رواية علاقات سامة الفصل الواحد والثلاثون
بسمة مَـاكرة منتصرة افترشت قسمات وجهه عقب الالتفاف عنها، بهذه المقابلة ظفر بنقطتين هامين، أكدت ظنه بأن مؤنس وجد ليلاه، بل وأسكنها بيته، كما أنَّ سارة على شفا الوقوع بشركه الذي نصبته لنفسها نيابة عنه، وعليه فقط تزينه لتنغرس فيه بإرادتها ثُم يحكم وثاقها داخله ليتلذذ بما سيفعله بها، ضحكة هازئة صدرت عنه، فغرورها منعها عن رؤية الوعيد بكلماته ونظراته، استطاع ببضع كلمات نبعت من ناطقه إلغاء عقلها وحجب بصيرتها؛ فلم تنتبه لحقده وللسَعِـير المشتــعل بعينيه؛ فهو لم ينسَ قط رفض والدها له حينما تقدم لخطبتها ونظرته الدُّونيَّة له، وكأنه يسمعه الآن وهو ينعته بالضابط الفاشل الحقود، فوالدها هو مَن وضع حجر الحِـقد والمُنَافَسة مع مؤنس وأشْـعَله، بالسابق شمت وانتشى بتأخر ترقية مؤنس والآن يقسم أنه سيقتص منه ومن ليلاه العائدة، وكما سيدخل سارة جُحْرِه سيصيبهما بسُمِّه.
خلال ساعات جمع كل المعلومات عن طيف وعلاقتها بمؤنس ووضع خطته، ففرصته للانتقام قُدِّمت له على طبقٍ من ذهب، وحان وقت القصاص، أقام خطته على تجاهل سارة لتكون الخطوة الأولى منها، وإثارة الشكوك والظنون بعقل والد طيف، أرسل إليه مَن يتحسس أخباره ثُم إرسال أخبار مضللة عن ابنته، جعلت الظنون تلعب برأسه وزرعت الشك داخله، تركه فريسة لأفكاره وتخيلاته، أفكار مرضى النفوس.
يوم يمر يتبعه آخر وهو يتجاهلها، لم يتصل يسألها عن قرارها كما توقعت، انتابها بعض التردد تتذكر تحذير والدها لها بعدم التواصل معه أبدًا ونعته له بالشَّيـطان الآثم الذي يُهلِك مَن يملكه، لكن عليها التعامل معه للقصاص من طليقها، لديها قناعة بأنها تستطيع تلجيمه وتجنُّب مكره، بعد بضعة أيام مِن لقائهما اتصلت به تخبره بموافقتها على عرضه، أعدت قائمة قواعد تحدد بها شكل علاقتهما، لكنه فاجأها بكلماته:
- يعني وافقتي على طلبي؟
- أيوه، مش مصدق!
- تمام، أنا جايلك النهارده.
- جايلي فين؟!!
- البيت.
- أنت بتخرف! أنا لوحدي.
- نصيحة أوعي تحاولي تغلطي معايا تاني، هاجي الساعة خمسة.
أبلغها ثم أنهى المكالمة دون انتظار ردها ولم يأبه لرفضها، صُدِمت من فعله واشــتغل غيظها، ثم تساءل عقلها: ماذا يريد؟ ولمَ لا تتم المقابلة خارج المنزل؟ أعادت اتصالها به مرارًا ولم يُجِب حتى فقدت الأمل.
بالموعد استعدت لحضوره وتأهبت للعراك، وبتمامه حضر فاستقبلته متحفزة ولم تسمح له بالدخول وأبدت اعتراضها:
- ما تدخلش، هنزل نروح أي كافيه، أنا هنا لوحدي.
أزاحها بيده ودلف بخطوات واثقة، جلس بصدارة المكان وضع قدم فوق الأخرى، طالعها بابتسامة ثابتة وتحدث بأمر لا يقبل النقاش:
- اقفلي الباب وتعالي اقعدي هنا قدامي عشان نعرف نتكلم.
- أنت بتتكلم كده ازاى!!! قولت لك أني لوحدي، جايب الثقة دي منين؟ أنت فعلًا وقح.
بأقل من لحظة وصل أمامها ودون مقدمات صفعها مرددًا:
- اعتقد قولت مش بقبل الغلط فيَّا، صح؟
صرخ بآخر كلمة جعلها تتبعثر موقنة من ضعفها أمامه؛ فالتزمت الصَّـمت، عاد يجلس بهيمنة كملك على عرشه، وبحدة أمرها:
- اقفلي الباب وتعالي.
لأول مرة تعرف إحساس الخوف، ترتعش من داخلها رغم محاولتها ادعاء القوة، لكن ليس أمامها الآن سوى مهادنته ثم ستلجأ لأحد أصدقاء والدها ليبعده عنها بأي وسيلة، لبت أمره مضطرة، لا تعلم أنها بالفعل غرست قدمها بوحله، واهدته القيد الذي سيوثقها به في جَـحِيمه:
- شاطرة، بصي بما إنك وافقتِ على عرضي، فأنتِ عليكِ تعملي كل اللي أقولك عليه وبس.
الصدمة ألجمت لسانها وجعلتها عاجزة عن النطق، لقد وقعت في فخه تتذكر قول والدها، لكنه لم يملكها، تساءلت داخلها ألديها فرصة للفرار؟ أجابها وكأنه يقرأ فكرها:
- ما تفكريش، وقت تفكيرك خلص خلاص، أنا هحدد لك كل خطواتك، قومي الأول أعملي لنا شاي تقيل معلقتين سكر، بسرعة وركزي.
اتسعت مقلتيها بصدمة مما يقول ويفعل، بأي مستنقع ألقت نفسها؟ رمقها بانتشاء ولم يحاول إخفاء نظراته الشامتة، هربت منه تنفذ ما طلب؛ لتعيد تنظيم أفكارها بعيدًا عن سطوته، شعرت بحركته بالخارج يتجول ويفعل بشيء ما، ودت لو تخرج لترى ما هو، لكنها باتت ترهبه، انتهت سحبت هواء عميق يمنحها بعض الهدوء والثبات أمامه، خرجت ووضعت ما بيدها على الطاولة المتوسطة للمجلس، رمقته تحاول رؤية ما يفعل، لكن طوله الذي يتعداها واختياره لمنضدة جانبية صغيرة مرتفعة عما حولها من الأثاث جعل فعله محجوب عن مقلتيها، استدار وهو يدرك أنها خلفه تمامًا، باغتها باستدارته، غرس أصابعه بخصلات شعرها وأحكم شدها، وتابع سلسلة صدماتها:
- مِن اللحظة دي كل حركة ليكِ سواء جوة البيت أو براه بأمر مني، ولأنك عنيدة يا سارة فطبعًا لازم يكون معايا ضمان يخليكِ تسمعي الكلام بالنص، من غير ما تحاولي حتى ترفعي راسك مش صوتك.
الحقد الذي يقطر من كلماته جعلها عاجزة حتى عن رمش جفنيها أو غلق فمها الذي فغر على آخره، لكنها انتبهت مُنتَفِضَة على تجوُّل يده الأخرى مسْتَبِيحة جَسَــدها، شهقة مرتعبة صدرت عنها زادت ابتسامته اتساعًا، وبيدٍ خبيرة وبلمح البصر سقط ثوبها أسفل قدمها، ارتفع صوت أنفاسها وانهارت باكية، وعجز عقلها عن إدراك كيف آلت لهذا المصير! بهَلَعِ حاولت الوصول لملابسها لتستر نفسَهاعن جوع عينيه، ومنعتها يده المحكمة على خصلاتها.
- ليه بتعمل كده؟ حرام عليك.
دوت ضحكته الصَّاخبة بالأرجاء واستباحت يده الحرة جَسَــدها بجرأة، وردد ما جعلها تَرتَـعد بضياع:
- فرسة، محافظة على جسمك ونضارتك، غبي مؤنس فعلًا، هو ده الضَّمان، لو فكرتي ترجعي في كلامك جسمك الحلو ده هيغرق السُّوشيال ميديا وتبقي ترند شمال، بنت سيادة اللواء تمارس الدَّعَــارة مانشيت هايل، أيه رأيك؟! ده في حالة أنك عايزة تخلعي وما تكمليش الإتفاق، أمَّا لو فضلتي شطورة وبتسمعي الكلام ومؤدبة، فطبعًا محدش هيشوفه غيري أنا وأنتِ وأحنا سهرانين كل خميس، أيه رأيك؟ مفاجأة صح؟ يا رب تكون حلوة.
- والله مش هرجع في كلامي! سيبني البس هدومي.
- لا الفيديو كده ناقص ده تسخين بس.
- لا، لا، بلاش، حرام عليك أنا.. أنا بردو هبقي مراتك.
ابتسم بانتصار معطيها خياران بكلاهما سقطت بالهاوية:
- مشكلتي أني ضعيف قدام الحلوين، خلاص ارقصي كدة، زي ما أنت، خلي بالك اعتراضك معناه أننا نعمل دخلة سريعة، حتى لو عافية، لا كفاية عياط، بلاش مش بتأثر، قولتي أيه؟
- حاضر.
- شطورة، ما تنسيش بقي عايز حركات من اللي هي، وإلا...
- حاضر، حاضر.
تذوَّقت القهر للمرة الأولى، لم تكن تعلم مدى مرارته، بكت وانتحبت، شعرت بالمهانة والمذلة رأت نفسها فتاة ليل وقعت في شرك مَن لا يرحم، القت بنفسها في الوحل، حاولت بعدت عينها عن مداه، ثبتتها على القاع كحالها، وإن أخطأت وقابلت خاصته رأت فيهما الشماتة والحقد، بعد وصلة أرضته وقَـتَـلَـتها، أوقف التسجيل وأخذ الكاميرا التي ثبتها، أعاد تشغيل ما التقطه، سقطت أرضًا بانهيار تذرف الدُّمع، تجذب ثوبها إليها، لم يرحم ضعفها بل زاد حالتها ببعض التعليقات الوقِـحة التي ذَبَـحت قلبها، أصبح آخر ما يشغل بالها هو مؤنس وطيف، تفكر فقط فيما ينتظرها؟ وكيف تحمي نفسها من هذا الشيطان الماكر؟
بمكان أخر اقتحمت حملة المداهمة وكر خطر، صب مؤنس كامل تركيزه وحرصه خلالها، يُجْهِد نفسه ليوقف عقله عن التفكير، انتهت بنجاحها، جلس بمكتبه رفقة طارق يتحدثان:
- ياه يا مؤنس، أنا كنت قلقان جدًا، الحمد لله الأمور تمت أفضل مما كنا مخططين، من كتير ما شوفتكش بالحماس ده، بركاتك يا مدام طيف.
أغمض عينيه بتعب يريح ظهره على مقعده ورفع ذراعه خلف رأسه ليسندها عليه، ومع قول طارق ارتسمت ضحكة متهكمة صغيرة على جانب فمه، فتساءل صديقه باهتمام:
- هتفضل تعبان كده لامتى؟ قولت لك من زمان، حتى لو لقيتها هتكون مختلفة عن اللي قابلتها من سنين، ده غير اللي حصل لها وشافته طول عمرها، أنت عملت لها كتير قوي، وآخرهم لقيت لها شغل، وده كان مستحيل في حالتها، أنا مش عارف هي ازاي كده! مش بتعرف تقول جملتين من غير ما تهتهة.
اعتدل مع جملته الأخيرة وتحدث بحزم:
- طارق، قولت لك كتير ما تتكلمش عنها كده، ما تشلش همي يا أخي، أنا مبسوط بحالتي دى.
- أنا خايف عليك، أنتَ خسرت سنين عمرك اللي فاتت ومراتك وبيتك غير إن والدتك غَضَبانة عليك، وكل ده بسببها.
- كفاية يا طارق، يلا نمشي.
- يا ترى هتروح على فين؟ بيتك ولا لوالدتك.
- لو مش عايز تستقبلني في بيتك قول، وأنا أوعدك مش هضايقك تاني.
اعتدل طارق بجلسته واتسمت نبرته بالجدية:
- أنت فاهم قصدي يا مؤنس، مش هغَضَب وأقولك اللي يريحك، لأ، لازم كل حاجة تكون واضحة، أنت عرضت عليها الجواز، يبقي يا توافق وتبدأ معاها حياة جديدة، يا ترفض، وأنت تشوف نفسك وحياتك اللي أنت راهنها عليها سنين، كفاية كدة، هايجي عليك يوم وتندم، وأنا مش هانتظر لليوم ده عشان انبهك، لأ، هَنبهك من دلوقت ولو غصب عنك.
هَمَّ بالرحيل هربًا من كلمات طارق، يعلم أنَّه محق ببعضها، لكنه لا يستطيع؛ فهناك رابط قوي غليظ ربطه بها منذ أن رآها بالمرة الأولى لم يلين أو يرتخي رغم مرور السنون، لحقه طارق وأصر على دعوته للبيت ولم يقبل أعذاره.
وكعادته الجديدة ترك صديقه يسبقه للأعلى وطرق بابها ليطمئن على أحوالها، استقبلته خجلة مخفضة الرأس يظهر توترها جليًا في حركة أصابعها وارتعاشهم، رؤياها يروي ظمأ عينه ويُلْـهب نِيــران قلبه، فيذوب ألـمًا وعــذابًا، وكما يحدث بكل لقاء يسود الصمت حتى ينهيه هو:
- ممكن أدخل.
أومأت وخطت للخلف تسمح له بالدلوف، أغلق الباب خلفه، وقفا محلهما يفصلهما مسافة كبرة، أراد مشاركتها بعض تفاصيله يحقق جزء من أمنية تمناها وحلم بها مرارًا:
- كنت في حملة النهاردة، كانت صعبة شوية والحمد لله تمت بنجاح.
هيئ له رؤية بعض القلق مع جملته الأولى تحول إلى شبح ابتسامة بنهاية قوله زالت سريعًا، تنهد بتعب وراوده إجهاد أعوام طويلة، يعاد حديث صديقه بعقله، يئن قلبه ملتاعًا يطالبه ببعض الراحة، ساد هدوء صامت لثوانٍ أنهته عاصفة من الطرقات الغاضبة، رفع عينيه إليها يطمئنها، لكنها ظلَّت تّـرتّعِش وتَرْتَجِف بفَـزع؛ فتوعد الطارق بالهلاك، ولم يكن سوى والدها وجهه محتقن من شدة غَضَـبه وثـوْرته، وكأنه تلبسه شيطان يلقي عليهما اتهامات باطلة، قابلته طيف ببكاء حار ورُعْـب جلي، بينما ثار مؤنس وعنفه بالقول ووقف أمامه كحائط صدْ يمنعه عن الوصول إليها أو الاقتراب منها، لأول مرة تجد منقذ من كيد والدها وغَضَبه، امتنَّت له ووجدت نفسها تحتمي به، وقفت خلفه تتشبَّث بملابسه بيدين مرتجفتين هلاميتين، لجم لسانها ولم تتوقف مشادته مع والدها، حتى قطعها حضور قوة من شرطة الآداب تهاجم المكان، فشددت قبضتها على ملابسه تلتمس الأمان، لف ذراعيه حول كتفها وجذبها لتكون جانبه، طوقها بحماية حنونة.
صرخ الضابط بوالدها ليصمت، ثم تحدث بخشونة، باللحظة التي انضم طارق لهم على أثر أصواتهم العالية:هيئ له رؤية بعض القلق مع جملته الأولى تحول إلى شبح ابتسامة بنهاية قوله زالت سريعًا، تنهد بتعب وراوده إجهاد أعوام طويلة، يعاد حديث صديقه بعقله، يئن قلبه ملتاعًا يطالبه ببعض الراحة، ساد هدوء صامت لثوانٍ أنهته عاصفة من الطرقات الغاضبة، رفع عينيه إليها يطمئنها، لكنها ظلَّت تّـرتّعِش وتَرْتَجِف بفَـزع؛ فتوعد الطارق بالهلاك، ولم يكن سوى والدها وجهه محتقن من شدة غَضَـبه وثـوْرته، وكأنه تلبسه شيطان يلقي عليهما اتهامات باطلة، قابلته طيف ببكاء حار ورُعْـب جلي، بينما ثار مؤنس وعنفه بالقول ووقف أمامه كحائط صدْ يمنعه عن الوصول إليها أو الاقتراب منها، لأول مرة تجد منقذ من كيد والدها وغَضَبه، امتنَّت له ووجدت نفسها تحتمي به، وقفت خلفه تتشبَّث بملابسه بيدين مرتجفتين هلاميتين، لجم لسانها ولم تتوقف مشادته مع والدها، وقطعها حضور قوة من شرطة الآداب تهاجم المكان، فشددت قبضتها على ملابسه تلتمس منه الأمان، لف ذراعيه حول كتفها وجذبها لتكون جانبه، طوقها بحماية حنونة، صرخ الضابط بوالدها ليصمت، ثم تحدث بخشونة، باللحظة التي انضم طارق لهم على أثر أصواتهم العالية:
- مش عايز صوت أنتِ طيف المحمدي.
- وحضرتك عايزها ليه؟
- وأنت كمان مقبوض عليك.
- معاك الرائد مؤنس صادق.
- وأنا المقدم طارق الرشيد، ممكن نفهم في أيه بالظبط؟!.
هدأت ثورة والدها بخوف حقيقي مما يحدث، فقد شمله الاتهام بتقويض ابنته لممارسة الفَـاحِشَةالفاحشة، تابع مناقشتهم بصمت، حتى انسحبت قوة الشرطة، فعادت له جرأته وعنَّف طيف بكلماته:
- الهانم مش ناوية تلم نفسها وترجع معايا، ولا حابة فضايح أكتر، ما القاعدة لوحدك جات على هواكِ، تعملي اللي على مزاجك.
يعلم بضعفها؛ فهي تربية يده زرع بها الهشاشة والخوف، ولم يضع بحسبانه وجود مؤنس حاميها ودرعها الذي أجاب عنها بحدة ارهبته:يعلم بضعفها؛ فهي تربية يده، زرع بها الهشاشة والخوف، ولم يضع بحسبانه وجود مؤنس حاميها ودرعها الذي أجاب عنها بحدة ارهبته:
- الزم حدودك وما تراهنش على كونك أبوها كتير، لو غلطت فيها تاني مش هسكت، هي عارفة حدودها كويس وزي ما سمعت احنا مخطوبين والجواز لمَّا عدتها تنتهي.
- مش سامع حِسِّك يعني، الهانم اتخطِبت في السر ومن ورا أبوهاابوها، ولا ده كلام والسلام.
- كُنت.. كنت هقول لك، لسه ما رديتش، والله!
- يعني مش مخطوبين فعلًا.
- ما رديتش، بس.. موا.. موافقة.
أخيرًا بارقة أمل وسط نيــران أشواقه وعــذاب انتظاره، ابتسم بسعادة تحاول اختــراق حياته، أجاب والدها فيكفيها إرهاقارهاق وضغوط:
- كده عرفت، ولمَّا العدة تخلص ونحدد معاد كتب الكتاب هكلمك.
- ترجع معايا، ولما العدة تخلص نشوف، اهو تشوف البيت عندي وتنضفه.ترجع معايا، ولما العدة تخلص نشوف، أهو تشوف البيت عندي وتنضفه.
شحبت مُتذكرة آخر مرة قامت بتنظيف بيتهبيت والدها حين أرسلها شهاب له، وكأن مؤنس قرأ أفكارها وكعادته منذ قابلته يدرأ عنها ما تخاف:
- آسِف، طيف مش هتتحرك من هنا، ده بيتها، وبيتك هات حد ينضفهواحدة تنضفه دي مش مسئوليتها، وما فيش حاجة ممكن تشوفها، إحنا أخدنا القرار خلاص، مش عايزين نتعبك.
انتفض والدها واقفًا بحنق، حدَّجها بحدة واستاء من نظرتها الممتنة لمؤنس، انطلقاطلق خارج المكان يصفعوصفع الباب بقوة، تنفست الصعداء بخروجه، وصدح صوت طارق ينبهَّهما لوجوده:
- مُنتظرك فوق نتغدى.
نظر إليها مبتسمًا سألها يرجو سماع ما يروى ظمأه:
- موافقة فعلًا، ولا عشان اللي حصل.
اربكها تساؤله فأجابت وعينها تزوغ يمينًا ويسارًا بتوتر:
- كنت.. كنت عايزة اتصل، بس.. بس خوفتخايفة.
نهض ليجلس جانبها، أحاط كفها براحتيه بحنان ورقة يطالبها برجاء وتمنِّي:
- مش عايزك تخافي، بالذات مني، ممكن؟
بسمة مرتعشة نمت على وجهها ولم تعقب، بهذه المرة شعر بالرضى والسعادة، أحرز تقدمًا أسعد قلبه وبات له مع السعادة موعد ولقاء، نهض يحدثها بلين:
- عايزة حاجة قبل ما امشي؟
أومأت موافقة وحاولت إخراجاخراج كلماتها، ولأول مرة تتحدث دون ارتعاش أو تلعثم:
- عايزة أشوف حلا، وحشتني قوي، تقدر تساعدني؟
ابتسم مبتهجًا؛ كـسـرت حاجز الرهــبة بينهما، تقدم خطوة ينهي المسافة الفارقة بينهما رنا إليها يتمعن بعينها وكأنه يرسل إليها ذبذبات الوَصْلالوصل:
- اكيد طبعًا، علم وينفذ.أكيد طبعًا، علم وينفذ.
داعبت شفتيها بسمة خجلة مرتاحة؛ فربت على كفها يبادلها البسمة قبل أن يغادر، ولأول مرة ترك لقائهما داخله نشوة مبتهجة ترسم بسمة سعيدة على وجهه وفؤاده، وقد ثبت عقله حالتها بنهاية اللقاء مرتاحة هادئة متخلية عن توترها تخبره رغبتها بطلاقة، كأنها استثنته من مخاوفها، تمنّى أن يكون مصدر أمانها يومًا، يُمني نفسه بقرب الوِصَال، علّ القلب يجد مبتغاه!