رواية عشق لا يضاهي الفصل السادس و التسعون بقلم اسماء حميدة
ظن ظافر للحظة أن المتصلة هي سيرين فقلبه استبق أصابعه إلى الهاتف وضغط على زر الإجابة بشغف غير محسوب يلوم حاله على إحساسه باللهفة تجاه تلك الخائڼة على حد قوله.... وبالرغم من هذا فقد خذلته الشاشة إذ لم تنضح باسم سيرين بل كانت دينا التي انساب صوتها عبر الأثير مبللا بدموع الخيبة كأنها تستنجد من قاع بئر
ظافري... أنقذني! الإنترنت يشتعل بالكذب... ينهشني كما تنهش الضواري چثة لم تبرد بعد.
الإنترنت رمش ظافر مكررا وقد تاه عقله لحظة في مشهد وليمة عيد الميلاد وعناوين تلك الصحف وهي تلطخ اسم دينا پتهمة الانتحال الفني تقفز أمام عينيه كالوميض.
أكملت دينا بصوت منهك كأغنية هجومية تبث عبر مذياع مكسور
وصلتني اليوم إنذارات قانونية إلى مقر الشركة يقولون إن أغنيتي الجديدة مسروقة! أحد المحامين نشر شائعة يتهمني فيها بأن شهرتي قائمة على السړقة الأدبية! لا أعلم ماذا أفعل... العالم ينهار من حولي وأنا في قلب الزلزال.
تجهم وجه ظافر وارتسم على ملامحه تعبير غامض يشبه لوحة لفنان مضطرب... عابسا كما لو أن السماء أمطرت فوقه خبثا لا مطرا أو كان ينقصه دينا بمشاكلها المخزية التي لا تنتهي!
قال بجمود مصطنع
حسنا.
أنهى ظافر المكالمة وأرسل رسالة مقتضبة إلى الفريق القانوني الخاص به يطلب منهم التعامل الفوري مع الشخص الذي أطلق نيران الشائعات ولم يكلف نفسه عناء البحث إذ لم يكن يهتم بما يقال فالضجيج دائما عنده بلا معنى لكنه لم يكن يدري...
لم يكن يدري أن الڼار التي اشتعلت لم تكن محض شائعة بل مقالة مفصلة تنزع الستار عن ماض مخبئ... أجل فالأخبار كانت تتحدث عن كيفية استغلال دينا لدعم الرعاية الاجتماعية منذ نعومة أظفارها وكيف استخدمت فتنتها سلاحا لتحصيل ما أرادته في أسفارها وكم عبثت بقلوب رجال أثرياء هؤلاء الذين كانوا حجارة الطريق التي خطت عليها لتصل إلى شهرتها.
ولم تتوقف الضجة عند ذلك... فالكاتبة التي حررت المقال لم تكن سوى كوثر المحامية الصارمة صديقة سيرين ورفيقتها في المعركة الصامتة تلك التي كتبت قصة سقوط دينا تروي ملحمة عدالة... لكنها لم تتوقع أن تنتشر الحكاية كالڼار في هشيم الخواء الرقمي ولكن ضاع كل جهدها سدا ففي أقل من نصف ساعة...اختفى كل شيء... الخبر المقال الفيديوهات كما لو أن ريحا عاتية هبت على المدينة ومحت آثار العاصفة قبل أن يدرك أحد أنها قد مرت.
هناك وبعد مضي ساعة من الصمت وبينما كانت سيرين تستعد لمغادرة منزلها متوجهة إلى المكتب رن هاتفها فجأة كصافرة إنذار تخترق سكونا خادعا وعلى الطرف الآخر جاءها صوت بارد من مركز الشرطة يطلب منها الحضور لإطلاق سراح كوثر... بكفالة.
لم تكن تملك أدنى فكرة عما حدث ولكن كل ما شعرت به هو وخز حاد في صدرها كأن سهما من قلق قد اخترقها فتسارعت خطاها وهرعت إلى مركز الشرطة كمن يسابق الخطړ نفسه وحين وصلت اصطدمت عيناها بمشهد بدا كلوحة متناقضة...
دينا تقف هناك بثياب أنيقة تحفها هالة من الكبر البارد وبجوارها إيفون التي بدت كظل شرير يمشي على قدمين.
كانت المساحة المخصصة للانتظار تغلي بالصمت والتوتر رغم ضجيج الخارج وما إن وقعت عينا دينا على سيرين حتى نهضت كما تنهض الأفاعي من جحرها عندما تستفز وتقدمت نحوها بخطى محسوبة كأنها تسير فوق الألغام.
قالت دينا بصوت يقطر ادعاء وانكسارا
سيرين... أعلم جيدا أنك تحملين في قلبك لي ما يكفي من الكراهية لكن... كيف سمحت لصديقتك أن تمزق سمعتي إربا على صفحات الإنترنت هل تعرفين كم دفعت من روحي لأصل إلى ما أنا عليه لقد كانت على وشك أن تسحقني تحت قدميها!
جاء صوت إيفون بعدها كصڤعة باردة
دينا لماذا تهدرين أنفاسك على من لا مبدأ له دعي صديقتها تتعفن في السچن كما يتعفن الكذب تحت الشمس هكذا فقط يتعلمون الأدب.
في تلك اللحظة انكشفت الغمامة أمام عيني سيرين وقد فهمت كل شيء دفعة واحدة وكأن الحقيقة لطمتها فاشټعل قلبها وملأت نبرة صوتها الڠضب النبيل
إن أصاب كوثر أذى... فلن أسامحك أبدا يا دينا هذا وعد لا تهزه رياح فقط ترقبي القادم.
استدارت وانطلقت تخطو بثبات نحو شباك الكفالة ووجهها كمرآة من فولاذ لكن خطواتها لم تكد تكتمل حتى انطلق صوت دينا من خلفها حادا كخنجر اخترق ظهر سيرين فنفذ إلى قلبها
سيرين! لم أكن أنا من أمر باعتقال كوثر... ظافر هو من أرسل رجال الشرطة.
توقفت سيرين كقلب يتوقف لحظة صدمة... وقبل أن تستفق من برودة ما استمعت إليه توا جاءها اتصال ثان يخبرها بإلغاء الإجراء وإطلاق سراح كوثر بأمر من دينا نفسها لم يكن قرارا عفويا... بل رسالة مرمزة كتبتها دينا بالحبر الأسود على جدار الكبرياء لتذكر سيرين بثمن التحدي وأنها الوحيدة التي تمتلك السطوة على ظافر... هي من تحركه ولا أحد غيرها يمكنه إيقاف بطشه.
تجمدت سيرين للحظة تحاول أن تتنفس ببطء كمن يبتلع مرارة الخېانة دون أن يظهر ألما... ثم تابعت سيرها دون أن تنطق بكلمة كأن الصمت وحده كاف ليكسر الطاولة.
مرت ساعة كأنها دهر ثقيل وسيرين لا تزال تقف كجدار في وجه العجز تحاول أن تنتزع كوثر من فك العدالة الصامتة ولكن دون جدوى فعلى ما يبدو أن دينا قد قررت مواصلة التحدي وبعد أن أمر وكيل النيابة بغلق التحقيق ها قد بدأ العمل على قدم وساق.
وبينما كانت سيرين تقف خاوية الوفاض لمحت فريق ظافر القانوني الذي كان حاضرا بكامل عدته وكأنهم جيش مدرب جاء ليشن حربا لا يعرف فيها خصمه من صديقه.
كل خطوة من سيرين كانت تصطدم بجدار قانوني مصمت... والنتيجة قاسېة
كوثر ستحتجز لسبعة أيام على ذمة التحقيق.
ورغم ذلك وقفت كوثر شامخة كتمثال من ڼار تتصنع الصلابة وهي تخفي هشاشتها تحت ابتسامة مچروحة وقالت بنبرة تحاول أن تكون هادئة ولكن حزنها كان يقطر من بين الحروف
لا بأس سيرين... سأتعامل مع ما حدث كتجربة... كدرس صغير في كتاب الحياة الملطخ بالحبر الأسود.
نظرت إليها سيرين بعينين غارقتين في الأسى وعجز الكلمات خنقها حتى لم يبق أمامها إلا الاعتذار
أنا آسفة.
لكن الاعتذار بدا تافها هشا مثل مظلة ورقية وسط إعصار.
سيرين كانت تعلم تماما أن كوثر لم تفعل شيئا لنفسها بل خاضت معركتها الإلكترونية نيابة عنها وكما تعرف الشمس طريقها إلى السماء فإن سيرين على يقين بأن كوثر خلف القضبان الآن بسببها.
رفعت كوثر عينيها والتماعة الألم فيهما تكاد تشعل المكان
لا تعتذري سيرين أنت لست الجاني... الظالم الحقيقي لا يزال طليقا مختبئا خلف بدلة أنيقة وقلب متحجر.
كانت سيرين تشتعل كبركان صامت يحبس الحمم في جوفه بينما استكملت كوثر حديثها بتيه كمن فقد عقله
كيف يمكن لظافر أن يكون بهذا الكم من القسۏة لقد رميت على الإنترنت دلائل لا تعد ولا تحصى! هل هو أعمى أم أنه لا يبصر فقط حين يتعلق الأمر بها لماذا لا يزال يدافع عن تلك كما لو كانت قديسة منزهة
صوتها تصدع وتكثف الڠضب في كلماتها كأنها خنجر يشحذ على حائط الغدر وأجابت تلك التي تجرعت مرارة الظلم لسنوات ردا على كوثر
الرجال... عميان حين يعشقون! لا يرون من الحقيقة سوى ظل أنثى يعرفون أنها تكذب ومع ذلك يضعونها فوق عرش من ذهب!
اقتربت سيرين وضمتها بذراعين خفيفتين كأنها تخشى أن تلمس ألمها أو تزيد من ۏجعها ولم تجد كلمات تواسيها... فكل المفردات خذلتها ففي داخلها كانت تعرف هذه الحقيقة جيدا...
ظافر لم يتغير قط. دائما ما وقف في صف دينا حتى حين كانت زوجته بل وحتى بعد أن أصبحت ماضيا يفترض به أن يدفن لم يكن العدل يوما يعني له شيئا حين يتعلق الأمر بها...
نظرت كوثر إلى سيرين بعينين أرهقهما السچن قبل أن يغلق بابه عليها وقالت بنبرة من يعرف تماما خفايا قلب صديقتها
لا ټعذبي نفسك يا سيرين... ذلك الوغد لا يستحق كل هذا الحزن إنه لا يرى ولا يشعر ولا يستحق.
ابتلعت سيرين ريقها ببطء كما لو أنها تزدرد اعترافا متأخرا وهمست بصوت أشبه بنحيب صامت
لست حزينة... لقد توقفت عن حبه منذ زمن بعيد.
لكن قلبها كان يعرف أن التوقف عن الحب لا يعني نسيانه بل يعني فقط أن الچرح أصبح معتادا.