رواية أجنبي الفصل الثامن بقلم الهام رفعت
برمت بوضعها واهتمج وجهها رغم النعيم الوافر حولها، وتركت كل ذلك لتقحم نفسها داخل مقارنة هي السبب في بؤسهــا، ولعنت غبائها حين انساقت وراء طمع والدتهـا الذي غرسته بداخلهــا.
جلست منى كئيبة الهيئة، نادمة على الخطوة التي اتخذتها، ولم تجد السعادة كما توقعت، فقد ظنت بالمال ستجني ما افتقدته من لذة الحياة؛ لكن الأمر تناقض حين وجدت نفسها مع شخص لم تحبه ولم تعتاد عليه سوى بمواقف روتينية عائلية. انضمت والدتها لجلستها الفاترة حين هاتفتها للقدوم السريع، جلست بجانبها مشدوهة ومستنكرة حين خاطبتها:
-مالك قاعدة كده ليه، فيه حاجة حصلت؟
ظهر عليها الشحوب المفاجئ، ونظراتها نحوها أعربت عن مضرّة تواجهها، قالت بنبرة حزينة:
-يا رتني ما سمعت كلامك يا ماما!
كلامها أظهر مدى الندم الذي طرأ عليها، وهنا أدركت السيدة نادية أنها ما زالت تتذكر زوجها السابق، فتكشّر وجهها وامتعضت، وما يريحها وجود زوجها عند شقة أمّه، فزجرتها:
-وطي صوتك يا بت، تقصدي أيه بكلامك ده؟!
وصلت منى لقمة صبرها من الأمر، فنهضت من مكانها وهي تخاطبها منفعلة:
-كله منك، فضلتي ورايا لحد ما خليتيني أسيب حسين، قعدتي تكرهيني في عيشتي معاه لحد ما بقيت عايشة زي أي كرسي هنا من غير مشاعر.
اهتاجت السيدة من رعونة ابنتها ونهضت هي الأخرى، وقبل أن تتفوه بكلمة صفعتها بقوة فقد تعدّت الحدود، هتفت:
-اخرسي، عاوزاهم يسمعوا بتقولي أيه وتفضحينا!
زاد بؤس منى أكثر فهي لن تنجو مهما فعلت ومهما تمردت، فهزتها والدتها من ذراعها بعنف وهي تحذرها:
-اللي فات تنسيه، وجوزك تشيليه في عنيكِ، دا معيشك عيشة متحلميش بيها، وجايبلك دهب غيرك يتمناه.
نظرت لها منى في خيبة أمل فقد ظنتها الأم الحنون التي سوف تشعر بها وبما تعانيه، ثم كبحت ألمها بداخلها، فاغتاظت السيدة من ضعفها وصاحت:
-بكرة تتعودي، إنتِ بس علشان بتحبيه حطاه في مقارنة مع تامر، بس صدقيني مسألة وقت.
لمحت السيدة سوء وضعها، وخشيت أن تفعل شيء يدمر حياتها، فجعلتها تجلس معها وقالت متصنّعة الحنان:
-مفكرة مش حاسة بيكِ، تبقي غلطانة، الموضوع بيكون كده في الأول، إنتِ بس حاولي تنسي وتشوفي حياتك
تأمّلت منى خيرًا من ذاك الحديث، وردت فيه تيه من أمرهـا:
-أنا بس مش قادرة أنسى حسين، دا حُب عمري، مش قادرة اتخيل نفسي مع حد غيره
ألجمت السيدة لسانها من توبيخها على حماقتها، وظلت كما هي ترتدي قناع اللطف حين علّقت على كلامها:
-تامر بيعمل اللي يرضيكِ، بلاش يا حبيبتي تزعليه منك، وتبوظي حياتك على حاجة شوية وهتتعودي عليها
ثم ضمتها السيدة وربتت على ظهرها وما زال الخوف من طيشها يطاردها، بينما كل ذلك لم يمحي حدة بؤس منى التي قررت أن تستسلم لواقعها، ربما ينسيها زوجها محبة الأخيـر، وتمنّت ذلك رغم عدم يقينهــا...........!!
*****
فركت يديها في غيظ جاهدت ألا يظهر وهي ترى الود يعود مع زوجته السابقة؛ بل من أخذته منها يومًا بدلالها وجمالها حين تزوجها عليها، وشعرت بالغيِرة حين لمحت معالم فرحته حين استمع لصوتها، وأجبرت نفسها على الصمت فمستقبل ابنتها على المحك، وجلست تتابع تبادل ذاك الحديث اللعين بينهمــا.
حين أنهى اتصاله معها خاطبها دون أن يشعر بأن ما يفعله لا يرضيها. حيث قال الحاج منصور في راحة:
-قالت النهارده هيروح القسم عندها، وبتقول هتخليه يطلعها مهما حصل.
رسمت السيدة هنية البهجة وهي تقول شاكرة:
-الحمد لله!
نهض الحاج منصور مستعدًا للذهاب فنهضت خلفه وسألته في لهفٍ:
-هي هتكون مع المحامي؟!
تفاجأ الحاج منصور من سؤالها لبعض الوقـت، ثم تفهّم ما تفكر به ومن تقصد بسؤالها فاستنكر:
-هي هتيجي ليه، دي بنتنا إحنا، أنا بس هروح أشوف المحامي.
أومأت رأسها في توتر لاحظه، ثم اقترب منها وتيقن خوفها من تكرار الماضي، فابتسم في لطف لها وأمسك بكلا كتفيها، هتف في جد:
-اللي حصل زمان مش هيتكرر، أنا مليش غيرك إنتِ والبنات
-أنا مبفكرش فـ...
جاءت تبرر فقاطعها في حزم:
-أنا بس بقولك، ولازم تعرفي إنها متجوزة وعندها حياتها، واللي بينا ورد وبس.
أطاعته السيدة هنية وهدأ توجسها، فأكمل حين ترك كتفيها مستعدًا للرحيل:
-خلي بالك من نفسك ومن البنات وأنا مش هتأخر.
-حسين ورامي قالوا هيجوا لما عرفوا إن الموضوع كبير
هز رأسه وقال في أمل:
-إن شاء الله الموضوع يخلص على خير، ووجودنا حواليها يطمنها شوية.........!!
*****
-هو أنا هطمن أبــدًا!
هتفت السيدة زبيدة بذلك وقتما علمت بمصيبة ابنة أخيها، وجلست بائسة تناشد في مرارة، فربت حسين على ظهرها وقال:
-مش هنسيبها يا أمي، كلنا حواليها
طلبت منه السيدة في رجاء:
-خليك جنبها يا حسين، وجودك إنت بالذات أفضل، خصوصًا قدام الناس اللي عرفوا وبقت سيرتها على لسانهم.
تفهّم حسين ما تلمّح له وارتبك، ولم يتحدث بشأن خطبته لـ ورد الآن كي لا تتضايق وتعاتبه وخبأ الأمر مؤقتًا، قال في طاعة:
-متقلقيش يا أمي، هقف جنبها ومش هسيبها.
ربتت على كتفه كنوعٍ من الشكر على رجولته التي يمتاز بها منذ صِغر سِنه. ثم تفاجأ الاثنان بدخول رامي ومعه أدريان، الذي يبدو عليه الضيق ولم يتفهما السبب، إلا حين قال في عزيمة:
-سوف آتي معكم، ونبحث سويًا عن محامي جيد لها، لا تقلقوا بشأن الأمر
فرحت السيدة زبيدة من أصالته ولطفه، ثم امتنت قائلة:
-ربنا يكرمك يا قدري يا بني
ثم وجّهت حديثها لـ حسين وقالت:
-خد قدري معاكم و..
قاطعها حسين مستنكرًا:
-مينفعش يا ماما، دا ضيف هندخله في مشاكلنا كمان
تضايق حسين من تصرف والدته غير المتعمد في استغلال ضيفهم، بينما وجد أدريان أن الموضوع لا يستحق كل ذلك فقال بصدق:
-أنا سوف آتي معكم، أرجوك سيد حُسين
فعل أدريان ذلك فهو لم يتحمل رؤية الأخيرة تعاني، رغم أنه لمح عدم استلطافها له. فتدخل رامي وقال متعجلًا:
-يلا يا حسين خلينا نشوف الموضوع ده، مش معقول هنسيب بنت خالنا مرمية في السجن كده.......!!
*****
يسبح بمهارة بينهم وكان الأفضل حين وصل لحافة حوض السباحة أولًا، ضحك في صخب والجميع يأتي من بعده، ثم جلس على الحافة يخاطب ابن عمه الذي وصل للتو:
-ما تشد حيلك شوية، إشحال مكنتش أنا اللي معلمك
ثم انتبه لأحدهم من الخلف يضع المنشفة على كتفه ويحاوطه بها، مال برأسه متيقنًا هوية الشخص، فابتسم في زيف وقال:
-شكرًا يا ديما متتعبيش نفسك.
لامته ديما في ودٍ شديد:
-إنت ابن عمي، والموضوع مافيهوش تعب
جلس أمجد هو الآخر على الحافة وهو يخاطبها مظلمًا عينيه:
-ما أنا ابن عمك برضه، مافيش فوطة ليا أنشف نفسي
نظرت له في ضيق مكتوم ولم تعلّق، فخاطبه سيف وهو يعطيه خاصته:
-خد دي نشّف نفسك، أنا لسه هعوم تاني
ثم نزل يسبح مرة أخرى، فطالعته ديما بنظرات جامدة من تجاهله المتعمد لها، ثم جلست على المقعد بالقرب تتابعه في حنق، وزاد من غيظها حين تحدث لـ أمجد قائلًا:
-مش هتقولي على عنوان ورد، ولا أعرف بطريقتي؟!
تعب أمجد من إصراره في التقرّب منها وهتف:
-ملكش دعوة بيها، أيه حبيتها من أول نظرة يعني، بطل أنا فاهمك.
حاولت ديما أن تشغل نفسها بعيدًا عنهما لكن الحديث الدائر بينهما زاد من استيائها وهي تكتشف محبته لتلك الفتاة التي جهلت هويتها. لاحظت أختها سخطها مما يحدث فخاطبتها في حزم:
-ديما ابعدي عن سيف، هو أصلًا مش شايفك.
التفتت لها ديما بنظراتها الضروسة، هتفت:
-ملكيش دعوة، مطلبتش نصايحك أنا حُرة
نفخت شيرين من تذلل أختها بذلك الشكل، وسخرت في ذات الوقت، ثم أخذت تتابع في صمت ما يحدث أمامهــا.
بينما نزل أمجد المياه ثم دنا من سيف، همس له معاتبًا:
-تقصد أيه باللي بتعمله ده وديما موجودة!
ابتسم في مكرٍ وعلل:
-علشان تحل عني، ابتديت اتخنق منها!
-بس دي بتحبك وإنت عارف!
علّق أمجد غير راضٍ عن سوء تصرّفه، بينما تأفف سيف قائلًا ليغيّر الحديث:
-بقولك، أنا كلمت بابا بخصوص ورد، قولتله طالما هتورث أيه رأيه اتجوزها.
صُدم أمجد من اقتراحه الخبيث وهتف:
-علشان ورث تظلم واحدة معاك!
صحح سيف مفهومه حين قال جادًا في حديثه:
-أنا هتجوزها على طول، مش مسألة ورث بس، هي عجباني..........!!
*****
أصبحت مشاعرها متضاربة، حيث شعرت بالأمان حين رأتهم من حولها، والآن تشعر بالحرج الذي جعلها تكره نفسها، خاصةً نظرات ذاك الأجنبي ناحيتها، لم تعرف لما تضايقت من رؤيته لها في موقفٍ كهذا، وأحست بالنقصان الغريب.
حيث بغرفة المحقق جلست ورد ومعها والدها وحسين برفقة المحامي، بينما وقف رامي وأدريان بالقّرب يتابعان. نظر المحامي مرتضى إليها بطلعته الجادة المُحنّكة وهو يخاطبها:
-عاوزك تقوليلي الحقيقة، ومهما حصل هعمل المستحيل وأخرجك، بس أكون فاهم
كان الشخص الأحق بخوفها من ردة فعلها هو والدها، لذلك نظرت له وقد تذبذبت، وأقسمت سابقًا أن تكون على موقفها، ولن تعرّض نفسها للإهانة وتعترف مطلقًا لو اتفق العالم عليها، فردت عليه في ثبات ظاهري:
-أنا معملتش حاجة، هما ندولي أروح المكان ده ومفهمتش ليه، واتفاجئت باللي حصل.
مط السيد مرتضى شفتيه يفكر في كلامها، ولم يعرف لما أحس بكذبها، لن يجبرها على قول شيء غير ذلك، والعجيب أنه مدحها قائلًا:
-برافو عليكِ، عاوزك كده على طول، بتقولي ما عملتش حاجة.
تدخل الحاج منصور حين لم يعجبه ما يحدث:
-بس كله شاهد عليها، فاحنا استفادنا أيه من الكلام ده؟
نظر السيد مرتضى لـ شهد مطولًا مما وترها، ثم سألها:
-فيه عداوة بينك وبين حد؟!
وجدت شهد أن ذاك الرجل ليس سهلًا، وحمدت الله أنه هو من سيدافع عنها، ثم ردت عليه وسط ترقب الجميع للحديث بينهما:
-أيوة، دكتورة زميلتي وخطيبها.
لم تعرف شهد لما أعلنت ذلك، لكن رأت في كشف الأمر ربما يخفف من حرجها أمام نظراتهم المتهمة لشخصها. بينما ظل السيد مرتضى بنظراته الدارسة سبر أغوار عقلها، وببراعته تفهّم أمور شتى، فقال متفهمًا الموضوع:
-يوم بالظبط وهلاقيلك مخرج إن شاءالله، على ما أقرأ أوراق القضية كويس.
-بجد يا مرتضى بيه!
تساءل منصور متلهفًا، فقال السيد مرتضى متمنيًا:
-دعواتك يا منصور، المشكلة في إنها متلبسة، والكل شاهد عليهـا.
يدرك منصور مدى ذكائه وتفاءل خيرًا، لكن لم يذوب الخوف بداخله فقد خشي أيضًا أن لا يفلح الأمر. نهض السيد مرتضى واعتزم الرحيل، فخلّفه الحاج منصور للخارج، بينما ظل حسين أمامها يبتسم لها، خاطبها في لطف:
-الحمد لله يا شهد، أنا مستبشر خير بالمحامي ده، وإن شاء الله هتخرجي من المحنة دي على خير.
انضم رامي وقال:
-كلنا جنبك يا شهد، حتى أدريان لما عرف كان عاوز يجيبلك محامي كويس
تأففت في نفسها وشعرت بالضيق، فحتى هذا القبيح يتودد إليها مستغلًا محنتها، فردت بنبرة جافة:
-متشكرة، مش محتاجة حاجة من حد.
ردها النافر ذاك أوجمه للغاية، فنظر لها أدريان في وجوم ولم يعلق على فظاظة ردها، فهو ليس بساذج ليدرك عدم قبولها لهيئته، بعكس إعجابه الشديد بها. فغطى حسين على كلامها الغليظ قائلًا:
-متزعلش يا أدريان، شهد بس اللي هي فيه مضايقها.
أرادت شهد أن تنفي ذلك وتعلن أنا ما قالته نابع من داخلها حتى وإن كانت سعيدة، فهذا الرجل لم تطيق نظرات إعجابه بها. فنطق أدريان مخفيًا سأمه:
-أعرف جيدًا، وأتمنى أن تخرج بخير.
دخل العسكري ليأخذ شهد التي أحبت حضوره لتهرب من الجلوس معهم وبالأخص تهرب من نظرات أدريان التي لم تفارقها. والذي تعقّب خروجها في هدوء ظاهري، ووجد أن هذه الفتاة مغرورة بجمالها.......!!
...........................................................
أمام مخفر الشرطة، وقف الحاج منصور يتحدث مع المحامي مرتضى في القضية، فهتف السيد مرتضى في دراية:
-أنا مش عاوزك تضايق، بس واضح شهد بتكدب وبتكابر
ود الحاج منصور لو كان الأمر غير ذلك للنهاية، بل يبدو أن ابنته التي لم يبخل حتى في تعليمها تفعل هذه الأمور المشينة، فرد الحاج منصور في رجاء:
-أنا مش هوصيك، أعمل أي حاجة علشان بنتي، بس المهم محدش يتأذى في الموضوع
خوفه على ابنته جعله لا يفرق بين الصح والخطأ، حيث يجب أن تعاقب على فعلتها، ووجد أن ذلك مهمته لاحقًا.
استأذن المحامي بالمغادرة وترك الحاج منصور مكانه. ثم رن هاتفه وإذا بها زوجته، جاوب على الفور ليطمئنها قائلًا:
-اطمني يا هنية، شهد كويسة وبخير، ادعيلها تخرج منها على بالسلامة.
-مش المحامي ده هيخرجها؟!
تساءلت في ألم، فرد متحيرًا:
-كلامه مش مأكدلي، الكل شاهد عليها ودا مصعّب القضية
تحسّرت السيدة هنية على ابنتها واستفهمت:
-وهتعمل أيه منصور؟!، الناس هنا بدأت تتكلم.
أخذ الحاج منصور قرارًا لم يفصح عنه للآن، فقال بنبرة جادة:
-تخرج بالسلامة وأنا عارف هعمل معاها أيـه...........!!
*****
بداخل الفيلا، ولج مكتبها الخاص ويبدو عليه الضيق الذي أعلنه حين رأى انشغالها المفاجئ، والذي عرف به صدفةً من السيد مرتضى المحامي الخاص بها، فجلس أمامها وانزعج من تجاهلها له، فخاطبها مقطّب الوجه:
-لميس عاوز اتكلم معاكِ!
-قول سمعاك
ردت دون النظر حتى إليه مستمرة تعبث في تلك الأوراق الغبية، فجاء رده ساخطًا حين قال:
-لما اتكلم معاكِ تسيبي اللي في إيدك وتسمعيني
نبرته العالية كانت جديدة عليها، فنظرت له مبهوتة فهو لم يفعلها من قبل، فسألته مهتمة:
-مالك يا فؤاد؟!
سألها مباشرةً دون لفٍ:
-رجعتي تكلمي منصور ليه، مالك وماله؟!
لاحظت حنقه من الأمر، فبررت في هدوء:
-بنته في مشكلة وقصدني فيها.
-وملقاش غيرك، البلد مليانة محامين، إشمعنا إنتِ اللي طلب منك؟!
لم تجد الإجابة على ذلك، وبفطنتها ظنت شيء فقالت:
-علشان القضية صعبة ومحتاجة محامي شاطر، وإنت عارف الشطار مبيمسكوش قواضي غير لناس معينة
أخرج ضحكة ساخرة وهو يعلق على كلامها:
-وهو هيدفع للغالي، ولا مين اللي هيدفع؟!
رمقته في حدة ولم يعجبها رده، فهتفت:
-شيء ميخصكش، لما ناخد منك حاجة اتكلم.
وقف فؤاد أمامها مغلولًا وقد فاض به، حدق بها محذرًا:
-مش معنى إني بحبك وسايبك براحتك يكون ده ردك على جوزك اللي بيسألك رجعتي تكلمي طليقك ليه
نهضت لميس لتقف في مواجهته، قالت في عدم رضى:
-إنت متجوزني بشروط حطيتها علشان أوافق عليك، وطالما أنا ملتزمة حدودي مش من حقك تتهمني بحاجة
كلح فؤاد وهي تذكرها للماضي مرارًا بطريقة زواجهما، فهتف محتجًا:
-إنتِ كمان كنتِ محتاجاني، أفضل من السجن اللي عمي كان هيرميكِ فيه.
حاولت لميس التأني فالأمور بينهما بدأت تتوتر وهي لن تحبذ ذلك، فسألته في هدوء طفيف:
-عاوز أيه يا فؤاد؟!
رد في حزم لم يعجبها:
-مافيش خطوة تعمليها من غير ما تعرفيني
رغم تحكمه ذاك أطاعته ولم تعترض، قالت:
-حاجة تانية؟!
لم يرتاح لإذعانها له ولكنه مر الأمر، فتنفس بعمق وقال:
-مامتك كتبت كل حاجة لبنتك، وإنتِ فين من الموضوع
ردت في جهل:
-مش عارفة ليه ماما عملت كده!
ارتاب فؤاد أن أمها ربما علمت بما فعله عمه تجاه حفيدتها، ثم تكتم على الأمر، سألها في ترقب:
-هتسيبيها تاخد كل حاجة؟!
استنكرت لميس على قوله فهي بالطبع ستمنحها ما لها، قالت:
-لو بإيدي أكتر كنت اديتها
وجد فؤاد الأنانية في التمييز بين ابنتها الكبيرة وبين أولادهما، هي لم تفكر فيهما مطلقًا، فقال ليثير حنقها:
-أبوكِ بقى مش هيديها حاجة، وبيفكر إزاي يخلص منها..........!!
*****
أخذ منه الورقة التي أعطاها له، ثم تطلع على ما فيها في اهتمام، قال:
-هعمل أيه بده يا منير؟!
أسند السبد منير ظهره على مقعد مكتبه ليريح جسده، خاطبه ممتعضًا:
-كلم حد من رجالتنا يخلص على البت دي، مش كفاية سيبها عايشة، كمان جاية تقرفنا
أمعن طاهر النظر في الورقة التي تحمل معلومات عنها، ثم وضعها على المكتب أمامه وقال:
-لميس مش هتسكت على حاجة زي كده، دي بنتها، وإنت مقدرتش تأذيها زمان علشان خاطرها.
ضيق السيد منير نظراته وظهرت عليه عداوة وشيطنة لعينة، قال:
-عاوز أخلص منها من غير ما أبان في الصورة!
أعلن السيد طاهر ما انتوى فعله فقال:
-اتكلمت مع سيف، وهو هيتجوزها، مؤقت على ما ياخد منها كل حاجة، وبعدين يرميها.
رغم أنه أحب الفكرة لم يقبل بها حيث قال متهكمًا:
-وأنا كده استفدت أيه لما ابنك أخد كل حاجة مكانها.
تيقن السيد طاهر عدم ثقته التي يمتاز بها مع الجميع دون استثناء، فقال متنهدًا:
-متخافش، إحنا هنعمل كده علشان نرجعلك كل حاجة
ثم تابع في لا مبالاة مزيفة:
-ولو مش عاوز إنت حُر!
عقد السيد منير جبينه يفكر في المسألة، ولم يجد الآن اقتراح أفضل من ذاك، لكن لم يشجعه الآن، فقال في تريث:
-خليني أفكر، لو ملقتش حل هنشوف الموضوع ده.........!!
*****
رأته مرة واحدة فقط وتذكرته حين تقابلت معه ثانيةً، وذلك لأن حديثه معها المرة الأولى لم تنكر اللطف فيه، ثم أكملت سيرها لتخرج من بوابة الجامعة قاصدة التوجه ناحيته وهو يقف أمام سيارته ويتطلع عليها في بشاشة رائعة، خاطبته ورد في رقة:
-مساء الخير، إنت مستني حد؟
حرك رأسه وهو ينفي:
-أنا جايلك مخصوص.
ارتبكت ورد بشدة وتلعثمت للحظات، فماذا ستقول بعد ذلك الرد الموتر للأعصاب، شعر سيف بها وابتسم، قال:
-معقول عندي قريبة حلوة كده ومعرفش بيها.
ابتسمت في خجل من مدحه لها، قالت:
-شكرًا!
تجرأ سيف وقال متمنيًا:
-ورد عاوز اتعرف عليكِ ونتكلم أكتر
دنا منها فزاد من توترها خاصةً بنظراته تلك التي تتطلع عليها دون حياء، أكمل:
-أيه رأيك في يوم آجي أخدك ونقضي يوم سوا مع بعض وتتعرفي على أهلك كمان.
جذبها الحديث فاستفهمت مستنكرة:
-ودا ينفع؟!
قال في ثقة:
-أنا هخليه ينفع، خليكِ معايا ومش هتخسري.
تاهت فيما يقوله ولم تنكر أنها أحبت الفكرة، وتمنت لو عاشت مع أمها الحقيقية وتنعم بما حولها، فتابع سيف مؤشرات وجهها التي تعلن قبول قادم وانتظر أن تتحدث، لكن رن هاتفها منعها فتركته جانبًا وتحركت قليلًا وسط نظرات ضيقه من قطع لقائهمـا واهتمامها بأمر المتصل لذلك الحـد.
بالقُرب ردت ورد متهللة:
-مش مصدقة، بتكلمني بنفسك، أول مرة تعملها
-تعالي يا ورد بسرعة الموضوع مهم!
ظهرت الجدية في نبرته وأدركت خطورة الأمر من حزمه في الرد، فسألته في شغف قاتل:
-حصل أيه؟!
زفر حسين بقوة وهو يقول:
-ماما عرفت إني خطبتك ومش موافقة، مُصرة اتجوز شهد وإحنا دلوقتي عندكم
ردت في تخوف من بروده وهو يخبرها:
-قولها إنك عاوزني أنا!
تهكم من ثقتها في إتمام زواجهما فقال:
-إنتِ بتستهبلي، أنا بكلمك علشان تعرفي وميحصلش مشاكل بينك وبين أختك.
علقت على كلمته الأخيرة منفعلة:
-تقصد أيه، إنك معندكش مشكلة تتجوز شهد!
انتبه سيف لانفعالات وجهها ولاحظ تأزم الوضع مع المتصل، وحاول استشفاف ما بها وفشل، وحين أنهت الحديث وقفت تائهة للحظات، كسرها هو حين خاطبها في اهتمام:
-مالك يا ورد، حد زعلك......!!
..............................................................
في منزل الحاج منصور، لم تكف زبيدة عن إعلان رفضها لحديث أخيها بزواج ابنته من رجل غريب، فذاك هو عقابه لها، ولذلك عمدت على زواجها من ابنها الكبير.
خاطبها منصور مزعوجًا:
-حسين طلب ورد ووافقت، خلاص مينفعش يطلب أختها، مش حلو الموضوع يا زبيدة
لامت زبيدة ابنها بنظراتها فقد أخذ خطوة دون موافقتها فجلس حسين وترك الأمر بيدهم ولا مشكلة لديه في أي خطوة سوف يتخذونها. ردت على أخيها متجهمة:
-شهد سبق ورفضته، هتغصبها تتجوزه دلوقتي
رد بنبرة منفعلة:
-تحمد ربنا، هي مفكرة لو خرجت حد هيبص في وشها.
احتجت قائلة في توغر صدر:
-شهد حلوة وألف مين يتمناها
تدخلت السيدة هنية وقالت مبتئسة:
-خلي أبوها يا حاجة يشوف مصلحتها، كده الصح علشان الناس تبطل كلام.
-طب استنوا خدوا رأيها.
طلبت السيدة زبيدة في رجاء، لكن أصرّ الحاج منصور:
-ملهاش رأي، اللي هقوله يتنفذ
جاء اتصال على هاتف الحاج منصور جعل الجميع يصمت، رد على الفور فإذا به المحامي مرتضى، جاوب في لهف واضح:
-خير يا مرتضى بيه؟!
رد مرتضى عليه جعل وجهه يشرق فرحًا حين قال:
-عرفت بنتك هتطلع إزاي، وبكرة هتكون في حضنك............................!!