رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل الثانى بقلم جميلة القحطانى
لكنه يختلف معه كثيرًا في طريقة الحياة. لا يحب التدخل في الأمور العاطفية، لكنه يلاحظ كل شيء بصمت.
لم تكن السماء تمطر ذلك اليوم، لكنها كانت ثقيلة، كأنها على وشك الانفجار، مثل صدر سهير.
وقفت عند بوابة بيت خالها، حقيبة صغيرة بجانبها، وعيونها تبحث عن أي شيء مألوف. لا شيء. هذا البيت لم تدخله من قبل، وهذا الرجل الذي يعيش فيه ابن خالها فهد لم تره إلا مرة واحدة وهي طفلة. يتذكرها؟ لا تدري. ولا يبدو أنه يهتم.
فتح الباب، ووقف في مواجهتها كتمثال صخري. طويل، عريض الكتفين، عيناه رماديتان باردتان، وفي صوته نبرة حادة:اتفضلي. الغرفة على الشمال. ممنوع الدخول على الجهة التانية. المطبخ بعد الساعة تسعة مفيش حد فيه. واضح؟
بلعت ريقها.
واضح... شكرًا.
دخلت بخطى مترددة، كأنها تتسلل، لا تنتقل للعيش.
الغرفة بسيطة، نظيفة لكنها خالية من الروح. وضعت حقيبتها، وجلست على طرف السرير. لأول مرة منذ أيام، سمحت لدمعة أن تنزل دون مقاومة.
في الأيام التالية، بدت الحياة في البيت كأنها تمرّ من خلال حواجز زجاجية.
فهد موجود، لكنها لا تجرؤ على الحديث معه. هو يتناول فطوره في صمت، يخرج إلى عمله، يعود، يقفل باب غرفته. لا أحد هنا سواها، ولا أحد يهتم بوجودها.
كانت تنظف وتطبخ أحيانًا، ليس لأنها ملزمة، بل لأنها تكره الشعور بأنها "حمولة زايدة.
كل مرة تحاول أن تبادله كلمة، يرد بإجابات مختصرة، كأن صوته لا يحب أن يُستخدم معها.
ذات مساء، عادت من السوق تحمل أكياسًا، فوجدته واقفًا على الباب، ينظر إلى ساعته:اتأخرتِ.
قالتها وهي تلهث: كان في زحمة... وبعدين السوق بعيد.
قلتلك المواعيد مهمة هنا. وإلا لو مش عاجبك...
قاطعته بدمعة خذلتها: أنا مش طالبة كتير، ولا جاية أزعج حد. أنا بس... مش لاقية مكان أروحه.
ساد صمت. ثم قال بصوت منخفض على غير عادته: مشكلتك إنك فاكرة إن الناس هتتعاطف معاك. بس العالم ده مابيرحمش.
دخل غرفته وصفق الباب.
أما هي، فجلست على الأرض، وسط أكياس الخضار، تحاول لملمة نفسها قبل أن تنهار تمامًا.