رواية لطيفها عاشق الفصل السابع بقلم سميه راشد
"ليت كل ما نخشاه ويضني قلوبنا ضرس خرِب نلجأ إلى طبيب الأسنان ونقتلعه من جذوره حينما يشتد علينا ألمه"
.ياريت لايك قبل الفصل ونتفاعل بكومنت وريفيو مينفعش التفاعل على الفصل اللي فات دا
الطيف السابع
تجمع عائلي مميز يلتحق به الجميع سواه ودنيا وريهام اللتان كانتا برفقته في مركز الدروس، ضحكات عالية تصدح لتصل إلى خارج البيت حتى يظن من بالخارج أن الحزن لم يطرق بابهم يومًا، كانت ضحكات رحمة هي ما يتميز صوتها وهي تمازح عمها والذي بالطبع لن يكون سوى رفيق، فعلى ما يبدو أنه أغضب زوجته ويحاول مصالحها بينما الأخرى تتمنع وتأبى الخضوع له، وقفت رحمة تصفق بيدها تنطق بسعادة
- خلاص وجدتها وجدتها.. أنت يا عمو تعزمنا كلنا على بروست وفوفة أصلا بتحبه إيه رأيك؟
مال رفيق بعيناه تجاه زوجته المحاصرة في الجلوس بين ابنة شقيقه الكبرى رقية والأصغر منها مريم الصامتة غالبًا في جميع التجمعات وخاصة في الأونة الأخيرة ثم التفت إلى رحمة بإحباط بعدما لم تولِ زوجته لنظرته اهتمام، يعلم أنها على حق في غضبها هذه المرة، فقد ثار عليها في الصباح أمام شفيقته لرؤيتها ترتدي عباءة صفراء اليوم ولم يكتفِ بهذا فحسب بل أهانها متعمدًا ذكر سنها كي يجعلها تخجل مما ترتدي لتتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها وتعود مغادرة حيث أتت، ليأتي عبدالرحمن بعدها ويعاتبه فصاح به وصبّ جم غضبه عليه مما جعله هو الآخر يغادر منزعجًا من تصرف أبيه الغير معتاد.
لم يجب رفيق على اقتراح رحمة بعدما استشعر عدم ميل زوجته للفكرة فنطقت رحمة وهي توزع أنظارها بين رقية ومريم
- خلاص تعالوا نشترك كلنا ونطلب أكل إيه رأيكوا؟
أومأت إليها مريم بهدوء موافقة على اقتراحها بينما فاهت رقية بحماس
- صدقي أنا كمان عايزة بروست مكالتش منه بقالي كتير إيه رأيك يا لولي
قالت جملتها الأخيرة وهي تلتفت إلى الصغيرة لمار تسألها وكأنها تفهم ما تقول وللعجب ارتفعت ضحكات الصغيرة مما أثار حماسهم جميعًا لينطق أحمد وهو يخرج بعض الأموال من جيبه
- خلاص وأنا هدفع أهو بزيادة كملوا بقا
فصاحت رحمة بمرح
-الله احمد دفع لي مش دافعة
ارتفعت ضحكاتهم جميعًا على هذه الفتاة التي قلبت الوضع لصالحها فأخرجت رقية ورقة مالية وأعطتها لرحمة
- وأنا كمان دفعت أهو ليا
ابتسمت رحمة وهي تلتقطها من يدها ثم التفتت إلى عمها تناغشه فأعطاها ما يكفي لخمس وجبات فحسبت عمها وزوجته وعمتها وريهام ومريم لتصيح بصوت مرتفع
- كدا فاضل دنيا وعبدالرحمن
على ذكر أسمائهم دلف عبدالرحمن يسأل بخوف مصطنع
- مالهم دنيا وعبدالرحمن
ليجيبه أحمد مازحًا
- جمعنا نجيب أوردر أكل وكلنا دفعنا فاضل أنت ودنيا وطبعًا أنا مش دافع لأختي
أهداه ابتسامه قبل أن يخرج بضع وريقات ويعطها لرحمة
- خدي أنا ودنيا أهو في حد تاني ناقص أدفع له
زاغت نظرات رحمة بمرح تفكر في شيء زائد يطلبونه طالما وجدت من سيدفع لهم لتقول عمتها"ابتسام"
-لأ كدا تمام يا عبدو كله دفع سيبك منها دي
أعطى عمته ابتسامة مجاملة ثم توجه إلى أولى درجات البيت ناطقًا
- طيب أنا هطلع أغير وأنزل تكونوا طلبتوا
أومأ إليه الجميع لتقع عيناه قبل أن يصعد على من دلفت من باب البيت برفقة ريهام، تلك التي تصوب تجاهه نظرات عدائية منذ أن انتهى من توزيع ورق الامتحان ولا يعرف لعدائيتها سبب، أبعد أنظاره عنها ثم صعد بعقل منشغل بفعلتها وأذنيه تلتقط صوت رحمة تخبرها
- هنطلب بروست وعبدالرحمن دفع لك
طالعتها دنيا باندهاش فتجاهلتها وتوجهت إلى أحمد تعطيه هاتفها ليحادث المطعم ولم يكد يعطها الهاتف بعد انتهائه حتى صدح رنينه الذي لفت إليه جميع الأنظار.
التقطت هاتفها من بين يديه بتوتر فور علمها بهوية المتصل من نظرات أحمد المازحة، أرادت أن تنفرد بنفسها وتفكر ماذا ستفعل في هذه اللحظة، فالعقل حينما يجذبه الاشتياق من ناحية والغضب من أخرى يصير مؤلمًا وهزيلًا، من الممكن أن ينتصر أحدهما في النهاية ويقسمه إلى نصفين فيعاني النصف الآخر من قساوة النبذ وهذا ما فعلته بالغضب وهي تنصر اشتياقها عليه بإجابتها للهاتف بعدما أقسمت العديد من المرات بأنها لن تحدثه حتى تضع حدًا، فذاك لم يكتفِ بما فعلت أمه بل تمادى هو الآخر وغضب من ضيقها، فماذا كان يريدها أن تفعل؟! يريد أن تتجاهل كرامتها المهترئة وتضحك معه ويتمايل قلبها راقصًا على نغمات ضحكاته وكأن لم يحدث شيء؟!
لم يستمع منها إجابة بعدما فتحت الخط فأسرع يقول بصوته الحنون الذي لا تعلم لما أشعرها بالشفقة والأسف عليه
- رحمة، طمنيني عنك عاملة إيه؟
- الحمد لله كويسة
أجابته بهدوء ليتبع بحزم غير قابل للنقاش
- طيب استعدي عشان جاي عندكوا كمان نص ساعة
كادت أن تتحدث ولكن وقفت الكلمات بحلقها، لم تدرِ بماذا تجيبه ليغلق الهاتف بعدما استشعر صمتها خوفًا من أن تنطق بما يخشاه صدره.
بعد عدة دقائق نزل عبدالرحمن مرة أخرى ليجد الجميع يفترشون الأرض حول ذاك المفرش الكبير الموضوع أمامهم بينما رحمة تحتضن بين ذراعيها كيس كبير يبدو أنه مليء بالطعام الشهي بينما تتعالى أصوات دنيا وريهام الموبخة لها على احتفاظها بالطعام ورفضها توزيعه بين الأطباق، شعر بدنيا تنهض من مكانها بين والديه لتقترب من رحمة وتحاول انتزاع الطعام منها إلا أن الأخرى تشبثت أكثر ليرتفع صوت دنيا الغاضب باصطناع مما جعله يغضب جديًا من صوتها الذي حتمًا قد وصل للمارة، أراد أن يرفع عينيه إليها ويزجرها بل تمنى لو كانت تلك الأيام الحائلة بينهما وبين عقد القران قد انصرفت لكان علمها ألا تُسمع صوتها الموسيقي هذا لأحد سواه.
استمعوا إلى رنين جرس الباب ليكون أحمد أول المتقدمين لفتحه ليتفاجأ بكريم خاطب رحمة أمامه والتي لم تُنهي الثانية إلا وكانت تضع الطعام بين يدي دنيا وتجلس بوداعة وكأنها أخرى غير تلك الشقية قبل ثواني، ارتفعت ضحكات الجميع أثر فعلتها ليطالعهم كريم باندهاش ولكن سرعان ما نفض غبار الاندهاش عنه فهذه العائلة كثيرًا ما تصدر عنها الكثير من الأفعال التي تثير استعجابه ولن يقف لهم على كل صغيرة وكبيرة.
كانت عفاف أول من تحدث ببشاشة
- حماتك بتحبك لسة كنا هناكل وخدنا الأكل من رحمة بالعافية
رمقها بنظرة عتاب، فصوت صراخها المرح وصل إليه حينما كان واقفًا يطرق بابهم لتتهرب من عينيه وكأنها لم تنتبه إليه.
دعاه الجميع إلى تناول الطعام معهم ليستجيب دون رغبة بعد إلحاح طويل، تقدم للجلوس بين عبدالرحمن وأحمد اللذان كانا يتجاوران في الجلوس ولا يفصل بينهما سوى مسافة قليلة ليفسحان له فابتسم إليهما بامتنان.
بعد عدة دقائق انتهى الجميع من الطعام لتنهض الفتيات يمحون أثر الطعام بينما أشار رفيق لرحمة كي تصحب كريم في غرفة الجلوس المقابلة لهم.
جلست على المقعد المقابل له ليطالعها قليلًا بصمت قبل أن تنفرج شفتاه ناطقًا
- عاملة إيه يا حبيبتي؟
اكفهر وجهها بغضب منه لمناداته لها بذاك اللقب المحبب لقلبها والذي تمنعه من أن يدعوه بها في الوقت الحالي، فلن تنسى كيف كانت علاقتهم تسير في السابق بلا حدود كحال الكثير من المخطوبين بل كان يدعوها بهذا اللقب أمام عائلتها ليستمع إليه عبدالرحمن ذات مرة فانفرد بهما معًا وأسمعهما خطبة كبيرة عن ضوابط الخطوبة فلم تجرؤ وقتها على رفع عينيها للنظر إلى ابن عمها الذي لم يكتفِ بما قاله لها وخطيبها بل زجرها أمام والدتها وحذرها من التمادي مرة أخرى، لن تنكر أنهما مازالا يتجاوزان في العديد من الأمور كالنظر إلى بعضهم البعض والتحدث عبر الهاتف إلا أنها باتت تتحفظ على الكثير من الألفاظ وصار هو الآخر يحترم رغبتها أما الآن فلا تدري ماذا دهاه ليناديها بهذا اللفظ مرة أخرى.
-الحمد لله
قالتها باقتضاب يبغضه ليسألها بصراحة دون اعوجاج
- ندمتِ إنك وعدتيني تتحملي عشاني.
هزت رأسها بالرفض فور إدراكها لمعنى حديثه لتجيبه
- ليه مش قادر تستوعب إني بشر ومن حقي آخد فترة على ما أتقبل الإهانة اللي سمعتها، ليه عايزني أتهزأ وأتعامل عادي كأنها كانت بتمدحني؟!
-أنا يا رحمة؟ أنت شوفتي بنفسك كذا مرة أنا بعمل إيه عشانك.. أنا قبلت إن ميكونش ليكِ أي تعامل مع والدتي وعارف إن دا في المستقبل هيأثر على علاقتها بولادي بس وافقت عشان أنا عايز راحتك.. قابل تعاملي والدتي زي الأغراب يمكن أكتر من الأغراب عشان مش عايزها تأذيكي بالكلام وفي الآخر تقولي كدا.. مقدر إنك زعلانة منها بس أنا ذنبي إيه تعامليني كدا وتحسسيني إنك بتتفضلي عليا وكأنك مكملة معايا شفقة.. بقولها لك بصراحة وليكِ الحق في الحالتين مش هتكوني غلطانة لو شايفة إنك هتكوني أفضل من غيري بكل اللي يخصني عرفيني وأنا هعمل اللي يريحك.
زاغت عيناها تدوران بأنحاء الغرفة، تشعر بكلماته الأخيرة كرصاصات يطلقها على قلبها وليست رصاصات عادية بل مطلية بسموم ضاعف خطرها نبرته المقهورة التي يحدثها بها فسألته بتردد
- قصدك إيه يا كريم؟ عايز منكملش؟
-أنا مش عايز غيرك بس أنتِ حسسيني إنك عايزاني.. حسسيني إنك متمسكة بيا مش كل موقف يحصل بينك وبينها تخليني مستني إنك تتخلي عني في أي لحظة..
تنهدت بقوة عاجزة عن الرد، تعلم أنها محقة في غضبها من والدته، وتعلم أنه هو الآخر محق في خوفه، حديثهما سابقًا عن خطبته الأولى وعن مخاوفه الدائمة من ترك خطيبته له من وراء تصرفات والدته حتى تحققت أسوأ كوابيسه وتركته فعاش بظلام إلى أن قابل رحمة، لن تنسى كيف وصف لها انهياره النفسي أثر انتهاء علاقته بالأخرى على الرغم من أنها كانت خطبة عادية لم تتوج بالحب بل ما غمرها كان الراحة النفسية والاندماج فقط فكيف سيشعر إن تركته رحمة التي اختارها قلبه وروحه قبل عيناه؟!
فاقت من شرودها على عيناه التي تغرق في النظر إلى تفاصيلها لتتمتم بما أراح قلبه
- إيه هيجبرني أكمل معاك بعد اللي بيحصل دا كله لو مش عايزاك يا كريم.. أنت الوحيد اللي بقدر أظهر له حزني.. أمي وإخواتي ميعرفوش اللي حصل مفيش غيرك بقدر أحكي له.. عشان ارتحت في كلامي معاك تفكر إنه تمهيد لإنهاء علاقتنا.. أنت عارف أنا بعتبرك إيه مفيش داعي كل شوية أرتكب ذنب وأفضل أوصف في مشاعري لأن دي حاجة المفروض أنت خلاص متأكد منها بعد كل اللي مر علينا.
أومأ إليها متفهمًا لما تتحدث عنه، لا يدري ماذا يحدث له في هذه الأيام، يشعر بأن دوامة عميقة من الكآبة النفسية تبتلعه ويعجز عن الفرار منها، مشاعره بهذه اللحظة كلها سلبية، تجاه رحمة لا يستطيع أن يتعامل معها كما السابق رغم خوفه الكبير من ضياعها، والده يعاتبه قلبه ويأبى الحديث معه منذ عدة أيام وكأنه يعاقبه على سلبيته أمام تسلط والدته، حتى أمه تشاجر معها وأقسم أن يقيم ببيته ويهجر منزل أبيه بسبب أفعالها التي تسبب له التعاسة دائمًا، لا يعلم لما تصر على تعقيد حياته هكذا فحتى أصدقائه لم يعد له منهم سوى أصدقاء العمل بسبب عجرفة والدته وغرورها الدائم في تعاملها معهم.
ظل شاردًا طوال الجلسة بطريقة أشعرت رحمة بالندم على ما فعلت بل أخافها عليه للغاية ولم يبرء من خوفها بالنهاية بل استأذن مغادرًا بعدما أيقظ القلق وجعله ينهش بقلبها.
في خارج الغرفة
انتهت الجلسة ونهض كل منهم يلتفت إلى مشاغله ولم يتبق سوى أحمد الذي أخذ ابنته وتوجه إلى أحد المراكز التجارية القريبة منهم ليبتاع لها بعض الأشياء التي تنقصها برفقة زوجة عمه عفاف فلم يتبق سوى عبدالرحمن الذي وكله والده بالجلوس إلى أن يغادر خاطب رحمة ودنيا التي كانت تستذكر أحد دروسها فلم تنتبه إلى خلو الصالة من البشر سواها وعبدالرحمن الذي كان يظهر انشغاله بهاتفه، إلى أن فاجئها بقوله
- مش فاضل على الخطوبة وكتب الكتاب غير يومين لو حابة تروحي مع أمي تختاروا الفساتين والحاجات دي
إثارة غيظها، ما يتعمد فعله في هذه الفترة ليس سوى إثارة غيظها وجعلها تريد أن تصرخ بوجهه عله يكف عن فيض استفزازه الذي يغرقها بداخله لتجيبه يتهكم لم تستطع تخبئته
- اه طبعًا الشيخ عبدالرحمن العظيم مينفعش يروح زي الناس يختار فستان خطوبة.. ميلقش بحضرته هو بس يؤمر وإحنا ننفذ لكن يتعب نفسه ويروح زي الناس الطبيعية لأ دا كفاية عليه إنه اتكلم وقال هخطب أصلا
نجحت كلماتها في إغضابه، ما هذه الطريقة التي تحدثه بها وبماذا أخطأ؟ وكيف تريد منه أن يرافقها باختيار الفستان.. أتراه من أولئك الذين يمعنون النظر فيما لا يحل لهم بحجة اختيار الفستان؟ وكيف لهذه المختلة أن تريده يدقق بتفاصيلها التي سيبرز الفستان جمالها فقط ليعبر عن رأيه بما لا يحق له النظر إليه؟ لو كانت سألته عن سبب امتناعه لمرافقتها بطريقة مهذبة لكان أجابها بما يخمد غضبها أما طريقتها الوقحة هذه فلم يجد لها ردًا سوى أن نطق ببرود
- بالضبط كدا ميلقش بيا ولا بمبادئي أروح أختار الفستان.. وصح حتة القماش اللي بتحطيها على رأسك دي متنفعش بعد كدا اختاري خمار طويل تلبسيه.
لو لم يكونا محاطين بكل هذا العدد من البشر الذين يشغلون غرف المنزل لكانت نهضت من مكانها وجذبته من مقدمة التيشرت الخاص به ودفعته خارج البيت ولكن من حسن حظه أنها لن تقدر على فعل مالا يليق بل لن تقدر على رفع صوتها وإلا انتبه إليهما الجميع لتجيبه باستهزاء
- وأجيب فستان ليه وخمار دا أنا هجيب عباية سودا ألبسها لك أصل الفستان مش هيليق على دقن أبو لهب دي.
- شاطرة البسي عباية سودا موافق، واتريقي على لحيتي كويس.. أنت شايفاها دقن أبو لهب بس أنا شايف إني بتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أرادت للأرض أن تنشق وتبتلعها بعد جملته الأخيرة، فغضبها منه أعماها عن التفكير بجملتها التي استهزئت من خلالها على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو كان ماهر في اصطياد ذلتها لتقول
- مش قصدي على فكرة.
- يبقى تفكري قبل أي كلمة تقوليها "إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم" ولا هتعرفي الحديث إزاي بقا وأنتِ جايبة فيه ستاشر.
أتبع جملته الأخيرة بضحكة عالية ساخرًا من درجتها بامتحان مادة الحديث الذي قد أعده إليها ليضغط على جرحها الذي لم تبرأ منه، فهي منذ تناولها لورقة الأسئلة منه وهي تمنع نفسها من البكاء حسرة على المذاكرة التي ذاكرتها ولم تجني بالنهاية سوى أنت نقصت أربع درجات كاملين، كانت تعتقد أنها ستخفق في درجة واحدة ولكن فاجئها بعدة أخطاء لم تنتبه إليها فتساقطت أولى دمعاتها التي أبت الصمود أكثر من ذلك، كانت تتصنع عدم التأثر بدرجتها أمام الجميع ولكن أينبغي لها التصنع بالقوة أيضًا أمام عبدالرحمن؟
كلاهما يعلم أن تلك القوة التي تختبيء خلفها ما هي إلا جدار بُنِي بالطوب المرصوص فوق بعضه دون مادة لاصقة تقويه، إلا أنه يتركها تفعل كما تشاء علها تشفي من جروحها التي أحدثها بقلبها دون قصد. تعجب من صمتها على سخريته من درجتها التي لم تعجبه لتروي شهقتها التي ارتفعت فضوله فأخبرته ببكائها الذي شق قلبه إلى نصفين، أهذه التي كانت على وشك ضربه قبل ثواني تبكي لسخريته من درجتها بامتحان لن تضرها درجته؟ تصلب بدنه ولم يدرِ ماذا عساه أن يفعل فإن استمع إلى رغبة قلبه فسيفعل مالا تحمد عاقبته وهذا لا يرتضيه أما عقله فلا يستطيع التفكير بسبب التشتت والجلبة اللذان سببهما قلبه الباكي لينطق لسانه بثقل
- بتعيطي ليه؟ الامتحان دا ملوش لازمة ومش هيضرك في حاجة.. إما تغلطي دلوقتي أحسن ما تغلطي آخر السنة.
لم تؤثر كلماته الأخيرة بها فاستمرت في بكائها لتزيد من شعوره بالعجز، يريد أن يخفف عن قلبها وليس أمامه سوى الكلمات بل بعض الكلمات محظور عليه استخدامها في الوقت الحالي ليقول
- ملوش لازمة العياط.. وبعدين أنا عارف إنك شاطرة وكنتِ مذاكرة كويس إجاباتك أصلا كانت منظمة وحلوة جدًا بس في حاجات وقعت منك دا طبيعي.
رغم استماعها إلى كلماته باهتمام إلا أنها لم تكف عن بكائها وهو لا يستطع على الأقل النظر عليها للإطمئنان ليتبع
- يا بنتي خلاص بقا والله إجابتك كويسة ومستواكي حلو
لتفاجئه بسؤالها
- يعني الإجابة بتاعتي كانت أحسن من منار.
عقد حاجبيه قليلًا يفكر في فحوى كلامها إلى أن انتبه إلى غيرتها من منار الأولى على المعهد بكل سنة والتي دائمًا ما يشيد بذكائها وتفوقها ليجيب
- انتو الاتنين مستواكوا حلو
تعلم أنه يراوغ في إجابته فمنار دائمًا ما يمدحها المدرسين ومن ضمنهم هو وبالفعل لا يفرق معها إشادة الجميع لها ما يفرق معها فقط هو عبدالرحمن ورؤيته لأخرى أكثر تفوقًا منها غير مدركة أن الأخرى وإن أخذت المركز الأول في الدراسة فهي تربعت على قلبه وانفردت بعشقه بل ولن تقوى إحداهن على منافستها في هذا المقام.
رآها تنهض واقفة تتجه إلى الغرفة التي تسكنها دون أن تنطق بشيء ليراوده القلق وبالأخص لتيقنه من أنها تبكي حتى يحنو عليها النوم.
انتبه إلى خروج كريم الهادئ فودعه باحترام حتى اختفى الآخر عن نظره ليصعد إلى غرفته يفكر في طريقة للاطمئنان على من انتزعت فؤاده من بين أضلعه ورحلت.
مر ساعتان كاملتان يريد أن يعلم كيف حالها ولكن لا يدري ما الطريقة، أخذ يفكر في العديد من الحلول إلى أن مر أبيه من أمامه فلمعت عيناه بفكرة الاطمئنان عليها من خلاله ولكن كيف يفعل دون أن يُطلعه على ما حدث بينهما؟
نهض متجهًا إليه قبل أن تصعد والدته وتقيم على شرفه حفلة غمز وهمز ليقول لوالده بوجه صرح بحياءه الذي يتشبث به في هذه اللحظة.
- ممكن تكلم دنيا تتطمن عليها عشان كانت تعبانة شوية وإحنا تحت.
ابتسم أبيه داخليًا وحرص على عدم إظهار سعادته لولده كي لا يزيد من حرجه البادي على وجهه فرسم القلق يسأله
- مالها دنيا
-كانت تعبانة شوية ممكن تكلمها
ليرفع الآخر هاتفه يقول وهو يبحث عن رقمها
- طيب ما تاخد تكلمها أنت.
هز رأسه بالنفي رافضًا لفكرة محادثتها في الهاتف فوضع الهاتف على أذن عبد الرحمن وهو ينطق
- خد كلمها وأنا واقف محرم أهو.