رواية علاقات سامة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم سلوى فاضل


 رواية علاقات سامة الفصل الثامن والعشرون 



امتزج الحزن والخوف داخلها، كيف ستواجه والدها بوضـاعة وسيم وحقارة فعله؟ لن يخفى عليه الأمر لمدة طويلة؛ فغيابها عن عملها أثار ريبته وهي عاجزة عن الذهاب، ليس لديها القوة لمواجهة زملائها، وكلما حاولت مصارحته تتوقف الكلمات بحلقها، ولا تحملها قدمها، لم تحد ملجأ لها سوى فراشها، تضم نفسها مستسلمة لآلم روحها، انهكت واستنـزفت طاقتها من كثرة التفكير في رد فعل والدها، وبكل لحظة تَمُر يزداد رُعْـبها ويتضاعف. 

أما والدها سامح فبالرغم من عدم اهتمامه بها، إلا أنه لاحظ حالتها وانقطاعها عن عملها لثلاثة أيام متواصلة، تنامت تساؤلاته؛ فهي دائمة الهروب من البيت للعمل، فما الذي يمنعها عنه؟! تأكد من حدوث خطب جلل، تصوراته المريضة وأفكاره الرجعية جعلت الظُّنون تتملك منه، وتصور له أبشع الافتراضات والتكهنات، تفرسها وهي تضع الطعام على مائدتهما الصغيرة، سألها وهو يتمعَّن ملامحها: 
- ما روحتيش الشغل النهاردة كمان ليه؟ 
- تعبانة. 
- فين وسيم؟ ما اتصلش ولا مرة، مع إن ده تالت يوم تغيبي. 

تداخل شحوبها مع توترها، شعرت ببنيانها يتهاوى فسندت على كرسي المائدة تلتمس منه القوة، تبحث عن إجابة مناسبة وفشلت: 
- مش عارفة هو فين؟ 
- لو عرفت إنك مخبية حاجة، هفكرك بأيام زمان، فاكرة؟ ولو ناسية العصاية جوة تفكرك، اوعي تفتكري أنك كبرتي عليَّا، أو إن الوصية ممكن تحميكِ مني لو اللي في دماغي صح. 

ارتجَـفت خلايا جسدها وزلزلت، كما خرس لسانها، ثقل جسدها وتهاوت قدميها؛ فلجأت للجلوس والتَّظاهر بتناول الطعام، مرَّت عليهما لحظات صمت، جاهدت إلا تسقط دموعها، ثم هربت لغرفتها تخشى المواجهة، سقط قناع القوة كاملًا وظهر من خلفه هشاشتها وضعفها، عادت تلك الطفلة الوحيدة التي تخاف عِـقَـاب والدها المجحف وإن لم تخطئ. 

متشكك في أمرها لا يصدق قولها، لعبت برأسه الظنون، تموج أفكاره بين سيء وأسوأ، قطع سيل سَخَمْ أفكاره وعتمتها وروود رسالة على أحد برامج التواصل الاجتماعي حولته لشعلة غاضِـبة، انْتفــض يبدل ملابسه ثم أسرع لمكان عملها. 

جالسة على فراشها تتخبط في دهْمَة أفكارها وأمواجها العاتية، انتبهت على رنين هاتفها يعلن عن استقبال رسالة صوتية من وسيم على تطبيق الواتس آب برقمه المصري، يضحك بصخب شامتًا: 
«مش معقول يا مشمش، أنا مش مصدق، لسه ما عرفتيش باباكِ، خايفة صح؟ على العموم هو لسه ماشي من المستشفى وعرف كل حاجة، معقول تخبي عليه طلاقك تلت أيام، تؤ تؤ، الحقي اهربي قبل ما يوصل» 

ختم رسالته بوصلة ضحك قتَـلت روحها، جعلتها تتمنى الموت حاولت اللوذ بالفرار، وكانت الصدمة من نصيبها فقد أحكم والدها غلق الباب من الخارج، أغلقه بالقفل الخارجي، قفز إلى عقلها أن وسيم جعل أحدهم يبلغه؛ فذهب ليتأكد، ثم يأتي لينال منها، اتسعت عينها برعب وعم المكان صوت أنفاسها المتصارعة، أسرعت لغرفتها تغلقها عليها، أدارت المفتاح ببابها تغلقه بإحكام، نبهها عقلها بضرورة الاستنجاد بأحدهم، حصرت تفكيرها تبحث عمَّن تتصل لينجدها، أختها! لن تجيب على اتصالها وإن فعلت فلن تهتم، أمها! أين هي؟! لم تحاول الاطمئنان عليها ولو برسالة قصيرة منذ وفاة الجد، لاح بذهنها أسامة، هو الوحيد من عائلتها الذي أبدى اهتمامه ووعدها بمؤزرته، بات هو أملها الوحيد، اتصلت به راجية إجابته. 

بعد رحلة بحث عن عمل شارك صديقه في محل صغير، يقضي معظم يومه به، يتابع تجهيزاته مع صديقه، قطع انهماكه في فرش المعروضات رنين هاتفه، شعر بالقلق حين وجد الاتصال من ابنة خاله شيماء؛ فالوضع عندنها على صفيح ساخن، فتح الخط فأتاه صوتها مرتجفًا متقطِّعًا: 
- بابا عرف وراح المستشفى، وسيم قال لي كان بيضحك شمتان، بابا قافل الباب بالقفل من بره. 

لم تكد تنهي كلماتها حتى دوى صوت والدها الصَّـارِخ تزامنًا مع محاولته للدخول إليها، ووصل إلى سمع أسامة عبر الهاتف؛ فترك ما بيده وأسرع إليها يحمد الله أنه قريب من سكنهما: 
- طلقك وهرب، هرب من إيه؟ ومخبية ليه؟ فاكرة قفل الباب يمنعني عنك، غلطانة، قولي لي شاف منك أيه خوفه، ولا عمل أيه؟ وهرب. 

سقط الهاتف من يدها وانتَـفَضَت واقفة مع دوي صوته، عينيها مصوبة على مقبض الباب بهَـلع، ومع التفاف المقبض هوى قلبها تعود خطواتها للخلف مع كل إتهام يقذفها به، تهدجت أنفاسها وتساقطت دُمُوع القَهْر والخِـذْلَان، وصل صدى نحيبها إليه ففسره كما صوره له شَيْـطانِه وبدأ يدق باب غرفتها دقات صارخة متتابعة بدت لها وكأنه يحاول كسره، وجدت نفسها بموضع المتهمة لا الضَّحيَّة، وعليها درء تهمة عنها هي بريئة منها، حاولت اقناعه أنها المظْـلومة لا الظَّالِمة، المجني عليها وليست المُجْـرمة: 
- والله يا بابا ما عملتش حاجة! والله ما اعرفش عمل كدة ليه؟ أنا ماليش ذنب، والله! 
- مفيش واحدة ما لهاش ذنب، أكيد شاف اللي خلاه يهرب، افتحي بالذوق عشان لو أنا اللي فتحت، هطلع روحك في ايدي. 

تراجعت حتى التصقت بالحائط، كم شعرت بغربتها بتلك اللحظة! طرقات باب المنزل وصدوح صوت أسامة مناديًا لسامح قللت حدة الموقف وجذبت انتباه والدها عنها: 
- افتح يا خالي، أنا أسامة. 

أعتقد سامح أن ابن اخته سيدعم موقفه ويعينه لتأديب ابنته، ففتح له واستدار للداخل ولا زال الغَضـب مسيطر عليه، أغلق أسامة الباب، وتحرك خلفه يتحدث بهدوء: 
- أهدا يا خالي عشان نعرف نتكلم. 
- كنت عارف يا أسامة مش جاي صدفة! عارف بالكارثة دي وساكت! عارف إن بنت خالك جابت رأسنا الأرض وسكت بدل ما تجيبها من شعرها تحت رجلك وتدبَـحْـها. 
- عرفت إن اللي مفروض جوزها وسمعتها من سمعته طلع مش رَجل، وأنه بيلعب ببنات الناس ويسيبهم ويمشي، يا خالي شيماء بنتك أنت اكتر واحد عارف تربيتها وأخلاقها، هو واحد وَاطِـي، حاول يقرب منها وما قدرش غير بالطريقة دي عشان بنتك متربية وبميت رَجل. 
- ادام بتدافع عنها كده، وواثق فيها أكتر مني، ما تتجوزها؟! هاه؟ سكت يعني؟! 
- للأسف يا خالي أنا ما استاهلش شيماء، هي تستحق واحد أحسن مني مليون مرة. 
- قول إنك خايف منها، قول عشان طلعت ماشية على حل شعرها، بس لا أنا هأكسر لها رجلها، وهعلمها من أول وجديد، هعمل معاها اللي جدها منعني عنه زمان، وادي النتيجة، سمعتنا بقت في الأرض. 
- لا يا خالي، وأنا أول واحد أشهد لها، لمَّا كنت بروح لها شغلها، كنت بسمع وأشوف في عين الكل احترامهم لها، والحدود اللي حاطاها مع زمايلها، كنت بروح اضايقها وأتعبها، وأنت وماما عارفين ومتأكدين إني بلففها حوالين نفسها طالعة نازلة، ما حدش قالي عيب دي لحمك ودمك، للأسف إحنا أول ناس اذيناها واديناه الفرصة يعمل كده، كان متأكد إن كلنا هنقف في وشها ونوجه لها الاتهامات، اهدى يا خالي، بنتك مظلومة مش ظالمة. 

طوال حديثهما يدور حول نفسه، اقترب منه أسامة بهدوء، أجلسه وجلس جواره، حدثه بحديث العقل وطال حديثهما، لم يتركه إلا عندما شعر بأن نيرانه قد هدأت، وأخذ منه وعد بألا يؤذيها ولا يقترب منها مؤقتًا، على أن يأتي بعدما يفكرا، ليتشاورا فيما سيفعلانه كي لا يصبحوا مصدر لحديث الناس. 

احْـترقَت عينها من كثرة البكاء، شعرت أنها عالة على هذه الدنيا، ربتت كلمات أسامة على روحها، فهناك مَن يثق بها وبأخلاقها، انتبهت جميع حواسها على طرقات هادئة، انتفض جَسَــدها وارتعش، ثم اطمأنت مع سماع صوت أسامة: 
- افتحي، أنا أسامة ولوحدي. 

تحركت بوهن فتحت الباب، فهاله شُحُـوبها وفَـزعها يعكسان مُعَاناتها؛ فأشفق عليها وتحدث يحاول بثها بعض الأمان: 
- ما تخافيش كده، هو هدي، الأفضل خليكِ في اوضتك وما تطلعيش غير للضرورة، وانزلي شغلك ما تسمحيش لحد يضايقك، أنتِ مظلومة وكلنا عارفين، مش عايزك ضعيفة، فين شيماء اللي بتهددني لما أحاول اسندها وهي مش قادرة تتكلم أصلًا؟ 
- مش قادرة، شوية بس اتمالك نفسي. 
- المهم ما تطوليش وردي على صاحبتك لأنها قلقانة عليكِ. 

اجتنبت الجلوس معه تسرع الخطى كلما خرجت من غرفتها، ولا يتوانى والدها عن اسماعها أبـشع الكلمات، في كل مرة تقع عيناه عليها. 

أسبوع كامل انقطعت فيه عن الذهاب للعمل، لا تعلم بوجود من يأكله الخوف والقلق عليها، مما وقع على سمعه أثناء محادثاتها مع صديقتها علم أن والدها عنيف بتصرفاته وعلاقتهما فاترة، يرغب في مهاتفتها، بل في الذِّهاب إليها، لم يستطع التركيز طوال اليوم، عقله وتفكيره بل روحه معها، يتعجب من نفسه لا يفهمها، كاد أن يسأل عنها صديقتها، لكنه تراجع؛ فالعيون باتت مسلطة عليها تتصيد لها الأخطاء؛ لأنها صديقتها المقربة، لم يستطع مواصلة عمله، استأذن وعاد لبيته، وما زال القلق رفيقه، وقف أمام صورة جده، وحدثه كما لو كان جالس أمامه: 
- وحشتني يا جدي، محتاجك قوي، رامي محتاجك أكتر من أي وقت فات، قلقان وخايف عليها، كنت بكابر الفترة اللي فاتت، سبتها وظلمتها زيهم كلهم، عارف يا جدي هي شبهي، وحيدة في الدنيا فهمت من كلامها مع صاحبتها إن مامتها واختها بعاد عنها، وباباها مش مهتم، سمعتها في مرة بتقول «لو جدي كان لسه عايش ما كانش ساب العسل بتاعه يزعل». 

ارتسم على ملامحه الندم وتأنيب الضمير وتساءل: 
- تفتكر هاتسامحني؟! هي ممكن تبقي الزوجة الصالحة! خايف يا جدي أقرب منها فأظلمها أنا كمان، خايف أكون زيه وأظلمها وأظلم نفسي وولادي بعدين، آاااااااه يا جدي، كان نفسي تكون عايش وتريح قلبي، أنا تعبت، لكن أبوها ممكن يعمل فيها أيه؟ كانت بتعيط من كلامه في التليفون، ممكن يعمل فيها إيه وهي لوحدها؟ 

شرد لثوانٍ، ثم تحدث بجدية وقد اتخذ قراره: 
- هروح لها واتجوزها، هاحكي لها كل حاجة ولو مش عايزة تكمل معايا اسيبها وحياتها مستقرة بعيد عن كل اللي أذوها، هعمل معاها زي ما عملت معايا عشان ما تضعش، هاحاول بكل طاقتي أحميها حتى مني. 

باليوم التالي ذهب متحمسًا متخذ قراره، ترقب مرور غادة قرب مكتبه، أسرع إليها سألها بإيجاز: 
- آنسة غادة، آسف لإزعاجك بس الموضوع مهم. 
- مفيش إزعاج اتفضل يا دكتور. 
- الآنسة شيماء عاملة أيه؟ مش بتيجي ليه؟! 

نظرت له بتدقيق، وأطلقت عينيها التساؤلات، استوعب ما دار بذهنها فأجاب عليها دون سؤال: 
- أنا فعلا مهتم، ومش بس كده، عايز عنوانها وتليفونها أو تليفون باباها أو حد من أهلها ضروري. 
- وحضرتك عايز رقمها ضروري ليه؟ يا دكتور شيماء مش ناقصة كفاية اللي باباها عمله فيها، والرعب اللي عايشاه. 
- كلامك خلاني مُصِر أكتر، مش هقول حصل لها ايه؟ بس كفاية عليها كده، أنا معجب بها وبأخلاقها، كنت متردد، لازم أكون جنبها، لازم تلاقي حد يساعدها. 
- مش عارفة أقول إيه! حقيقي مش عارفة، طيب ممكن أدي لحضرتك رقم ابن عمتها، هو متفهم عن والدها كتير. 
- اللي بيجي وما يهداش غير لما تنزل الطوارئ! أكيد بتهزري!! 

استياء نبرته أكدت لها اهتمامه ومتابعته لشيماء، ابتسمت تتمنى أن يكون اليد التي تنتشل صديقتها من محنتها: 
- لمَّا تكلمه هتتأكد من كلامي. 

مضطرٌ هاتفه، بل وتقابلا، انتهت المقابلة وكلاهما يرحب بوجود الآخر وقد تبدَّلت فكرة رامي عنه، اتفقا أن يذهب رامي بالمساء لسامح على أن يلحقه أسامة، الذي حدث شيماء وأخبرها بما دار بينهما باختصار، ازداد تخطبها وارتبكت؛ فطمأنها أسامة وطلب منها الاستعداد. 

حل المساء يحمل بطياته الكثير، دق الباب وفتحت شيماء، خجلت وتلعثمت عندما وجدت رامي أمامها، لا تعلم سبب خجلها، أرجعت السبب لأنه آخر من توقعت أن يؤازرها، ابتسم لها بود على غير عادته معها، يحاول أن يبثها بعض الطمأنينة. جلس بانتظار والدها الذي تعمد التأخر، ثم خرج إليه وبدأ الحديث معه بطريقته الفظَّة، تحمله رامي من أجل شيماء فقط، مُتذكِّرًا ما تحمله جده بالسابق، وهي تستحق يكفي أنها مَن جعلته يدور بفلكها كالمجذوب، دقائق مرت ثم أنضم لهما أسامة، داعمًا رامي، دار بينهم حوار طويل تفنن سامح جعله مستفزًا لأقصى درجة. 
أعدت شيماء مشروب مناسب تقدمه لهم، وعلى أعتاب غرفة الصالون صدمتها كلمات والدها وأذهلتها، بل مزقت قلبها وروحها، ساقتها قدمها إليهم تتسابق دموعها وتفيض تفصح عن معاناتها: 
- مِن الآخر، إصرارك في الوقت ده معناه إن طليقها شك فيكم، أو عرف اللي خلاه يطلقها ويمشي. 
- خالي، أيه اللي بتقوله ده؟!!! 

سؤال أسامة المستنكر لطريقة سامح وكل ما دار جعل رامي يتأكد مِن صواب طلبه وضرورة انتشال شيماء مِن البيئة العطبة التي تحيا بها، فوجودها هنا لا يقل خطرًا عما عناه ببيت والده، أجاب بثقة وثبات يدرأ السوء عنها وينفيه: 
- أولًا: آنسة شيماء مثال لحُسن الخلق والتربية، 
ثانيًا: وسيم هرب لأنه بلا أخلاق، وأناني، وخطبها عشان يوصل لها وترضا تتكلم معاه لأنها جد، ومش بتتكلم مع أي زميل غير في حدود العمل. 

الجميع يرى خُلقها إلا والدها يتَّهِمها بالفُـجُور، اقتربت منهم بخطًى ثقيلة ميتة: 
- ليه؟! ازاي قلبك طاوعك؟! شوفت مني أيه عشان تقول كده، أنا سمعتي من سمعتك. 

نظر لها رامي بإشفاق، بينما رمقها والدها بشكٍ متحفِّز وحاول أسامة تدارك سُـمُـوم كلمات خاله: 
- مش قصده المعنى اللي وصلك بالتأكيد، الكلام خَـانه من خوفه عليكِ، ما حدش شاكك فيكِ أبدًا. 
- لأ، أقصد، تقدري تقولي لي سبب منطقي لفعل طليقك غير أنه كان عايز يمشي معاكِ وفشل، مش منطقي بالنسبة ليّا. 

حَلَّت عليهم الدَّهشة وسيطرت على ثلاثتهم، لم يتوقع أي منهم رده، فقَطَع رامي الصَّمـت: 
- أدام الكلام وصل للمرحلة دي، فأحب أقول لك إني هتمم الجواز بسرعة، الشقة وتقريبًا جاهزة. 

نظر أسامة لشيماء يحثها على الجلوس، واستمر والدها في حملة التقليل منها، وقذفها بما ليس فيها: 
- كلامك ده يأكد كلامي، ويخليني أشك أنها حامل وعايزين تداروا الفضيحة. 

لم تتحمل المزيد واغشي عليها على الفور، انتفض رامي وفزع أسامة، ارتسم التوتر على وجه سامح للحظة، ثم ما لبث أن عاد لحالته الأولى، دنى رامي منها يحاول افاقتها رافضًا اقتراب أسامة، الذي أحضر لها الماء والعطر، دخلت بنوبة بكاء حار عقب إفاقتها، ألمت قلب الشَّابان، لم يجدا أي كلمات تواسيها، وتحدث رامي بجدية حازمة: 
- هاثبت لك أن كل اللي قولته قذف محصنات، لكن لازم الأول أكتب عليها والنهاردة. 
- لازم المحامي يكون موجود ويوافق وأختها كمان دي شروط الوصية. 

ابتسم مُتهكمًا؛ فكل ما يهمه الوصية: 
- يبقى نروح مكتب المحامي يتصل بأختها بعدها نروح للمأذون، أسامة والمحامي شهود، بعد كده هاثبت لك أنك غلطان. 

للمرة الثانية لم تشعر بفرحة عقد قرانها، ازدادت جروح روحها وتعمَّقت، رثتها مقلتيها ونزَفَت الدُّموع، انفطر قلب رامي وحزن أسامة، بعد اتمام الكتاب ضَمَّـها رامي بحنان هامسًا بأذنها ما ربت على قلبها: 
- هارفع راسك وأجيب لك حقك، ووعد هبعد عنك دموع القهر دي طول ما فيَّا نفس، ثقي فيَّا، الخطوة الجاية صعبة، بس مهمة. 

حفَّتها راحة نفسية لا تعرف سببها، ربما آخر بارقة أمل؛ فأومأت موافقة متشبثة بملابسه واطلقت عنان دمعاتها لتخرج ما بها مِن ألم، تحرك بهم نحو طبيبة نسائية وسط تعجب الجميع، وشيماء تنظر له من حين للأخر، لا تعلم ما سيحدث، يغْزُوها اطمئنان لا تعلم له سبب، يمسك رامي كفها باحتواء وحماية، يخبرها أنَّه لن يتركها أبدا، وهي بأمس الحاجة لفعله. 
جلسوا أمام الطبيبة، فتحدث رامي بثقة وهدوء: 
- أنا دكتور زميل تخصص مختلف، والآنسة شيماء زوجتي، كتبنا الكتاب والفرح قريب، والدتها مسافرة، كنت عايز حضرتك تكشفي عليها، لو عندها مشاكل، وتعرفيها المعلومات العامة، لأن مافيش معاها غير والدها. 

وصل للطبيبة مغزى كلماته، تفرست وجوههم ثم وجَّهت شيماء لتتحرك معها، أجرت الكشف ثم طمأنتهم بكلمات بسيطة وابتسامة: 
- مبارك لكم أولًا، آنسة شيماء ما عندهاش أي مشاكل الحمد لله، مبارك مرة تانية. 

ابتسم أسامة يشعر بالرضى من فعل رامي بالرغم مِن شعوره بالغضب بادئ الأمر إلا أن تحول وجه خاله للراحة بعد كلمات الطبيبة المختصرة جعله يوقن ضرورة ما فعله رامي، نظر لكف رامي الذي يحتوى يد شيماء بحنان ولم يتركها ولو لدقيقة واحدة بسعادة، أخيرًا وجدت ابنة خاله مَن ْ يصونها ويدفع الظلم عنها. 

عاد رامي معهم للبيت ليطمئن عليها بعد يوم عاصف، وافق سامح بسهولة ولم يستطع أي منهم فهم ما يدور برأسه وقد حاز عجُّبهم كما نال احتقارهم، جلس معها دقائق معدودة، يروي ظمأ روحها ويعطيها شعور الاهتمام والحماية، الشعور بالأمان: 
- النهارده كان يوم صعب عليكِ والأيام اللي فاتت كانت مُمِـيتًة، أنا آسف على كل اللي مريتي به، في حاجات كتير عايزك تعرفيها، وكلام كتير عايز أقوله، أهم حاجة كوني متأكدة إني واثق فيكِ أكتر من نفسي، أرجعي تاني زي ما كنتِ وأقوي، وتأكدي إني عمري ما اسيب حد يزعل العسل بتاعي. 

ختم كلماته بغمزة جعلتها تبتسم بتعجب وحنين، تساءل عقلها كيف عرف بكلمات جدها الغالي، التي تذكرها بأيام السعادة والأمان، فأكمل يثير فضولها، وقد استطاع محو جزء كبير من حزنها: 
- لسه هابهرك أكتر وأكتر، هاسجل لك رقمي. 

طالعها بتعجب واضعًا الهاتف أمام وجهها باندهاش متسائلًا: 
-  كنت مسجلة اسمه كده ليه؟ 
- ما كنتش حاسة بالأمان، ما قدرتش اكتب أي اسم؛ فاكتفيت بكتابة دكتور وشوية نقط لحد ما أعرف أكتب أيه؟ 
ابتهج بإجابتها، ولم يخفِ سعادته فاحمر وجهها خجلًا، قبل وجنتها بحب مسترسلًا: 
- همُر عليكِ الصبح نروح المستشفى مع بعض، الكل بكرة هيبارك ويهني، وزي ما بعت اللي يشمت فيكِ، هيوصل له اللي يحرق دمه، وهيلاقي مليون حد يشمت فيه. 

ابتسمت له شاكره؛ فقبل وجنتها الأخرى، ثم لوح لها مودعًا، وتركها تشتعل خجلًا. انتهى يوم عصيب بنهاية رومانسية سعيدة. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1