رواية من يوم مارجع الفصل الثاني 2 بقلم نورسين

  

رواية من يوم مارجع الفصل الثاني بقلم نورسين


تاني يوم، صحيت بدري على غير العادة. الشمس لسه ما طلعتش كويس، والدنيا ساكتة… بس جوايا كان فيه دوشة.

كنت ناوية أنسى، أتصرف عادي، أفتكر إن زياد ابن عمي… وخلاص.
بس الحقيقة؟ كنت مستنياه يكلمني، حتى بكلمة.

نزلت على المطبخ، لقيت ماما واقفة بتعمل فطار، وقالتلي:

– "زياد هيعدي علينا النهاردة، قال إنه نازل مشوار قريب من هنا وحيعدي يسلم."

قلبي اتقلب.
ليه عايز يعدي؟ مش كفاية اللي حصل امبارح؟ طب أنا لابسة إيه؟ شكلي عامل إزاي؟ ليه بحس إني مش جاهزة كل مرة يتقال اسمه؟

لبست بنطلون جينز واسع وتيشيرت بسيط، شعري ربطته بسرعة، وقررت أكون طبيعية.
مش لازم أبان مهتمة… حتى لو كنت.

عدت ساعتين، وبعدهم الباب خبط.

سليم فتح، وسمعته بيقول بصوت عادي:

– "أهلا زياد، تعالى."

أنا كنت واقفة ورا الحيطة، مش باين غير نصي، وقلبي بيرف كأنّي لسه خارجة من سباق.
بس لما دخل زياد، نظرته جت عليا على طول. ابتسم، وقال:

– "صباح الخير يا ليان."

رديت وقلبي بيرجّع في صدري:

– "صباح النور…"

ماما ندهتلي:

– "خدي زياد على البلكونة يا بنتي، هاتوا الشاي هناك، الجو حلو."

ماما!
ليه بتقول كده؟ طب ده ابن عمي! بس برضو… وافقت.

دخلنا البلكونة، وكنت ماسكة كوبايتين الشاي بإيدي اللي بتترعش، وهو ساكت.
قعدنا، وساد الصمت لحظة، لحد ما هو كسرها:

– "فاكرة آخر مرة شفتك فيها؟ كنتِ لابسة فستان وردي وكنتي متخانقة معايا عشان خدّت آخر قطعة شوكولاتة."

ضحكت، بس من جواي حسيت بدفء غريب.
قلت له:

– "كنّا أطفال… ولسه بتفتكر؟"

بصلي بنظرة أهدى، وقال:

– "في حاجات ما بتتنسيش."

سكتنا تاني… بس السكون كان مريح. يمكن لأول مرة، حسيت إني مش محتاجة أتكلم كتير علشان أكون مفهومة.

وفي اللحظة دي…
بدأت أحس إن الرجوع مش كان صدفة، وإن اللي بيننا… مش مجرد قرابة.
-----------------------------

بعد ما شربنا الشاي، فضل قاعد ساكت شوية، وبعدين قال بهدوء:

– "انتي متغيرة… بجد."

بصيت له باستغراب:

– "يعني إيه؟"

ضحك، وقال:

– "يعني كبرتي… بس بطريقتك. نفس ملامح الطفلة اللي كنت بفتكرها، بس بقت أهدى، أنضج… حتى ضحكتك لسه زي ما هي."

أنا ما عرفتش أرد. حسيت بكلامه داخل جوايا، بهدوء، بس بيقلبني.

قال فجأة:

– "تعرفي؟ وأنا مسافر، كنت دايمًا أفتكر أيامنا الصغيرة. بيتكم… صوت مامتك… ضحكنا. يمكن عشان كنت مفتقد الدفا ده."

نظرتي فضلت عليه، ومفيش كلام طالع.
بس جوايا كان فيه كلام كتير… حاجات عمري ما حسّيت بيها قبل كده.

وفجأة، سمعنا صوت عمر بيزعق تحت:

– "ليــــان! سليم خبطني وبيقول إني أنا اللي غلطان!"

تنهدت وأنا بقوم:

– "ولادي ماما، استحملنا."

ضحك زياد وقال:

– "أنا جايلك، مش هغلب…"

نزلنا سوا، وأنا داخلي متلخبط. سليم وعمر كالعادة بيتخانقوا على حاجة تفهى، وأنا بقيت واقفة بينهم زي الحكم.

زياد قرب وقال:

– "اسمعوا، لو ما بطلتوش خناق، هاجي كل يوم وأحاسب اللي بيغلط."

عمر قال بدهشة:

– "إنت مين علشان تحاسبنا؟"

زياد رد وهو بيضحك:

– "قريبكم، وأخوكم الكبير بالتبني."

سكت عمر، وبصيت لسليم، لقيناه بيبتسم ابتسامة صغيرة.

وفي اللحظة دي… حسيت إن زياد مش غريب.
حسيت إنه دخل وسطنا فعلاً. مش كزائر، ولا ابن عم. كحد ليه مكان… ومكانة.

وسألت نفسي بهمس:
هو جيه يشوفنا؟ ولا جيه عشاني؟
---------------------

الليل جه، والدنيا كانت هادية. البيت نام بدري، بس أنا مكنتش قادرة أنام.
طلعت للبلكونة، نفس المكان اللي قعدنا فيه الصبح، وقعدت هناك… ساكتة.

فجأة، تليفوني نور. رسالة من رقم جديد:

"لسه صاحي؟"

قلبي دق.
ردّيت بتردد:

"مين؟"

جاني الرد بعدها بثواني:

"هو أنا… زياد."

بصيت حواليّ لا إراديًا، كإني خايفة حد يشوف اسمه على الشاشة، وردّيت:

"أيوه، لسه."

قال:

"بصراحة… معرفتش أنام. حسيت إن في كلام لسه ما اتقالش."

قعدت أكتب، وأمسح، وأكتب تاني… وبعدين قلت:

"كلام إيه؟"

رد عليا بحاجة ما توقعتش أسمعها:

"كلام عنك. عن إحساس غريب بدأ من أول ما شوفتك، ومش عايز أتهرب منه."

سكت. بصيت في السماء، وقلبي بيتكلم بدل لساني.
وقبل ما أرد، جالي رسالة تانية:

"بس معرفش لو اللي بحس بيه مناسب… ولا لأ."

حسيت إن الدنيا وقفت لحظة.
هو بيقول إيه؟
هو فعلاً… بيحس بحاجة؟

لكن قبل ما ألحق أرد، الباب خبط تحت.
سمعت صوت بابا بيفتح، وبعده صوت بنت بتضحك:

– "إزيك يا طنط! قولتلنا زياد هنا؟ وحشتونا بجد!"

خرجت ليان من البلكونة بسرعة، وقفت على السلم.
وشها اتغير… لما شافت البنت اللي داخلة.

طويلة، شعرها نازل بحرية على ضهرها، لبسها شيك، وثقتها واضحة.
وزياد… كان واقف جنبها.

قال بابتسامة خفيفة:

– "ليان… دي نادين. صاحبة العيلة من زمان. كنا جيراننا في السفر."

نادين بصتلي وقالت بنظرة فيها حاجات كتير:

– "أنا سمعت عنك كتير."

ابتسمت مجاملة… لكن جوايا؟
اتقلبت.

كنت لسه حاسة بإحساس حلو بيكبر… بس واضح إنه مش لوحدي في الصورة.

stories
stories
تعليقات