رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل السابع 7 بقلم نور الشامي


 رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل السابع 


تقدمت ريم من فهد بخطوات واثقة ونظراتها تتحدى عيون الجالسين حتي  وقفت بجواره فهد ثم مدت يدها وأمسكت بيده أمام الجميع  فـ تجمدت الحركة على المائدة وساد صمت ثقيل قبل أن يرتفع صوت ملك فجأة وهي تنهض من مكانها بحدة:

هو إي ده؟! إنتي ماسكة إيده اكده ليه عاد... هو في اي بالظبط.. ما حد يتكلم ويجول اي حاجه 

نظرت ريم إليها بابتسامة باردة وقالت بثقة:

لو ممسكتش ايد جوزي.  همسك مين عاد 

نظر الجميع اليها بصدمه بالتحديد ملك التي تجمدت مكانها حتي 
تدخّلت زينب ورددت بصوت مختنق وهي تضع يدها على صدرها:

ليه يا فهد... ليه اكده يا ابني سايب بنات الدنيا كلها وجاي تتجوز دي... ىيم ال كانت السبب في كل المصايب ال حوصلتلنا في حياتنا.. ليه بس اكده يا ابني 

كانت زينب تتحدث بحسره لكن فهد لم يتفوه باي حرف حتر تدخل أسد بصوت حاد مرددا: 

وريها الأوضة يا فهد... ومش عايز أسمع ولا كلمة في الموضوع ده... كفايه اكده بجا.. محدش فاهم اي حاجه 

تحرك فهد بصمت وريم تسير بجواره دون أن تلتفت لأحد في حين كان الجميع يتابعهم بعيون متوترة مشدوهة وفجأة أطلقت ملك شهقة بكاء وركضت نحو غرفتها زدموعها تنساب بغزارة وهي تغلق الباب خلفها بقوة ليبقى صداها يرتج في أرجاء المنزل وفيما خيم التوتر من جديد اقتربت جهاد من أسد وأمسكت يده وابتسمت بنبرة تمزج بين الخبث والانتصار وهتفت: 

بصراحة يوم حلو جوي ... خبرين يفرحوا.... جواز فهد وحملي.. احنا لازم نعمل حفله بجا 

لكن أسد سحب يده منها بهدوء دون أن يعطي اي رده فعل وعيناه علي سحابه  التي وقفت  مكانها دون أن تتكلم ونظرت للحاضرين نظرة صامتة ثم استدارت وصعدت إلى غرفتها بخطوات ثقيلة وكأن الألم يسحبها بعيدا عن كل ما يحدث فأقتربت جهاد من اسد مره اخري ورددت بضيق: 

في اي يا اسد.. انا حاسه انك مش مبسوط بحملي... هو في اي عاد... المفروض تبجي اسعد واحد في الدنيا دلوجتي. ولا علشان عندك ولد تاني 

تنهد اسد بضيق وهتف: 

لع.. انا مبسوط.. ومبسوط جوي كمان انتي ال مش واخده بالك ومش عارفه تختاري الوجت المناسب ال تجولي فيه الخبر 

نظرت جهاد الي اسد بضيق ورددت بحده: 

اسد.. هو في اي بالظبط.. مش ملاحظ ان جلبك بجا جاسي معايا جوي.. انا عارفه اني بغلط كتير جوي بس دا مش مبرر للمعامله دي ولا انت جليك حن لست الحسن والجمال 

اقترب اسد منها وقال بصوت متهدج يسيطر عليه الغضب المكبوت مرددا:  

لع يا جهاد... جلبي محنش.... بس أنا كنت فاكر إنك اتغيرتي  وصدجتك لما جولتي إنك ندمانة وعاوزه تفتحي صفحه جديدة
انا حذرتك قبل ما ننزل مصر... طولتلك متعمليش اي غلط  ومتدخليش في اي حاجه متخصكيش ... بس إنتي مسمعتنيش وكنا هنكوت كلنا بسببك 

اتسعت عينا جهاد وجاءت لتتحدث ولكن أسد لم يمهلها الرد بل أكمل بثبات:

انا وجفت جصاد الكل علشانك... وخسرت كل حاجه ودمرت بيتي .. وفي الآخر؟ ولا كأنك شايفه ولا هامك غير نفسك وبرودك وغرورك وبس لو ماغيرتيش... وفضلتي على النظام ده ودماغك دي جسما بالله العظيم ما هتفضلي على ذمتي يوم تاني وهطلجك، وساعتها مش هينفع ندم.

ثم أشار بيده إشارة حاسمة وهو يضيف:

وسحابة؟ سحابة مرتي... وأم ابني وزيك زيها بالظبط... يعني لما تتكلمي عنها تتكلمي كويس وباحترام... علشان أنا مش هسمح لحد يهينها حتى لو كنتي إنتي

استدار أسد دون أن يضيف كلمة ومشى مبتعدا بخطوات هادئة وغاب صوته، لكن كلماته ظلت ترن في أذنها كصفعة لا تنسي 

وفي هدوء الليل كانت ملك تجلس على حافة سريرها والغرفة تكتسي بسكون ثقيل لا يقطعه سوى صوت بكائها المكتوم و كانت عيناها متورمتين من كثرة الدموع ويديها تتشابكان في حضنها كأنها تحاول احتضان الألم بداخلهما دون أن تطرق الباب و دخلت سحابة بخطوات خفيفة ورغم الحزن في ملامحها إلا أن عينيها كانتا تحملان دفئا مختلفا واقتربت منها وجلست بجوارها ثم مدت يديها تمسح دموعها برفق وقالت بصوت هادئ:

هتفضلي على النظام ده لحد امتى يا ملك؟ البكا مش هيرجع حاجه... ولا هيغير الواقع.. هو خلاص اتجوز 

نظرت ملك إليها بعينين باكيتين وهمست بصوت مختنق:

أنا لسه بحبه يا سحابه... بحبه جوي ومش جادرة أستوعب إنه خلاص... خلاص اتجوز وإنه بجا لحد تاني وريم كمان... ريم... فهد اتجوز ريم 

تنهدت سحابة بحزن ووضعت يدها على يد ملك وقالت:

عارفه إنك موجوعه... ووجعك كبير بس نقيش في ايدك اي حاجه علشان تعمليها... هتفضلي اكده تعيطي وتتعبي اطتر وبرده كل حاجه هتفضل زي ما هي.. انا متاكده ان فيه سبب خصوصا ان اسد ساكت.. انا والله حاسه ان فيه حاجه كبيره جوي او خطه منهم مثلا 

رفعت ملك نظرها نحوها والدموع لا تزال تلمع في عينيها ورددت:

انا مليش صالح بكل دا أنا حلمت بيه سنين..فهد دا حب عمري.. دا الشخص الوحيد ال حبيته في حياتي كلها يا سحابه انا محبيتش حد زيه 

أجابتها سحابة بهدوء حزين وهتفت:  

والله ما عارفه اجولك اي... بس كل ال اجدر اجوله ان  ان شاء الله كل دا هيعدي.. بطلي عياط بجا بالله عليكي و 

وفي تلك اللحظة فتح باب الغرفة برفق ودخل فارس الطفل الصغير بخطواته البريئة وفي يده وردتان صغيرتان واحدة حمراء وأخرى بيضاء و اقترب منهما بابتسامة عذبة ومد يده ليعطي ملك وردة ثم سحابة الأخرى، وهو يقول بصوته الطفولي الجميل:

علشان انتوا زعلانين... أنا جيبتلكم ورد... مينفعش تزعلوا وانتوا حلوين اكده 

لم تتمالك ملك نفسها فضحكت وهي تمسح دموعها بينما سحابة ضمت فارس إلى صدرها وقالت:

ربنا يخليك لينا يا حبيبي... دايما بتعرف تطيب الخاطر اكده... والله انت عوضي في الدنيا دي كلها 

احتضنهما فارس معا وظلوا هكذا للحظات كأن براءته كانت البلسم الوحيد في ذلك الليل المثقل بالوجع

وبعد فتره قصيره كان فهد يقف أمام نافذة غرفته يدخن سيجارته بنظرات شاردة  عاري الصدر والغرفة تغمرها ظلال خافتة من ضوء القمر المتسلل... لم يكن يسمع سوى صوت أنفاسه وصدى أفكاره المتشابكة التي لا تهدأ وبينما هو غارق في شروده شعر بحركة خلفه فالتفت بسرعة ليفاجأ بريم تقترب منه بخطوات هادئة ترتدي قميص نوم حريري ينساب على جسدها في إغراء متعمد فـ انفزع فهد وارتبك للحظة ثم التقط قميصه الملقى على الكرسي وارتداه على عجل قبل أن يهتف بغضب:

اي  ال انتي لابساه دا.... هو في إي بالظبط

اقتربت ريم أكثر بعينين ثابتتين ونبرة هادئة وهتفت :

مش احنا متجوزين... هو في حد غريب اهنيه علشان ال بتعمله دا... انت ال في اي عاد 

أجابها بحدة وهو يشيح بوجهه بعيدا:

متجوزين؟! دا جواز على ورج وبس يا ريم... مفيش بينا حاجه من دي فاهمه

ابتسمت ريم بسخرية باهتة ورددت بهدوء:

على ورج بالنسبالك... بس بالنسبالي جواز كامل... وأنا مش طالبة منك حاجه بس لما أخلف... همشي ونتطلج... ولا كأن فيه حاجه حوصلت 

نظر إليها فهد  بذهول واتسعت عيناه بصدمة وهو يهتف:

انتي مجنونة صوح ... والله العظيم مجنونة.... أنتي مش طبيعية خالص... وأنا  مستحيل ألمسك ولا أفكر ألمسك اصلا.. أنا بحب ملك... ومش هجدر أخونها حتى لو بكلمة

القي فهد كلماته بنفور ظاهر واتجه نحو الباب وخرج بسرعة مغلقا إياه خلفه بقوة أما ريم، فوقفت في منتصف الغرفة و عيناها تتبعان الباب المغلق قبل أن ترتسم على شفتيها ابتسامة باردة وهمست لنفسها بنبرة خافتة مملوءة بالإصرار:

أنا مش هخرج من اهنيه... غير لما آخد المقابل ال يرضيني على كل ال خسرته.. ودي الحاجه الوحيده ال هترضيني وتخليني اوجف انتجامي 

ثم التفتت نحو السرير وجلست وعيناها تتلألأ بشيء خفي بين الحزن والإصرار وفي صباح يوم جديد كانت أشعة الشمس تتسلل بخجل من نافذة الغرفة تنير أركانها بضياء خافت وهادئ... وفي وسط هذا السكون دلف أسد إلى غرفته بخطواته الثقيلة يبحث عنها بعينيه ليجد سحابة تقف أمام الخزانة تهم بالخروج فـ اقترب منها بخطوتين سريعتين ثم أمسك بيدها برفق ولكن بحزم وصوته خرج متوترا يحمل بين نبراته رجاء وغضبا مكبوتا وهتف:  

 استني... الوضع دا مبجاش ينفع... ولازم نحدد موقفنا بجا يا سحابة... لازم دلوجتي حالا مش هنفضل نلف حوالين بعض كتير اكده 

نظرت إليه سحابه  بهدوء يخفي خلفه نارا مشتعلة من الألم وسحبت يدها ببطء ثم قالت بنبرة ثابتة:

فعلا... لازم نحدد.... أنا شوفت شغل وهيتدي الأسبوع الجاي... ونويت أدور  على شجه كمان  وبعدها هاخد فارس وامشي

نظر اسد اليها بصدمه كأن صاعقة ضربت قلبه وارتبك للحظة قبل أن ينفجر بصوته العالي:

 إي؟! تمشي إزاي يعني؟ تاخدي ابني وتمشي؟ هو مش ابنك لوحدك... دا ابني أنا كمان يا سحابة... ابني.. انتي ناسيه ولا اي عاد 

نظرت إليه سحابه والدموع في عينيها تحاول أن تحبسها ورددت بصوت مرير:

أنا مش بجول هحرمه منك... بس أنا مش هينفع أكمل في الوضع دا أكتر من اكده... أنا اتكسرت كتير جوي يا أسد وكله بسببك

اقترب منها أكثر وصوته بدأ يخفت ويمتلئ بالصدق:

انا عايزك... وبحبك... والله ما جلبي ارتاح إلا ليكي... ولا عرفت أعيش بجد غير وانتي في حياتي

هزت سحابع رأسها بعدم تصديق وهمست:

مش مصدجاك... مش بعد كل ال حوصل دا... الكلام مبجاش يكفي يا أسد.. انا مبجيتش واثقه فيك و

وفجأة مد يده إلى درج صغير في المكتب وأخرج ملفا ووضعه بين يديها فـ فتحته ببطء لتتفاجأ بعقود موثقة رسمية وجزء كبير من أملاكه كتب باسمها فـ رفعت عينيها إليه بصدمه وهمست:

اي دا؟! 

رد اسد عليها بثبات:

ـدا حقك... حقك عن كل سنة عيشتيها لوحدك وعن كل مرة كنتي بتبكي وأنا مش جمبك. عن كل كلمه وجعتك مني... دا أقل حاجه ممكن أعملها علشانك

نظرت إليه سحابه بعينين دامعتين وأغلقت الملف بهدوء ثم قالت:

حقي..... أنا عمري ما كنت عايزة حقي يبجى فلوس يا أسد... أنا كان نفسي تبجي جمبي وأنا بولد ووانا بتعب ووأنا بحاول أربي ابنك لوحدي... ابني بالنسبالي أغلى من أي حاجة......و أنا فعلاً بحبك... وبموت فيك كمان... ومش عارفة أعيش من غيرك بس... كرامتي مش هتنازل عنها تاني... أنا مش واثقة فيك... والثقة أهم من الحب

القت سحابه ثم التقطت حقيبتها الصغيرة، وخرجت من الغرفة دون أن تنظر خلفها تاركة أسد واقفا في مكانه قلبه ينهار بصمت 
وفجاه اخترق شروده صوت صراخ مفاجئ... عالي ومخيف كأنما مزق ستار الطمأنينة التي خيمت على البيت و انتفض من مجلسه واندفع يعدو عبر الممراتو قلبه يخفق بجنون والخوف يتسلل إلى صدره مع كل خطوة يخطوها نحو مصدر الصوت ودفع الباب بقوة فارتطم بالجدار ووقف عند العتبة للحظة... وعيناه اتسعتا من الذهول... كان ابنه ممددا على السرير بلا حراك ووجهه شاحب كشمع ذائب وفمه مفتوح قليلا ينزلق منه سائل أبيض كثيف فـ اقترب منه بخطى مرتجفة ثم هتف:

مالك يا حبيبي؟! فارس  رد عليا يا ابني.. فارس 

مد اسد  يده يحركه ولكن الجسد ظل ساكنا باردا بشكل مريب ويده بدأت ترتجف بينما عينيه ظلت معلقة بذلك السائل الغريب ووقف للحظة مشلول التفكير وكل ما حوله أصبح صامتا كالقبر وفجأه و 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1