتلعت ريقها بصعوبة تتحرك نحو جدها في حين اغلق قاسم الباب متقدمًا منها ، دس يده بجيب بنطاله يخرج منها عُلبة مخملية لونها ازرق داكن فتحها لتظهر سوار الكارتيية و معها خاتم من الدهب يتوسطه فص من الألماس .
ارتد جسدها إلى الخلف في رهبة تملكت من قلبها ، تنفى برأسها وعبراتها تتسابق على وجنتيها ترفض أن تخوض أي لحظة مما مضى ، أمسك بيدها رغمًا عنها يتحدث بجدية :
_ المرة دي مختلفة يا آسيا 

رفع يدها يقبلها بحب ، ثم اردف :
_ المرة دي مفيش اي حاجة هتفرقنا ، المرة دي هنبدأها واضحة و هنعيشها في صدق 

أخذ مفتاح السوار يرفعها أمام عينها يستأنف حديثه :
_ عمري ما اديلك المفتاح تاني ، هيفضل على طول معايا مش هفرط فيكي تاني ، مش هخسرك أبدًا 

أخذ شهيق قوي قبل أن يتقدم منها خطوة أخرى قائلًا :
_ بشبح زيدان او حقيقة قاسم ، تتجوزيني يا آسيا 

عم الصمت والجميع في حالة ترقب ، و ينتظرون ردها ، بينما هي تنظر بين العُلبة و بين وجهه في صمت مطبق ، حتى عيناها لا تعبرا عما يعتريها كعادتها ، مما جعله يشعر بالتوتر ، خشية أن ترفض طلبه للزواج منها .
و بعد مرور بضع دقائق ولازال يقف منتظر اجابتها بلهفة ، تملك منه اليأس ، تهدلت أكتافه بحزن ، ليغلق العُلبة المخملية متراجعًا إلى الخلف خطوة ، يتحدث بهدوء :
_ أنا بحبك ، و هفضل أحبك العمر كله و مش هستسلم لحد ما تكوني ليا 

التفت عنها ، و كاد يغادر الشقة إلا أنها أوقفته حين همست بصوت متحشرج خافت :
_ اوعدني ..

توقف بمحله حين شعر بخطواتها خلفه ، توقفت أمامه تمامًا ، رفعت يدها تمسح دموعها و اردفت :
_ اوعدني انك عمرك ما هسيبني تاني ، اوعدني ما هخدعني تاني ، اوعدني انك هتفضل صادق معايا مهما حصل 

ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغره ، يحدق في عينيها الجميلتين ، و كأنه يبث لها صدقه من خلال حديثٍ صامت حتى همس بسعادة :
_ اوعدك بعمري كله يا برنسيسه 

نظرت إلى جدها الذي شجعها بنظراته ، ثم التفتت نحو قاسم من جديد تمد يدها حتى يُلبسها السوار قائلة :
_ اخر مرة هلبس فيها الاسويرة دي ، لو قلعتها عمري ما هفكر فيك تاني حتى

ألبسها السوار مقبلًا باطن كفها في حب وسط تهليل جنة وتصفير عُدي ، اقترب يقبل قمة رأسها بعدما ألبسها الخاتم ، يهمس باغتباط :
_ انتي فرصة ابقى غبي لو ضيعتها مرتين يا ايسو 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1