رواية من بعد خوفهم الفصل السابع 7 بقلم حمدى صالح

 

رواية من بعد خوفهم الفصل السابع بقلم حمدى صالح


"تَأَنّ في قَرارِكَ رُبما تحتاج لانفرادِ روحك الطاهرة"

الواحدة بعد منتصف الليل.. موصدةً الباب بإحكامٍ تحاول لملمة نفسها وقلبها، تضم ركبتيها والدموع تتساقط بصمتٍ، كلماتها القاسية وعجرفتها معهُ نفذت، تلوم روحها علىٰ الحديث المُدخر وتناسيت روحها قبل اللجوء لأنثىٰ مثلها، يُردد بذهنها "لا يصح وقفتك معي هكذا، ولا حديث بيننا".

اندثرت بين الأغطية تحتضن جسدها بقلبٍ مكلومٍ، ثعابين مُخيفة، وحلمٌ يتكرر كُلمَّ أغمضت عينيها، تتألم وكأنها جسدٌ ضئيلٌ لا يُحمل ولا يتحمل.. لفظتْ القرآن علىٰ رأسها؛ لتذهب في ثباتٍ بين غرفةٍ تكتم روحها وتبرز قوتها أمام شقيقتها؛ كي لا تضعف.. السؤال المكرر أين والدها من كل هذا!.. منذ أن تركهم بحمايةِ جدتها وهو ينغرس كليًا بعملهِ. 

استمعتْ لآذان الفجر وهى تتوضأ وتزيل ما حدث، التفكير قاتل، يتعب صاحبهُ ولا يتكلم وكأن قيودًا متشابكة بالفم، رمقت" لدن"من شرفتها بعدما تأكدت مِن ذهابها؛ لتقرر الذهاب لمنزلهم ورؤية والدتها، الضوء خافت والسحب قاتمة، تجلس بجوار النافذة تستنشق الهواء حتى وصلت للبنيةِ.. أدارت المحرك لتصعد بالمصعدِ الخاص، ولجت بهدوءٍ؛ لتنصدم من هيئة الشقة، مُتسخة ورائحتها تشبه العقاقير المخدرة، الغرف فارغة، ساعةٌ وهى تزيل الغبار والأتربة، تمسح الأرض وتعقم الحوائط سريعًا حتىٰ جلست، العقارب تتحرك والساعة تزداد. 

كادتْ الرحيل؛ لتتفاجىء بوالدتها وثيابها الضيقة، مساحيق التجميل الغزيرة وحركاتها العشوائية، تمالكت أعصابها وهى تتطلع إليها؛ لتتحدث بدون وعٍ: 
-أين كُنتِ يا أمي! 

-لا دخل لكِ لقد مللتُ منكم جميعًا، أتعلمين.. زواجي مِن أبيكِ كان خطة لا حسب، مثلتُ الحب والطمأنينة، وأنجبتُكِ أنتِ وأختكِ، سئمتُ علاقتكم تلك، كان أبوكِ يصمت وأنا أفعل ما أحبهُ مجددًا، أخاطب ما أحب وفي الوقت المناسب، حتىٰ قسوت عليكِ.. كنتُ أقصد هذا كي تبتعدوا عني وأعيش ما فاتني، أنتم مختلفين للغاية حقًا.. خربت علاقتكم مع الجميع حتىٰ أرسلتُ الشاب لابنه عمكِ ودمرتها، لذة رائعة وكأنها وجبة دسمة علىٰ القلب، ورميتُكما كالدمية.. حتىٰ انفصلتُ عن أبيكِ وارتاح قلبي. 

تبكِ بحرقةٍ وهى ترىٰ مَن أنجبتها تتفوه بأصعبِ الحديث، أهُناك حقيقة أصعب مِن هذا! تقترب منها لتُدركَ أن رائحة الشقة لم تكن إلا مخدر يفقد العقل، شُلَّ لسانها وفقدت النطق وهى ترىٰ ضحكاتها، هرولت وهى تجر خيباتها.. الثعابين هى! الجميع يتطلع لحالتها ويضحكون، جرّت قدمها أمام جدتها وهو ترمقها بذعرٍ لتفقد وعيها أمامها! 

هاتفت "مؤيد"؛ ليجلب الطبيب برفقةِ أبيه، ترفض الاستجابة ومع المحاولات فتحت عينها بألمٍ، عقلها مشوش وصدمتها كبيرة، دوَّن الطبيب بعض المحاليل مغادرًا تحت أنظارهما، تتشبث بجدتها وهو يتطلع إليها بتألمٍ، هرولت"لدن"إليها بقلقٍ؛ ليسحب" حسن" أمه بعدما استأذن "مؤيد" للتَّحدث معهن. 

-أفعلتِ ما بوسعكِ وعلمتِ الحقيقة..! 

-أكنتْ تخشىٰ شيئًا يا بن العم، لا تقلق لا أحتاج لحديثكِ، اتركنا بحالنا. 

قالتها "عنود" بضحكةٍ مستهزئة بكلماتهِ، لم يتخيل بين عشيةٍ وضحاها أن تتشبث بالحقيقةِ كُليًا، تركهما مشيرًا لـ "لدن" بالخروجِ، يؤلمه هيئتها مقررًا عدم الذهاب لجدتهِ مرة أخرىٰ، تطلع "حسن" لابنه وهو يهرب بعينيهِ، بابٌ فاصلٌ كُشف وقلوبٌ مغلقةٌ فتحت بانكسارٍ، السر يُخبأ ويكشف مِن طعنة الغريبِ. 

                                        ****
أيامٌ وهو يهلك نفسه.. نهارًا يحاول اجتهاد روحه والمحافظة علىٰ ما يحب، وليلًا يقف بدلًا من "أدهم" بالمحل، يخفي وجعه بجدارةٍ ويبتسم برضاء، يقف علىٰ السلم يرتب الثياب بمكانها؛ ليبتسم تلقائيًا وهو يرىٰ "ياسر"، جلس علىٰ المقعد ناطقًا: 

-أُريدك بشيءٍ هام ولكن فكر بعقلك قليلًا، منذ أعوامٍ تزوج أبي مرة ثانية ولكنها توفت وأنجبت أختي وهى مثل"رهف"، تعلم أن" أمي"تغيرت كُليًا وإن نطقنا سنصبح أكذوبة، بالمناسبة تعلم ما حدث ووقفت بجوارها، ولكن للقلب طريقٌ آخر، أودُّ تعزيز ثقتها بيننا دون كلمة جارحة. 

-لا تجعل غضبك يحتل عقلك دائمًا يا "ياسر"، أنت تتحدث سريعًا وأنا لا أصدق، لكن الماضي لا ينسَ علىٰ النساء، قُل لخالتي فهي روحها بك وستوافق، مِن ناحيتي يمكنها التّعرف علىٰ شقيقتي لكونها تعلمها جيدًا وتخبرها بوجودك، ليِّ طلب.. لا تتحدث في أمور خالتي أمامي، لم أتعافى مِن أفعالها، أنا أشكرك حقًا علىٰ وقوفك بجوار" رهف"وبجواري.. لكن أنا بخير مهما حدث، بالمناسبة أعلم نظراتك لشقيقتي بل أتأكد منها لهذا لا تعطيها ثقة؛ كي لا تؤلمني، تضحك عليِّ وهى تنهمر قهرًا علىٰ حالها.. رُبما الغيرة هى مَن فعلت بخالتي هذا، أن ترىٰ شقيقتها محافظة على بيتها وأولادها، تغلق سرها بين أرجاء البيت، لتأذن ليِّ بعدم الحديث الآن.. أ ممكن؟! 

قالها "مؤيد" وهو يزغ ببصرهِ للجانب الآخر؛ ليربط علىٰ كتفهِ، فالحديث طويل وهو لا يحب البعد عنهُ، استسلم لرغبتهِ وهو يساعدهُ متطلعًا للمتجر واتساعه الشاسع من الناحية العلوية والجانب الأيسر، ولكون المسافة بعيدةٌ يحتاج لسلمٌ ملتصقٌ بالحائط منها زينةومساعدة لهما، دخل "أدهم" ملقيًا السلام عليهما ناطقًا: 
-إلامَ تتطلع بدقةٍ هكذا يا رجل؟! 

-لمَّ لا توسع مساحة الجوانب تِلك.. بالمعنى أنتما تضعها الثياب الجديدة علويًا ويمكنكم إدخار غرفة أو سلم جانبي كي يسهل حركتكم. 

شعر "أدهم" بحق حديثه؛ فهو يرهق في بعض الأحيان، فكر قليلًا ناظرًا لـ"مؤيد"المنشغل بالزبائن هربًا منهُ، هدر بحبٍ:-فلتفعل ما تراه وأبي سيوافق.. لكن مِن رأي بعد الدراسة وهكذا. 

ياسر: 
-إذًا هى هدية مني نيابةً عن "مؤيد".. لا تخبره فكما تراه صامت. 

-كان أسوأ مِن قبل، الحمد لله أنهُ يدرك أفعالهُ بعدما كثرت النوائب علىٰ كتفيه، تِلك اللحية التي تزداد تزينه، إن رأيت الفتيات وهى تتطلع إليه ستضحك علىٰ غضبهِ، أشعر بكتلة انفجار علىٰ وشك البدء حقًا، دومًا يهرب مني، حدسي يخبرني أن الأمر معلقًا بأبناء عمه.. لكن ماذا حدث.. لا أعلم! 

-ليصلح الله دروبنا لمَّ فيه خير يا" أدهم"، سأغادر كي تكملا عملكم. 

أن تتحجج بقوةِ موقفكَ وتهرب مِن الجميع راحة بالنسبة لكَ؛ كي تُركز علىٰ نقطة روحك المفقودة، ألا تنسحب، ألا تعيش بمثل ما يخطط عقلك، إثنان لا فاصل بينهما العقل والقلب، قلقك سينبع مِن شعورك ومشاعرك المكبوتة، أما لعقلك فستتغير كُليًا. 

علىٰ الجانب الآخر.. مكثت "رهف" بجوار والدتها وهى تشاهد بعض المقاطع الكوميدية هروبًا مِن هاتفها الذي فُتت مِن أخيها، ولا تأخذ ممتلكاتهُ إلا أمامهُ، طرقةٌ خفيفة.. لتضع عبائتها.. ارتمت "لدن" بأحضانها وهى تحمل حقيبتها الثقيلة متمتةً:
-أتحملين كُتبكِ كلها يا غالية، إنها ثقيلة للغاية! 

-ليتها بنفع..اختباري الشهري درجتهُ سيئة، ولم يتحدث المعلم إلا بقسوة أمام الجميع. 

-وهل هو الاختبار الأساسي أيتها الشاكية، تبقىٰ القليلُ وستصبحين حرة مِن ضغطك هذا، لن أنكر خطأ هذا وألا يحترمك.. سأذهب معك المرة القادمة. 

قالتها"صفاء"وهى تربط عليها بحنانٍ، وفي ثوانٍ أتت "رهف" بورقةٍ قديمة:

-كنتُ مثلكِ وهو نفس المعلم بالمناسبة.. في آخر العام تراجعتُ وفقدتُ تركيزي.. يلومني ويسَّب بداخلهِ.. ولكن في الحقيقة هاتفني وأراد رؤيتي اعتذر ليِّ أمام الجميع لأنهُ رأى بي شيء.. سيفعل معك هكذا.. هو امتحان سيمر ولكن دينك ودنياكِ لهم عليكِ كُل الحق، أن ترضِ بقضاء الله وتدابيره يا مشاغبتي، وها أنا أمامك أدرس الهندسة.. أكنتُ أعلم..! 
بالطبع لا فأنتِ ترسمين الخطط والله لديه الخطة المناسبة إليكِ، هذه الورقة مدوَّن عليها كلماتٍ أعطاها إليِّ خذيها وضعيها أمامك حينها ستدركين ما أرمى به إليكِ.. السؤال هُنا ماذا حدث لكل هذا! 

"لدن": 
-لا يفرق معي حدث أم لا، شقيقتي حبيسةً لغرفتها لا أراها إلا وهى تمارس عادات اليوم لتعود كما كانت، أنطق وترمقني بنظراتٍ شرسة بعدما ذهبت لأمي، جدتي تأخذني كل يومين تجلب ليِّ ما أحب ونعود، سأشغل بالي بمصيبةٍ وأنا بمصائبي التافهة! عليِّ العودة. 

-انتظري"لدن" سأذهبُ معكِ فغدًا ليلة السحور إن نسيتِ ولا يصح ترك أمي بينكما، ارتدي ثيابك يا "عنود" وخذي ما تحتاجينهُ. 

-أمي، سآتي برفقةِ أخي غدًا لدي اختبار. 

أومأتْ برأسها؛ لتقبل جبينها متجهةً لغرفتها، أخبرت "رهف" بِما حدث لأبيها ومِن ثُم مكثتْ، تشتهي النوم وشقيقها لم يعد بعد، تلهو علىٰ هاتف والدها بعدما استأذنتْ منهُ، حسابها الجديد وهى تنشر عدة نصوص لكُتابٍ مختلفين، انتهتْ لرسالة "ياسر" وهو يطمئن عليها، أجابتْ بحدةٍ وهى تتذكر سوء أفعالها، عاد الآخر مُلقيًا السلام؛ لتُجيب: 

-مِمَن تهرب يا "مؤيد"، قلبك مسرورٌ هكذا وأنتَ تُهلك روحك في العمل وكل شيء، لا تردف بكلماتٍ عليِّ ولكن بنات عمك أنتَ رجلهم مهما حدث، تِلك الحواراتُ الدائرة بينك وبين"عنود"أنا أفهمها جيدًا، لا تنسَ تصرفاتك، أنتَ رجل لستْ أنثىٰ تحزن بصمتٍ، أمي ذهبت مع"لدن"، وغدًا ستأتِ إليِّ بعدما أُنهي اختباري الشهري، أيامٌ مباركة سنبدأها غدًا. 

-أمي مُجددًا! أنا لن أذهب لمكانٍ، سآتي قُرابة الإفطار، أشعر باختناقِ روحي كُلمَّ أذهب في مكانٍ، وكيف ستذهبين لجامعتكِ يا"رهف"! 

-الناس تنسى يا أخي لا تقلق عليِّ، علىٰ راحتك يا غالِ لتفعل ما تحب إنْ وعدتني. 

احتضنها بحبٍ وهو يخرج المال؛ مُعطيًا إياها كي تشتري زينتُها متى تشاء، أغلق حجرتهُ وهو يتطلع للمرآه، وجهٌ شاحب، وقلبٍ مضمور! 

رنينُ الشقة الهادىء أشعل القلق بفؤادهِ، الضوء خافت يستريحُ بهِ، ترك المصحفَ بعدما وضع ورقة صغيرةِ في الصفحةِ، أدار المفتاح بهدوءٍ وهو يتطلع للواثبِ بشوقٍ، ألقىٰ نفسهُ بين ضلوعِ رجلٍ اشتاق إليه كُليًا، دخل كلاهما؛ ليفرك"أدهم"عينيهِ، ذهولٍ، عناقٌ، تشبث بهِ بفرحةٍ: 

-اشتقتُ لكَ كثيرًا يا أخي! 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1