رواية من يوم مارجع الفصل الثالث بقلم نورسين
نادين كانت بتتكلم بطلاقة، بتضحك، وصوتها عالي، وكل لما تتكلم تلمس إيد زياد، كأنهم متعودين.
وأنا؟
كنت واقفة ساكتة، باتفرج.
كنت بحاول أكون عادية، بس جوايا حاجة بتتعصر.
نظراتي راحت لزياد، شفته بيرد عليها بابتسامة، بس عينه اتحركت نحيايا كذا مرة.
زي بيحاول يشوف رد فعلي…
بس أنا كنت عاملة فيها مش واخدة بالي.
نادين قربت وقالتلي:
– "إنتي في سنة كام يا ليان؟"
رديت بهدوء:
– "تانية ثانوي."
قالت وهي بتضحك:
– "آه، لسه صغيرة بقى."
ابتسامتي ما اتحركتش، بس قلبي اتحرك… جامد.
دخلنا كلنا الصالون، وماما قعدتنا، وأنا قعدت في الكرسي البعيد شوية، مش قادرة أتحمل أشوفهم قريبين.
كان في حاجة بتشدني له، بس في نفس الوقت… كنت عايزة أهرب من الإحساس ده.
بعد شوية، زياد قام من مكانه، وراح ناحية المطبخ.
لحقت وراه، بحجة إني هجيب ميّة.
قاللي أول ما دخلت:
– "إنتي كويسة؟"
بصيت له بسرعة:
– "آه… ليه؟"
قالي وهو بيقفل باب التلاجة:
– "مش عارف، بس شكلك متضايقة."
ضحكت بصوت واطي:
– "مش كل حاجة باين عليها معناها صح."
رد بسرعة، بنظرة فيها جدية:
– "أنا جيت هنا علشانكم… مش علشان أي حد تاني."
سكت. قلبي وقف.
هو يقصد إيه؟
بس قبل ما أجاوبه، نادين نادت من الصالون:
– "زياد! تعال وريني الصورة اللي على موبايلك!"
بصلي آخر نظرة، وقال بهدوء:
– "هكلمك بالليل، أوعدك."
وخرج.
وأنا؟
كنت واقفة في المطبخ، قلبي كله سُؤال واحد:
هو اختارني؟ ولا لسه؟
-----------------------
في اليوم اللي بعده، اليوم ماشي عادي جدًا… أو على الأقل بيحاول يبان كده.
بس الحقيقة؟
ولا حاجة بقت "عادية" من ساعة ما زياد رجع.
كنت قاعدة بذاكر في أوضتي، لكن كل كلمة في الكتاب كانت بتتشال وتتحط مكانها صورته… ضحكته… كلمته اللي قالها في المطبخ:
"أنا جيت هنا علشانكم… مش علشان أي حد تاني."
وفجأة، الموبايل نور.
رسالة.
زياد:
"مشغولة؟ ممكن نتمشى شوية؟"
قلبي دق.
ردّيت بسرعة:
"فين؟"
"تحت البيت. بس 5 دقايق بس… محتاج أتكلم معاك."
لبست بسرعة، نزلت من غير ما أعمل صوت. قلبي بيجري أسرع مني.
لقيته واقف جنب سور الجنينة اللي قدام بيتنا. لبس ترينينج بسيط، وشعره مبهدل شوية… بس عيونه؟
زي ما هي.
ابتسم أول ما شافني:
– "كنت محتاج أشوفك بعيد عن الدوشة."
ضحكت:
– "هي نادين عملت دوشة؟"
بصلي… وسكت.
قال بعدها بهدوء:
– "هي صاحبة قديمة، بس وجودها فجأة خضّني شوية… حسيت كأن حاجة قديمة بتحاول ترجع في وقت غلط."
قلت له وأنا ببص للأرض:
– "وغلط ليه؟"
قال بصوت أهدى… أقرب:
– "عشان أنا بقيت شايف حاجة جديدة… وبتخليني مش عايز أبص ورا."
سكتنا.
الهوا كان خفيف، بس جوايا كان في عاصفة.
قرب خطوة صغيرة، وقال:
– "أنا مش فاهم كل اللي جوايا، بس متأكد من حاجة… أنا مبقتش أشوفك كـ 'بنت عمي'."
رفعت عيني ليه، وكنت هشوف أكمل رد، بس فجأة…
صوت نادين:
– "زياد؟!"
اتنيناتنا اتلفتنا، لقيناها واقفة على الرصيف التاني، باصة لينا بنظرة مش مفهومة.
قربت وهي بتضحك:
– "آسفة لو قطعت لحظة خاصة… بس صدفة حلوة."
زياد اتشد، وأنا حسيت إني تجمدت.
نادين بصتلي، وقالت بابتسامة فيها حاجة غريبة:
– "واضح إنكم قرّبتوا أوي…"
-------------------------------
بعد اللي حصل، اليوم اتقفل على إحساس غريب.
مش خوف… بس كأن في حاجة داخلة تقسم اللي كان بيبدأ يتكوّن.
تاني يوم، كنت في أوضتي، لما جت ليلى تجري:
– "ليــــان! نادين فوق، وبتسأل عليك!"
رفعت حاجبيّ بتلقائية:
– "بتسأل عليّ؟"
– "أيوه، قالت لي هاتي ليان، عايزة أتكلم معاها شوية."
نزلت وأنا مش فاهمة هي عايزة إيه، بس كنت متأكدة إن ورا الكلام كلام.
نادين كانت قاعدة في الصالون، رجليها متقاطعين، ومسكه كوباية عصير كأنها في بيتها.
ابتسمت أول ما شافتني:
– "أهو كده! أخيرًا ظهرتي!"
قعدت قدامها، وسألتها بهدوء:
– "كنتِ عايزاني؟"
– "أيوه… بصراحة، أنا بحب أتكلم بصراحة. وأنتي شكلك بنت على نياتك كده، فقلت أقولك بنفسي."
قلبي اتشد.
قالت وهي بترشف العصير:
– "أنا وزياد بينا تاريخ… مش بس صحاب سفر، إحنا كنا في فترة قريبة جدًا من بعض.
هو يمكن ساكت دلوقتي، يمكن بيحاول يبدأ صفحة جديدة… بس في حاجات ما بتتنسيش بسهولة."
بصتلي نظرة فيها شيء من التحدي، وقالت:
– "فأنا جيت أقولك عشان ما تتعلقيش بحاجة… ممكن تكون ما تنفعكيش."
سكت. قلبي كان بيصرخ…
بس ملامحي فضلت هادية.
قلت لها بابتسامة هادية جدًا:
– "أنا بحترم إنك قولتي، بس برده… في حاجات بتخلص حتى لو ما اتقالش إنها خلصت.
ويمكن أحيانًا، اللي جاي يكون أنضج من اللي راح."
سكتت… واتكسرت الابتسامة اللي كانت على وشها لحظة.
قامت وقالت وهي بتعدّل شنطتها:
– "واضح إنك مش ساذجة زي ما افتكرت."
وسابتني وخرجت.
فضلت قاعدة، قلبي بيدق جامد، بس حسيت بحاجة جديدة…
أنا مش هتهز. مش المرة دي.
ولو في حرب جايه، فأنا مستعدة أخوضها… لو هو فعلاً يستاهل.
