هل ما سمعه منها مجرد هَذَيان أم هو من يتوهم هذا؟ إنه بالفعل يتوهم ما سمعه ، فها هي تُطاوق عنقه بذراعيها وتشده إليها حتى لا يبتعد لكنه ابتعد عنها بأنفاس صارت حبيسة بين أضلعه وأعين مُتحجرة أختلط بها تأجج رغبته وحيرته .
_ "زينب"، أنتِ قولتي إيه ؟
خرجت نبرة صوته بثقل وتهدج، فتحت عينيها التي برقت بوهج اللهفة والضعف بعدما توقف عن تجاوبه معها بقبلاته الشغوفة وهمساته التي تلمس أوتار أنوثتها.
تعالت أنفاسها مع إنفراج شفتيها المكتنزة بكلمات أقرب للهمس أخترقت فؤاده وأضاعت حيرته وتناست هي أمر ما قالته، هي الآن لا تحتاج سوى تلك المشاعر التي أشعلت داخلها متعة لم تعرفها إلا على يديه.
_ "صالح" أنت حلو اوي.
تمتمت بها وابتسمت،أغلق عينيه مُتنهدًا بأنفاس مضطربه.
تحركت يديها على عنقه بخفة وواصلت حديثها الذي يخرج من بين شفتيها مُتقطعًا ومهزوزًا.
_ خليك حلو علطول يا "صالح" ، أنا حلوه في عينك صح.
ثم نادته بنبرة صوت مختنقة.
_ "صالح"
فتح عينيه ونظر إليها لترفع رأسها إليه حتى تستطيع مُلامسة شفتاه بخاصتها.
وهو كان يحتاج لتلك القبلة، قُبلة أتبعها تنهيدة طويلة وعميقة خرجت من صدره بأهاته ولوعته.
لقد صار رجلًا أخر لا يشبهه ولم يظن يومًا إنه سيكون هكذا، مُعطاءً مُدللًا وراضيًا ومتقبلًا أفعال امرأة تصيبه بالجنون وهو ليس عليه إلا الصبر معها.
_ هتعملي فيا إيه اكتر من كدة يا "زينب" ، قلبي و عقلي بقوا ملكك.
تلألأت عيناها بالدموع وافتر ثغرها بابتسامة توهج معها وجهها،فحتى في عتابه لها حنونًا.
_ أنت حلو أوي أوي يا "صالح".
وبأنفاس متهدجة ونبرة صوت خافتة تضيع مع ثورة مشاعرهم هتفت بخفوت.
_ "زوزو" دلوعة "صالح".
و "صالح" يضيع مع دلالها وضعفها و طفولتها ويقسم لها مع كل قبلة يضعها على ثغرها وسائر وجهها.
_ هتفضلي طول عمرك دلوعة "صالح" يا "زوزو".
وهكذا ضاع الكلام بينهم وازدادت لهفتهم شعلةٌ نحو سحر اللقاء وجرعة الحب ، إنها تتفتح على يديه أما هو يعود للحياة بين ذراعيها.
...
تجمد "مراد" في وقفته عندما أخترق ردها مسمعه ثم استدار إليها وفي عينيه نظرة قاتمة.
ضاقت حدقتاه واقترب منها ، فوجدها تنهض من وراء الشجرة وبدأت تنفض بيدها السليمة بنطالها.
_ أنا وقعت على أيدي.
هتفت بها "زينة" سريعًا بعدما شعرت بتصويب نظراته عليها وكأنه يشك بأمرها.
_ وقعتي إزاي؟
تساءل بها وهو يرفع ذقنها بيده، أدهشتها فعلته... منذ متى و "مراد" يهتم بها، هي أعتادت أن تكون لا شئ يُذكر في حياتهم.
ابتلعت ريقها عندما تقابلت عيناها بعينيه ،فكرر سؤاله بحدة.
_ ردي عليا، وقعتي إزاي يا "زينة".
أرتجف جسدها وتراجعت إلى الوراء خوفًا، فهي تكره الأصوات العالية.
_ قولت وقعت عليها، "عدنان" مضربنيش..وقعت على أيدي في النادي .. أنتوا من أمتى بتهتموا بيا ، ليه ماما مأخدتنيش معاها، ليه فضلت أنا عايشة.
وهرولت من أمامه باكية، فحتى هو قاسي مثلهم ويشبههم.
رددت اسمه داخلها، "هشام" مثلهم وليس ذلك الفارس الذي أنتظرته ليُخلصها من جحيم عائلتها.
كتمت صوت شهقاتها وهي تركض وقد عاد إليها شعور الخزي الذي قتل به فؤادها... هو تركها وحيدة بالمزرعة وعندما استيقظت من إغمائها وجدت الطبيبة جوارها تسألها إذا كانت بحال أفضل الآن لكن أين هو؟ هو رحل ولشدة كرمه عليها ترك لها سائقه.
تتبع "مراد" ركضها من أمامه بنظرة أزدادت قتامة ولم يشعر بنفسه إلا وهو يُكور كف يده ويضرب به جذع الشجر صارخًا بعلو صوته.
...
اختفت تلك الابتسامة عن ثغر "صالح" وأنطفأت لمعة عينيه التي يتلألأ وهَجَها مع إكتمال علاقتهم التي أحيت داخله حياة كانت بعيده عنه.
انتفاضتها من على الفراش والتقاطها لمئزرها ثم ركضها نحو الحمام أصاب عقله بالجمود.
انحبست أنفاسه التي كانت منذ لحظات تخرج من صدره بوتيرة سريعة وتوقف شاخص البصر عندما أستمع إلى صوت بكائها.
اقترب من باب الحمام واستند عليه بكلتا يديه مُحاولًا بيأس إلتقاط أنفاسه.
لقد تخطى الأمر أبعد الحدود وتوقف عقله عن التفكير وهاجس واحد أخذ يدور داخل رأسه ، "زينب" تستسلم له مُجبرة.
وعندما وصلت به أفكاره إلى نفورها منه وضع يده على صدره.
نظر نحو الفراش وهو يفرك عنقه من شدة الأختناق ثم
تحرك جهته والتقط الغطاء الذي عليه وألقاه أرضًا.
خرج صوته بزمجرة قوية والتقط ذلك المقعد الخشبي القريب منه ودفعه بكل قوته.
ارتعشت يدها التي تضعها على شفتيها وأطبقت جفنيها بآلم تتساءل، ما الذي تفعله به وبحالها.. ما هذا الخوف الذي احتلها فور أن تمت علاقتهم الخاصة كاملة للمرة الثانية.
مررت يدها على نبضات قلبها الهادرة وسرعان ما كانت دموعها تنساب على خديها عندما استمعت إلى صوت باب الغرفة يُغلق بقوة.
...
فتحت "ليلى" عينيها بصعوبة على أثر حركة "عزيز" جوارها وخروج أنفاسه بلهاث وكأنه يُصارع شئ أثناء نومه.
شعرت بالقلق وهي تراه يغمغم بكلمات غير مفهومه، أصابها الهلع وبيدين مُرتعشتين هزته برفق .
_ "عزي"ز ،"عزيز" أصحى..
انتفض "عزيز" من نومه وهو يصرخ باسم شقيقه.
_ "ســالم".
نظرة عيناه وتلك الرعشة التي أصابت جسده , جعلتها تُسرع في احتضانه.
_ "سالم" كان واقف قصادي يا "ليلى" ، أخويا كان بيمد أيده ليا وهو حزين... أنا مديت له أيدى بس سبني ومشي.
دمعت عيناه، فنظرة شقيقه له تُخبره دومًا بقرب حدوث شئ سئ لهم.
ابتعد عن حضنها ونظر حوله باحثًا عن هاتفه.
_ "نيرة"، أنا لازم أكلم "نيرة" أطمن عليها.
التقط الهاتف بعد أن تمالك رعشة يديه ولم يرتاح قلبه إلا عندما أستمع إلى صوت أبنة شقيقه.
_ عمو حبيبي، صوتك ماله يا حبيبي وليه بتكلمني دلوقتي.
أطبق "عزيز" جفنيه بوهن عندما وجد "ليلى" تقف ورائه وتمسد على ذراعيه بحنو.
حركة يديها على ذراعيه أعادته إلى وعيه ثم فتح عيناه مُتنهدًا.
_ قلقت عليكي يا حببتي، طمنيني أنتِ واللي في بطنك بخير و "معتز" بخير.
ابتسمت "نيرة" وتلاشى الفزع عن وجهها ثم مررت يدها على بطنها.
_ "عزيز" الصغير بخير ،متقلقش عليه..
خفق قلبه عندما كررت عليه أمر تسمية الصغير باسمه إذا كان صبيًا رغم إنه مرارًا أخبرها أن أول طفلًا ذكر يأتى لعائلتهم سيحمل اسم "سالم".
_ عارف يا عمو أنا كان نفسي أسمع صوتك أوي، أنت ديما حاسس بيا يا حبيبي.
أنشق ثغر عزيز بابتسامة خفيفة وضم "ليلى" إلى صدره.
_ سامحيني يا حببتي إن الدنيا اخدتني منك شويه ، أوعدك إني في أقرب فرصة هاجي أزورك واطمن عليكي.
ابتهجت ملامح "نيرة" وتقابلت عيناها بعينين "معتز" الذي دلف للتو من باب الشقة.
_ هستناك تيجي قريب أنت وعدتني.
أنهى "عزيز" المكالمة معها بعدما اطمن عليها، حركت "ليلى" رأسها على صدره ثم رفعت عيناها إليه.
_ أطمنت عليها يا حببتي .
تنهد "عزيز" بثقل، فتساءلت بخوف.
_ هو الحلم كان وحش يا "عزيز".
ابتلع ريقه وأنفلتت منه تنهيدة أخرى طويلة.
_ مش عارف يا "ليلى"، مش عارف بجد.
تحشرج صوته عندما كرر رده ، فهناك شئ يجثم على روحه.. "سالم" لم يأتي إليه بعد زواجه سوى مرة واحدة وبعدها أنقطع عن أحلامه لكن هذه الليلة لا يعرف لِما رأى الحزن أيضًا في عينيه.
اخفض رأسه هربًا من نظرة عينيها المتوجسة.
_ حبيبي أطمن مافيش حاجة وحشه هتحصل، أنت بس تقلت في العشا قبل ما تنام.
داعبت شفتيه ابتسامة واهنة عندما مدَّت يدها نحو خده حتى تُحرك وجهه إليها وأردفت وهي تتحرك بين ذراعيه.
_ وكمان خلتني أنام زعلانه عشان مش عايز تاخدني معاك تركيا.
حدق بها بنظرة طويلة بعد عتابها اللطيف الذي دغدغ مشاعره.
_ عايزه تيجي معايا تركيا يا "ليلى".
اتسعت ابتسامتها وهزت رأسها بالموافقة.
_ أنا رايح يومين شغل مش رايح أتفسح.
أسرعت بالرد حتى تهرب من مكوثها بالفيلا دونه.
_ هقعد في الفندق مؤدبه وكمان "نارفين" هناك هقضي يومي معاها.
_ وأنا موافق يا "ليلى" وأهي فرصه نشوف دكتورة شاطرة هناك ونطمن.
اِنمحت ابتسامتها سريعًا وتساءلت وهي تنظر إليه.
_ دكتوره ليه، أنت تعبان يا "عزيز".
ازدردت لعابها بوجِل عندما سار بها جهة الفراش وأجلسها عليه ثم جلس جانبها مُلتقط كفوف يديها.
_ دكتوره عشان نطمن إن مافيش حاجة تمنع الحمل يا "ليلى".
كادت أن تُقاطعه وتُخبره أن زواجهم لم يمر عليه سوى أربعة أشهر، فترك يديها وأسرع بمداعبة خديها.
_ حببتي عشان نطمن مش أكتر ، أنا عارف إننا بناخد الخطوة ديه بدري والمفروض نستنا على الاقل ست شهور بس أنا عايز طفل يا "ليلى"، هيكون أسعد يوم في حياتي يوم ما تقوليلي إنك حامل، أه لو تعرفي السعادة اللي هتديهاني لما يجي اليوم ده.
والتقط كفوف يديها مجددًا واخذ يقبلهما تحت تأثير صدمتها، "عزيز" يلح في أمر الأنجاب ويخبرها بشوقه لهذا الخبر الذي سيضيف إلى حياته سعادة لا يستطيع وصفها لها.
جف حلقها وشحب وجهها وهي تشعر بقبلاته على جفنيها المُغلقين.
وصوت واحد يحمل مرارة صاحبته أخذ يقتحم ذاكرتها.
« كان نفسي أكون أم يا "ليلى" وأفرح "حامد" بطفل من دمه لكن مكنش لينا نصيب وعشان يخليني سعيدة وأتقبل فكرة إني مش هكون أم، وافق إننا نتبنى طفل ،"حامد" حبه ليا كان أكبر من إنه يكون أب ، فضلت عمري كله أتعذب وأنا بشوف حيرته في عينه كل ما كان يروح زيارة لأهله ويرجع يترمي فـ حضني زي الطفل ، كانوا ديما يعايروه أنه ضحى بأبوته وطفل من صلبه عشاني، قصة حبنا الكل كان بيتحاكى عنها لكن كان وراها أمتحان صعب أوي .»
...
داعبت برودة الهواء وجهه ،فتنهد "صالح"بعمق وهو يصوب عيناه نحو مياة النيل التي أنعكس عليها ضوء القمر.
هدوء الليل وذلك السلام الساكن مع سكون المياة جعل النيران المشتعلة داخل صدره تنخمد وقد أتأخذ القرار الصحيح في الأبتعاد عنها حتى يهدأ.
أستمر في زفر أنفاسه ثم رفع رأسه لأعلى مُتنعمًا بصفاء السماء.
_ قربك نعيم ونار يا "زينب".
غمغم بكلماته ثم لاحت أمامه صورتها وهي تبتعد عن حضنه وتركض نحو الحمام.
عادت تلك النيران توقد داخله، فهل ما يفعله معها جُرمًا، والأمر الذي يُفسره عقله هذه اللحظه يُدمي قلبه ،هي ترغب بالتخلص من لمساته ورائحته العالقة بجسدها سريعًا.
_ أنا بتعذب في حيرتي، حاسس بنار جوه قلبي.
لطم صدره لَعلّ حرقته تزول ويُسيطر على غضبه.
_ لأ شكلك موجوع أوي.
هتفت بها الواقفة ورائه ثم دست لفافة التبغ بين شفتيها المطلية بأحمر شفاه صارخ.
تقوست شفتيه بتجهم وأستدار بجسده إليها ، فابتسمت واقتربت منه.
_ تعرف إنها غبيه.
رمقها "صالح" باستنكار وابتعد عنها،فاردفت وهي تتلاعب بإحدى خصلات شعرها المصبوغة.
_ متعرفناش يا باشا ،أنا "مروة" سيدة أعمال ولسا راجعه من فرنسا.
لم يهتم "صالح" لأمرها وأكمل سيره ، فهي أثارت أشمئزازه.
اتسعت ابتسامة الواقفة.
_ من بعيد شوفتك فيه، أصل أتعرفت عليه على الباخرة هنا.
ثم تجلجلت ضحكتها ونظرت حولها وأخذت تُردد اسمه بعدما تذكرت تلك الذكرى البعيدة وهو يمد يده لها حتى يُعرفها على نفسه.
« أسامة، بشمهندس أسامة.»
...
تحركت "زينب" في الغرفة وهي تقضم أظافرها من شدة قلقها ثم توقفت عن حركتها المُفرطة وأتجهت نحو الخزانة الصغيرة وقررت إلتقاط ملابس لها تُناسب خروجها حتى تبحث عنه.
التفت بكامل جسدها بلهفة حينما أنفتح باب الغرفة وصاحت باسمه.
ألقت ما ألتقطته يدها أرضًا ثم هرولت إليه.
_ سيبتني و روحت فين، أنا كنت طالعه أدور عليك.
لفت ذراعيها حول خصره وشدَّدَت من ضم نفسها إليه.
_ أنا أسفة.
وقوفه ثابتًا مُتصلبًا دون أن يُبادرها العناق أصابها بالدهشة ،أبتعدت عنه ونظرت إليه بنظرة حائرة.
_ "صالح".
أشاح وجهه عنها وقد زادتها فعلته ذهولًا.
_ أنت ليه مش بترد عليا.
لقد ضاق صدره ولم يعد لديه قدرة يُقاوم نفورها منه وتلاعبها به.
_ أرد عليكي أقول إيه، أقولك إنك قدرتي بجدارة توجعيني يا "زينب" ، ده أنا سلمتك قلبي وعقلي... لو أطول أجبلك نجمة من السما عشان تكوني راضية هعملها ... لدرجادي مش طايقة قربي، طب ليه سمحتيلي من الأول أقرب.. ليه؟
اِنجرح حلقه من الصراخ وتحرك نحو الفراش بعدما شعر بعدم قدرته على الوقوف.
_ أنت بتقول إيه!!
ترقرقت الدموع في عينيها ،فاطرق رأسه مُطبقًا شفتيه حتى لا يتحدث ثانية ويجرحها.
صورته وهو مُطأطأ الرأس هزت فؤادها وأستوعبت أخيرًا الصورة التي وصل إليها عقله.
_ أنا بعمل كده عشان خايفه أكون أم ، "شاكر" باشا خلاني قدام كل الناس إنك مختارني عشان أحقق حلم العيلة وأخلف ليكم الوريث.
رفع رأسه إليها بصدمة لا يستوعب ما تخبره به وأستطردت قائلة بحرقة وصوت مختنق.
_ حتى "رغد" عارفه إنك متجوزني عشان أخلف وبس.
وبأنفاس لاهثة ثائرة خرج تساؤلها بضعف.
_ أنا إيه في حياتك يا "صالح"؟
تعجبت من ابتسامته ونظرته إليها ثم اقترابه منها بخطوات بطيئة.
_ عايزة تعرفي أنتِ إيه في حياتي يا "زينب"...أنتِ بَلائِي ، بَلائِي يا "زينب".
أنعقد الكلام على طرف لسانها بعد نعته لها بالبلاء ثم أنفلتت شهقة قوية من شفتيها بعدما دفعها نحو الخزانة رافعًا ذراعيها فوق رأسها...
❤️❤️❤️❤️
تُلهكه بنظرة من عينيها، بصوتها الناعم حين تُناديه ، بحركة شفتيها عندما تُخبره إنها بحاجة لحضنه حتى يعود الأمان إليها ويضيع هو بين كل هذا وهذا مُلتاع القلب ومُشتت العقل.
_ أنا خايفة يا "صالح".
وكان أخر شئ أستطاعت التفوه به هذه اللحظة التي ظنت فيها أن عقابه سيكون قاسيًا.
وضع رأسه على الوسادة منفرج الشفتين مُحاولا السيطرة على خروج أنفاسه وفي عينيه نظرة منتشية.
تحرك برأسه جهتها بعدما تمالك ما يجَيش بصدره ثم ابتسم عندما وجدها تضع الوسادة على وجهها.
تنهد بقوة ولم تغادر تلك الابتسامة شفتيه، فكل يوم معها يكتشف صفة أخرى بها.
_ "زوزو" دلوعة بابا .
غمغم بها وهو يجتذبها إلى صدره وقد توقفت عن لَطَم الوسادة على وجهها.
_ خايفة من إيه، معقول خايفة مني!!
تهدج صوت أنفاسها ثم أزاحت الوسادة ببطء عنها ، هو لم ينسى كلامها إليه قبل أن تضيع بين ذراعيه متوعدًا لها بأنه سيعاقبها عقابًا شديدًا وسيثأر لكرامته.
نظرة عيناها الناعسة أرجفت قلبه ،فأسرع بالتقاط الوسادة التي مازالت بين ذراعيها وقذفها بعيدًا ثم شدد من ضمها إلى صدره مُتنهدًا.
_ خلتيني افقد عقلي وأعاملك بعنف ، قوليلي تهورك ودماغك ديه هتعمل فينا إيه تاني.
نبرة صوته الخشنة التي يتخللها العتاب جعلتها رغمًا عنها تبتسم.
_ أنت مكنتش عنيف، أنت كنت حنين.
قالتها ثم دسَّت وجهها بصدره حتى تهرب من نظرته الثاقبة إليها.
تسارعت دقات قلبه وقد شعرت بعلو وهبوط صدره بعدما صارت أنفاسه غير منتظمة.
_ خبيني في حضنك يا "صالح" ، حضنك شبه حضن بابا... بابا كان حضنه دافي أوي وحنين زيك.
شعر بدفئ دموعها على صدره، فانتفض مذعورًا وهو يعتدل في تسطحه متسائلًا بهلع.
_ "زينب" أنتِ بتعيطي.
حاول رفع وجهها إليه إلا إنها تشبثت بحضنه وقد فاضت عيناها بدموعٍ سخية.
_ كل حاجة حلوة بتحصلي بقت بتخوفني ، أنت مش هتسيب أيدى صح ، هتخبيني ديمًا في حضنك.
والحقيقة التي يتأكد بها يومًا بعد يوم وتترسخ داخله، "زينب" سلمت نفسها له لشعورها بالأمان معه... والدور الذي قرر اللعب به منذ البداية عليه أن يتحمله، وهل الأباء يضجرون من دلع صغارهم؟
أراد أن يتحدث و يوعدها إنه سيظل يحميها ويُخبأها بين أضلعه لكن كل شئ توقف حوله عندما بدأت تخبره عن ذكرياتها مع والدها.
أعتصر الألم فؤاده وأخذ يسمعها، هو لم يعرف مرارة اليُتم لكنه رآه في أعين صغيره.
لم يجد أي كلام يستطيع مواستها به ، فالكلام يقف محشورًا في حنجرته وسرعان ما كان يقفز شئ في رأسه، شئ صار يعرفه... هي تحب أن يلعب لها في خصلات شعرها ويطبع قبلات مُتفرقة على يديها.
توقفت عن البكاء حينما شعرت بأصابعه تتخلل داخل خصلات شعرها ثم شفتيه عرفت طريقهما.
وليلة الوصال تكررت ، تكررت بلا عقد بلا خوف وبلا هرب.
...
انفلت تأوه ضعيف من شفتي "ليلى" ثم أسرعت بتمرير لسانها على طرف أصبعها بعدما انغرزت أبرة الحياكة به.
تركت "عايدة" قطعة القماش التي تقوم بتطريزها ثم نظرت إليها.
_ لأ أنتِ فيكي حاجة النهاردة غريبة، من ساعت ما بدأنا شغل وأنتِ مسهمه ولتاني مره الأبرة تشكك.
أخفضت "ليلى" رأسها حتى لا ترى زوجة عمها نظرة عيناها الشاردة، فهى منذ ليلة أمس وعقلها لا يرحمها من هواجسه.
_ مافيش حاجة ، أنا بس مُرهقة شوية.
_ واضح يا حببتي على وشك.
قالتها "عايدة" وهي تربت على كف يدها بحنان.
_ فضفضي ليا يا "ليلى" يمكن تلاقي عندي النصيحة.
ضاقت حدقتيّ "عايدة" عندما طال صمتها وكادت أن تنهض وتقترب منها إلا أن سؤال "ليلى" جعلها تعود إلى مقعدها وتقطب حاجبيها في حيرة.
_ أنا عارفه إن مش مفروض أسأل السؤال ده لكن غصب عني.
تَجَلَّى القلق بوضوح على ملامح "عايدة" ولم ترغب في مقاطعتها وبصعوبة خرج الكلام من شفتيّ "ليلى" بعدما أزدردت لعابها لمرات.
_ عم "سعيد" قالي إن "شهد" جات بعد خمس سنين من جوازك أنتي و عمي، هو يعني أنا أقصد ...
توقفت "ليلى" عن مواصلة كلامها بعد أن شعرت بحرجها، فابتسمت "عايدة" وتلاشى القلق عن وجهها.
_ خمس سنين ،فضلنا خمس سنين من دكتور لـ دكتور لحد ما ربنا أذن.
تقابلت عيناي "ليلى" بنظراتها التي ألتمع بهما الرضى.
_ رزقنا من الذرية "شهد "و الحمدلله رضينا بيها أنا و عمك.
ترقرقت الدموع في مقلتيها تأثرًا ،فاندهشت "عايدة "وهتفت بوجل.
_ "ليلى"، فيكي إيه... في حاجة حصلت مخبياها عليا.
أطبقت "ليلى" شفتيها حتى لا يخرج صوت بكائها لكن دموعها خانتها وأنفجرت باكية.
_ أنا خايفه أكون زي ماما "عائشة" ومخلفش، "عزيز" نفسه في طفل.
...
أغلقت "زينب" جفنيها مستمتعه بأجواء المكان بعدما أبتلعت ما دسَّه بين شفتيها من قطعة خبز ممسوحة بحلوى المُربى.
توقف "صالح" عن تمرير السـ.ـكين على قطعة الخبز التي وضع هذه المرة عليها القليل من القشطة وقد ترك لعينيه حرية تأملها والتمتع في فتنتها التي تنبعث من تصرفاتها التي تشبه تصرفات المُراهقات المُدللات في بيوت أبائهن.
_ كل حاجة هنا جميلة ، الجو في هدوء و سحر عجيب بيجذبك.. عارف نفسي في إيه.
تمتمت بها وهي تفتح عينيها في اللحظة التي سحب أنظاره عنها وتساءَل بصوت مُتحشرج.
_ نفسك في إيه يا "زينب".
نظرت إليه بنظرة تسْتَشَفَّ منها ردة فعله عندما تُخبره بالأمر الذي تُريده.
قوس شفتيه وهو يمدَّ إليها بقطعه الخبز الأخرى التي التهمتها سريعًا من يده.
_ عايزه أرقص تانجو.
أسرعت بمضغ ما حشره بفمها وأبتلعته حتى تواصل كلامها.
_ ده مجرد حلم مش أكتر..
ثم نظرت حولها.
_ أكيد يعني مش هرقص قدام الناس ديه، بس نفسي أحقق الحلم ده أوي هنا.
تخبره بحلمها الذي تراه مستحيلًا بل وأخدت تصف له تخيلها لمشهد الرقصة هنا ثم تساءلت بحماس.
_ بتعرف ترقص تانجو؟
داعبت شفتيه ابتسامة واسعة، وهز رأسه بعدما أنطلقت ضحكة منه.
_ قولتلك إن عندي مواهب كتير وأنتِ مصدقتيش ، عموما أه بعرف يا ستي أرقص تانجو بس مش أوي وبعرف كمان اعزف على البيانو .
_ بجد، أنت بتعرف تعزف على البيانو!!
أسترخى في جلوسه مبتسمًا بسخرية ، فـ والدته كانت حريصة أن تُخرجه للمجتمع المخملي بصورة مُشرفة...صورة يفتخر بها "شاكر الزيني" وتفتخر بها هي.. "شاكر الزيني" يسعى على جعله في صورة رجل خشن الطبع و والدته تسعى لتعليمه ما تُحب أن يكون صغيرها عليه.
_ دكتورة "حورية" كانت حريصة إنها تخليني طفل مميز.
لم تنتبه على صوت المرارة التي لم تكن واضحة في حديثه ،فهي لم تكتشف بعد طفولته التي كانت بلا روح... طفولة جعلت منه رجلا مُنطفئًا من الداخل حتى أتت هي لعالمه.
_ إيه رأيك نغمض عينينا ونتخيل الرقصة سوا...
اتسعت ابتسامته ثم سحب مقعدها إلى جواره.
_ نتخيل يا حببتي بس تفتكرى خيالنا هيكون واحد.
زَّمت شفتيها بعبوس، فقهقه بعلو صوته دون حرج.
_ لزمتها إيه التكشيرة ديه وإحنا هنرقص تناجو فــ خيالنا.
وكزته في ذراعه، فاستمر بالضحك.
_ ما أنا بفكر إزاي هنعيش الرقصة سوا جوه خيالنا!!
كاد أن يتحدث و يُخبرها أن يذهبوا إلى غرفتهم ويطبقوا الأمر فيها حتى يستطيع إلتهامها بتمهل.
_ أيوه لقيتها خلاص... هنغمض عينينا ونتكلم بصوت مسموع ونشغل اللحن بتاعها.
ابتلع ريقه عدة مرات وهو يراها تصفق متحمسة.
_ "زوزو" هو مينفعش نرقصها في أوضتنا مثلا.
أسرعت بالرد رافضة اقتراحه.
_ لأ أنا عايزة أتخيلها هنا.
هز رأسه بيأس وتنهد.
_ خلينا نجيب اللحن ونبدء نسرح بخيالنا يا مُهلكة.
اِفتر ثغرها بابتسامة خجلة ثم ألتقطت هاتفها تبحث عن لحن الرقصة لكن يدها توقفت على شاشة الهاتف وحدقت به.
_ مالك يا "زينب" بتبصيلي كده ليه ؟
لم تتوقع أن يأتي يومًا وتصبح أمام رجلًا شفافة ، تُفصح له عما يدور برأسها وتنتظر منه الجواب.
_ "صالح" إحنا متفقناش هناخد احتياطاتنا إزاي لحد ما رحلتنا تخلص ونروح للدكتورة ونشوف وسيلة منع الحمل المناسبة.
رمقها بنظرة متفرسة وتمالك نفسه حتى لا يضحك.
_ ما إحنا هنستعبط يا "زوزو" وهما يومين بس ، تفتكري هيحصل حمل بالسرعة ديه... ما أظنش.
عبست بوجهها وقد أقنعها حديثه لكن سريعًا ما تذكرت أمرًا تغافل عنه عقلها لوهلة.
_ طب ما أنت خلفت "يزيد" يعني...
رؤيتها لجمود ملامحه جعلها تبتلع بقية حديثها.
_ مش قصدي حاجة صدقني.
أشاح بوجهه عنها مُحاولًا السيطرة على ذكرى قاسية لم و لن تنمحي من عقله.
_ "صالح"، أنت زعلت، متزعلش خلاص ، خلينا نغمض عينينا بقى ونستمتع بالرقصة.
ورغمًا عنه داعبت شفتيه ابتسامة عريضة ثم أطلق زفيرًا طويلًا وهو ينظر إليها.
_ أنا كنت فاكر إني أتربيت على أيد "يزيد"، طلع تربية البنات مُتعبة...
_ تقصد إيه، إن أنا متعبة.. ؟
قهْقه عاليًا ولفتت ضحكته نظرة تلك التي وقفت تتابعه من بعيد وقد دفعها الفضول لرؤية وجه المرأة التي يُرافقها.
_ إطلاقًا يا حببتي ، البنات الحلوين يليق بيهم الدلع ولا إيه.
برقت عيناها ثم أسرعت بخفض رأسها بعد أن داعب بحديثه قلبها العطش لمثل هذا الدلال.
_ أنا بقول خلينا نرجع أوضتنا أفضل عشان نكمل تفاوض.
رمقته من أسفل أجفانها ثم استندت بظهرها إلى ظهر المقعد الجالسة عليه.
_ تفاوض إيه؟
بطرف عينه غمز لها وهو ينهض.
_ تفاوض على إحراز الهدف يا "زوزو".
وبغباء تساءلت بعدما التقط يدها حتى تنهض معه.
_ هدف إيه ؟
داعب خدها بكف يده رابتًا عليه برفق.
_ لأ أنا كده مبسوط بيكي يا حببتي.
تحرك بها نحو الممر المؤدي إلى الدرج حتى يهبطوا من سطح الباخرة وعلى شفتيه ابتسامة ماكرة زادته وسامة.
_ شكلها مراته وشكلهم في شهر العسل.
قالتها تلك التي وقفت تُراقبهم من بعيد ثم تعالت ضحكتها وألتقطت لفافة تبغ تدسها بين شفتيها.
_ صغير و وسيم، أنا محتاجه من النوع ده عشان أرجع بي شبابي من تاني.
مررت يدها على وجهها الذي يعطيها سنوات عمر أصغر من عمرها الحقيقي.
_ المرادي دكتور التجميل كان شاطر أوي.
...
وضعت "ليلى" إبريق الشاي على الموقد حتى تقوم بتحضير الشاي لها ولزوجة عمها ويسترخوا قليلًا ثم يواصلوا عملهم في تلك المشغولات التي تحتاج تركيزهم.
أسدلت جفنيها ثم زفرت أنفاسها براحة، فحديثها مع زوجة عمها أزال ذلك الثقل الذي كان يجثم على روحها منذ ليلة أمس.
_ "ليلى".
أجفلها صوت "شهد" التي عادت للتو من جامعتها، وضعت "ليلى" يدها على قلبها والتفت نحوها.
_ خضتيني يا "شهد" ، أعمل حسابك في الشاي معانا.
اقتربت منها "شهد" وأطفأت الموقد ، فحدقتها "ليلى" بنظرة حائرة وتساءلت.
_ طفيتي ليه على الشاي؟
_ عايزه اتكلم معاكي يا "ليلى".
تلاشت الحيرة سريعًا عن ملامح "ليلى "وأبتسمت.
_ تصدقي وحشني الكلام معاكي يا "شوشو"، أديني بس خمس دقايق أخلص الشاي وأقطع الكيكة ونقعد نرغي مع بعض.
_ لأ أنا مش عايزه أشرب شاي ولا أكل حاجة ، أنا عايزه اتكلم معاكي كلمتين يا "ليلى".
اندفع الكلام من شفتي "شهد" ثم تحركت من أمامها.
_ هستناكي في أوضتي.
أحتل الوجل ملامح "ليلى" ثم تنهدت وأتبعتها.
_ أقفلي الباب وراكي.
ازدادت دهشة "ليلى" و أستدارت بجسدها حتى تُغلق الباب.
_ قلقتيني يا "شهد" ، في إيه؟
تحركت "ليلى" نحو الفراش الصغير الذي كان لها في مسكن عمها قبل أن تُصبح زوجة "عزيز الرهار".
_ "سيف" كان قاعد معاكي في الجنينة من يومين ليه ؟ وكنتوا بتضحكوا وكأنكم صحاب .. من أمتى "سيف" مُتقبلك ... "سيف" أكتر واحد رافضك.
توقفت "ليلى عند حافة الفراش تنظر إليها بنظرة تحمل صدمتها.
_ ردي يا "ليلى"، "سيف" بقى قريب منك ليه؟
_ أنتِ بتقولي إيه يا "شهد"!!
اقتربت منها "شهد" وأخذت تُكرر سؤالها وقد أصابتها حالة من الجنون بعد تجاهل "سيف" لمكالمتها اليوم.
_ "شهد" أنا مش فاهمة سبب لسؤالك وعشان أريحك...
انفتح الباب فجأة ودخلت "عايدة" تنظر إليهن.
_ دخلتوا الاوضة وقفلتوا على نفسكم ليه، في إيه ما بينكم مش عايزني أعرفه.
...
أعتلت شفتيَّ "سيف" إبتسامة ساخرة وهو يمرر أصبعه على شاشة الهاتف ويرى أول مُحادثة بينه وبين "ليلى".
_ إحتمال تسافري تركيا مع عمي وماله يا "ليلى" هانم نشوف موضوع السفر ده ونفكر في حاجة.
ألقى هاتفه بضيق على طاولة مكتبه و ردد ساخرًا.
_ مش قادر حتى يسيبك، عمي بقى زي العيل الصغير مش قادر يستغنا عن لعبته.
نهض عن مقعده وأخذ يدور حول نفسه بوجه عابس ثم زفر أنفاسه بضجر.
_ هتفضلي كتير في حياتنا يا "ليلى".
_ "سيف" أنت فاضي..
هتفت بها "بيسان" وهي تدلف دون طرق الباب عكس ما أعتادت عليه وأدرفت باعتذر وهي تسير نحو طاولة مكتبه وتضع الأوراق عليها.
_ أوراق المناقصة ديه مهمه وفي أجتماع بعد ساعة وأنا بصراحه عندي ميعاد مع "فارس" عشان نشوف الفيلا اللي هنعيش فيها بعد جوازنا.
أبتلع ريقه ببطء ونظر إلى الأوراق التي وضعتها ثم إليها.
_ جوازكم، أنتوا خلاص حددتوا ميعاد الفرح.
ثغرها الذي اتسع بابتسامة واسعه وتمرير يديها بغنج على خصلات شعرها، أصابه بالوجُوم.
_ يعني شهرين أو تلاتة كده، عن أذنك يا "سيف" لأحسن "فارس" بيحب المواعيد المظبوطة زيز
خرجت من الغرفة وهي تبتسم بإنتشاء وغمغمت.
_ دوق من نار الغيرة يا "سيف"، هوجعك زي ما وجعتني وفضلت "كارولين" عليا.
...
تجمد "هشام" مكانه وهو يرى أبنه يُصافح "زينة" التي فور أن رأته يدلف الغرفة أبتسمت ولم تفلت يدها السليمة من يد "قصي" .
_ أنا بحب أوي ظباط البحرية وشكلنا هنكون صحاب.
انتبهت "لبنى" على دخول "هشام" والتفت برأسها جهة باب الغرفة.
_ سيادة المستشار وصل، كده بقى نتغدا كلنا سوا.
أفلت "قصي" يده من يد "زينة" وأبتسم ثم نظر نحو والده واتجه إليه حتى يُعانقه وقد أتى أجازة بعد غياب ثلاثة أسابيع في عمله.
_ عايزين نتكلم يا والدي العزيز في موضوع كتب كتاب "أشرقت".
قالها "قصي" بصوت خافت وربت على كتف والده.
_ أهلا سيادة المستشار
هتفت بها "إلهام" خالة "مراد" التي حضرت اليوم هي و "زينة" حتى يعطوا العروس هديتها وفقًا لتقاليد عائلتهم.
_ أهلا يا إلهام "هانم".
خرج صوت "هشام" أخيرًا بعدما انتبه على تحول الأنظار عليه، فتركت "أشرقت" عُلبة المجوهرات التي بيدها ونهضت قائلة :
_ ماما ممكن لحظة.
تحركت "لبنى" ورائها بعد أن أعتذرت من السيدة "إلهام" وقد غادر "قصي" ورائهن...
_ إيه يا "زينة" مش هتسلمي على سيادة المستشار.
ثم كزتها "إلهام" في ساقها حتى تنهض مرة أخرى وأردفت ضاحكة.
_ معلش يا سيادة المستشار، الجيل الصغير ده لازم نلفت نظره لكل حاجة.
حرك "هشام" رأسه بصمت وتَجَلَّى الفزع في مقلتيه عندما أنتبه على ذراعها المُصاب.
_ أهلا...
هتفت بها "زينة" بنبرة فاترة وتحاشت النظر إليه.
اهتزت مقلتين "هشام" بذعر ، أبنه و "زينة" لا وألف لا.
_ مدام "لبنى" عرضت عليا إن "زينة" و "قصي" يتعرفوا على بعض فترة قبل أي شئ رسمي ، ولا أنت إيه رأيك يا سيادة المستشار.
....
صدح صوت إطارات سيارته عاليًا بعدما توقف بالسيارة فجأة وقد سقط الهاتف منه، فعن أي حادث يتحدث هذا الشخص وعن أي مَشْفى.
غامت عيناه بنظرة خاوية وانحبست أنفاسه داخل صدره، "عزيز" سائقه منذ ساعتين تحدث معه في مكالمة طويلة كانت غريبة له وقد أخذ يخبره بذكريات قديمة جمعتهم ثم أوْصاه بعائلته.... "شهد"، "عايدة"، وأولهم كانت "ليلى"...