رواية من يوم مارجع الفصل الخامس 5 بقلم نورسين

 

رواية من يوم مارجع الفصل الخامس بقلم نورسين



اليوم اللي بعده، ماما كانت عاملة عزومة كبيرة… خالتي، عمي، وحتى ناس من الجيران القريبين.
وأكيد… نادين كانت هناك، وكأنها لزقة في كل حاجة بتحصل.

كنت واقفة مع ماما في المطبخ، بساعدها في تقديم العصير، ونادين دخلت فجأة.

قالت وهي بتضحك بنعومة مصطنعة:

– "مفيش مساعدة من غيري، ولا إيه يا ليان؟"

ابتسمت بخفة:

– "لو حابة تساعدي، خدي الصواني دي وديها للضيوف."

قالت وهي بترفع حاجبها:

– "أكيد… بس خليني أقولك، عندك مشكلة صغيرة."

بصيتلها، قالت وهي بتمد إيدها ناحية شعري:

– "في بقعة صغيرة من الزيت على هدومك… شكلها جايه من المطبخ."

بصيت على البلوزة، فعلاً كان في نقطة صغيرة، مش باينة أوي… لكن صوتها كان عالي كفاية يخلي اللي واقفين عند باب المطبخ يسمعوا.

وفعلًا، زياد واقف… سمع كل كلمة.
وقفت مكاني، كنت ممكن أتكسف… أو أهرب… لكن لأ.

بهدوء، خدت فوطة، مسحت النقطة، وبصيت لنادين وقلت بابتسامة رزينة:

– "عادي، البقع بتروح… بس اللي بيننا، مش هيتغير بنقطة زيت."

زياد ابتسم.

نادين عضّت شفايفها، وحاولت ترد، لكن ماما دخلت وقالت:

– "ليان، زياد مستنيكي في الجنينة… بيقول محتاجك في حاجة ضروري."

خرجت وأنا قلبي فرحان… مش بس علشان رايحاله،
لكن علشان، لأول مرة، حسيت إني كبرت قدّامه… ووقفِت مكاني.

دخلت الحديقة، لقيته واقف مستنيني وبيقول:

– "فخور بيكي… وعيني عليكي."

قلت وأنا بضحك:

– "وأنا بقيت مش بس ببصلك… بقيت بشوفك."
-----------------------------
الجو بدأ يهدى، والليلة كانت هادية… النجوم فوق، والناس في البيت منشغلين في القعدة الكبيرة.

زياد قال لي بهمس:

– "تعالي نمشي شوية بعيد عن الدوشة… بس مش هنبعد."

مشيت معاه لآخر الحديقة، عند الشجرة القديمة اللي دايمًا كنت بقرأ تحتها وأنا صغيرة.

قعدنا على الكرسي الخشبي اللي كان باين عليه أثر الزمن، بس المكان كله كان دافي.

زياد بصلي وقال:

– "ليان… انتي مش زي أي حد قابلته.
الهدوء اللي فيك بيخليني أفكر…
إن الحياة ممكن تكون أبسط لو معاكي."

سكت، وبعدين مد إيده بهدوء… وسبها قريبة من إيدي، بس ما لمسنيش.

قال:

– "أنا مش مستعجل على أي حاجة… بس لو لمست إيدك، هل هتبعيدي؟"

بصيتله، وقلبي دق…
وهمست:

– "لو لمستها بحنية… مش هبعد."

قرب إيده بهدوء، ولمس صوابعي كأنها حاجة مقدسة.

لمسة بسيطة… لكنها قالت كتير.

قال بعدها:

– "أنا مش هغلط معاكي، ولا هضغطك، بس عايزك تعرفي…
إني شايفك بنت بيت، محترمة، ولو ليا نصيب… تبقي مراتي."

الكلام نزل عليّ زي المطر في عز الحر.

قلتله وأنا عيني فـ عينه:

– "لو دي نيتك… يبقى قلبي جاهز يستناك."

فضلنا قاعدين في سكون، والنجوم بتلمع فوقنا.
ولا كلمة زيادة… بس القلبين اتكلموا كفاية.
------------------------
تاني يوم، الجو في البيت كان عادي… لحد ما بابا نادى عليّا وقال:

– "ليان، زياد عايز يقعد معايا شوية… من غير حد."

قلبي وقتها… وقع.
مش قلقانة، بس متوترة.
دخلت أوضتي، وقعدت على السرير، وقلبي بيرقص من الترقب.

مرت ربع ساعة… تلت ساعة…
وأخيرًا بابا نادى عليا.

دخلت لقيت زياد قاعد، وشه فيه رهبة، بس عينيه ثابتة.
بابا قال لي:

– "زياد طلب حاجة واضحة… قال إنه معجب بيكي، وعايز يتقدملك رسمي."

زياد قال بهدوء وهو باصص في عينيّ:

– "أنا مش عايز أخد خطوة من وراكم.
أنا جيت وراسي مرفوعة، وقلبي في إيدي.
ليان مش بس بنت عمي… هي البنت اللي بدوّر عليها من زمان."

بابا سكت شوية… وبعدين قال:

– "البنت دي أغلى حاجة عندي… لو ليك نِصيب فيها، لازم تكون قدّها."

زياد قام وقال:

– "أنا ناوي أكون قدّها… وطول ما هي جنبي، عمري ما هخذلها."

أنا كنت واقفة، مكسوفة، بس عيني فيها دمعة فرح ما رضيتش تنزل.

بابا بص لي وقال:

– "رأيك يا ليان؟"

اتنهدت، وبصيت لزياد وقلت:

– "أنا موافقة… لو هو هيكمل زي ما بدأ."

قال بصوت واطي:

– "هكمل… وأكتر."

-------
لكن اللحظة دي الجميلة ما طولتش…

قبل ما اليوم يخلص، ماما دخلت عليا الأوضة وقالت:

– "في خبر مش هيعجبك… بس لازم تعرفيه."

بصيتلها بخوف:

– "خير؟"

قالت:

– "نادين… بلغت باباها إن زياد بيحاول يرتبط بيكي بس من وراهم، وطلبت يتكلموا معاه بحدة…
والواضح إن في كلام كتير هيتقال من برّا…"
---------------------------

تاني يوم، الدنيا اتقلبت.
بابا وصله اتصال من والد نادين، وكان فيه نبرة غضب مش معتادة.

وفي نفس اليوم، جالنا ضيوف… أهل نادين نفسهم.

كنت واقفة ورا الباب، قلبي بيخبط، وماما بتحاول تهديني:

– "مافيش حاجة هتخدك يا ليان… خليكي واثقة."

زياد كان وصل قبلهم بدقايق، ولما سمع إنهم جوه، دخل القعدة وهو رافع راسه.

والد نادين قال له بنبرة قاسية:

– "أنا مستغرب… مش دايمًا الولد اللي بيجي من السفر بيتصرف كده!
تِرتبط ببنت عمك، وتكون بتدي لبنتي وعود قبلها؟"

نادين كانت قاعدة بهدوء غريب، وعنيها بتراقب كل تفصيلة، مستنية زياد يغلط.

لكنه قال، بنبرة ثابتة:

– "أنا عمري ما وعدت نادين بحاجة.
وحتى لو كان فيه تعامل، فهو كان احترام مش أكتر.
واللي بيني وبين ليان… عمره ما كان من ورا حد. أنا طلبت إيدها من أبوها، قدام الكل."

بابا قال بحسم:

– "واللي بيحصل في بيتي… أنا اللي بشهد عليه."

نادين اتكلمت أخيرًا وقالت:

– "بس هو خلاني أفتكر إنه بيحبني!"

زياد بص ليها وقال بكل هدوء:

– "ما ينفعش حد يفتكر حاجة مكانتش موجودة…
أنا مكنتش الشخص اللي انتي رسمتيه في خيالك يا نادين."

السكوت نزل ع القعدة.

أنا أخدت نفس عميق، وقررت أتكلم، بصوت واضح:

– "لو زياد كان اختارها… كنت هبعد.
بس هو اختارني، وأنا واثقة فيه، قدّام الناس كلها."

ماما حطت إيدها على إيدي، وقالت:

– "وأنا واثقة فيكي."

أهل نادين خرجوا من البيت في صمت، والجو تقيل…
لكن اللي حصل، خلّى حاجز كبير يتكسر.

زياد قرب مني بعدها وقال لي بهمس:

– "لو كنتي شكّيتي فيا لحظة… كنت هنهار."

قلتله وانا بنظر له بثبات:

– "أنا ما شكّيتش… أنا استنيتك تثبتلي."


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات