رواية فراشة في سك العقرب ( حب أعمي ) الجزء الثانى الفصل السادس بقلم ناهد خالد
كن ذكيًا واستغل الفرص حين تأتيك خاصًة تلك الفرص الذهبية!”
وفي اليوم التالي في فيلا شاهين …
وقبل حلول المساء كانت سيدة ومعها فتاة أخرى في غرفة فيروز يقومان بعملهما في تجهيزها من حيث وضع مستحضرات التجميل وتصفيف الشعر وغيرها، حتى انتهيا فنظرت “فيروز” لنفسها في المرآة لترى نفسها ولأول مرة جميلة إلى حد ما! فالمستحضرات التجميلية التي تم وضعها على بشرتها ابرزت جمال ملامحها واخفت العيوب التي كانت تمقتها، ورغم أنها لم تغير من لونها فحين طلبت من السيدة أن تفتح درجة بشرتها رفضت متعللة بأنها لن تليق عليها والأفضل أن يتم وضع الكريمات التي تطابق لونها، وبعدما أصبحت بمفردها اتجهت لذلك الثوب الذي لم تراه فقد أتى منذ عدة ساعات وأوصلته صفاء لغرفتها، لكنها لم يتيح لها الفرصة أن تراه، فتحت سحاب الغلاف القماشي الخاص به وأخرجته منه لتتسع عينيها انبهارًا بهِ وللمرة الثانية يحسن شاهين الاختيار، فقد كان فستانًا من اللون النبيذي بقماشته اللامعة بشدة، ينسدل على جسدها كاشفًا عن ذراعيها والقليل من مقدمة صدرها عبر فتحته المثلثية وظهرها، وأما عن طوله فيصل إلى الأرض، ولكن حين ارتدته وارتدت الحذاء الذي أتى معه والذي كان بكعبٍ عالٍ ارتفع الفستان عن الأرض ليصبح بطول مناسب، وقفت تنظر إلى نفسها في المرآه التي استطاعت أن تعطيها صورة كاملة لجسدها، ولا تعرف لِمَ خطر في بالها هذا الشيء حين اجرت مقارنه سريعة بين الثياب التي اختارها لها مازن من المول مبررًا بأنها ليست مرتديه للحجاب, فكانت معظم الثياب إن لم تكن جميعها كاشفة الكثير من جسدها, وتبرير آخر منه بأنها قضت معظم عمرها في لندن لذا فهذه هي الثياب المناسبة تمامًا, أما عن شاهين فمنذ أن أتت لهنا وكل الثياب التي احضرها لها سواء كانت الثياب التي ترتديها يوميًا أو فستان الحفلة السابقة وفستان هذه الحفلة ايضًا, فكانت ثياب إلى حد ما محتشمة لا تكشف الكثير من جسدها وهذا حوله علامة استفهام كبيرة! تعرف أنها لن تصل لإجابة أسئلتها.. فهل كل هذه الثياب ليست من اختيار شاهين؟ و الإجابة لا, فقد علمت اكثر من مرة من صفاء بطريقة غير مباشرة أنه من يختار الثياب عبر موقع الكتروني وتأتي لباب المنزل عبر عملاء التوصيل, والاحتمال الآخر هل شاهين من انصار الثياب المحتشمة؟ ولا يحبذ أن تُظهر المرأة مفاتنها للجميع والإجابة نفس الإجابة السابقة “لا” ,فشدوى جميع ثيابها مكشوفه لدرجة أنها رأتها منذ عدة أيام وهي تعود من الخارج وكانت ترتدي فستان قصير للغاية يصل إلى قبل ركبتيها بمسافة ليست بهينة, وهو في نظر فيروز ليس سوى ثياب خاصه بالنوم.. وكما توقعت في البداية لن تصل لإجابة مقنعة, فنفضت رأسها مما بهِ وهي تنظر لنفسها في المرآه نظرة أخيرة, وكأنها تتعرف على الشخصية الجديدة التي لم تظن يومًا أن تعيش دورها, فهيهات الفرق بين “فُله” و”فيروز” هانم التي اقترنت بعلاقه مع “شاهين بيه المنشاوي” أخذت نفس عميق قبل أن تلتقط حقيبة اليد والتي لم تخلو ابدًا من الزخرفة, والفصوص اللامعة بها, وخرجت من الغرفة على موعد مع “نورهان” والتي ستذهب معها للحفل.
******
وبأحد أفخم فنادق القاهرة….
توقفت احدى سيارات “شاهين المنشاوي” والتي كانت تنقل “فيروز ونورهان” لمكان الحفل, ليترجل الاثنتان منها وفيروز تنظر حولها بانبهار بمدخل الفندق والأنوار التي تملأ المكان, وبعد ثواني من السير وجدت نفسها تدلف من بوابة أخرجتها على مساحة واسعة مفتوحة بها الكثير من الطاولات المتراصة المزينة بشكل جميل, ومنصة صُممت بديكور مُبهر تقبع في آخر المكان وفي المنتصف تمامًا, وبعض الديكورات الأخرى التي أخذت منظرًا رائعًا, واضفت لمسة جمالية لطيفه, والأرض لم تكن مستويه بل كان المنتصف مستوي وعلى الجانبين ارتفاع وفوقه يوجد الطاولات الأخرى, اشبه قليلًا بدور العرض المسرحي, وحين كانت تتفحص المكان بعينيها وقفت كالصنم حين وقع بصرها على “مازن” يقف في أحد الجوانب يصافح بعض الرِجال ويتحدث معهم, وللحقيقة كان الأمر مفاجئًا لها فلم تتوقع قدومه, وفي نفس الوقت كانت “نورهان” انتبهت لوجوده فقالت:
– ما توقعتش إن مازن ييجي.
التفتت لها “فيروز” تقول بتأكيد:
– ولا أنا بصراحه.
تنهدت “نورهان” معقبه:
– هو متعود بيجي كل حفل ثانوي للشركة لأنه طبعًا شريك فيها, بس قلت المرة دي ممكن ما يجيش بسبب المشاكل الأخيرة اللي حصلت, وخصوصًا إنه اكيد مش حابب يشوفني.
نظرت لها “فيروز” تقول بحنو:
– ما تقوليش كده ما فيش أخ ما يحبش يشوف اخته, هو آه حصل بينكوا مشاكل بس يعني مش هتوصل انه مش عاوز يشوفك.
ابتسمت “نورهان” بألم ونظرت لفيروز بعينين اغرورقت بالدموع تقول:
-اقولك على حاجه ما قلتهاش لشاهين نفسه.
اومأت برأسها تحثها على الحديث فقالت بنبرة مختنقة:
– انا روحت لمازن الشغل وكان في مكتبه, بس ما رضيش يقابلني.
اتسعت عيناها بصدمه فهي لم تتوقع أن يكون الأمر بينهما لهذا الحد وقالت:
– معقوله؟!!
هزت الأخرى رأسها بتأكيد وهي تقول بمرارة:
– مازن زعله وحش قوي فوق ما تتخيلي, لدرجة انه مستعد في ساعة الغضب يقطع علاقته بأي حد ويدوس عليه, يعني هو لما رفض يقابلني ما فكرش حتى إن ممكن يكون حصل معايا مشكلة, أو حصل مشكلة بيني وبين شاهين, ما فكرش يقابلني ويشوف انا عاوزه ايه, و إن كنت جايه له عشان اصالحه يرفض بس يطمن عليا.
لم تجد “فيروز” رد مناسب لِمَ قالته “نورهان” وهي ما زالت في صدمتها من رد فعل مازن القاسي من وجهة نظرها, فأكملت “نورهان” مبتسمة:
-عكس شاهين خالص, شاهين مهما عملتي فيه او حصل بينكوا لو حس إنك ممكن تكوني في خطر بيرمي كل شيء ورا ضهره ويكون معاكي, افتكر في مرة كنا مقاطعينه لما ماما كانت عايشه, وجيت اتصلت بيه في يوم ولقيت رقمه مقفول فكلمت سكرتيرة مكتبه وقولتلها لما يوصل بلغيه اني عوزاه ضروري في مسأله مهمة, انا مكنتش عوزاه في حاجه انا بس كان وحشني وعاوزه اسمع صوته بس قولت كده عشان عارفه انه هيخاف عليا ويكلمني, وفعلا اول ما بلغته رن عليا خمس مرات بس انا تلفوني كان فصل شحن من غير ما اخد بالي… تخيلي لقيت البواب بيخبط على شقتي وبيقولي كلمي واحده صاحبتك تحت, نزلت لقيته شاهين بس قال للبواب يقول كده لأن ماما كانت مانعه أنا أو مازن نتواصل معاه.
– جالك تحت البيت عشان يطمن عليكي وانتي مقطعاه؟؟!
ابتسمت بحب وهي تقول:
-شاهين طول عمره حنين, قلبه مش قاسي, غير مازن… عارفه مازن واخد قساوة قلب مامي.
رفعت حاجبها ذهولاً:
– مامتك كانت قاسية؟
– ايوه, تخيلي قعدت 3 سنين قاطعه علاقتها بشاهين ومحرمه أي حد فينا يتواصل معاه, مامي طول عمرها كانت قاسية على شاهين رغم حبها له, وكان أي غلط له بتعاقبه بقسوة, مامي كانت بتحب شاهين ومتعلقه بيه تعلق مرضي.. طب تعرفي إنها كانت بتكره شدوى عشان العيلة كلها كانت بتقول إنها هتكون مراة شاهين, مكانتش مستوعبة إنها هتاخده منها!
ظهرت الصدمة واضحة على وجه “فيروز” مما تسمعه وبداخلها تتمتم أن هذه العائلة تخفي الكثير من الأسرار, وقبل أن تعلق سمعت صوت “شدوى” المألوف وهو يقول:
– نورهان كويس إنك وصلتي, الحفلة فاضل لها خمس دقائق بالضبط وتبدأ وشاهين هيطلع يقول كلمته.
تفحصتها “فيروز” بعينيها لتؤكد ما كانت تفكر بهِ قبل بعض الوقت, فلقد كانت “شدوى” ترتدي فستان بدون أكمام فقط بسير رفيع بهِ بعض الفصوص التي لا تستبعد أن تكون من الألماس فهي بطبيعة الحال مُطرفه, معظم ثيابها فيها بزخ واضح, وكان يظهر جزء لا بأس به ابدًا من مقدمة صدرها وكذلك ظهرها, وبه فتحة طويلة بدايًة من فخذها اليمنى, وفي المجمل لم يغطي الفستان الكثير من مفاتنها, على عكس “نورهان” التي كانت ترتدي فستان من اللون الازرق الداكن, والذي كان ينساب على جسدها ويصل طوله إلى كعبيها, فقط أحد أكمامه تم استبدالها بسير رفيع به بعد فصوص مشابه لسير فستان “شدوى” ولكنه في المجمل كان ساترًا بشكل كبير, يبدو أن نورهان بطبعها لا تفضل ارتداء الملابس التي تكشف الكثير من جسدها, وبالطبع تجاهلت “شدوى” “فيروز” تمامًا كأنها لم تراها واكملت قاصدة اغاظتها:
– سوري بجد يا نور إني ما قدرتش استناكي نيجي مع بعض, بس أنتِ عارفه أنا لازم اكون مع شاهين من أول الحفلة ونستقبل الناس سوا.
لم ترد “نورهان” على حديثها لأنها تعرف جيدًا ما تحاول “شدوى” فعله بل سألتها مباشرةً:
– هو شاهين فين مش شيفاه في المكان؟
اجابتها وهي تنفض شعرها بغرور حين رأت نظرات فيروز المسلطة عليها:
– شاهين هو ومعاذ راحوا يستقبلوا العيلة, أصلهم بره.
ظهر الفرح الشديد على وجه “نورهان” وهي تسألها بلهفة:
– بجد هو جدو والعيلة كلها بره؟ أنا توقعت انهم مش هييجوا عشان كانوا بيقولوا إن عمتو تعبانه.
لم تعير الأمر اهتمامًا وهي تقول:
– ما اعرفش انا عرفت انهم بره.
وبالفعل ما إن انهت حديثها حتى رأت شاهين و معاذ يدلفان من بوابة الحفل ومعهم بعض الأشخاص, فأسرعت لهم وهي تقول:
– اهم جم.
التفت “نورهان” وحين رأتهم تحركت فورًا تتجه لهم, ولاحظت فيروز أن “مازن” قد فعل المثل, والعائلة التي تحدثوا عنها كانت أربع أفراد رجل كبير في السن خمنت انه جدهم, وسيدة ربما في منتصف الأربعينات تجاوره بالتأكيد عمتهم, وشاب ينقص عن شاهين في الطول القليل من السنتيمترات يبدو على وجهه الجدية والضجر! وبجواره فتاة تمسك في ذراعه خمنت انها زوجته, لم تجد لنفسها مكانًا بين كل ما يحدث فاتجهت الى أحد الطاولات الفارغة لتجلس عليها وهي تردد في عقلها بأن هذه الحفلة لن تختلف كثيرًا عن حفلة “تيم” والتي لم يكن لها أي وجود بها, ولكن قد خاب ظنها فبعد دقائق قليلة رأت “شاهين” يصعد على المنصة الموجودة في المكان والآن قد استطاعت أن ترى مدى اناقته ووسامته في البدلة التي اختارها اليوم بلونها البني الذي تراه عليه لأول مرة, بدأ في الحديث مُرحبًا بالضيوف بعد عِدة جمل تخص مجال العمل والشركة وما الى ذلك, فشعرت بأنها تريد الذهاب للحمام فنهضت تخرج من المحيط باحثة عن مكانه.
وعند شاهين وبعد ترحيب خاص منه بجده والعائلة كان يقول:
_ بالمناسبة السعيدة دي أحب ابلغكم خبر سعيد عني.. انا خطبت وإن شاء الله قريب هتشهدوا كلكوا على فرحي وهتكونوا مدعوين له.
همهمات تسبقها الدهشة وشهقات مستنكرة، توترت الأجواء بشكل ملحوظ وبدأ التهامس يعلو والجميع يمرر بصره بين المتحدث “شاهين” وبين زوجته المعروفة “شدوى” والعقول تتسائل كيف أعلن خطبته من أخرى وهو لم يعلن انفصاله عن زوجته! وكيف لها أن تقبل الوضع المهين الذي وضعها بهِ الآن!!
وكان مدركًا لِمَ وراء الهمهمات المتصاعدة، ومتفهمًا اندهاشهم ونظراتهم التي تتسلط على زوجته الأولى، وبكل هدوء ودون اهتمام لأي أحد أو أي شيء يحدث حوله أكمل موضحًا:
_ ومنعًا لأي اخبار مغلوطة أو ان حد يطلع يتكلم ويحلل الأحداث عن لساني هجاوبكوا على السؤال اللي بيلح على عقلكوا دلوقتي…
والهدوء عم المكان والجميع كله انصات للآتي، وهي تقف تتابع ما يتابعه الجميع كعرض مسرحي سخيف، تشعر بالسعير يشب في جسدها، وتتمنى فقط لو تتصدع الأرض وتسقط بها مختفية عن أنظار الجميع التي تحرقها، موقف لم تتخيل بأسوء كوابيسها أن يضعها “شاهين” بهِ، ولو كانت تمتلك قدرة للهرب الآن لفعلت بكل رحابة، لكنها تيبست وتسمر جسدها بأرضه فقط أنفاسها الهادرة التي تنم عن اختناقها هي ما تصدر عنها، وعيناها كجمرتان من النيران الحامية وهي تنتظر تكملة حديثه وتخصه وحده بنظراتها التي لا يهتم لها من الأساس.
ارتخاء ملامحه بدى وكأنه يخبرهم عن أحوال الاقتصاد في البلاد، أو عن خطة تنموية لنهضة الدولة! ملامح هادئة ونبرة تماثلها وهو يكمل:
_ بالنسبه لخطوبتي وانا لسه متزوج من مدام شدوى مراتي، فده برضا جميع الأطراف، وكل شخص عنده ظروفه واحواله الخاصة اللي مينفعش يشاركها مع حد، يكفيكوا اقولكوا ان مدام شدوى هي أم ابني اللي بكنلها كل الاحترام والتقدير المتبادل، فمش هسمح ان حد يدخل نفسه في أموري الشخصية وينزل بأخبار او توقعات مش صحيحة عن علاقتي بيها..ولو ده حصل مش هتردد ارفع قضية على الناشر لأني زي ما قولت مابسامحش ومش هسامح أي حد يدخل نفسه في تفاصيل حياتي أنا أو أي حد يخصني.
كانت “فيروز” قد عادت مع جملته الأخيرة لكنها لم تفهم منها شيء فظنت أن الأمر يتعلق بالشركة أو بعلاقته بأخيه..
رفع نظره لبعيد فرآها تتهادى لمحيط المكان، ابتسامة خفيفة ماكرة زينت ثغره وهو يطالعها بتمعن منتظرًا صدمتها التي ستتلقاها كالمطرقة فوق رأسها الآن، مسد جانب عنقه بكفه، وعاد يتحدث في المكبر الصوتي وعينيهِ لا تحيد عنها:
_ فيروز… لو سمحتي تعالي هنا.
توقفت ورفعت رأسها بغتة وهي تسمع اسمها بعلو صوته، يناديها لتشاركه المنصة الصغيرة! والجميع التف في هذه اللحظة ليرى من تكون المدعوة فيروز! بهتت معالمها وابتلعت ريقها الذي جف فجأة وهي تجهل ما يحدث ولماذا يناديها ألم تتفق معه أن يظهرا في الحفل كأنهما أقارب!
حادت ببصرها لجهة أخرى تقصدها، فوجدته يطالعها بوجه مشتعل بحمرة غضب ادركتها لكنها جهلت سببها! ماذا حدث في الأجواء في الدقائق القليلة التي مكثتهم في الحمام لتعدل هيئتها؟ هل حلت كارثة ما! “مازن” ملامحه غيره مبشرة ابدًا وكأنه تلقى لكمة عنيفة بوجهه للتو!
_ فيروز!
نادها ثانيًة حين طال صمتها وسكونها، فانتبهت وحركت نفسها مجبرة بعد أن سلط الجمع الغفير انظاره عليها وحدها، اقتربت من المنصة التي تحمل ثلاث درجات لتجده يقترب منها سريعًا يمد كفه لها بلباقة ليساعدها في الصعود، جحظت عيناها لفعلته وظلت تحدقه بنظرات رافضة علّه يبتعد ويصرف نظره عما يريد فعله، لكنه لم يتزحزح أنشًا، فزفرت انفاسها المعبئة بصدرها من التوتر وهول الموقف وهي تضع كفها في كفه فجذبها برفق لتصعد الدرجات واتجه بها وهو مازال ممسكًا كفها تحت استغرابها وذهولها، ووقف أمام المكبر الصوتي يقول معرفًا:
_ دي آنسة فيروز الحديدي خطيبتي وقريب هنعلن عن ميعاد فرحنا..
وبتلقائية همست بأعين متسعة وهي تنظر لجانب وجهه:
_ يخربيت أهلك!
لف ذراعه حول خصرها يجذبها إليهِ في حدة غير ملحوظة وهو يقول:
_ لمي لسانك واضحكي.
تصنعت الإبتسامة وهي ترفع نظرها للجمع الذي أمامها، لتقع ببصرها على “مازن” الذي كان واقفًا بجوار الطاولة التي جلس عليها أفراد عائلته ووجهه كجمرة نار مشتعلة، واستطاعت أن ترى قبضة يده التي تشتد في محاولة منه للتحكم في غضبه، وفجأه وجدت “شاهين” يميل عليها حتى باتت أنفاسه تضرب عنقها، و يهمس بجوار أذنها بما أسرى رعشة في جسدها لم تعرف حينها هل هي رعشة خوف أم ماذا؟ :
_لو فكرتي تقربي منه أو تقفي معاه هزعلك.
لفت رأسها تنظر له عبر السنتيمترات القليلة جدًا بينهما في نفس الوقت الذي كان هو مازال يطالعها، لتلتقط عدسات المصورين صورة رائعة لثنائي سيكون حديث
الأخبار لعدة أيام مقبلة….
انتهى العرض السخيف من وجهة نظر “فيروز” وتركا المنصة لتزيل ذراعه من حول خصرها بعنف غير مهتمة بنظرات الجميع, فكظم غيظه وهو يسير لجوارها حتى التفت له وقالت بوجه محمر غضبًا:
– انا عاوزه أتكلم معاك.
توقف وهو يجيبها ببرود:
– لما نروح.
– دلوقتي!
قالتها بنبرة حادة لأول مرة يسمعها منها, ومع نظراتها علِمَ أنها لن تتراجع, لكنه وعلى أي حال أعند منها, فاحتدت نظراته وهو يعيد جملته بقوة:
– قولت بعدين, مش ست اللي هتمشي كلامها على شاهين المنشاوي, لو مش قادره تصبري لحد ما نروح على الأقل خلينا نسلم على عيلتي واعرفك عليهم بعدين هاخدك مكان نتكلم, وقت نزول الضيافة.
قضمت شفتيها بقوة وهي تشير له بعصبية:
-اتفضل عرفني عليهم ما هو ده اللي ناقص.
التقط ذراعها الذي تشير بهِ تحت ذهولها وجره منها لطاولة عائلته, وحين وقفت أمام الطاولة مرغمة حاولت إخفاء غضبها وابتسمت ابتسامة مصطنعة..
-دي فيروز خطيبتي, انا عارف انكوا متفاجئين بس جدي كان عنده علم.
أردفت السيدة تقول بعتاب:
-واحنا مش اهلك عشان تعرفنا! يعني جدك بس اللي يعرف.
أجاب الجد نيابةً عنه:
-مكانش لسه في حاجه رسمي يا سهير.
بدأ “شاهين” يعرفها عليهم:
-ده جدي المنشاوي, ودي عمتي سهير, وده سيف ابن عمي مختار لسه مشوفتيهوش بس سيف بيكون أخو شدوى, ودي زينة مراته.
تفاجأت بوجود أخ ل “شدوى” لكن حين دققت النظر بهِ وجدته يشبهها تمامًا حتى في وجومها وكبريائها وغرورها وفي الحقيقة لم ترتاح له ابدًا.
-ودي فيروز الحديدي زي ما عرفتها على الاستيدج.
رحبت العمة في هدوء:
-اهلاً بيكي, شكلك سحرتي لشاهين عشان يخطبك.
وأخذت “فيروز” حديثها على أنها تسخر من شكلها كما فعلت “شدوى” في أول تعارف بينهما, فقالت بنبرة حادة مدافعة عن نفسها:
-هتقولي إني مش ذوقه! بس عمومًا انا ماعملتش له أي حاجه, هو وقع فيا لوحده.
أدركت “سهير” أنها فهمت حديثها خطأ فقالت موضحة:
-لا مش عشان كده, بس أصله كان مضرب عن الجواز, ورافض يدخل واحده جديدة حياته.
قطبت ما بين حاجبيها مستغربة ومتعجبة وأردفت:
-ويدخل واحده تانية ليه ما مراته موجوده! ولا انتوا عندكوا في العيلة لازم تعدد الزوجات!
تدخل “شاهين” يقول:
– عمتي مش وقته الكلام ده.
أتى أحدهم يهمس له بشيء فانسحب آخذًا معه “فيروز”:
-عن اذنكوا راجعين تاني.
وحين ابتعد بها ولدهشتها تركها يقول:
– روحي اقعدي على الطربيذه الفاضية دي على ما اجيلك.
نظرت للطاولة وهي تغمغم بضيق:
-طب ماسبنيش معاهم ليه على ما يخلص مشغولياته!
جلست عليها وغاب هو عن نظرها لبعض الوقت, كان كافيًا ل”مازن” أن يقترب منها ويجلس جوارها قائلاً:
– هو قالك إنه هيعلن خطوبتكوا؟
نظرت له بخضة من وجوده المفاجئ ثم هدأت وقالت:
-لأ, انا اتصدمت لما عمل كده.
هز رأسه باختناق واضح وقال:
-شاهين بدأ ياخد خطوات غير اللي اتوقعتها منه وكده مش هنعرف نفهمه ولا نتوقع تفكيره.
-أنتَ ليه رفضت تقابل نورهان لما جاتلك الشغل؟ ليه قسيت عليها للدرجادي دي مهما كانت اختك؟
وقد كان حديث “نورهان” لا يغادر عقلها منذُ أخبرتها بهِ, نظر لها متفاجئًا من حديثها وصُدم حين أكملت بشرود كأنها تفكر فيما تقول:
-بتقول إن شاهين أحن منك حتى حكتلي موقف عن كده, ازاي وهو مجرم وتاجر سلاح يكون بالحنية دي!
تجاهل كل حديثها وفجأة وجدته يسألها بغضب:
-أنتِ هتكملي بعد اللي بيعمله! احنا مبقناش هنتوقع خطواته, راضية إنه يعلنك خطيبته قدام الكل!
استطاع جذب انتباهها فنظرت له تسأله بحيرة:
-هعمل ايه؟
زفر باختناق وغضب واضحين وقال:
-فيروز انا ههربك من عنده, مش هينفع تكملي المهمة.
نظرت له بأعين متسعة تسأله:
-ليه؟
نظر لها بداخل عيناها يقول:
-عشان خايف عليكي, مش متوقع خطوة شاهين الجاية.. ثم أنتِ عارفه إن ممكن شاهين بين يوم وليلة يجيب المأذون أو يعمل حفلة جوازكوا من غير ما يعرفك! مش هنفضل ساكتين لحد ما يعمل كده!
التمست خوفه عليها, وشعرت بأنه يكن لها شيئًا ما, وكم تمنت هذا! فسألته بلهفة خفية, وأمل يدعو بداخلها:
-وحتى لو اتجوزني ايه اللي يضايقك! كده كده المهمة هتتنفذ, بالعكس وقتها هتتنفذ أسرع.
نظر لها بغضب حارق وهو يردد:
-أنتِ مجنونة! لا طبعًا يتجوزك ايه! ي***** دي مهمة, أنا مستحيل اقبل بكده.
ابتهجت ولمعت عيناها وأصرت على الضغط عليهِ علّها تتأكد بأنه يكن لها مشاعر:
-ليه بردو؟ انا مش شايفه فيها مشكلة! مهو هيتحبس بعدها وهكون حرة.
مد كفه يمسك كفها يقبض عليهِ بقوة وقال:
-مش هسمح إن شاهين يعتبرك مراته أو يلمسك.. مش هسمحله يقرب منك للدرجادي, فيروز أنا….
صمت لثواني فقط ينظر لها, حتى سحرته نظراتها فوجد نفسه يردد:
-أنا بحبك… مش عارفه ازاي وامتى ورغم انه مكانش ينفع.. بس أنتِ تتحبي, وأنا بحبك…
انقطع الهواء عنها وعيناها ثُبتت عليهِ وعقلها بالكاد يستوعب جملته!!