رواية يوميات دكتور نفسي الفصل الثانى بقلم صبحى المصري
"أنا مش لوحدي جوا دماغي"
الدكتور بيقول :
في العيادة رقم ٤، الساعة كانت ٧:٤٥ مساءً، كنت فاضللي حالة واحدة بس وأقفل.
دخلت عليّا "ملك"، شابة في آخر العشرينات، لابسة إسود تقيل، باين عليها النوم قليل والتفكير كتير.
عنّيها كانت سايبة… كأنها شايفة حاجة مش هنا.
قعدت قدامي، وقالتلي أول جملة خلتني أفتح دفتر الملاحظات قبل حتى ما أتكلم:
– "أنا مش لوحدي جوا دماغي، يا دكتور."
سألتها:
– "يعني إيه مش لوحدك؟"
قالت:
– "فيه واحدة تانية… عايشة جوايا. مش شبهي، مش صوتي، بس موجودة. بتفكر، بتتكلم… ساعات بتتحكم."
رفعت حاجبيّ، وبدأت أحلل: هل ده اضطراب هوية؟ انفصام؟
لكن ملك كانت مختلفة… في حاجة مش مفهومة.
– "بدأتي تحسي بكده من إمتى؟"
قالت:
– "من ٣ شهور، بعد ما جدتي ماتت. كنت قريبة منها أوي… بس دلوقتي حاسة إن في حاجة منها دخلتني… بس مش هي."
طلبت أشوف والدتها.
دخلت “نوال” أم ملك، ست في أواخر الخمسينات، شكلها مرهق، لكنها ست واعية ومحترمة.
قالتلي جملة غيّرت كل حاجة:
– "جدتها مكانتش ست عادية، يا دكتور. كانت بتتعامل مع حاجات إحنا منعرفهاش."
سألتها:
– "يعني كانت دجالة؟"
– "لا… هي كانت بتقول إنها ست عارفة، عندها علم… كانت بتعالج الناس بالقرآن، بس فيه حاجة كانت مش مظبوطة.
الناس كانت بتخاف تدخل أوضتها… وكانت بتقعد بالساعات تكلم نفسها.
لما ماتت، لقيت تحت سريرها صندوق خشب قديم… فيه حاجات غريبة، أوراق عليها طلاسم… وتمثال صغير مرسوم عليه شكل ست عينيها سودة."
سكتت نوال لحظة، وقالت:
– "ملك كانت بتحبها جدًا، وكانت بتبات عندها كتير.
وفي ليلة قبل الوفاة، جدتها ندهت عليها وقالتلها: (خلي بالك من نفسك… أنا اخترتك)."
ملك بدأت تحكيلي حاجات مرعبة:
– "بصحى ألاقي على مراية الأوضة كلام مكتوب كأني أنا اللي كاتباه… بس أنا نايمة."
– "الكتابة دايمًا بنفس الجملة: رجّعيني… رجّعيني المكان اللي خرجت منه."
– "وفي يوم، شوفت جدتي في المنام… بس كانت عينيها سودة بالكامل، وقالتلي: (أنا فتحت البوابة… والباقي عليكي)."
نوال حكيتلي حاجة مهمة جدًا:
– "بعد الوفاة بأسبوع، ملك صحت مفزوعة من النوم، وقالتلي:
فيه واحدة قعدت فوق صدري… وضحكت بصوت غريب… وقالتلي "أنا جيت… افتحيلي الباب التاني".
فضلت أقرأ قرآن عليها، وسخنت جامد، وبعدها قالتلي "أنا مش ملك"، وقعدت تضحك بصوت راجل."
سألتها:
– "وأخدتوها لدكتور قبل كده؟"
قالت:
– "آه، أكتر من دكتور… الكل قال (انفصام حاد)… لكن أنا أمها… وبنتي عمرها ما كانت كده.
فيه حاجة غريبة بتحصل، يا دكتور… دي مش بنتي."
ملك جابتلي في الجلسة التانية حاجة لقتها في شنطة قديمة تخص جدتها:
– دفتر أسود صغير، ريحته تراب ونار
– مرسوم جواه طلاسم، ودواير
– وكل صفحة مكتوب فيها جملة واحدة متكررة:
"مارية خرجت… ولازم ترجع."
في الآخر، كانت فيه ورقة مرسومة فيها رسمة لوش "ملك" بس عينيها سودة وفمها مشقوق.
أنا طبيب… لكن في اللحظة دي، علمي وقف.
روحت لشيخ اسمه إبراهيم… راجل عارف ربنا كويس، وبيفهم في الفرق بين المرض النفسي والسحر والمس.
أخدته معايا وروحنا لملك البيت، وبدأ يقرأ على ملك.
في البداية، كانت ساكتة…
لكن بعد شوية، عنيها اتقلّبت…
وقالت بصوت مش صوتها:
– "إنت فاكر نفسك هتطلعني؟
أنا مش دخيلة… أنا مرسولة من زمان.
أنا موجودة من زمن الطين… جواها سحر… وأنا بوابة لعالمكم."
الشيخ بصلي، وقال:
– "دي جنية اسمها مارية… مش مجرد تلبّس، دي مربوطة بسحر قديم معمول من أيام ستها… كانت بتحضّرها زمان، وقرّبتها من ملك علشان تكمل."
قولتله:
– "ليه؟ ليه ملك بالذات؟"
قال:
– "لأن الجنية مش بتتلبّس غير اللي عنده استعداد.
وجدتها كانت قاصده اللي بيحصل دلوقتي ، كانت فاكره أنها سايبلها كنز ، وغذتها بحاجات، وقعدت تحكي لها عن العالم ده.
دي مربّية فيها طاقة جذب، وهي دلوقتي حامله البوابة التانية اللي الست العجوز كانت بتحاول تفتحها."
بعد أسبوعين من الرقية المكثفة، مية مقروء عليها، قرآن دايم، عزل تام لملك عن المرايات والغرف المظلمة،
الجنية صرخت ليلة كاملة والشيخ ابراهيم بيقراء قرأن ، وب الذات ايات الحرق وفجأه الجنيه بطلت صراخ ، وملك كان مغمي عليها …
وفي الفجر، ملك صحت لأول مرة بعنيها البنيين الطبيعيين، وبصتلي وقالت:
– "هي راحت… فعلاً راحت. كنت حاسة بيها جوا ضلوعي… دلوقتي فاضية."
رجعت شغلها بالتدريج.
بس في كل جلسة بعدها كنت بسمع صوت أمها، بتبكي بهدوء وتقول:
– "أنا آسفة يا بنتي… أنا اللي بعدت عنك وسِبتك تباتي عند ستك، وأنا كنت عارفة."
---
وفي النهاية، كتبت على ملف الحالة:
"اسم الحالة: مارية
نوعها: سحر توارثته الأجيال
العلاج: رقية + دعم نفسي
ملاحظات الطبيب:
مش كل مريض نفسي… بيبقى مريض نفسي بس.
فيه أمراض… بتسكن الجسد، لكن أصلها مش من هنا."
