رواية يوميات دكتور نفسي الفصل الخامس بقلم صبحى المصري
"العين اللي مبتغمضش"
---
أنا مش شيخ…
ولا دجال…
ولا حتى بتاع ما وراء الطبيعة.
أنا دكتور نفسي… بشوف العقل البشري كأنه متاهة، مليانة أبواب.
بس اللي شُفته مع "سما" كان باب مفتوح على جحيم.
---
جتلي "سما" وهي عندها ٢١ سنة.
في أول جلسة قالتلي بمنتهى الهدوء:
> "أنا بقيت بصحى ألاقي حاجات مرسومة… عين… نفس الشكل كل مرة.
والمشكلة إن العين دي بتظهرلي في كل مكان… حتى جوا دماغي."
كنت متعود أسمع عن هلاوس، اضطرابات هوية، نوبات فُصام…
بس لما ورّتني الرسومات، حسّيت بشيء مش طبيعي.
العين كانت حقيقية بشكل يخوف…
مرسومة بدقة مش ممكن لبنت بترسم كهواية.
خطوطها سميكة… والحدقة سودا زي فراغ عميق.
قلت لها:
"بدأتي إمتى تشوفي العين دي؟"
قالتلي:
"من بعد ما لعبت لعبة اسمها عين المقبرة، أنا وصحبتي في المعسكر."
---
سألتها عنها، قالتلي:
"لعبة قديمة بنلاقيها على مواقع رُعب في الدارك ويب.
بيقولوا إنها لعبة فرعونية محظورة، عبارة عن خمس خطوات…
لو عملتهم صح… (عين ساهور) هتظهرلك، وتفضل تراقبك."
قلت:
"وإنتي لعبتيها؟"
قالتلي:
> "كُنا ٣ بنات… ضحكنا وقلنا نجرّب…
كل واحدة تمسك مرآة، وتنضفها بماء وملح.
نطفي النور.
نقرأ عبارة: افتحي العين… ساهور بيناديني.
وبعدها نحط نقطة دم من صباعنا على المراية.
وننام جنبها."
صوتها اتغير وهي بتحكي… كأنها لسه هناك.
> "في نص الليل… صحيت لوحدي…
المراية كانت مشقوقة…
وصوت بيقوللي: أنا شوفتك… وهتشوفيني."
---
من اليوم ده، بدأ الكابوس.
سما بقت بتسمع الهمسات…
تحس إن في عين حقيقية بترقبها…
تسهر، تكتب، ترسم… ومش فاكرة حاجة.
بدأ يظهر عندها أعراض dissociation… فقدان للإدراك، وتيه بين الواقع والخيال.
بس كان في حاجة غريبة:
كل مرة كانت تحاول "تغض البصر" أو تغمض عينها… تحس إن في كيان بيقرّب.
مرة قالتلي:
"الكيان ده بيتغذى على خوفي…
كل ما أخاف… بحس إنه أقرب.
هو مش بيحاول يقتلني… هو عايز يفضل جوّا دماغي… زي العدسة اللي مش بتتشال."
---
بدأت ألاحظ إن العلاج التقليدي مش كفاية.
ساعتها قررت أرجع للشيخ "عبدالرؤوف"، راجل حكيم أنا واثق فيه.
ورغم إنه مؤمن بالعلم، لكنه فاهم كويس إن فيه حدود لما نقدر نفهمه.
شاف رسومات سما…
قعد معاها… بص في عينيها وقاللي:
>"الكيان ده مش جني عادي.
دي روح مراقبة، تم استدعائها عبر رمز قديم اسمه عين ساهور.
مش بتتلبّس… بتتصل.
الحل الوحيد… إننا نكسر الاتصال."
---
قررنا نبدأ جلسات مزدوجة:
أنا أحلل سلوكها، أحاول أرجع وعيها بالعالم الحقيقي…
والشيخ يقرأ عليها آيات مختارة، آيات نور وبصيرة، خصوصًا:
>"فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ"
"اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"
"وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا..."
في كل جلسة، سما كانت بتقاوم.
كان بتحصل معاها تشنجات، رعشة، صوت غريب بيخرج منها يقول:
"أنا عين لا تُغمَض… أنا المعرفة المُحرّمة."
بس مع الوقت…
بدأت سما ترسم حاجات مختلفة…
نور… نجوم… باب مغلق.
وفي آخر جلسة، الشيخ قاللي:
"هي قرّبت تتحرر.
بس لسه فاضل خطوة واحدة… لازم هي اللي تعملها."
قلتله:
>"إيه؟"
قال:
"تكسر المراية… اللي بدأت منها اللعنة."
---
رجعناها لنفس المكان… نفس الوضع…
ومعاها المرآة القديمة.
وقفت قدامها… وبصّت في العين اللي بترسمها من سنين…
وقالت:
"أنا مش ملكك…
أنا ليّ عقل وضمير… ورب أقوى من نظرتك."
ورمت المراية بالأرض.
صوت اتكسر… زي زجاج بينفجر جوا عقلها.
سما وقعت… بس اتنفست.
ومن يومها…
مفيش عين ظهرت.
ولا همسات.
ولا رسوم.
---
رجعت سما لحياتها.
بترسم أطفال، ورود، حياة
---
أما اللي لعبوا معاها؟
واحدة ماتت في حادث غريب.
والتانية دخلت مصحة نفسية.
سما بس اللي خرجت… لأنها قررت تواجه.
مش تهرب.
---
والدرس؟
مش كل باب لازم يتفتح.
ومفيش كيان مهما كانت قوته… يقدر على نور ربنا.
بس لازم تكون واقف… واعي… مؤمن.