رواية فاما اليتيم فلا تقهر الفصل الثامن 8 بقلم سلمي سمير


 رواية فاما اليتيم فلا تقهر الفصل الثامن 

اعتادت روح على طيبة معاملة بهاء لها، فبادلته الحنان بالخدمة والرعاية، دون أن تشعر بثقل ما تفعل.
كانت تُعدّ له ما يشتهي من الطعام، وتُحضّر له مشروباته الدافئة والباردة قبل أن يطلب.
وحين يسدل الليل ستائره، يتمدد بجوارها، يضمها بذراعيه، فتستكين إليه كما يستكين القلب في لحظة دفء… ويعمّها شعور بالأمان والسلام.

مرّ أسبوعٌ على ذلك النمط، وحين رنّ هاتف روح كان الاتصال من ابتسام.
كأن صوت أمها أحيا فيها فرحًا راكدًا، وملأ قلبها بطمأنينةٍ طال شوقها إليها.
بادرتها ابتسام بلهجةٍ دافئة يخالطها فضول:
روح، طمنيني... بهاء عامل إيه معاكي؟ ويا ترى كمل جوازه بيكي ولا لسه بيعاملك كإنك أخته؟

ضحكت روح بمرح صادق، ينبع من سعادتها باهتمام بهاء، ثم قالت:
 لأ يا ماما، لسه بيعتبرني زيه زي أخته، بس بقى أحن عليا من أبيه إيهاب وإنتِ كمان!
تعرفي إنه ما بينامش غير لما يتأكد إني نمت؟ ودايمًا يسألني لو محتاجة حاجة…
اللي مضايقني بس إنه بيقعد برّه طول النهار، وأنا بفضل لوحدي… بس هو قاللي إن عنده مذاكرة، وامتحاناته خلاص بعد يومين.
المهم… انتي طمنيني، هتعملي العملية إمتى؟ وحشتيني أوي يا ماما!

شعرت ابتسام بضيقٍ في قلبها وهي تسمع حديث ابنتها، فقد أيقنت أن بهاء لا يكن لروح مشاعر حب، بل يعاملها برفق لأنه يعلم أن الله سائله عنها… فقط لا غير. فردت  بتنهيدةٍ مكتومة:
 طيب يا روح… مادام انتي مرتاحة، أنا بخير. العملية فاضل لها يومين كده وهعملها، أول ما ربنا يسهل هكلمك. بس خلي بهاء يكلّمني أول ما يرجع… أخوه عايزه.

أكدت روح على أنها ستبلّغه، ثم أغلقت الاتصال.
وفي المساء، عاد بهاء كعادته، أبلغته بطلب أمه، فطلب منها أن تُعدّ له العشاء ريثما يُجري المكالمة، ودلف إلى غرفته ليتصل بأخيه.
ردّ عليه إيهاب ثم أعطى الهاتف لوالدته، التي قالت بصوتٍ فيه عتاب محب:
 بهاء، روح بتقول إنك بتهتم بيها… كمل جميلك يا ابني، ومتسيبهاش لوحدها كتير.
ولو على المذاكرة، خلي أصحابك يجوا يذاكروا معاك في البيت بدل ما تقعد برا كتير.

زفر بهاء بضيق من تدخل أمه، وردّ بصوتٍ فيه نفاد صبر:
 إزاي يعني يا ماما أجيب شِلّة شباب البيت وروح تخدمهم؟!
لأ طبعًا… بس ممكن أجيب محسن أو صلاح بس يذاكروا معايا. إنما كل الشلة؟ مينفعش.
المهم إنتِ، يا ست الكل… طمنيني، أخبار صحتك إيه؟

اطمأنت ابتسام لتجاوبه معها، ولين حديثه، فابتسمت وقالت:
 أنا بخير… أخوك إيهاب مش مخليني محتاجة حاجة، بس أنا داخلة على عملية كمان يومين…
وليا عندك طلب، وحياة غلاوتي عندك ما تكسفنيش...

سألها بهاء بقلقٍ تسلّل إلى نبرته حين سمع نبرة أمّه المرتجفة:
في إيه يا ماما؟ مالك قلقة كده ليه؟ إنتِ خايفة من العملية؟! وبعدين طلب إيه اللي عندك ؟
من غير ما تقولي حتى، اعتبريه متنفّذ يا ست الكل.

تنهدت ابتسام بارتياح، كأن صدرها تحرّر من ثقل، ثم قالت بحماسٍ ممزوج بدمعة حائرة:
لو ربنا ما كتبليش عمر، وخد أمانته، أوعدني، ان  روح تبقى مراتك، وتكمل جوازك منها.
ارعاها، وصُنها، علشان بعدي مش هيبقى ليها حد غيرك إنتَ وأخوك.

ساد الصمت… تملّك بهاء وجمٌ ثقيل، كأن الزمن توقّف للحظة. لم يستطع الرد، فظلت كلماته حبيسة صدره حتى دفعته أمّه لتأكيد الوعد:
 اوعدني، يا بهاء. اقسملي إنك مش هتسيبها، علشان أرتاح وأدخل العملية وقلبي مطمّن.

ردّ بصوت خافت، كأن الوجع يخنقه:
بعد الشر عليكي يا ماما…ربنا يطوّل في عمرك وما يحرمناش منك. بس إنتِ بتطلبي مني حاجة فوق طاقتي… روح لسه صغيرة، ومحتاجة وقت كبير علشان تبقى  زوجة مناسبة ليّا.
سامحيني… مش قادر أوعدك بجواز فعلي،
لكن… أقسم لك…عمري ما هتتخلّى عنها، ولا هأذيها أو أسيبها، حتى لو الظروف فرّقت بينا.

زفرت ابتسام بضيق، وردّت عليه بمنطقه هو ذاته:
يا بهاء… أنا ما قولتش تدخل عليها دلوقتي،
بس خليها على ذمّتك… سنة، اتنين، تلاتة،
لحد ما تكبر وتتعلّم، وتبقى مناسبة ليك.
أوعدني، يا ابني… لو عايز تريح قلبي، وتخليني أموت وأنا راضية عنك.

صاح بهاء بلهفة وذعر، كأنّه يتوسّل إليها ألا تذكر الفراق:
بس كفاية يا ماما، أرجوكي…
وحياة عزّك عندي ما تعيدي الكلام ده تاني.
لو جرالك حاجة، الدنيا هتسودّ في وشي، ومش هاعرف أعيش فيها. بس… لو ده اللي هيطمن قلبك،  ويريحك حاضر.
أوعدك… لو ربنا حكم بقضاؤه، روح هتفضل على ذمتي طول عمري.  ها… كده يرضيكي؟ ولا في حاجه تاني عايزاها؟

تنهدت ابتسام بحرقةٍ هادئة، وقالت وابتسامة خفيفة ترتسم على وجهها:
 الله يرضى عنك يا بهاء… ويا رب يرضيك زي ما ريّحت قلبي. وطمنتني علي روح بنت عمري
كده… أقدر أدخل العملية وأنا مطمّنة…
عارفة إن بنتي مش لوحدها، وإنك هتكون سندها.

كانت سعادة أمّه كل ما يتمنّاه، ولهذا لم يردّ طلبها، بل قبله بقلب راضٍ.
وبعد أن ارتاح قلبها، أنهى معها المكالمة، ثم اتصل بأخيه الذي طمأنه بدوره بأن ترتيبات الجراحة تسير على ما يرام، وستُجرى خلال أيام.
***********

منذ ذلك اليوم، حرص بهاء على العودة إلى المنزل مبكرًا. في الليلة السابقة لأحد امتحاناته، اصطحب أحد أصدقائه لمراجعة المادة، 
ثم استمر ذلك لأيام. وبعد أسبوع، اتصل به شقيقه إيهاب ليخبره أن الجراحة قد أُجريت لوالدتهم، لكنها دخلت العناية المركزة ولن تخرج منها إلا بعد الاطمئنان التام على حالتها.

باتت الأيام تتشابه، متراصة بين خوفه على أمه، وحرصه على اجتياز الامتحانات الأخيرة.
وذات صباح، وبعد خروجه من لجنة الامتحان، استوقفه  استاذه وطلب مرافقته لمراجعة المادة القادمة معه على انفراد، مشيرًا إلى تفوقه جعله 
يرى فيه معيدًا قادمًا يُقتدى به.

لكن ذلك التقدير، لم يكن ليمر مرور الكرام في قلب صديقه محسن، الذي استبدّ به الحقد.
فهو لا ينسى كيف كان بهاء دائم التفوق عليه في الدراسة، ولا يغفر له كيف ظفر بروح، تلك الفتاة الرقيقة التي أحبّها هو في صمتٍ طويل.
كان يراه دائم الحظ، دائم الفوز… حتى قرر في لحظة ظلام، أن ينتزع منه ما تبقى له من فرح، ولو بالقوة.

غادر الجامعة متجهًا إلى شقة بهاء، وطرق الباب بخفة كعادته حين يأتي للمذاكرة.
فتحت روح شراعة الباب وسألته بريبة:
خير يا أستاذ محسن؟ في إيه؟ وفين بهاء؟

ابتسم بخبثٍ مقنّع وقال:
 بهاء قالي أعدي عليه الساعة اتنين، دلوقتي اتنين ونص، خفت أكون اتأخرت. الحمد لله إن سبقته… ممكن أدخل أستناه؟ زمانه جاي.

ترددت للحظة، لكنها لم تشك في نيّته، وفتحت له الباب، مشيرة إلى غرفة الجلوس.
وما إن عبر العتبة، حتى أغلق الباب خلفه دفعة واحدة، وانقضّ عليها من الخلف قابضًا على جسدها، واضعًا يده الأخرى على فمها كي لا تصرخ.

همس لها بصوت شيطاني مرتجف:
الليلة… هتكوني ليا، يا روح. بهاء خد كل حاجة، وجا الدور اكسر حظه بيكي.....

لم تُصدّق ما يحدث، صرخت من أعماقها، لكن صوتها لم يتجاوز يده الثقيلة.
حاولت أن تتخلص منه، أن تركله، أن تهرب… لكنه حملها قسرًا إلى غرفة النوم، وألقى بها على الفراش، بينما كانت تقاوم بكل ما تبقّى لها من قوة.

وحين رآها لا تزال تصرخ بعينيها، أطبق على شفتيها، وأخذ يُبعد ذراعيها ويُحكم قبضته على جسدها، محاولًا أن يُظهر للمشهد كأنه لقاء رضى، لا جريمة.
بينما كانت هي… تُختنق من الداخل، تذوب رعبًا، ودموعها تسيل بلا توقف.

كان ذلك ما رآه بهاء، فوقف في مكانه كمن أصيب بصاعقة. جحظت عيناه، وتشنجت عضلاته، وعجز عن تصديق ما تراه عيناه.
روح، زوجته، كانت مستلقية تحت جسد صديق دراسته، في مشهدٍ يُذيب الدم في العروق.

رغم صدمته، قفز نحوهما، وجذب محسن بعنفٍ من فوقها، ثم انهال عليه باللكمات والركلات، وهو يصرخ بانكسار وغضب:
 يا جبان! يا وضيع!  يا ندل وصلت بيك الحقارة إنك تدخل بيتي وتسرق شرفي؟
هو دا جزاء الصحوبية؟ والعِشرة والعيش والملح 

حاول محسن الدفاع عن نفسه، لكنه عجز أمام هجوم بهاء عليه،  فاختار أن يغرس خنجره مسموم في قلبه بالكلمات، وهو يهمس بخبث شديد:
 قبل ما تلومني لوم نفسك.مش أنا اللي جربت وراها.
مراتك هي اللي فتحت لي الباب، هي اللي أغوتني،
وبالمناسبة…  مش اول مره وبالامارة عندها شامه في فخذها اليمين… وتانية… تحت بطنها… وواو بحبها اوي بتجنيني وتثيرني ، آه والله… تسحر!

تجمّدت روح مكانها، ووضعت يدها على فمها، كأنها تحاول إخفاء شهقة خرساء من وقع المفاجأة.
لكن تلك الحركة البسيطة، كانت كفيلة بأن تشعل النار في قلب بهاء تؤكد ما يقول،  فصار كالبركان. 
ترك محسن لحظة، واستدار نحو روح بنظرة لم ترها منه من قبل… خليط من الحيرة، الجنون، والدمار.
 انتِ… فعلاً عندك الشامات دي؟ انطقي 
ردّي يا روح… قبل ما أغلط غلطة عمري واقتلك !

ارتجف جسدها وهي تهز رأسها نفيًا عاجزًا، لم تستطع الكلام، لم تستطع تبرير ما لا يُبرر.
وكان ذلك الصمت بالنسبة له… اعترافًا.

لم يمنحها فرصة، وانقض عليها، يبحث عن الحقيقة بيده لا بعقله، يشكك، يفتش، يجرح كرامتها، يمزق آخر ما تبقى من سترها، وحين رأى بعينيه ما قاله محسن… انفجر غيظه، وقال بصوتٍ كأنه الطعن:
 كنت عارف إنك هتطلعي زي أمك… بتاعت رجالة بس كنتي مستنيّة أول فرصة،  واديكي سلمتي نفسك لصاحبي!
بقي أنا اللي احترمتك… واديتك اسمي  قلت أستر، وأصون، وأراعي الله فيكي…
لكنك  طلعتي رخيصة… وحقيرة… وسلمتي شرفي، وضيّعتيني قدّام نفسي…
 لا وكمان ما كنتش أول واحد، واكيد مش آخر واحد…… أنا اللي اتأخرت في اني اكشفك يا خاينه،

نظر إليها بنظرةٍ خالية من كل رحمة… ثم قال شيئًا جعل الدم يتجمّد في عروقها:
 بس زي ما كانوا ليهم حق فيكي ، أنا كمان… ليّا “حقّي” فيكي…
***
هجم عليها كما الوحش، لم يلتفت لدموعها، ولا توسلاتها، ولا لعينين تنزفان وجعًا وقهرًا.
ظن أنه يُعيد لنفسه كرامته، بينما كان يطعنها في صميم إنسانيتها. وفي لحظة صرخت فيها روح… صرخة تمزّق القلب حين سلب عذريتها، كانت لحظة  كافية لهدم رجولته، لأنه لم ينتصر، بل اغتال براءتها.

صمتت روح بعدها، لكنها لم تسكن…
بل احتضنت نفسها بجسدٍ مرتجف، تقوقعت في زاوية الغرفة كطفلة تاهت عن الأمان،
بينما دموعها تتساقط فوق كرامة مهدورة، ونشيجها يعلو فوق كل صوت.

أما هو، بعدما انتهي منها وتأكد من براءتها خرج من الغرفة يستنشق الهواء، يحاول أن يهرب من نفسه…
ثم عاد، يتأملها من بعيد، وكأن لا شيء فيه ثابت، لا الغضب هدأ، ولا الشك زال.
اقترب منها وقال بصوتٍ مذبذب، مرتبك، يحمل مرارة ما اقترفه بيديه:
 ازاي طلعتي بريئة؟! اومال الي شوفته ايه،
 بس رغم انك بريئة؟!  مطلوب منك تفسريلي… إزاي محسن عارف أماكن الشامات في جسمك؟!
إزاي كان واثق كده؟! كأنه كان معاكي وتتمتع بيكي،،

رفعت إليه عينيها المبللتين، المكسورتين، لكن صمتها كان أبلغ من كل دفاع.
نظرة واحدة منها كانت كفيلة بأن تخرسه… لكنه لم يُصغِ، أو لعل كبرياءه الملطّخ لم يسمح له أن يصدّق دموعها.
فصمتت أكثر، ونكّست رأسها، وزاد نحيبها ألمًا، وكأنها تود أن تختفي من هذا العالم بأسره.

اقترب منها، جلس جوارها، مدّ يده نحوها…
لكنها ارتجفت كمن لُدِغها عقرب، وصرخت بكل ما فيها من فزع، ابتعد عنها، وأخذ يحدّق فيها بنظرات الندم والكراهية… لنفسه.
 كفاية… كفاية يا روح… انا… أنا عمري ما كنت ناوي أأذيكي…انا حتى ما كنتش… ما كنتش عايز ألمسك… بس كرامتي… كرامتي كانت بتنزف قدامي، وشيطاني غلبني…
والمصيبة إني قرفان من نفسي، كاره اللي عملته… كارهك إنتي كمان لانك السبب… وكاره نفسي أكتر!
لاني ادبست فيكي وانا  معنديش أي ثقه فيكي

ثم صرخ فجأة:
 بس برضه. مفيش راجل هيشوف اللي شُفته ويسكت!
إنتِ كنتِ مستسلمة ليه؟! ليه سكتّي لما دخل وحاول يغتصبك انطقي و ريحيني انا النار مولعه فيا ؟
جاوبيني يا روح!
ريحيني يمكن… يمكن أقدر أصدقك، يمكن أقدر أنتقم ليكي حتى،
لكن دلوقتي أنا تايه… وغضبان… وغارق في ذنبي!

لم ترد.
زادت ارتجافًا، احتضنت نفسها، ودفنت رأسها في ركبتيها، بينما الدموع تتساقط فوق روحها المنهكة…
وصوت نحيبها يُدوّي، كأنه مرثية لكل ما سُرق منها… ظلما.

وقف بهاء مكانه، يُطبِق على فكه حتى كاد يُكسره،
نظراته إليها تحمل مزيجًا من الحيرة، الندم، القهر، والخذلان.

كانت روح تئنّ دون صوت، كأن جسدها نُزِع منه النبض، وكأن أنفاسها تُسحب ببطء من رئتيها.
عيناها مفتوحتان على اتساعهما، تحدقان في فراغ السقف، لا ترى سوى العتمة التي غطّت عالمها دفعة واحدة. تطورت على نفسها، تضمّ أطرافها وكأنها تحاول أن تحمي بقاياها من الانهيار،
لكن لا شيء يمكنه أن يعيد ما سُرق منها… لا شيء.

اهتزت كتفاها بنشيج مكبوت، والدموع تنحدر من عينيها دون انقطاع، دموع لا تُطفئ نارها، بل تزيدها اشتعالًا، كانت عارية من الثقة، من الكرامة، من الحماية… ومن الحب.
تتساءل بصمت، ووجعها يفتك بها:
هل هكذا تكون نهايتي؟ هل أصبحتُ مجرد ضحية لا يصدقها أحد؟
وأسوأ ما في الأمر… أن يد الغدر كانت يد من أحبّته.
*****

وفي زاوية أخرى من الغرفة، وقف بهاء كالغريب،
ينظر إلى نفسه في مرآة مشروخة داخله…
يبحث عن ملامحه فلا يجد سوى رجل جبان، متهور، تحوّل إلى جلاد بلحظة واحدة.
لم يرَ تلك الطفله التي تربت علي يداه يوما، لم يسمع نداءات عينيها، لم يمنحها حتى فرصة لتشرح،
كل ما فعله… أنه استسلم لشيطانه، ودهس قلبها.

همس لنفسه بمرارةٍ تخنقه:
معقول  أنا اللي قلت إني هصونها… اعمل فيها كده
أنا اللي وعدت أمي إني هارعاها… وصل بيا الأمر أخدها بالغصب،  إزاي سمحت لنفسي ألمسها كده؟
حتى لو كانت غلطانة… حتى لو! كان دا جزاها…
مافيش ذنب يستاهل اللي عملته فيها…أنا كسرتها…
قصرت جناحها…وكتبت ليه معايا حكاية  لا من اختياري ولا اختيارها ، وللاسف معرفش نهايتها، 

تنهد بقوة  وزفرة أنفاسه العالقة بجوفه ، وتقدم منها  بخطوات مترددة، أراد أن يعتذر، أن يضمها، أن يمحو ما فعله… لكنه كان يعلم أن بعض الجراح لا تُشفى بالندم، وأن كلماته لن تمسح آثار يديه التي خانت وعدها.
فاكتفى بالوقوف أمامها، كأن حضوره يكمل تعذيبها، وكأن صمته يجلدها أكثر من فعله. وأخيرًا… جلس على الأرض، وضع رأسه بين يديه،
وبكى قلبه حسره وندم . نعم  بكى لكن دموع لا تري.
لأول مرة في حياته. بكى قلبه لأن يداه حملتا خطيئة لن تُغتفر. بكى لأن القلب الذي كان من المفترض أن يحتويها… هو الذي ذبحها.

تعليقات