رواية نجم الراضي الفصل الرابع بقلم فاطمه النعيمي
(#راعية_الاغنام)
اسمتها جدتها رهيفة ويناديها ابوها رهف كي يبدو الاسم اكثر تحضرا
اما امها فلم تكن تريد الاسمين لكن الام عند العرب حسب المثل الدارج (كوارة احفظت وانفظت)
بمعنى ان الام كالكوارة وهي حافظة من طين يصنعها القرويون لحفظ الطحين والعدس والمؤونة بشكل عام والقصد ان الام كهذه الحافظة تحفظ الجنين حتى يكتمل ثمة تخرجه فلم يعد لها رأي به فهي مجرد حافظة حفظته لمدة ونفظته من داخلها
فلايحق لها تسميته او التدخل باي شيء يخص الطفل من الامور السيادية
بل تسميه جدته او جده او ابوه أو حتى احد رجال العائلة من الدرجة الثانية كالعم أو ابن عم الاب وهم ايضا الذين يقررون مصيره من تعليم وزواج وما الى ذلك
فكانت امها كلما سمعت احد ينادي ابنتها رهف او رهيفة تسب حماتها بحركة الشفايف فقط بلا صوت وحين تراها حماتها تقول لها
-(ها يولي بشنو ادردمين) بمعنى بماذا تثرثرين
فترد متلعثمة
- انما اسبح الله واشكره على نعمة وجودك في حياتي
فتسمع حماتها هذه الكلمات بطريقة معكوسة وتذهب وهي تردد ولكن بصوت مسموع
-سود الله وجهك
كانت امها تود ان تسميها ديانا على اسم الاميرة البريطانية
فالاسماء مجانية فلو كانت الاسماء بالمال لسمتها اسم يتناسب وامكانياتها المادية المحدودة فمادامت الاسماء مجانية لما لاتسميها ديانا اسم مليء بالجمال والعز والشهرة والفخامة
فرهيفة ابنتها الوحيدة التي ولدت بين ستة اولاد وكانت
(((مدللة الجميع)))
وقد يفهم الناس أن مدللة
(بعض) العرب كمدللتهم تجلس كأميرة وتطلب فيجاب
لا ياسادتي
مدللة( بعض) العرب هي الفتاة التي اذا نادت ابوها وهو بين اخوته واعمامه لايوبخها
مدللة (بعض) اذا تكلمت بحضور والدها يسمعها و لايصرخ بوجهها بكلمة (انچبي)=اخرسي
مدللة (بعض)العرب يشتري لها والدها ثياب مرتين بالسنة ولها ثوب جميل تلبسه في المناسبات
ولايدعها تمشي حافية
مدللة (بعض )العرب تستطيع ان تنام متى تشاء بعد انجاز مهامها الكثيرة ونعم تستيقض متأخرة بعد الفجر بساعتين او ثلاث لكنها ما ان تنهض من فراشها حتى تنطلق للعمل المضني الذي يفوق طاقتها كأنثى
مدللة (بعض )العرب اذا مرضت ياخذها ابوها للمستشفى واذا كان ذو مال ياخذها لطبيب خاص وقد يشتري لها وجبة من الكباب في طريق العودة للقرية وحين تركب السيارة تضع كيس الطعام في حجرها وتفتحه وتلف الكباب بالخبز وتعطي والدها قبل ان تأكل
وقد تأكل قطعة أو قطعتين من تلك الوجبة الفريدة
والخاصة جدا والتي يقدمها الاب لابنته في حالة مرضها او قبل زفافها والتي يشتريها بجزء بسيط جدا من مهرها الذي اخذه لنفسه
لهذا كانت رهيفة تخرج بالاغنام للرعي في اطراف دير العذراء
المرتفعة قليلا عن البلدة لأن البلدة كانت مبنية في منخفض من الارض تحيطها التلال المزروعة بالحنطة والشعير من كل جانب
ريثما يعود احد اخوتها من المدرسة فالمدرسة عيب كبير على البنت وهي واجبة على الولد
حين يعود احد اخوتها فيذهب بدلا عنها للرعي وترجع هي لتساعد امها باعمال البيت
في ذلك اليوم خرج اخوها فهد من المدرسة ورجع مسرعا ليرمي كتبه ويخرج لرعي الاغنام بدل اخته ككل يوم
فاذا خرج اخوها من البيت ينظر حول البلدة وحالما يرى الاغنام من بعيد يعرف مكان اخته وغالبا ماترعى اغنامها في الجهة الشرقية القريبة الى حد ما من بيت اهلها
وهكذا فعل.......
شاهد الاغنام شرق البلدة وذهب مسرعا لكنه كلما كان يقترب كان يستغرب وضعية الاغنام ......
حين رأها منتشرة في حقول الحنطة بشكل ينبيء ان لا راعي لها خصوصا عندما لم يرى اخته بين الاغنام
اوجس خيفة فاسرع الخطى ....
وكلما اقترب كلما خفق قلبه بشدة.....
واسرع اكثر حتى اصبح يركض كحصان شارد......
اصبحت قدماه تنهب الارض نهبا وهو يكاد يطير قفزا وليس ركضا
ليفهم ما مايراه وكلما اقترب اكثر يجد الامر مرعبا
فعلا الاغنام لاراعي لها وقد دخلت حقول الحنطة وهم حريصين ان ترعى الاغنمام على أطراف الحقول كي لايدمروا حقول الناس فهم مسلمين يخافوا بشدة اكل الحرام
حين وصل على اعلى نقطة في تلك الارض نظر حوله وهو يلهث مقطوع الانفاس وركع على ركبتيه يلتقط انفاسه المتلاحقة والخوف يلفه كدوامة مجنونة
استقام وهو يتلفت في كل اتجاه
وصرخ باعلى صوته ونبرة الخوف تلجلج كلماته
- رهيفة رهيفة
لكن لاشيء مطلقا
كانت رهيفة في الرابعة عشر...
وفهد في السابعة عشر....
لكن فهد كان رجل رغم صغر سنه شعر ان سمعة اسرته اصبحت على شفا جرف هار
ركض في كل الاتجاهات يحاول ان يبصر اي شيء بين الاعشاب وهو يردد اسمها وفي كل مرة ينطق اسمها يزداد نبض قلبه تسارعا...
لم يرى اي شي....!!!!!
ركض عائدا لبيت اهله الذي يبعد عنه مايقرب من الفين متر وهو يصرخ
((الحگوني الحگوني))=الغوث الغوث
خرج كل من سمع صوته من بيتع يستطلع ما سر هذا الصراخ المشؤوم والذي ينبيء بهول عظيم
نزل مسرعا وهو يصرخ برعب
-يابااااااا رهيفة رهيفة
يلباااااااا رهيفة رهيفة.....
وحين اقترب من البيت خرج جميع اخوته الصغار والكبار
وابوه وامه وجدته التي كانت تمشي كبطة لثقل جسدها
بلحة واحدة هرب الدم من وجه امه ليختبيء في اعماق صدرها الخافق
و يدها قد تجمدت على صدرها تحاول ان تمسك قلبها الذي كاد ان يطير
وقد امتقع وجهها بشكل مخيف تريد ان تسأل لكن لسانها لم يسعفها وهي تنظر الى ابنها النازل اليهم وهو يصرخ
شعرت بمصيبة تجري بين قدمي ابنها متجهة الى بيتها الذي كان هادئا رغم كل شيء
تجمّدوا للحظة كما لو أن صرخاته قد جمدت الهواء، ثم اندفعوا اليه كقطيع أغنام هارب من ذئب
أما فهد حين رآهم وقد خرجوا وركضوا باتجاهه...
التف على عقبيه وعاد بنفس السرعة الى المراعي وهم يركضون خلفه والناس تركض خلفهم
مسلمين ومسيحيين بنفس اللهفة والخوف فهم جيران بعض ويخافون على بعض رغم كل الفوارق لكن المصيبة تقف عندها كل الاختلافات والخلافات
وتتلاحم المشاعر الانسانية لتنسج خيمة الوئام بين الطوائف كلها......
وصل فهد الاغنام ودخل في مزارع الحنطة
التي كانت سيقانها مرتفعة تطبطب سنابلها الممتلئة بالخير صدر فهد الذي يعلو وينفض بسرعة مذهلة
وهو يصرخ بجنون
-رهيفة رهيفة اين انتي ....
حين وصل اهله فهموا دون ان يقول لهم فهد اي شيء
فهموا ان رهيفة مفقودة وانتشر الناس داخل حقول الحنطة يبحثون بجنون
كان اهل رهيفة يبحثون عنها بين السنابل
في لحظة مرعبة خائفين على سمعتهم اكثر بكثير من خوفهم على حياة ابنتهم ((المدللة))
واصبح كل فردا فيهم يصرخ باسمها ولكن لاجدوة حتى انحدروا الى الجهة الثانية من التل...
لمح احد اخوتها دماء على العشب وصرخ بهم
- دماء دماء دماء
كانت رائحة الدم الثقيلة تخنق عبق سنابل الحنطة الخضراء، كأن الأرض ترفض أن تُخفي الجريمة التي حصلت هنا بين سنابل الحنطة
كانت رائحة الدم تختلط برائحة سنابل الحنطة فتشيع في النفس رهبة وغثيان مقيت...
كان فهد يتقدم ببطء وقدماه تسحق سنابل الحنطة الخضراء التي كانت كأنها تهمس له
لاتتقدم اكثر.....
لحق الجميع به وبعد خطوات شاهدوا منظر مخيف
كانت رهيفة هناك في المنحدر راسها للاسفل ورجليها للاعلى وقد
تكدست سنابل القمح حول جسدها كما لو حاولت إخفاء الجرم.
الدماء على صدرها تشبه خيوطاً حمراء مطرزة على ثوب العرس الذي لم تلبسه قط.
حتى الحجر الكبير عند رأسها بدا وكأنه وسادةٌ وضعها أحدهم ليُريحها من عناء الرعي.
كان راسها مهشم بحجر كبير يبدو انها ضربت به لكن ثيابها كلها كانت عليها لم تمس
سقطت الام مغشيا عليها
وركض ابو رهيفة الى ابنته
واحتضنها ولكنه حين ضمها الى صدره شعر بنبضها فصرخ بالناس
- اسعاف اسعاف
وتراكض الناس منحدرين باتجاه الشارع الذي يقع غرب التل واوقفوا سيارة مارة ركبوها على عجل وانطلقوا لياتوا بالاسعاف
من المركز الصحي القريب
بعد دقائق كانها دهور وصلت رهيفة للمستشفى وحاول الأطباء بكل الوسائل انقاذها وقد نجحوا ليكتشفوا بعد هذا بايام ان رهيفة فقدت البصر وبعد ان تمكنت من الكلام
قالت
-لم استطع معرفة من يكونوا لقد كانوا خمسة
اجسادهم صغيرة كأنهم مراهقون
تذكر الناس يومها
الخمسة الذين اعتدوا على الحاجة سعادة قبل شهرين وربط الناس الاحداث ببعضها
قبل الشرطة وقال اغلب الناس انه حتما تم الاعتداء على رهيفة لكن اهلها ينكرون رغم ان اغلب الناس شاهدوا رهيفة بكامل ثيابها
لكنهم قالوا اذا كان المجرمون قد اعتدوا على سيدة عجوز فكيف يتركوا فتاة شابة جميلة كرهيفة
وكثفت الشرطة بحثها وتم القبض على نجم الراضي لتلك السابقة (قضية محمد)
وحققوا معه ليثبت تواجده في مكان بعيد جدا عن مكان الحادث ثم أطلقوا سراحه بعد مدة
........