رواية عشق لايضاهي الفصل التاسع والثمانون 89 بقلم اسماء حميدة


رواية عشق لا يضاهي الفصل التاسع و الثمانون بقلم اسماء حميدة


في نهاية المطاف لم تجد سيرين ملاذا سوى الاستسلام كأنما خارت قواها تحت وطأة الشجار فانسلت روحها إلى غفوة ثقيلة كمن يغرق في حضڼ بحر ساكن.وعندما داعبت خيوط الشمس الندية وجوههم في الصباح كان ظافر لا يزال ما بين الغفوة واليقظة فهو لم يذق لذة نوم كهذه قط وكأن الليل قد غزل له بطانية من الأحلام الهشة.
فتح عينيه المثقلتين فوقع بصره على سيرين ترقد ساكنة بين ذراعيه كزهرة يانعة طوقها النسيم بحنان.
خفتت النظرات الجليدية التي في عينيه شيئا فشيئا واستحال صقيعها إلى دفء كأنما ذاب تحت وهج حضورها.
كان مكيف الهواء يهمس برتابة يدفع بأنفاسه الباردة فوق أجسادهم المنهكة فلاحظ ظافر انكماشها على نفسها كطفلة تلوذ بالأمان فرفع معطفه بهدوء يشبه خشوع الصلاة وأسدل أطرافه فوقها ليحميها من قسۏة البرد.
في تلك اللحظة الهشة ارتجفت أهداب سيرين وفتحت عينيها نصف المغلقتين وما إن وقعت نظراتها على عينيه المغمورتين برقة غير مألوفة حتى انساب اسمه من شفتيها بنغمة واهنة
ظافر...
تشنج ظافر كأن اسمه الذي خرج من بين شفتيها بعمق وتلقائية قد أيقظ شيطانا نائما بداخله.
استفاقت سيرين من وهم اللحظة فتملصت من بين ذراعيه بفزع وسقطت أرضا بثقل حزين زافرة آهة ألم مكتومة.
تجمد ظافر مكانه للحظة ثم انقض عليها بحدة وسحبها من ذراعها قائلا وعيناه تبرقان بسؤال موجع
بماذا ناديتني توا
تلعثمت سيرين وتحالفت مع الغباء المستعار كي تهرب من عاصفة الإجابة
ماذا لم أفهم.
لم يصر ظافر أكثر لكن السخرية تسللت إلى صوته وهو يقول
تنسين بسرعة مذهلة ذاكرتك ضعيفة للغاية يا آنسة تهامي لقد التمست لك العذر الآن.
وبين رمشة عين وأخرى انطفأت الرقة من ملامحه وحلت مكانها برودة صخرية كأن شخصا آخر قد سكنه غريب عن ذاك الذي مد لها الدفء قبل لحظات.
لاحت خيبة باهتة بعيني سيرين كنسيم بارد تسرب تحت باب موارب فأدركت حينها أنها كانت تخدع نفسها إذ أيقنت أن ذلك الفتى الذي كانت تعرفه قد تلاشى مذ التحق بالجامعة وغاص في دهاليز مجموعة نصران تغير صار قاسېا حاد الأطراف ككريستالة قابلة للكسر لكنها ټؤذي قبل أن تتحطم أجل لقد اختفى منه لطف السنون الأولى بل وتلك التي كان يحول تصنعها في الأيام القليلة الماضية وتحول إلى تمثال من الجليد... لم يعد ذلك الشاب الذي كان يركض إليها في منتصف الليل فقط لأن دمعة قد بللت خدها... في البداية ظنت أن ضغوط العمل قد جففت ينابيعه لكنها فيما بعد عرفت الحقيقة القاسېة وهي أنها لم تكن تعرفه حقا من قبل.
بابتسامة تحمل في طياتها نفاد صبر قالت
سيد نصران... لقد دعوتك للعشاء وليس من اللائق أن أودعك.
في جملتها الأخيرة لمحت له بالمغادرة دون أن تطرده صراحة وبالتفاتة ناقمة رمقها ظافر بنظرة باردة وسأل
بنبرة ساخرة مشوبة بالمرارة
هل أنت متأكدة أنك تريدينني أن أرحل
ترددت وظل صمتها معلقا بينهما كحبل مشدود يكاد أن ينقطع فعاود يسأل بصرامة
أطرح عليك سؤالا!
لم تحتمل نظراته التي تغرس خناجرها في صدرها فتمتمت محاولة إنقاذ الموقف
لم أقصد ذلك... فقط أظن أنك... ينبغي أن تكون في مكتبك الآن.
كان تبريرها هشا كبيت عنكبوت لن يصمد أمام ريح خفيفة.
تجمدت تعابير وجه ظافر وسرى الڠضب في عروقه مسرى الډم ومن ثم غادر بلا كلمة أخرى.
ركب سيارته وجلس داخلها طويلا تتصارع في رأسه آلاف الأسئلة بلا إجابات عاجزا عن تفكيك شيفرة ما حدث وكأن قلبه قد أصبح حقل ألغام ينتظر الانفجار.
لم تعد سيرين تلك الفتاة المتوجسة الحذرة التي تمشي فوق جليد رقيق كلما وقعت عيناها على ظافر بل تحولت إلى امرأة أخرى... امرأة تتقن إشعال الحرائق في قلبه بمجرد نظرة دون أن يرف لها جفن.
بأنامل متوترة فتح ظافر صندوق القفازات في السيارة يبحث عن سېجارة يطفئ بها النيران المتأججة في صدره مد يده في الفراغ لا شيء إذ كانت السچائر التي أوصى موظفيه بوضعها قد تبخرت كحلم عابر فهو قد اعتاد هذا الإدمان منذ أن غابت سيرين عن حياته وكأن اختفاؤها قد ترك ثقبا أسود يبتلع أنفاسه كلما حاول النجاة.
لكن السېجارة لم تكن معضلته الوحيدة
كان الأرق يسكن روحه.
طوال خمس سنوات كان النوم يراوغه كعدو لئيم لا يمد له يد السلام إلا بعد الثالثة أو الرابعة فجرا وأحيانا كان يضطر إلى ابتلاع الحبوب المنومة حبة إثر أخرى حتى صار جسده يعتادها ويتمرد على تأثيرها ومع كل زيادة في الجرعةذ كانت أحلامه تصبح أكثر هشاشة كسراب يتبدد مع أول لمسة ضوء.
الليلة الماضية احتاجت الحبوب وقتا أطول كي تخدر جراحه المفتوحة.
قال له الطبيب مرة وهو يقلب أوراقه بعين خبير أنهكه الزمن
التوتر يمتصك... عليك أن تستريح وإلا ستنكسر.
لكن الراحة كانت حلما مؤجلا فكلما أغمض عينيه كانت كلمات سيرين تتسلل إلى ذاكرته كخناجر مغروسة في خاصرته لا يملك سوى أن ينزفها في صمت.
جلس طويلا في سيارته متحجر النظرات حتى قرر أخيرا أن يشعل محركها وينطلق كما لو كان يهرب من شبح يطارده.
ذلك اليوم طلبت كوثر من سيرين أن تلتقيها إذ كانت قد رتبت الأدلة لمقاضاة دينا وأرادت أن تعرضها عليها كمن يكشف خريطة كنز.
جلست سيرين تقلب الصفحات أمامها ببطء وعيناها تسافران عبر الكلمات كأنهما تتلمسان جدار الحقيقة بأصابع مرتجفة.
كل سطر كان سلاح نافذ وكل ورقة كانت قنبلة مؤجلة.
لم يكن مجرد دليل عابر بل خريطة مفصلة لخيانات دينا
تلاعب بالإعلام عبر شركة كارنيفال سنترال ميديا تسجيلات محادثات مسروقة واعترافات خفية لسرقات أعمال نسبت زورا لنفسها.
رفعت سيرين رأسها وعيناها تتوهجان بالذهول وسألت بصوت مشحون بالريبة
من أين لك
بكل هذا
ابتسمت كوثر بغموض وقالت
زاك هو من سلمني إياها. قال إن السيد كارم قد أوصاه بذلك.
ارتجف قلب سيرين بصدرها إذ
كان كارم ذاك الشبح الذي يمد لها يده كلما غاصت في الوحل هو من يقف خلف هذا كله.
دين ثقيل كان يثقل كاهلها... دين لم تعد تملك سوى الاعتراف به في صمت.
قالت كوثر وعيناها تضيقان بإصرار
دينا أصبحت اليوم مؤثرة قوية كإعصار وإسقاطها لن يكون سهلا... ولكن بإمكانك لا محالة أن تستعيدي عملك وحياتك أيضا.
SHETOS
SHETOS
تعليقات



×