رواية استثنائية في دائرة الرفض الفصل السابع بقلم بتول عبدالرحمن
فريده اخدت نفس عميق وقالت
"فاكرة لما قولتلك إنّي شفتهم مع بعض؟ وجيت أقولك، بس انتي وقفتي الكلام وقتها وقلتيلي إنها أختك، وإنها مستحيل تبص لخطيبك؟"
سكتت لحظة وكملت
"أنا كنت شاكّة يا يسر... الشك قتلني، علشان الوضع اللي شفتهم فيه مكنش طبيعي، قولتلك انهم كانوا متوترين بشكل غريب، بس لما حاولت ألمّحلك قولتيلي أكيد عادي... بس هو مكنش عادي."
يوسف كان واقف، متجمد مكانه، وقال بنبرة جادة فيها توتر ظاهر
"قصدك إيه يا فريده؟ أنتي عارفة إن الكلام ده خطر؟! أنتي بتقولي إن خطيب أختي... وأختي؟! أنتي مدركة؟!"
فريده بصّتله، ملامحها فيها ألم وحيرة
"أنا مكنتش عايزه أتحط في موقف زي ده يا يوسف، صدقني، بس أنا حكيت اللي شوفته... مزودتش ولا نقصت، ويمكن أكون غلطانة، وبتمني، بس للأسف"
يسر مقدرتش تستوعب، اتسندت على أول كرسي جنبها وقعدت، عيونها تاهت في الفراغ، والدموع بدأت تلمع فيها وهي بتفتح موبايلها بتوتر.
رنت على ياسمين...
لكن الفون مقفول.
بصت لفريده، وبصوت مش مسموع تقريبًا قالت
"مقفول... فونها مقفول..."
نظرة يأس وخوف ظهرت على وشها، وكأن اللحظة اللي كانت مستنياها طول عمرها اتحولت لكابوس،
أما يوسف، فكان واقف، وإيده متشنجة، وصوته طالع من بين اسنانه بغضب
" مش حقيقي، مستحيل يكون حقيقي"
يوسف خرج من الأوضة بسرعة، ملامحه مش واضحة، بس خطواته كانت عنيفة كأن الأرض مش شايلاه.
يسر فضلت قاعدة، عينيها متعلقة بالباب اللي خرج منه، مش مستوعبة، مش مصدقة، كل حاجة حواليها بقت ضباب.
بصّت لفريده، صوتها مكسور وكل كلمه فيها رجاء
"قولي إنك بتكدبي... علشان خاطري يا فريده، دي أختي... وهو كان هيكون جوزي كمان كام دقيقة."
فريده قربت منها بهدوء، ونزلت لمستواها، عينيها فيها حزن، وقالت بصوت ناعم
"أنا آسفه يا يسر... بس ياريت فعلاً أكون غلطانة."
يسر خدت نفس متقطع، وقالت وهي بتحاول تقنع نفسها
"أعمل إيه؟ إزاي؟... هي هتيجي دلوقتي، صدقيني... ياسمين مستحيل تعمل فيا كده... دي أختي!"
عيونها دمعت وهي بتفتكر، وقالت بصوت واطي مهزوز
"قبل ما تخرج... جت حضنتني وقالتلي إنها بتحبني..."
سكتت لحظة، كأنها بتربط الأحداث، وبعدين قالت
"لما فونها رن... كان هو، بعدها اتوترت، وكانت غريبة... أكيد ضحك عليها... هي لسه صغيرة."
فريده مدّت إيدها بهدوء، لمست إيد يسر وقالت بلطف وهي بتحاول تهديها
"اهدي يا يسر... اهدي يا حبيبتي... أنا هنا، مش هسيبك."
يسر اتكلمت بخفوت، كأنها بتحكي لنفسها
"كان ممكن أكون دلوقتي مراته... كنت هبقى مراته، ويا ربي كنت ناوية أعيش معاه العمر كله...
وهي، أختي... كانت بتبصله، كانت بتاخده مني، وأنا بحبها وعمري ما شكيت."
سندت وشها بين ايديها وقالت
"ليه يا فريدة؟ ليه مقلتيش وقتها؟ ليه سكتي؟ ليه مقولتيش بوضوح "
فريدة حاولت توضح
" حاولت بس انتي مكنتيش مصدقه، قولتلك فقولتيلي اكيد بيتكلموا عادي"
يسر بصتلها، والدموع نازله على خدها
" لاني واثقه فيهم، اشك في مين، دول اقرب اتنين ليا"
الباب خبط مرتين قبل ما يتفتح، ويدخل أبو يسر بصوت فيه نبرة فرحة مش عارف إنها هتتقطع في لحظة
"إيه يا يسر يا حبي..."
بس وقف مكانه لما شافها قاعدة على الكرسي، ملامحها باهتة، بتعيط ، وشكلها باين عليه الصدمه
وفريده قاعدة جنبها، ملامحها مشوشة ما بين القلق، والشفقة، والعجز.
امها دخلت ووقفت ورا جوزها
"في إيه؟ إنتو كويسين؟!"
أبو يسر كرر بصوت هادي
"يسر، مالك؟ بتعيطي ليه؟!"
يسر مردتش، خدت نفسها بالعافية وكأنها بتقاوم اللي بيحصل، فريده حطت إيدها على كتف يسر تحاول تهديها، بس مقالتش حاجة.
باباها قرب، سألها
"حد يرد عليا؟! في إيه؟!"
يوسف دخل فجأة، الباب اتفتح بعنف، ووشه كان شاحب، وعينيه مليانة غضب مكسور
"مفيش كتب كتاب يا بابا."
مامتها ردت باستغراب
"إيه؟! بتقول إيه يا يوسف؟!"
باباه قرب منه وهو بيقول
" يعني ايه يا ابني، ما تفهموني"
يوسف عض على شفايفه، صوته طلع مبحوح
"ياسمين... ياسمين هربت... مع محمد."
لحظة صمت... كأن الزمن وقف.
الام اتسمرت مكانها، وإيدها اتحركت لا إراديًا ناحيه صدرها، الاب حس بصدمه وقال وهو مش مصدق
" يعني ايه؟ انت بتقول ايه؟!"
يسر قالت بصوت عالي نسبياً
"يعني خانتني يا بابا... هي وهو... سابوني في اليوم اللي المفروض أكون فيه عروسة!"
باباها بدأ يرجع خطوة لورا، وشه شِحب، وابتدى يتكلم بصوت مخنوق
"مش ممكن... مش ممكن... بنتي؟!"
وفجأة، رجله خانته، وقع على الأرض.
الام صرخت بصوت عالي باسمه
يوسف جري عليه وهو بيزعق
"بابا!!! بابا رد عليا!!"
الأب مكانش بيرد، صدره بيطلع وينزل بصعوبة، والعرق مغرق وشه.
الأم قعدت جنبه وهي بتنهار ومش عارفه تعمل ايه
تيم رجع البيت بعد ما الراجل اللي بينضف عربيته قاله إنه لقى فلوس في التابلوه، قعد يفكر شوية، ولما ربط الأحداث، فهم إنهم من فريدة.
دخل الفيلا، وكانت سالي قاعدة في الجنينة، أول ما شافته، قامت بسرعة وقالت
"تيم، أخيرًا جيت."
رد عليها وهو ماشي ناحيتها
"جاي آخد حاجة وماشي."
قالت بنبرة فيها وجع
"برضو؟"
رد ببرود
"خلاص هانت، ماما جاية بكره الساعة ٧:٤٥ دقيقة، وأنا هجيبها من المطار بنفسي، وهعرفها إني مش قاعد في البيت."
سالي قالت وهي بتحاول تبين إنها متضايقة
"ماشي يا تيم، إنت حر... محدش قادر يفهمني منكوا اساسا"
بصّلها وقال بنبرة قاسية
"حرام عليكي تأذي غيرك يا سالي، إنتي عارفة إن ماما هتمشيها، ياريت تفكري وتبقي تشغلي عقلك شويه، ياريت بجد "
سالي ردت بثقة
"أنا عارفة أنا بعمل إيه... شكرًا على النصيحة."
سابها وطلع على أوضة يونس، خبط قبل ما يدخل، ولما فتح الباب، لقى ممرض قاعد مع يونس، دخل وقال بصدمه
"إنت جديد هنا؟!"
يونس ضحك وقال
"إيه يا عم تيم، عاش من شافك!"
تيم قال وهو بيبتسم
"أومال أنا جاي لمين دلوقتي؟"
يونس قال بمزح
"بعد إيه بقى... ما خلاص."
تيم سأل وهو بيبص حواليه
"فريدة فين؟ مش المفروض تكون هنا دلوقتي؟"
يونس قال ببساطة
"ما هي مشيت... بس جابت بدالها محمود."
كان محمود بيحاول يتكلم، بس يونس غمزله بسرعة.
تيم قال بدهشة
"يعني مشيت؟!"
يونس أكد
"آه، عايز حاجة منها ولا إيه؟!"
تيم هز راسه وقال بنبرة هروب
"لاء... وهعوز منها إيه أنا؟ بس بسأل، كويس إنها جت منها، بس إيه السبب؟ كانت رافضة تمشي يعني."
يونس قال بنفي
"مش عارف والله."
تيم سأله بشك
"حد ضايقها يعني؟"
يونس بسرعة قال
"أبدًا، محصلش."
تيم بص على محمود وسأله
"هي شغالة في نفس المستشفى اللي إنت فيها؟"
محمود هز راسه
"آه، إحنا صحاب أصلًا."
تيم اتنهد وغير الموضوع
"وإنت عامل إيه؟"
يونس قال وهو مبتسم ابتسامة حزينة
"وحش والله من غير فريدة، تحسها هي المسكن، والله."
تيم قال بحده
"في إيه، ما تتظبط بقا."
يونس رد وهو بيبص لفوق
"يا عم البنات رقيقة... مش زي اللي بتعامل معاهم."
بص على محمود وقال
"لا مؤاخذة يا محمود."
محمود ضحك وقال
"ولا يهمك يا حبيبي."
تيم وقف وقال
"أنا ماشي... سلام."
يونس نده عليه
"هتمشي لأوضتك ولا هتمشي هتمشي؟"
تيم قال وهو بيزفر
"مش عارف... لسه."
يونس قال بمكر
"بس فريدة مشيت... ملكش حجة."
تيم وقف لحظة، وبعدين قال
" هشوف لسه قولت"
في عربية الإسعاف، صوت جهاز نبض القلب بيطّمنهم إنه لسه عايش... لكن الكل ساكت.
الأم قاعدة جنب جوزها، ماسكة إيده، ودموعها بتنزل من غير صوت، يوسف قاعد قصادهم، لا يقل وجع عنهم، بس متماسك، لازم يكون قوي.
وصلوا المستشفى.
الدكاترة جريوا بيه على الطوارئ، وقالوا
"واضح إنه جاله جلطة حادة، ادعوله، بنعمل اللي نقدر عليه"
في صالة الانتظار، الجو خانق، يوسف واقف، بيتمشى رايح جاي.
الأم قعدت على الكرسي وهي بتردد
"يارب ما يجراله حاجة... يارب ما يجراله حاجة."
يسر كانت قاعدة بعد ما جت هيا وفريده وراهم، وشها شاحب وعينيها ثابتة على الأرض.
فريده قالت بهدوء
"يسر... اشربي العصير ده يهديكي شويه"
يسر هزت راسها برفض، وبصوت واطي جدًا قالت
"أنا السبب... أنا السبب."
يوسف سمعها وقال وهو بيقرب منها
"انتي مش السبب، متلوميش نفسك، محدش كان يتوقع اللي حصل ده."
بس صوته كان مكسور... حتى هو مش مصدق الكلام اللي بيقوله.
بعد شوية، الدكتور خرج وقال
"الحمد لله، عدّى مرحلة الخطر... بس لازم يرتاح تمامًا، ممنوع أي ضغط نفسي عليه."
يوسف قال بسرعة
"ينفع ندخله؟"
الدكتور هز راسه
"واحد بس، ويفضل يبقى في هدوء تام."
الأم دخلت، وسابوها لحظة معاه، يوسف وقف ساند على الحيطة، بيحاول يجمّع نفسه.
قال لفريده
"أنا مش عارف هعمل إيه... هقول للناس إيه؟ هقابل أختي إزاي لو شفتها؟"
فريده قالت بصوت واطي
" سيبها على ربنا، الناس فهمت أن عمو تعب، ناس كتير هتيجي تتطمن عليه دلوقتي، متبينش اني في حاجه"
يوسف قال
" اعملها ازاي، ازاي قدرت تعمل حاجه زي دي، ليه فكرت في نفسها وبس"
تيم كان قاعد في أوضته على طرف السرير بيفكر وبيسأل نفسه
"ليه مشيت؟"
فضل يسأل نفسه السؤال ده كذا مرة، كأنه بيحاول يلاقي إجابة من الفراغ.
"هي ليه مشيت؟ أنا قلت حاجه ضايقتها؟ ولا حصلها حاجه؟"
عمال يردد نفس الكلام وفجأة افتكر إن فريدة كانت قايله قبل كده إن عندها كتب كتاب صاحبتها.
نسي خالص بالرغم من أنه جاي اصلا ومعاه فلوس الفستان اللي هيا حطتهم في التابلوه، حس نفسه غبي شويه، وشه اتبدل، حس إن يونس خدعه، قام بسرعة وخرج من أوضته وراح على أوضة يونس، كان محمود لسه بيحطله المسكن.
تيم قال بنبرة سريعة
"ثانية واحدة."
محمود بصله مستغرب، وكمان يونس رفع حاجبه كأنه بيقول "في إيه؟"
تيم دخل الأوضة، واقف قدام يونس وقال بعصبية
"إنت كدّاب يا زفت."
يونس فتح عينه من الصدمة
"كدّاب في إيه؟!"
تيم قال وهو بيقرب منه
"فريدة ممشيتش… فريدة راحت كتب كتاب صاحبتها، وبتكدب عليا"
يونس قال بارتباك وهو بيحاول يخفف التوتر
"إيه ده؟! انت عرفت إزاي؟"
تيم قال وهو بيجز على سنانه
"حاجة متخصكش… يا كداب."
يونس ضحك بخفة وقال
"يا عم بهزر معاك، متبقاش تقيل كده...بس شاغل بالك ليه؟"
تيم بصله بحدة وقال
"ومشغلهوش ليه؟ طبيعي أشغل بالي، اصلا مفيش حاجه شاغله بالي غير الموضوع ده، وخصوصا بكره"
يونس قاله
" وانت متضايق ليه، مش انت خرجت نفسك منها، اهرب يلا كعادتك"
سكت شويه كأنه كان هيقول حاجه
يونس سأله
" عايز تقول ايه ؟!"
تيم لف وشه وقال بسرعة
"ولا حاجه… أنا ماشي."
وسابه وخرج والغضب باين على وشه
في شقة مفروشة صغيرة، كانت ياسمين قاعدة على طرف السرير، عينيها سرحانة في الأرض، ملامحها جامدة، بس عقلها بيغلي، مش بتعيط، ومش بتتكلم، بس كل تفاصيل وشها كانت بتقول إنها مش مرتاحة… فيه حاجة تقيلة على قلبها.
محمد كان واقف جنب الشباك، بيبص عليها من بعيد، وبيحاول يقرا اللي جواها، قرب منها وقال بهدوء
"ياسمين، متخافيش… أنا معاكي، ومش هسيبك."
مردتش.
قرب أكتر، وقعد جنبها وقال
"أنا عارف إنك مش بتتكلمي، بس شايفك… شايف إنك مش مرتاحة."
اتنهدت، وقالت بصوت واطي
"أنا مش ندمانة، بس... بابا لما يعرف، هيعمل إيه؟ ماما، يوسف، يسر..."
صوتها اتكسر في الآخر، لكنها شدت نفسها، ورجعت لسكونها.
محمد قال بسرعة
" ملناش دعوه يا ياسمين، خلاص انسيهم، مش هينفع نرجع، مفيهاش رجوع"
ياسمين بصتله، عينيها مفيهاش دموع، بس مليانة خوف
قال بهدوء
"انتي مش لوحدك، انا معاكي، احنا خدنا قرارنا سوا ونفذناه سوا، وهنعيش باقي حياتنا مع بعض"
ياسمين قالت
"أنا خايفة... بس مش منهم، من نفسي، مش مصدقه اللي عملته"
محمد قرب منها وحط إيده على كتفها، وقال
"أنا معاكي، صدقيني، كل حاجة هتتصلح… حتى لو أخدت وقت."
كان واضح إنها بتحاول تصدّقه، بس جواها في حرب.
عند فريدة، كانت قاعدة مع يسر في أوضتها، الجو هادي بس كله توتر وألم.
فريدة قالت بنبرة هادية وهي بتحاول تطمنها
"أنا هفضل معاكي النهارده، كلمت إسلام وقلتله إني هكون معاكي."
يسر كانت نايمة على جنبها، ولفت الغطا حواليها، ردت بصوت واطي مليان خيبة
"مفيش داعي يا فريدة... لو عايزة تروحي، روحي."
فريدة قربت منها أكتر وقالت بصدق
"يسر، بجد أنا مش عارفة أهون عليكي إزاي... مش عارفة أصلاً إحساسك، بس أكيد اللي حصل خير، يعني... كويس إنك متجوزتهوش."
يسر اتعدلت وقعدت، عينيها فيها تساؤل وألم وقالت
"طب وياسمين يا فريدة؟ دي أختي الصغيرة... إزاي قدر يضحك عليها؟ وهي صدقته إزاي؟"
فريدة حطت إيدها على كتفها وقالت بنبرة فيها أمل
"ياسمين هترجع، أكيد، لما تعرف إنه إنسان مش كويس هترجع، صدقيني، هترجع وهتفهم غلطها... هو غلط كبير، عارفة، بس هتفهم، هي لسه صغيرة ومش فاهمة."
يسر قالت بصوت مكسور
"وبابا وماما... ويوسف؟"
فريدة اخدت نفس وقالت
"محدش هيعرف يا يسر، كتب الكتاب محصلش علشان باباكي تعب، الناس كلها عارفة كده، أما أهل خطيبك، فهما زيكوا... ابنهم هرب برضو وصغّرهم قدام الناس."
يسر قالت بإحساس عميق بالخذلان
"بس البنت غير الولد يا فريدة... بنت تهرب دي كارثة."
فريدة هزت راسها وقالت بإصرار
"الاثنين غلطوا نفس الغلط، مينفعش نقول إنها لوحدها الغلطانة أو إنها غلطت أكتر."
يسر سكتت لحظة وبعدين قالت وهي بتبص في الفراغ
"أنا بس اللي شاغل تفكيري... هو جه اتقدملـي أنا ليه؟ ما كان ييجي ليها هيا! ليه يعمل كده؟"
فريدة قربت منها أكتر، وقالت بحنية
"خلاص يا يسر... اللي حصل حصل، المهم دلوقتي ترتاحي... ومتفكريش."
ساد الصمت في المكان، بس صمت مزعج مليان جروح والم
الصبح، كانت فريدة صاحيَة من بدري، أو يمكن منامتش أصلًا
يسر برضو كانت في حالة تانية، نايمة بعين وصاحية بعين، مش قادرة تصدق اللي حصل، لسه جواها أمل بسيط إنها تصحى تلاقي كل ده كابوس، بس الواقع كان بيشدها كل شوية ويقولها "لاء... حقيقي".
قامت من على السرير بهدوء، كانت حركتها بطيئة، كأنها مش حابة تواجه اللي ورا الباب، فريدة سألتها، صوتها كان واطي لكن قلقان
"رايحة فين؟"
يسر ردت
"هطمن على بابا."
فريدة قالت بسرعه
"استني… هاجي معاكي."
خرجوا سوا من الأوضة، مشيهم كان بطيء، كأن رجليهم تقيلة
وصلوا قدام الاوضه، الباب كان مفتوح، فدخلوا بهدوء.
أم يسر كانت قاعدة على سجادة الصلاة، عينيها كلها دموع، وشها شاحب وبتعيط في صمت، كانت باينة مكسورة.
باباها كان نايم على السرير، ملامحه تعبانة جدًا، النوم مش مريح، والهم واضح على ملامحه.
اول ما شافتهم أم يسر، قامت بسرعة وراحت لبنتها، حضنتها حضن طويل كأنه محاولة تعويض عن وجع الليلة اللي فاتت.
يسر حست حضن أمها وكأنه بيهزّها من جوه، حضن دافي لكنه مليان وجع، وقالت بصوت مخنوق
"بابا عامل إيه؟"
أمها مسحت دموعها بسرعة وقالت
"الحمد لله… أحسن من بالليل شوية."
سكتت لحظة، وبصت لبنتها وسألتها
"وإنتي… إنتي عاملة إيه؟"
يسر عضّت شفايفها، وعنيها نزلت دمعة واحدة وهي بترد
"هكون عاملة إيه يعني يا ماما؟ حاسة إني في كابوس… ونفسي أفوق منه ومش عارفة."
أمها حضنتها تاني، وكأنها بتحاول تحوش عنها وجع الدنيا كلها، وقالت وهي بتحاول تثبت صوتها
"ربنا كبير يا يسر… اللي حصل مش سهل، بس إحنا أقوى، ربنا معانا، ربنا معانا يا بنتي"
يسر سكتت، كانت بتفكر في كل كلمة، بس عقلها لسه مش مستوعب.
بصّت على باباها، وكان نايم بعيون مقفولة وتنهيدة تقيلة طالعة منه، كأن قلبه بيتكلم من غير صوت.
قالت وهي بتقرب منه وتمسك إيده
"أنا السبب… أنا كنت شايفة حاجات ومطنشاها، كنت واثقه فيهم، بس هما خانوني"
أمها قربت منها وقعدت جنبها، قالت بهدوء
"إنتي مش السبب يا بنتي، محدش كان يتوقع اللي حصل… لا أنا، ولا أبوكي، ولا حد اتوقع ده"
فريدة كانت واقفة وراهم، بتحاول تسيطر على دموعها، بس عينيها فضحتها.
جه صوت أبو يسر، واطي بس حاد
"مش عايز أسمع اسمها في البيت ده تاني… أنا بنتي ماتت، مش عايز أسمع سيرتها."
أم يسر بصتله بدموع ووجع، وقالت بتحاول تلطف الكلام
"بس..."
قطع كلامها بنظرة مليانة كسر وتعب، وقال بصوت مبحوح من الوجع
"معنديش بنات كده، اعتبروها ماتت."
الكلمات نزلت تقيلة على الكل، بس محدش هيقدر يعترض اصلا
فريده بعد ما سابت يسر نايمه، روحت البيت، أول ما دخلت لقت إسلام أخوها في الصالة.
بصتلُه، ولقيت نفسها بتجري عليه وتحضنه، حضن الأمان اللي كانت محتاجاه
حضنها بقوة، وقال بهدوء
"اهدي يا حبيبتي... اهدي"
فريدة كانت بتعيط، قالت وهي بتحاول تمسك دموعها
"زعلانة أوي على يسر، مكانتش تستاهل اللي حصل… بس أنا نبهتها، نبهتها بطريقه غير مباشرة، وقلتلها تاخد بالها، وهي مصدقتش."
إسلام رد عليها وهو بيطبطب على ضهرها
"فريدة، انتي عملتي اللي عليكي، وهي كبيرة وعاقلة، واللي حصل ده… كويس إنه حصل قبل الجواز مش بعده."
فريدة هزت راسها وقالت
"قولتلها كده برضو… بس هناك، حالتهم كلهم وحشة، يسر وباباها، ويوسف، ومامتها… متخيل اللي حصل؟"
إسلام قال بهدوء
"عارف، بس الوقت هيهديهم، وكل واحد فيهم هيلاقي طريقه يتعامل بيها مع الوجع، انتي بس خليكي جنبها، وجودك بيفرق."
هزت راسها وقالت
" اخدت مسكن علشان تعرف تنام، بتعيط طول الليل فحاولت اديها حاجه تريحها"
على آخر النهار، وصلت فريدة بيت يونس، كانت ماشية بخطوات هادية، لكن تعبانة من جو اليوم كله، أول ما دخلت، يونس شافها وابتسم بارتياح واضح وقال
"ياااه، حمد الله على السلامة."
فريدة ردّت وهي بتخلع الشنطة من على كتفها
"متأفورش، ده هو يوم."
ضحك يونس وقال بنبرة خفيفة
"والله كأنه سنة… يوم تقيل."
فريدة رمقته بنظرة فيها نص جد ونص هزار وقالت
"وقبل ما أجي؟"
قال
"كانت أيام تقيلة برضو."
فريدة غيرت الموضوع وسألته بنبرة هادية
"وامبارح… محمود كان كويس؟"
يونس هزّ راسه وقال
"كويس عادي، بس… انتي غير، أخدت عليكي، مرتاح معاكي."
فريدة بصّتله وقالت بخفوت
"كويس."
يونس حس إنها مش فريده اللي متعود عليها، فسألها
"مالك؟ حاسس إنك متضايقة."
فريدة ردّت بسرعة وهي بتحاول تخبي أي مشاعر
"عادي."
يونس قال وهو بيحاول يفكّ لغز الحالة اللي فيها
"المفروض إنك كنتي في كتب كتاب صاحبتك… تبقي مبسوطة."
سكتت لحظة، وبعدين قالت بنبرة هادية لكن فيها حزن مكتوم
"مكانش في كتب كتاب."
يونس استغرب وسألها
"أومال انتي كنتي فين؟"
فريدة اتنهدت وقالت بصوت فيه وجع
"أبوها تعب… وراح المستشفى."
يونس سكت، وعينيه بقت فيها لمعة تعاطف حقيقي،
وبعدين قال بهدوء
"خير؟ هو كويس دلوقتي؟"
فريدة أومأت براسها وقالت بصوت واطي
"أه… الحمد لله أحسن"
حس أن في حاجه تانيه بس محبش يضغط عليها ويتطفل فسابها على راحتها
فريدة دخلت تغير هدومها، وبعد دقايق خرجت... أول ما خرجت شافت يونس بيحاول يحرك رجله لوحده، قربت عليه بسرعة وقالت بقلق
"انت بتعمل إيه؟!"
يونس بصلها وهو بيحاول يثبت نفسه وقال بابتسامة باهتة
"بقيت أعرف أحركها شوية."
قالت وهي بتقرب أكتر وملامحها فيها توتر
"بس كده غلط يا يونس! أنا مسمحتلكش تغير الوضعية ولا تتحرك كده من نفسك."
قال بصوت هادي لكن متألم
"مش قادر أستنى… نفسي أحس إني بتحسن، اتحرك، أرجع طبيعي."
قبل ما تكمل كلامها، الباب خبط خبطة خفيفة ودخلت سالي وهي بتقول بسرعة
"ماما في الطريق… وجاية."
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم