رواية يوميات دكتور نفسي الفصل الرابع بقلم صبحى المصري
أنا اتعودت إن شغلي ك دكتور نفسي دايمًا بيخليني أقابل حالات غريبة…
بس الحالة دي، كانت مختلفة تمامًا.
دي مش مجرد حالة مرضية… دي كانت باب، اتفتح على عالم تاني.
كل حاجة بدأت في نص الترم، لما جالي اتصال من زميل قديم في الجامعة، طلب يشوفني ضروري.
قالّي عنده طالبة في طب نفسي، حصل لها حاجة غريبة بعد تحدي سخيف عملته مع صحابها،
وإن أهلها حاولوا يعلّجوها بالعقل… وبالطب… بس مافيش فايدة.
روحت قابلتها. كانت قاعدة على الكرسي قدامي… جسمها طبيعي، مافيش تشنجات، مافيش أي علامات خارجية.
بس عنيها… عنيها كانت بتبصلي كأنها شايفاني من جوه.
هي اللي اتكلمت الأول. بصوتها العادي. بس اللي قالته، خلاني أتجمد.
قالتلي:
"فاكر اللي عملته يوم 13 نوفمبر؟ الساعة كانت 2:15 بعد الضهر… وكنت فاكر محدش شافك، صح؟"
مافيش مخلوق في الدنيا يعرف اللي حصل في اليوم ده غيري.
وهي كانت في تانية جامعة، وأنا أول مرة أشوفها.
تنحت. ماعرفتش أرد.
لكن اللي زادني خوف، إنها ضحكت… بس الضحكة دي، ماكانتش ضحكتها.
كانت ضحكة حد تاني. صوت تقيل… مبحوح… كأنه طالع من صدى بير قديم.
---
عرفت من صاحبتها إنها دخلت مبنى مهجور في الكلية اسمه "الملحق الشرقي"، كان زمان تابع لقسم علم النفس التجريبي، واتقفل بعد ما دكتور روسي مات جوه بحادث غريب.
المكان معروف بين الطلبة باسم "غرفة الاعترافات".
كانوا بيقولوا إنها غرفة فيها جهاز قديم بيخليك تعترف بأكبر سر في حياتك…
ولو خرجت قبل ما تعترف، الجهاز بيكمل المهمة… بطريقته الخاصة.
صحابها دخلوا يتحدوها تقعد ساعة جوا الغرفة…
لكنها ماخرجتش إلا بعد ساعتين.
ومن ساعتها وهي بتتكلم بأسرار الناس… وبتقول حاجات ماحدش يعرفها عنهم.
---
أنا ك دكتور، بحب أفسر أي حالة منطقيًا.
لكن لما لقيت واحدة من البنات اللي تحدوها، بتجيلي بعدها بيومين مرعوبة، وبتقولي:
"هي قالتلي إن أمي حاولت تنتحر وأنا عندي 3 سنين… وماما فعلاً اعترفت بده!"
وقبل ما أمشي، قالتلي البنت:
"خلي بالك… هي بتقول إن الدور عليك."
أنا وقتها قررت أطلب مساعدة الشيخ مصطفى.
الراجل ده فاهم كويس في الأمور اللي مابيوصلهاش العلم.
قابل البنت… أول ما دخل، هي قامت تبصله وقالتله:
"لسه بتفتكر ليلة القبور يا شيخ؟ فاكر الصندوق اللي دفنته هناك؟"
وشه اتغير.
قررنا نروح بنفسنا لـ"غرفة الاعترافات".
دخلنا المبنى بعد نص الليل، لما الأمن نام.
العنبر كله كان مهجور، ريحة التراب والرطوبة ماليه المكان.
لقينا الباب القديم اللي عليه علامة غريبة مرسومة بالطباشير: شكل عين بتبص لجوه.
دخلنا.
الغرفة كانت صغيرة، فيها كرسي معدني، ومايك مكسور، ومرايا من اللي بتشوف منها ناحية واحدة.
لكن أكتر حاجة شدتني، كانت أرفف مليانة شرايط كاسيت، وكل شريط مكتوب عليه اسم، وسنة.
الشيخ بدأ يقرأ قرآن… وأنا حاولت أشغل واحد من الشرايط.
سمعنا صوت بنت بتعيط… بتعترف إنها كانت سبب في موت صاحبتها.
وصوت تاني بيضحك، وبيقولها:
"أحسنتِ… كل اعتراف بيديّنا حياة. احكي أكتر!"
مرة واحدة، الإضاءة اتحولت لأحمر، والحيطان بدأت تنقط ميه سودة.
والبنت ظهرت ورا المراية… بس ماكانتش لوحدها.
كان فيه ظل وراها… كبير… ماشي على أربع…
لكن رقبته طويلة زي التعبان، وصوته بيهمس:
"إنتوا كلكم كدابين… ومكان الكدب هنا بينضف الأرواح."
الشيخ بدأ في "دعاء الحرق والكتمان"، وأنا فتحت شنطتي وطلعت جهاز تشويش صوتي كنت عامله من دوائر قديمة…
شغلته…
الغرفة اهتزت، والبنت وقعت على الأرض، وصرخة عالية خرجت من السماعة…
زي ما تكون روح اتسحبت.
البنت فاقت. فاكرة حاجات بسيطة.
لكن كانت في حالة هدوء غريب… كأن حد شال جبل من على صدرها.
رجعناها لأهلها، وفضلت تحت المتابعة فترة.
لكن بعدها بشهر، جالي ظرف على باب العيادة…
جواه شريط كاسيت مكتوب عليه "اعتراف رقم 87"… بصوتي.
أنا عمري ما سجّلت الشريط ده.
---
ولو بتسألني النهارده… هل الشر اختفى؟
أنا أقولك… لأ.
بس على الأقل، عرفنا إن في أسرار لما بتتقال، بترحم أصحابها.
وفي أسرار… بتفتح أبواب ماكانش المفروض تتفتح أبداً.
---
بعد الظرف اللي جالي… اللي فيه شريط بصوتي، وأنا أصلاً ما سجّلتش حاجة…
بدأت أعرف إننا ماقفّلناش الموضوع زي ما كنت فاكر.
الشريط كان فيه صوتي وأنا بقول اعتراف قديم جدًا… حاجة أنا نسيتها تمامًا، حاجة حصلت لي وأنا لسه طالب في الامتياز… لما شفت حالة مريضة حاولت تنتحر، وساعتها أنا ما أبلغتش عن الإهمال اللي حصل من طاقم التمريض… وكانت النتيجة إنها ماتت.
كنت سايب السر ده في بئر جوايا، مقفول عليه بإزاز سميك.
بس الشريط كسره.
رجعت أتصل بالشيخ مصطفى، حكيت له اللي حصل.
قالّي جملة واحدة بس:
"المكان لسه مفتوح… والكيان لسه بيغذي نفسه بالاعترافات المدفونة… والمرة دي، جابك إنت بنفسك."
اتفقنا نرجع الغرفة دي، بس المرة دي مش عشان نفهم… المرة دي عشان نقفلها للأبد.
بس قبل ما نروح، الشيخ قاللي لازم نلاقي أصل الكيان.
هو مش مجرد "روح"، ده تجمّع من خطايا بشر، كأنهم عملوا كيان جماعي من ذنوبهم.
---
دخلنا الغرفة للمرة التانية، بس المرة دي كان معانا أدوات:
زيت مقري عليه
مرآة من النحاس (الشيخ قال إنها بتكشف الوجوه الحقيقية)
جهاز تسجيل صوتي تناظري قديم
ومخطوط لقفل الأبواب الروحية، مكتوب على جلد غزال، الشيخ قال عليه "مفتاح العزل".
أول ما دخلنا، لقينا الكرسي محطّم، وكل الشرايط اختفت… ماعدا شريط واحد بس، واقع في النص…
اسمه "الاعتراف الكامل".
شغلناه.
الصوت بدأ بصوتي… بعدين بقى بصوت الشيخ… بعدين بصوت البنت اللي علجناها…
وبعدين صوت غريب، مركّب، كأن ألف صوت بيتكلموا في نفس اللحظة:
"إنتو فتحتوا الباب… والمفتاح هو أسراركم. مافيش مفر من الحقيقة. واللي دخل الغرفة، ماينفعش يخرج منها سليم!"
مرة واحدة، الأرض تفتحت، وحواليها دوائر مكتوبة بلون دم…
وظهر الكيان الحقيقي:
جسم بشري مقلوب… راسه لتحت ورجليه فوق، ووشه مافيش فيه ملامح، بس كل الجلد عليه مكتوب عليه اعترافات ناس بخط إيدهم.
الكيان هجم، بصوت صراخ لا إنساني…
الشيخ بدأ يقرا من المخطوطة…
وأنا بدأت أقول سرّي بصوت عالي، بدون خوف.
قالّي الشيخ:
"مايقدرش يعيش في النور… اعترف… بصوت واضح… خلّي الحقيقة تحرقه!"
---
أنا قلت كل حاجة… صرخت بيها.
وفي لحظة، الكيان اتجمد… وكل الأصوات سكتت.
المرآة النحاسية كسرت، وانعكس فيها وش الكيان… اللي طلع، ببساطة، وشّي ووش الشيخ ووش كل اللي دخلوا الغرفة… كأنه كان وجوهنا نفسنا.
الشيخ رمى الزيت المقري، وأنا سكبت عليه المية اللي فيها رُقية، وقلنا سوا آخر آية في المخطوطة:
> "وانقطعت السطور، وعاد الصدى لصاحبه، وما عاد للكلمة المفتوحة مخرج إلا في الصدق."
الغرفة اتقفلت بصوت دوّي، والحيطان رجعت لطبيعتها…
لكن لما بصينا ورا، لقينا الشريط اتحوّل لتراب.
---
البنت بقت كويسة.
رجعت لحياتها، وأهلها شكرونا، ومحدش حس إن في حاجة غريبة حصلت.
أنا والشيخ محكيناش لحد.
لكن من يومها، وأنا فاهم درس مهم:
في أسرار بتقتلك لو خزّنتها… وبتحرّرك لو قلتها.
بس المكان اللي تسمع فيه السر… لازم يكون مكانك، مش غرفة بتاكل فيك وانت بتتكلم