رواية من بعد خوفهم الفصل الثالث بقلم حمدى صالح
كـادتْ أنْ تنفجرْ غيظًـا مِن أفعالها، يُمازحها بأفعالهُ السخيفةَ، ويثرثر بعشوائيةٍ، أ هذا هو؟!
هل يمكن أنْ يتطرأ لتغيرِ نفسه للتكيف مع أُناسٍ مختلفين عنهُ؟!
شعرتْ بالقهر حينما لمحتهُ "لدن" من الشرفةِ، مهلًا فالحكاية لم تبتدي بعد، أغلقتْ الشرفةَ حِينما شعرتْ بالبرودةِ تحتل جسدها؛ لتلج للداخل، توترت ملامحها ما إن رأت "عنود" أمامها مرتديةً عباءة صلاتها، دقائقٌ معدودةٌ لتنطق بحدةٍ:
-أ مازلتِ تنظرين لهذا الشاب مجددًا؟!
ألم أحذرك بألا تفعلين هذا الفعل مرةً ثانية أم لا يا "لدن"؟!
-أقسـم بالله أنَّني أوفي بهذا الوعد لكِ، ولكن حِينما أراه مع تِلك الرفقة.. تزداد ضربات قلبي وكأن الخطر قادم، أنا حقًـا لا أعلم إلا اسمه ونسيتُ الموضوع نهائيًا.
اطمأنت "عنود" لحديثها؛ لتجذبها بين ضلوعها ما إن رأت دمعتها:
-أنـا أخشىٰ عليكِ ملاذ الدُنيا يا حلوتي، فإن فُتح فؤادك لن يغلق أبدًا، وتتأثرين بِمن يحوم حولكِ بلا إنقطاع قط، حينها ستتغير نفسكِ وستتألمين علىٰ ما فاتكِ مِن نعم، قوة الحياة في تعزيز طاقة قلبك ودربك، تسلكين بين المارةِ وكأنكِ فراشة سابحةٌ بينهم، أنتِ ابنتي ولو حدث ليِّ شيء لن أسمح أنَّ يمس قلبكِ سوءًا.. أفهمتِ يا مشاغبة؟! إلىٰ غرفتك فأبي إن شاهد هذا الموقف، سيعاقبني أنا!
ضحكاتهم ومشاكستهم، ألمهم وقوتهم، الحياة والسعادة هما كلمتان، الكلمة الأولى أنَّك تُدرك معنها وأنَّك تمتلك حرية محدودة ليست مطلقةً، أنْ تحب الجميع وتبغض الشر من قلبك، لا تتطرأ للتغيير أبدًا حتى وإن كستْ الرياح حياتك، والسعادة أن تقص لقلبك المطمئن بكلاماتٍ من الرفق؛ كي تُكمل دربك والتشبث بإتيان الحق أينما كُنتُ.
اِبْتَرَكَتْ علىٰ الأريكةِ؛ لتعود للماضي المؤلم، وحُلمها المزعج، تكرر؛ فتتألم وكأنها طفلةٌ تودُّ الحنان، سويعاتٌ قصيرة وتعود لدراستها مِن جديدٍ، جلستْ جدتها وهى تتناول بعض الحلوى التي جلبتها "لدن":
-جميلةٌ تِلك الحلوىٰ، تلوث الجسد فقط!
-جدتي!
لا تقولين هذا عليهم؛ فإنها تسعدنا للغاية.. أقصد قليلًا.
نطقت بحنوٍ:
-لم تفهمين الحديث، أنتِ تتحملين طاقةً كبيرةً علىٰ عمرك من أجل قسوة الأيام وبكائك الدائم، أنا أشعر بفزعك في الليل، وجرحك الطاغي علىٰ وجهكِ المستمر، كذب أبوكِ عليكن، ففي الحقيقة أنهُ قرر بعدك عن أي ضغطٍ لفترةٍ مؤقتةٍ؛ كي لا ترهق" لدن"في دراستها، وأن تتمعين بقدرٍ كافٍ من الراحةِ، رُبما تشكين أنَّني كاذبة وهذه نيران أفعلها بينك وبين والدتك، في الحقيقة لا دخل ليِّ بكن، أنتِ حفيدتي المميزة، المحبذة للقراءة كـ"مؤيد"الثرثار حينما تتشاجرا معًـا، أنا أبغض هذا الفتى في بعض الأحيان، لكنهُ قائدٌ يتصرف بحكمٍ ودهاء، لا شأن ليِّ إلا بحالتك النفسية، حينما عرض عليِّ والدك المكوث معكن تهلل وجهي ووافقت، فأنتِ ستعودين من الجامعة ومن ثُم سترتبين هذا المنزل في الليل، وأنا سأعد لكم ما تحتاجوه صباحًا، أتعلمين.. حينما رحل جدك تحول البيت لمأتم من الأحزان، عمك بين الحياة يسعى من أجل حياةٍ مرضية، ووالدك بين القيل والقال يا "عنود"، أنا أحبكِ.. أنا الآن أشعر وكأن المنزل مُزين بالأزهار الملونة، تعطي الدُنيا اللون والبهجة دون نوائب، وحتى إن حلتْ فلن يتأثر؛ لإن الأعمدة راسخةٌ كالقلوب.
-أنا أعرف كل هذا؛ لهذا أنتِ لن تقعلين شىء، سأستمتع بحواديتٍ مميزة حينما أشعر بالفزع، وأرى قسمات وجهكِ وعلامات الكبر تِلك يا"حسناء"، ليت جدي يراكِ الآن، سيعشقك أكثر مما عشقكِ، وسيصفع"مؤيد" حينما يثرثر كالذئب..!
اختبأت بين أحضانها ممسكةً بخدودها، تداعبها وكأنها ابنتها التي لم تنجبها، الحقيقة مؤلمة عليهم، تخبأها دائمًا.. ولكن إلى متى؟!
"في حكايته سطور لم تبدأ، قلمهُ بارعٌ وكأنهُ منصع بألوان الصدف الأزرق، درجاتهُ نقية لا يلوثها فكرةٌ سوداء، يضع الحقيقة بين طياتِ الصفح، يزيل ويدون، يبدع فيغير عقله، فحينما تنهمر الكلمات عليه يحس بالفخرِ أنهُ يحاول مهما حدث، والمحاولة الحقيقة هى أن تحارب نفسك وشيطانك؛ لإنَّك تستحق، نفسك تستحق"
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك؟! مهلًا هذا السؤال مؤلمٌ للغاية، أنْ تُضيء عينيك صباحًـا تُرسل للبعض"كيف الحال؟!".. والبعض الآخر" أين أنتَ؟! "، وحِينما تبتعد يبتعد عنك البشر، لا سؤال ولا إجابة، تتألم للغاية وكأنكَ تائهٌ بين أنهار الدموع.
وحِينما تشارك إنجازك لأحدٍ، تجد مجموعةً تظهر فجأةً، تلتصق بكَ كالصمغ الثابت، فتظهر الحب والاحترام، ويبتهج صدرك بأنَّك بين حفنة مميزة، ولا تُدرك الحقيقة بأنَّك محاطٌ بمجموعةِ أفاعي تنتظر سقوطك كليًا!"
رفع "مؤيد" عينيه متطلعًـا للساعةِ؛ ليبدل ثيابهُ سريعًـا متجهًـا للمسجدِ، جلس بجوارِ أبيه وعمهُ، فهم دائمًا يجتمعون علىٰ صلاة الجمعة بعد عدة أيامٍ متفرقةٍ، وها هى عطلة "مؤيد" سيقضيها معهم برفقةِ العائلة، انقضتْ الصلاة ووضع مؤيد بعض وريقاتٍ سرًا؛ ليرتدي حذائه سائرًا منفردًا؛ كي لا يزعجهما، جلب ما في وسعهُ من طعامٍ وشرابٍ، اشترى للفتيات ما يحبهن ومِن ثُم صعد على رائحة المعجنات التي يُحبها، طرق عدة مرات؛ لتفزعهُ "لدن" وهى تشير بيديها.. غمغم بكلماتٍ بسرهِ ليعطيها ما بيده، قبل جبين جدتهُ جالسًـا بجوارها، يتطلع لكتابِ "وليطمئن قلبي" ويودُّ إلتقاطهُ منها بشدة، يرفض الإستئذان؛ لكونه يتجنب الحديث معها، وما إن صدح صوت والدته؛ لتترك ما بيديها سريعًا.
-خذهُ واتجه للشرفةِ، عينيك سارقة يا "مؤيد"!
-يومًا ما سنتشاجر معًا يا جدتي، لن أأخذ شيئًا ليس ليِّ، أتمنى من الله أن يمضي هذا اليوم بسلامٍ.
هدرتْ بسؤالٍ: وهل تكره التجمعات يا بن القلب؟
-نعم، فليس هناك شاب غيري، وبالتأكيد سيتغزلوا بيِّ!
نظرةٌ شرسة؛ ليقف متجهًـا للشرفة، الأسئلة تدور بعقلهِ.. أين زوجة عمه؟! ولمَّ لم تلقي"عنود"السلام..
مرَّ اليوم بسلامٍ، وبدأ الجميع دراستهم، كانت ترفع المقطع المرئي عبر تطبيق" التيك توك" وكعادتها تخفي اسمها ولا تخفي صورتها ووجهها، وخلف هذه الشاشة مَن يتسلل ويستلذ بحركاتها، تِلك من ترعرعت في منزلٍ من الإحتواء والسكينة تنغرس بين طيات الشهوة، وأي شهوة تلك غير الشهرة ومرارتها الموجعة، لم تُدرك عقوبة الأمر بعد.
وضعت ثيايها بالفراشِ متجهةً للمرحاضِ بعدما فرغ "مؤيد" منهُ، والدتها النائمة، ووالدها منتظرها؛ كي يصطحبها معهُ، إختلس "مؤيد" نظراتهُ؛ ليأخذ كلمة المرور وبريدها الإلكتروني.. بدأ القلق ينهش عقله، فتلك تتغير كل يومٍ، حتى أنَّها أهملت دراستها، وضع حقيبته الظهرية ومِن ثُم ألقىٰ السلام بهدوءٍ، لمحهُ "ياسر"؛ ليردف بداخلهِ:
-عسىٰ الله أن يكتب لكَ التوفيق، فو اللهِ لم يحمل فؤادي سوءًا منك يا بن قلبي.